في إطار الإضراب الذي قام بتنفيذه ثلة من الأطباء الشرفاء في عدة مستشفيات هامة بالعاصمة ، مع إلتزامهم بمعاينة الحالات الطارئة و الخطرة ، مرت عليَّ الكثير من المساجلات و النقاشات و الآراء ما بين مؤيِّد و معارض و منتقد لذلك الحِراك الذي إعتبرته الأغلبية حِراك ( مهني ) و صنَّفته قلة من ( الموهومين ) على آفاق المصالح السياسية و الذاتية و السلطوية النفوذية على أنه ( سياسي ) ، غير أن الواقع يقول و أياً كان تصنيف هذا الحِراك الوطني الغيور على مصالح البلاد و العباد ، أنه و على يبدو هناك شعلة أمل تشرق من جديد في جسد الحقل الطبي الحكومي الذي إنهدمت أعمدته و هياكله الإدارية و الفنية بفعل من يدفعون بكل الخدمات المُلِحه للمواطن السوداني مستنقعات الجشع التجاري و الكسب الرخيص على حساب الكادحين و البسطاء من أهل هذه البلاد التي تستحق منا كل التضحيات ، أقول إن مطالبة الأطباء في السودان بتحسين البيئة الصحية و المهنية بالمستشفيات الحكومية و رفدها بالمعدات و الأدوات و الأجهزة و المعينات و الأدوية و العلاجات الأساسية للحالات الطارئة و المستعجلة ، هو في حقيقة الأمر مطلب (فني ) بحت و لا تبدو عليه أي شائبة من شوائب العمل السياسي ، و هو في حقيقة الأمر ( دعم ) و ( كفاح ) و ( نضال ) واضح المعالم و ساطع الصورة لقضية المواطن المغلوب على أمره و غير القادر على دفع تكاليف العلاج في المستشفيات ( المخملية ) التي إستشرى إوارها و نافست الأسواق المركزية و ( المولات ) التجارية الفخيمة التي لا يرتادها إلا أولي النعمة من المنتمين بصورة مباشرة أو غير مباشرة لركب النافذين و القابضين على مقدرات و ثروات هذا الوطن المكلوم ، الذين أحتجوا من شرفاء الأطباء و الطبيبات على حالة الفوضى الإدارية و التجفيف المستمر للتخصصات الأساسية و التعليمية في مستشفيات العاصمة و حالة الفقر العام التي ألمت بمستشفيات القطاع الحكومي عبر إنهيار منظومتها الفنية من أجهزة و معدات و معامل و أدوية أساسية هم في حقيقية الأمر يرفضون وقوفهم في ساحة العجز ( مكتوفي الأيدي ) في مواجهة ما يعانيه المواطن الذي يقصدهم و في جوانحه أملٌ و ثقةٌ في أن معاناته ستزول بين أيديهم ، لأنهم ملَّوا رؤية المرضى من غير القادرين يحتضرون أمام أعينهم و ليس في سعتهم أن يقدموا لهم أبسط ما يمكن تقديمه من خدمة طبية ، من هذا المنطلق لا مجال للحديث عن ( حِراك سياسي ) في أمر جُله مطالب فنيه بما فيها معالجة الحالة المهنية للطبيب و الطبيبة السودانية من حيث المقابل المادي و الدعم المعنوي و اللوجستي و الخدمي ، تخيلوا إستراحة طبيبات الطواريء بمستشفى أم درمان و البالغ عددهن 200 طبيبة في الوردية الواحدة عباره عن عنبر مجهز بعدد (20 ) سرير ، كيف لهن أن يقُمن بواجبهن على الوجه الأكمل ، إن تصحيح أوضاع الحقل الطبي الحكومي تبدأ ( بإحترام الذات المهنية للطبيب ) ثم بعد ذلك تأتي بقية الشروط و المواصفات ، فإذا فرَّط الأطباء في حقوقهم المهنية لم يكن هناك مفر من تفريطهم في حقوق المريض .. هذه هي المعادلة بكل بساطة بلا مواراة و لا تجميل و لا مجاملة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة