بعض القيادات والأحزاب أزعجها خبر الرفع الجزئي للعقوبات الإقتصادية التي تفرضها أمريكا على حكومة السودان منذ العام 1997م.وهو إنزعاج مثير للتعجب،لأن فرض العقوبات لا يشكل مصدراً لقوة المعارضة أو سبباً للتعجيل بإستقاط النظام،من ناحية أخرى هو إجراء لا يضعف النظام الحاكم ،ولكنه يضر بمصالح الناس.فعندما اسقطت الجماهير المصرية نظام مبارك (2011) لم يكون نظام مبارك يعاني من عقوبات خارجية أو حصار مفروض عليه من أمريكا-بل كان يتلقى الدعم المالي والعسكري من أمريكا بموجب إتفاقية كامب ديفيد..الجماهير التونسية(2010)،قبل المصرية،فجرت ثورتها وأطاحت بنظام زين العابدين بن علي الذي كان حليفاً قوياً لفرنسا وأوربا وعلى وفاق مع أمريكا. الشعب السوداني في ثورتي أكتوبر (1964) وأبريل(1985) اسقطت نظامي عبود ونميري بالإضراب السياسي والعصيان المدني والتظاهرات والمتاريس التي يشيدها الشعب...حنئذ لم تكن أمريكا أو غيرها تفرض أو تحاصر أي من النظامين المسقطين. في سرد من أزعجهم القرار تضمنت لغة الأمام الصادق بعدم الرضى المشوب بحريض الخارج للإبقاء على العقوبات!:(وأكد المهدي أن كل القرارات التنفيذية التى اتخذتها الإدارة الامريكية الحالية ستخضع للمراجعة على يد الرئيس الجديد في العشرين من يناير .... "-سودان تربيون 14 (يناير) 2017-.ولكن رئيس حزب الأمة اللواء فضل الله برمة ناصر قال:(الخطوة "تنفيذية طيبة في سبيل تحسن العلاقات بين البلدين، وتستوجب التزام الحكومة في السودان بأن لا تتدخل في صراعات مع الدول الكبرى والصغرى". والمتحدث باسم الحزب الشيوعي السوداني فتحي فضل قال:القضية تبدو أكبر من تأكيد عقوبات او إلغائها، وتابع " لأن الإدارة الاميركية ظلت تاريخياً تفرض عقوبات يتضرر منها المواطنين وليس السلطات الحاكمة". الذين يعتقدون أن الحصار والعقوبات سوف تسقط النظام،يتجاهلوا ما يولده الضغط الخارجي من اصطفاف وجداني وحركي ضد التدخل الأجنبي،وهذا شعور عام لا ينطلق من أي موقف فكري أو سياسي ولكنه شعور خالي من لُدد الخصومة.فمهما تزين الخارج بشعارات محببة تمثل مطالب التحول والتغيير..فتجارب الشعوب في المنطقة ماثلة أمام الجميع:العقوبات على العراق أودت بحياة حوالي مليوني طفل عراقي جراء حصار إقتصادي دمر البلاد دام 13 سنة ولم يسقط نظام الحكم في بغداد إلا بعد غزو مسلح بقيادة أمريكا وحلفائها،ولو لا هذا الغزو والإحتلال المباشر لما سقطت بغداد ولإستمر النظام الحاكم..والتنبيه لخطورة إتكاء بعض المعارضين على عقوبات الخارج،واجب حتى نفرق بين الإضرار بالوطن وبالناس وبين معارضة النظام،وحتى لا يعتاد البعض من أطراف الصراع،على الإستنصار بالخارج والإستقواء به،ففي هذا هلاك يرقي للتفريط التام..فالصراع السياسي معترك دُولة بين أطرافه، أما الأجنبي فله مصالحه وأهدافه -خاصة فيما نعايشه في عصر سيطرة القوة على العدالة والمصالح الدولية والإقليمية. حكومة الخرطوم وظفت العقوبات الأمركية لتبرير الفشل الإقتصادي في كل مناسبة يتفاقم فيها العجز فتسوقه سبباً يبرر الإخفاق بدلاً عن مواجهة أسباب التدهور!. لن تفرط أمريكا واجهزتها-وغيرها من الدول- في الصفقات السياسية والامنية مع الأنظمة التي تعاني الأزمات..الأنظمة التي كبلت نفسها بالمعالجات الأمنية وغيّبت المنافسة السياسية لتعيش غربة الداخل واللهث خلف التوازنات الأقليمية والدولية..ونخشى أن تجد الحكومة نفسها تسير في ركب المرضِي عنهم أمريكياً حتى لا تطالها العقوبات!.وإلا لتسأل الحكومة نفسها:ماذا فعلت لكي تفرض أمريكا عليها عشرين سنة عقوبات؟ما هي السياسة الخارجية التي ترضى عنها أمريكا،وهل نسير على هديها وإن تخلينا عن الدفاع عن الحق وقيم العدل وحق الشعوب؟..المعضلة في:الكيفية التي يدرك بها النظام الحاكم ضرورة رفع العزلة الداخلية التي يفرضها على نفسه بتضيقه على الحريات ومصادرتها كاملة أحيانا.رفع العزلة بإطلاق الحرية كاملة والعدالة السياسية والإجتماعية وتحول ديمقراطي وتداول سلمي حقيقي-هذا هو الإنعتاق الأكبر و جدار الصد الأول الواقي للنظام من "فخ" الخارج...ولمصلحة الحزب الحاكم،فالإنفراد،وطول فترة الحكم،أصاب الحزب الحاكم بالإنزواء والتيبس،شأنه شأن الأحزاب التي انفردت بالحكم ثم تخبرت عند لحظات المنافسة المكافئة.الحكومة نجحت،في ظل الحصار في تحقيق إنجازات كبيرة:استخراج البترول وتسويقه-لا تسأل عن عائداته الآن- فمهما يكن فإنه إنجاز وفتحت تعاملات مع دول غير أمريكا وغير الغرب الحليف لأمريكا-الآن البديل علاقات عادية –دون هرولة أو تفريط وإرتعاش من أمريكا وغيرها-بل تعامل النِد هو الذي يفرض إحترام الدول- الشرق ،الصين وتركيا ومليزيا وروسيا....كلها منافذ للمنافسة والإستثمار،ولكن هذا مشروطاً بأن يكون النظام مسنوداً داخلياً بالديموقراطية..الحريات ..حق التجمع والتظاهر وإلاعتصام وصحافة دون مصادرة وليالي سياسية ونقابات وإتحادات حرة ..خلاف هذا التغيير السياسي،فالإنقاذ قد خبرت الحكم وانفردت به لأكثر من (27) عاماً،على الرغم من طول هذه المدة، فهم الآن فرحون برفع جزئي للعقوبات الأمريكية!وهذا يعبر عن ضعف سببه الأساسي السياسة الداخلية وتبني سياسة إقتصادية لم تُجدي أفقرت العباد،وهو طريق ظالم للوطن وللنفس،فكثيرة هي الدول التي لديها علاقات وتحالفات مالية وغيرها مع أمريكا،ولكنها تعيش الضعف وتدهور النمو وغياب العدل والجفاء مع جماهير الناس.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة