:: لولا حدث رفع العقوبات الأمريكية، لشغل أمر التشكيل الوزاري المرتقب الناس والصحف..ونخشى أن تتفاجأ الناس والصحف - وهي في سكرة الفرح برفع العقوبات - بتشكيل وزاري عريض و ( يطمم البطن).. التشكيل الوزاري القادم هو حكومة ما بعد الحوار الوطني، وكل من شاهد زحام قاعة الحوار الوطني - بأحزاب وجماعات وحركات وشخصيات لا تُحصى ولا تعد - يتوجس من حجم مجلس الوزراء المرتقب.. فالعدد المشارك في الحوار الوطني - وإن كان غير مؤثر شعبياً - كان مهولاً، ولو فاز كل حزب وحركة وجماعة بمقعد في التشكيل الوزاري القادم، يبقى ( الرماد كال حماد)..!! :: ومع الترهل، نخشى أن يتمخض الحوار الوطني ثم يلد تشكيلاً وزارياً بنهج (تجريب المُجرًب)..من جفت زراعته يذهب وزيراً للتجارة، ومن كسدت تجارته يذهب وزيراً للصناعة، ومن دمر البؤس صناعته يذهب وزيراً للتعليم، ومن أصابت الأمية تعليمه يذهب وزيراً للإستثمار، ومن حاصرالفقر إستثماره يذهب وزيراً للخارجية، وهكذا ..(ده زولي، ده زولك )، ثم آداء القسم، ثم مرحلة أخرى من الحرب والفقر وتبرير الفشل والعجز .. سابقاً كان الحظر الأمريكي تبريراً، ولن يعجزوا عن صناعة تبرير في حال أن حشوهم لمؤسسات الدولة بالموازنات والترضيات..!! :: ثم نذكرهم بقصة خالد بن الوليد، سيف الله المسلول، رضي الله عنه..لم يُهزم جيشاً قائده خالد، هكذا وثقت كتب التاريخ..ومع ذلك، بعد أن تولى أمر المؤمنين، أصدر الفاروق عمر رضي الله عنه قراراً حكيماً بعزل خالد عن قيادة جيش المسلمين رغم إنتصار الجيش في كل المعارك..قرار عزل خالد كان صادماً ومدهشاً، ولكن أبطل الفروق عمر مفعول الصدمة والدهشة في نفوس الصحابة رضوان الله عليهم بقوله : ( إني لم أعزل خالداً عن سخطة ولكن الناس فتنوا به)، هكذا حكمة الفاروق..كان راضياً عن آداء خالد، وومع ذلك عزله ليُحي الثقة في نفوس الصحابة بحيث لايذهب بهم الظن بأن خالد هو مفتاح النصر وأن جيشاً بلا خالد مهزوم :: حكمة الفاروق تلك هي المسماة حالياً في الدول الديمقراطية بالتجديد والتغيير.. ليس سخطاً على زيد من المسؤولين أو عبيد، ولكن ترسيخاً لروح القيادة الجماعية في الشعوب..نعم، بغض النظر عن سوء الآداء ومحاسبة المخطئ والمتقاعس بالعزل، فالغاية العظمى من التنافس الشريف على التداول السلمي للسلطة ومناصبها بتجديد مسؤولييها وتغييرهم - حتى ولو كانوا من ذوي الحنكة التي تصنع النجاحات وتحقق الإنجازات - هي إشعار كل فرد في المجتمع بأنه (قائد)..وليست من تربية الأجيال ونخبها وأحزابها - بقيم النهضة وفضائلها - ترسيخ ثقافة ( هذا المسؤول على كل شئ قدير)..!! :: مثل هذا الإحساس - وهو ماثل في أرض الواقع - يُجرد الشعوب وأحزابها من (روح العطاء )..مياه الأنهار تكتسب صلاحيتها من سريانها بسلاسة، وإذا توقفت عن السريان تحولت إلى ( برك آسنة)، كما مؤسسات وأجهزة الدولة التي لا تشهد تغييراً وتجديداً في قيادتها ..ثم التشكيل الوزاري القادم، تحت أي مسمى، لن يكون علاجاً لأورام البلاد السياسية التي يجب إستئصالها.. فالبلاد بحاجة إلى إستقرار سياسي أيتها (الحكومة القادمة)..وما لم يحل السلام محل الحرب، وما لم يحل التنافس الشريف - بالأفكار والبرامج والأراء- محل الصراع والإقصاء والاتفاقيات الثنائية، فلن يهنأ المواطن بالقرار الأمريكي ولا بخيرات بلاده .. !!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة