في العام الماضي كنت برفقة صديق نتجول في مدينة بروكلين في نيويورك.. دون مقدمات أوقف صديقي سيارته ثم نزل ليصافح رجلاً كهلاً كان يتوكأ على عصا له فيها مآرب أخرى.. ظننت في البداية أن الرجل من أفارقة أمريكا لكن حينما أخذت المصافحة ملمحاً سودانياً عرفت أن الضيف من أبناء بلدي.. نزلت من السيارة وحييت الرجل.. سرد لي صديقي بعضاً من قصة الرجل الأعرج.. أصيب في مكان عمله قبل سنوات ومازال يتقاضى مكافأة شهرية.. ليس بوسعه أن يسافر للسودان لفترة طويلة.. الخروج من أمريكا يُسقط المساعدة المالية. صدرت قبل عدة أشهر لوائح تنظم صرف التأمين الاجتماعي لمن فقد عمله.. اللائحة الجديدة تلزم صاحب التأمين بأن يبقى في الخدمة ثلاث سنوات حتى يتسنّى له استلام أمواله من التأمين.. مال التأمين ينتج عن إدماج التكلفة بين المخدم والعامل.. يدفع العامل نحو ٨٪.. فيما يتولى المخدم دفع ١٧٪.. يصبح في رصيد الموظف البسيط نحو ٢٥٪.. في السابق كل من واجه الفصل التعسفي أو فقد عمله لأي سبب آخر يجد ذاك المال المدخر على سبيل الاستقطاع أمامه في اليوم الأسود يُعينه إلى أن يهيء له الله فرصة عمل جديدة. فاتني أن أوضح أن إدارة التأمين الاجتماعي تأخذ نصيباً من مال العامل الغلبان.. تعتبره الإدارة بمثابة رسوم إدارية رغم أنه يشكل نسبة ثابتة زاد المقبوض أو قل.. الحقيقة الأخرى أن إدارة التأمين تستثمر هذه الأموال في بيع وشراء الأراضي وأشياء أخرى.. صندوق الاستثمار التابع للمعاشات والتأمنيات يعتبر واحداً من أسباب ارتفاع قيمة الأراضي باعتباره المشتري الأول . قبل أشهر صدر توجيه يقضي بأن لا يتسلم أي مؤمن تعويضاً إلا إذا كان قد استمر في العمل ثلاث سنوات.. التوجيه قصد به محاربة بعض الممارسات السالبة.. حيث كان البعض يترك العمل بشكل غير متسق حتى يستفيد من المال.. لهذا اعتبرت المممارسة الجديدة أن كل من يفقد عمله مبكراً نصاباً.. كما سمح هذا القرار الظالم بتدوير هذه الأموال دون أن يستحق المساهم أي فوائد.. كما تجاهل القرار الجديد عوامل التضخم التي تأكل الأموال وتقلّل من قيمتها. في تقديري أن هذا القرار ظالم وفيه ظلم لعدد كبير من الناس الذين يفقدون عملهم بشكل مفاجيء.. كان بالإمكان تجاوز السلبيات السابقة دون الافتراض أن أصحاب الحظ السيء مجرد نصابين.. كما أن حجز الأموال لفترة ثلاث سنوات يشجع أرباب العمل والعمال على الهروب من التأمين الاجتماعي.. لا أدري كيف مر هذا القرار بين يدي دولة تنادي بالعدل والإحسان . بصراحة.. مطلوب من البرلمان في دورة انعقاده الجديدة أن يفتح ملف التأمين الاجتماعي الذي أصبح دولة في دولة.. أصحاب الياقات البيضاء يتلذذون بامتصاص دماء الفقراء الذين فقدوا عملهم ومن ثم مالهم بسبب سيادة تفكير البصيرة أم حمد. assayha
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة