حينما مات اللواء طبيب أحمد عبدالرحيم خرجت من بين ثنايا الحزن ضحكة لها ضجيج.. العم أبو الفتح أوصى ابن أخته ألا يتعجلوا دفنه حينما يأتيه الأجل، وأن عليهم الانتظار على الأقل نحو ست ساعات..ثم وَاصل السرد الممتع: " خايف الملعون دا يستعجل ويدفني بباقي روحي"..كان لا يخاف من الموت ..بكل ثبات يحكي لك كيف رحل إخوته فجأة بداء القلب الذي لا يمهل..كان على استعداد أن يرتشف سيجارة ثم يرحل إلى الدنيا الأخرى . حينما تتجمع الحكايات تدرك لماذا لم يكن عمنا وصديقنا أبوالفتح يخشى الموت..ولد صديقنا في أسرة ثرية..والده الخليفة حسن متولي تنتهي سيرته إلى صعيد مصر..في نواحى الأملاك بالخرطوم طاب له المقام ..في بيت عز يمتلئ بالخيرات أبصر صاحبنا النور..حينما التحق بالبنك الزراعي في مهد الصبا كان يملك عربة صغيرة حمراء ..رحلة طويلة وممتعة تحوي آلاف الفصول قضاها الرجل بين جنبي ذاك المصرف العريق ..تدرج في الوظائف حتى وصل منصب سكرتير مجلس الإدارة. كان يسخر بهدوء من كل شيء..تخرج من جوفه ضحكة مجلجلة..يهتم بجيرانه من النصارى حتى حسبه أحد السياسيين أنه من ملتهم..الرواية يحكيها صاحبنا أنه قرأ التعجب في وجه سياسي زار مأتماً في الأملاك..والسياسي يهمس متعجباً من القبطي الذي رفع الفاتحة مصحوبة بالدعاء الصالح..في المسجد تجد شيخاً متبتلاً..كان صاحبنا يرأس لجنة مسجد الشيخ حسن متولي..يحاول أن يقف على كل صغيرة وكبيرة تسهم في راحة المصلين. قبل نحو سبع سنوات التقيت صاحبنا ذات مرة كان يجلس أمام متجره الصغير الذي لا يدر ربحاً بسبب كرمه الفياض ..بدأت أتجاذب أطراف الحديث الممتع في علم الاجتماع مجال تخصصه..قبل أن يكمل المتون حضر إلى المجلس اللواء محمد عبدالرحيم، ثم القاضي الطيب محمد الطيب..ثم أجيال أخرى. الصادق الرزيقي، ورحاب طه، والتيجاني المشرف ..يتمدد المجلس أحياناً ليشمل رجالاً في قامة البروفيسور مالك حسين، والفريق صلاح قوش، والوزير محمد أبوزيد..بعد فترة قصيرة شعرت أن وزني قد زاد بسبب كرم هذا الرجل. كان صاحبنا قارئاً نهماً للصحف..يحتفظ في أرشيفه بكل المواد التي تعجبها ..كانت تشغله دائماً قضية بنك السودان مع متقاعدي البنوك الحكومية..ملخص القصة أن بنك السودان رفض الالتزام بدفع مخصصات ما بعد المعاش للذين أفنو زهرة عمرهم في خدمة البنوك..لا أدري كيف سينام الذين وقفوا وراء ذاك القرار الجائر..الأغرب أنهم حصدوا المليارات حينما أتاهم المعاش بعد سنوات من الإقامة في المترع الخصيب. الآن أدركت لماذا لم يخش صديقنا وعمنا أبوالفتح حسن متولي الموت..لأنه لم يسرف في الحياة على قول أديبنا الراحل الطيب صالح..لم يسرق مالاً حراماً، ولم يظلم إنساناً ..عاش كل أيامه ببساطة متناهية. assayha
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة