حزب المؤتمر الوطني هو في الحقيقة الإبن المدلل (لمؤسسة الدولة) ، ولكي يكون قادراً على مُجابهة تيارات العمل السياسي في المستقبل إذا أنعم الله على البلاد والعباد حكماً شرعياً ديموقراطياً يُبيح التعددية والتداول السلمي للسلطة ، فهو أي المؤتمر الوطني يحتاج إلى (الإستعداد) والتدريب على تحمُّل آلام (الفطام) من رضاعته في ثدي الدولة ، ولأجل هذا اليوم يجب أن يُقيِّم المؤتمريون تجربتهم الكادرية والتنظيمية وكذلك مستوى الأداء العام للحزب من منطلقات حيادية يجب أن تحتوي (خصماً) واضحاً وجريئاً وعادلاً لما تم بنائه في التنظيم أو تسييره عبر أدوات غير شرعية وغير مضمونة الدوام ، أهمها المال العام وإستغلال النفوذ وصلاحيات السلطة وإتخاذ القرار ، وللحقيقة فإن رؤية مُبسطة ومنطقية لأمر إستحواذ حزبٍ ما على السلطة بلا كوابح ولا مراجع ولا رقابة (خارجية) كما توفره أدوات الهيكل السياسي الديموقراطي ، تجعلنا لا يمكن أن نصدِّق بواقع مجريات قانون الطبيعة أنه قادر على كف يده عن موجودات مغرية ليس لأحدٍ الحق في منعه عنها ، فما الذي يجعل حزباً مستمسكاً بالإنفراد بكل مغالق الأمور في بلدٍ ما أن يقف (محروماً) أو محتاراً في ما يتعلَّق بضيق ذات اليد في بنائه وتسييره كما تعاني الأحزاب الأخرى في ضفة المعارضة ، ثم إن الإنفراد بالسلطة قد مثَّل فرصةً عُظمى لا أظن منظروه وحكماؤه لم يستغلوها في مجال توسيع بنيته الإقتصادية عبر الكثير من المؤسسات والشركات والبنوك الخفية التي تتخذ أسماءاً وعناويناً شتى ، غير أنها في رأيي سوف لن تفيد في المستقبل لأنها ستضطر أن تكون ماثلة لضوابط القوانين واللوائح والنُظُم ، التي لم تتعود المثول أمامها سابقاً بفضل ما إستفادت منه حلول ومعالجات (فوقية) لمشكلاتها طالما ما تم إتخاذها من منطلقات (إنتمائية وتفضيلية بحتة) ، لذا فإن (الفطام) يجب أن يشمل أيضاً المؤسسات الإقتصادية (غير المرئية) لحزب المؤتمر الوطني حتى يكون جاهزاً في المستقبل إلى المصارعة في حلبةٍ سياسية ستتسم بالحيادية والمساواة وتحريم المال العام وأدوات وقوانين الدولة ، لكن السؤال الذي يبقى قائماً فحواه ( إلى أيي مدى يمثل الإتجاه نحو إعتماد الحزب على نفسه في البقاء سيؤثِّر على منظومة المصالح الشخصية للنافذين فيه ؟ ) .. هنا تكمن مشكلة المشكلات فالمد المصلحي الذي يمثل تكالب النافذين وبعض المصلحيين الجدد نتاج ( إنبساط ) أمر الموارد الرسمية بلا ضابط ولا كابح طالما تعلَّق الأمر بمصالح الحزب الحاكم قد أدى إلى إختلاط ما هو نظامي ورسمي بما هو شخصي وإنتمائي وتنظيمي ، وهو نفس السيناريو الذي كانت وما زالت تعاني منه الخدمة المدنية جراء التمكين السياسي ، فأصبحت مؤسسات الدولة ودواوينها في صراعٍ و خلط بين ما هو إداري وفني وبين إرادة الخلايا التنظيمية السياسية للحزب داخل المؤسسات ، مما أدى إلى إنهيار الكثير من المؤسسات والمشاريع الوطنية القومية التي طالما عددناها في مقالات سابقة غير أن أهم أسبابها تشريد الخبرات وطردها خارج المنظومة التنموية ، والتعيين على أساس الإنتماء وليس الكفاءة و القُدرة .. يا أهل الحكمة في المؤتمر الوطني (إفطموا) هذا الكهل المُسِن .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة