١ تقدمة يرى بعض الفلاسفة المتأخرين من من لم يقولوا بالإلحاد مثل كانت و ديكارت ، أن الدين ضرورة و مكون حضاري هام ، ضرورة لتفسير ظاهرتي الخير و الشر .. و يرى أغلب الفلاسفة أن نظرية النشوء و التطور تنطبق أيضاً على الدين .. حيث أن الدين الذي لا يتكيف و يتطور مع العصر .. هو دين معرض للفناء و ينطبق عليه ما ينطبق على الكائنات حسب داروين .. الدين المسيحي تعرض لهزات لاهوتية عنيفة جداً .. و لكنه أستطاع امتصاصها عبر تطور مطرد منذ الاعتراف بنظرية كروية الارض حتى تكيف المسيحية مع الداروينية و القول بأن آدم و حواء ربما أمثولة مجازية .. الدين المسيحي ظل يتحايل على الحضارات و المعرفة عبر العصور و يتطور حسب متطلبات كل عصر .. لذلك نجد أن الكنيسة التي كانت تحتكر العلاقة مع الرب و تبيع صكوك الغفران .. و تعدم العلماء و تخوزق الفلاسفة و المخترعين .. أصبحت راعية للعلم و العلماء و أصبحت تخصص أموالاً للبحث و المعرفة و انحنت للعاصفة و تكيفت مع العصر لدرجة أن جاليلو و جوردانو برونو أقيمت لهم تماثيل في الفاتيكان .. أرخت الكنيسة قبضتها على الحياة العامة مجبرة لتحيا الديانة المسيحية حتى اليوم .
الفيلسوف الهولندي من اصل برتغالي - يهودي - باروخ إسبينوزا - أسس في القرن السابع عشر و في وقت مبكّر جداً - لعلم نقد الكتاب المقدس و رغم انه تعرض لمحاولة طعن من احد اليهود المتطرفين ، إلا أنه فتح فتحاً عظيماً جعل من الأديان الإبراهيمية الانتيكية المنشأ الثلاث مواداً للدراسة و التحليل و النقد ، و حين كتب تقي الدين ابن تيمية كتابه عن النقل و العقل كاد أن يسبق إسبينوزا الى انشاء علم نقد كتاب مقدس إسلامي خاص ، الا ان الحروب الصليبية شغلته بالدفاع عن الدين بدلاً عن السير في طريق مبحث العقل و النقل و النقد و التحليل ، و هذا الانقطاع صنع قطيعة لاتزال سارية مفعولها حتى عصرنا هذا . و هو ماجعل التأسيس لعلم نقد الكتاب المقدس الاسلامي ينشأ بعيداً عن المشرق العربي الاسلامي و يبدأ فعلياً عبر مؤلف المفكر الألماني الشهير - ثيودور نولدكة و الموسوم ب - تاريخ القرآن . على كل المسلمين قراءة تاريخ الاسلام لنولدكة ، فهو يقدم خدمة جليلة للإسلام ، حيث أنه يستعرض النص القراني في إطاره التاريخي من حيث كونه نص بعيداً عن قداسته التي أوقفت حركة العقل لصالح النقل . و بعد سنوات طويلة من مبادرة نولدكة و حالة الجمود العربي و الاسلامي و اكتفاء المفكرين الإسلاميين بالتراث الانتيكي الاسلامي و التأسيس عليه متمثلاً في اعمال إبن اسحاق و البخاري و مسلم ، تحرك ركود علم نقد الكتاب المقدس مرة اخرى في الغرب ، عبر مؤلفات باتريشيا كرونة و مايكل كوك التي توجت بكتابهما - الهاجريون - و الذي تعامل مع التاريخ الاسلامي بعيداً عن الموروث الانتيكي و اعتمد على علم الأركيولوجي و المخطوطات و النقوش و العملات و كتابات المعاصرين من الرومان و الفرس و اليونان ، و من ثم وضع مقاربات بين النص المقدس الاسلامي و النصوص التاريخية و البحوث التي اعتمدت على منهج تاريخي و علمي . علم نقد الكتاب المقدس .. هو علم يتأسس على الأركيولوجي و النظرة العلمانية المحضة - العلمانية بفتح العين اعني - و هو ما سيتيح استجلاء حقيقة الاسلام و الكتاب المقدس الاسلامي بعيدا عن نصوص الانتيكا و بعيداً ايضاً عن التشكيك كمنهج يعتمد على فكرة فلسفية منبعها البحث عن تصالح مع الدين و الإيمان و ليس البحث عن الحقيقة المجردة و من ثم تأسيس الإيمان عليها او تأسيس فكرة رفض الإيمان ايضاً .. أن نقد القرآن كنص بعيداً عن القداسة التي تجعله نصاً كاملاً متكاملاً إلهياً مطلق الصحة .. قد حدث بالفعل و هناك مؤلفات كثيرة كتبها علماء و متخصصون في بريطانيا و ألمانيا و غيرها من دول الغرب .. و هنا كنت قد اشرت الى نموذجي الألماني نولدكة و البريطانية باتريشيا كرونة و زميلها مايكل كوك .. هؤلاء ايضاً من خلفية إبراهيمية كتابية و كذلك إسبينوزا .. لكنهم استطاعوا التعامل مع الكتب السماوية كنصوص و أخضعوها لنقد علمي محض .. ما أودّ قوله باختصار : هل هنالك امل في ان يتم الرد على هذه الأبحاث بشكل علمي ؟ أم أننا سنظل نتعامل مع القرآن كنص غير قابل للدراسة باعتباره مقدساً فقط ؟ و هل ايماننا المطلق بنزاهة النص القرآني عن كل عيب و نقص كما يقول ديننا .. يدفعنا الى الهروب من حركة نقده التي عمل عليها عشرات العلماء ؟ ام ان ثقتنا في معتقدنا يجب ان تدفعنا الى خوض هذا التحدي ؟
03-02-2017, 10:53 PM
محمد على طه الملك
محمد على طه الملك
تاريخ التسجيل: 03-14-2007
مجموع المشاركات: 5592
أعتقد أن معارف الناس كما عجلة التاريخ لا تعود القهقري .. القرأن نفسة يؤكد ذلك المعنى بنص آمر في قوله تعالى : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ *عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ *) .. هذه بشرى ووعد قاطع من الله لعباده بانهم سوف يتعلمون ما لا يعلموه بالقلم ولا شيء بعده .
03-06-2017, 08:09 AM
كمال علي الزين
كمال علي الزين
تاريخ التسجيل: 11-14-2006
مجموع المشاركات: 13386
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة