لم يكن يوماً عادياً في جامعة استون بلندن.. محقِّق في شرطة اسكوتلاند يارد جاء يبحث عن الباحث السوداني إسماعيل حسين المتخصِّص في أبحاث زيت الخروع ليُعينه في حل اللغز.. القصة بدأت حينما تحسَّس جورج المعارض البلغاري فخذه إثر اصطدامه برجل يحمل مظلة واقية من المطر.. اكتشفت أجهزة العدالة البريطانية بعد عام من الحادثة أن المعارض البلغاري الشرس مات مقتولاً بِسّم الخروع.. كانت تلك بداية لأبحاث عالمية عن تطوير في سلاح الخروع القاتل. حينما تعود عقارب الساعة إلى العام ١٩٦٥ كانت دفعة جديدة من الطلاب تلج إلى جوف جامعة الخرطوم.. جعفر ميرغني الذي سيصبح رجلاً يشار إليه بالبنان يصلي بالناس أمام إحدى الداخليات.. جعفر يؤانس الشاب إسماعيل القادم من مدينة عطبرة ويحكي له عن سيدة أمية حفظت خمسة أجزاء من القرآن الكريم.. وإسماعيل يقرِّر أن يحفظ القرآن كاملاً.. تتحقق الأمنية في بضع سنوات وبعدة روايات.. إسماعيل يصبح إماماً في المسجد الصغير في مجمع سكن الطلاب.. لاحقاً ينتهي الحلم ببناء مسجد جامعة الخرطوم. حينما انتهى إسماعيل من تحضير الدكتوراه فكَّر في العودة إلى أهله..هنالك من استهوتهم الحياة الصاخبة في بلاد تموت من البرد حيتانها.. بعضهم انتسبوا لتلك البلاد واتخذوا من بنات الفرنجة زيجات ودون ذلك.. عاد إسماعيل أستاذاً بجامعة الجزيرة في العام ١٩٨٢.. لم يغادر الجامعة إلا في دورات أكاديمية قصيرة.. باتت مدينة مدني كل حياته.. لم يكن سعيداً باختياره مديراً لجامعة الجزيرة.. مثله لم يكن يسعى للمناصب.. ما أن انصرفت عنه السلطة وبريقها عاد باحثاً في معهد نوبري المتخصص في أبحاث الزيوت بمدينة مدني. حينما تسأل البروفيسور الرقيق عن أسرته الصغيرة والتي حققت نجاحات كبيرة تهطل دموعه لتغطي لحيته البيضاء.. الشيخ الوقور يتذكر فلذة كبده محمد الذي استشهد في غابات الجنوب قبل سنوات طويلة.. لكنه يعود جاداً ليتحدَّث عن الفرص التي أُهدِرت عقب زيارة مهاتير محمد للسودان في العام ١٩٩٨.. حكيم ماليزيا أوصى السودانيين بزراعة زيت النخيل.. يحدثنا البروفسور حسين عن كل نخلة زرعت في أصقاع السودان الكبير.. يتأوه الشيخ حينما يرى الحصاد مجرد هشيم تذروه الرياح. أمس زرت في معية بعض الزملاء البروفسور إسماعيل حسن حسين في صومعته بمعهد نوبري.. بعد أن قضينا وقتاً مرّ بسرعة سألت نفسي عن رجال ونساء بزهد هذا الرجل العظيم.. هؤلاء اختاروا بمحض إرادتهم أن يعيشوا بعيداً عن الأضواء.. كل واحد من هؤلاء قصة نجاح جديرة بالاستلهام في مثل هذه الأوقات حيث ذبل كل شيء وتغيّر طعم كثير من الأشياء. بصراحة.. حينما خرجت من صحبة الرجل الذي مازال يحلم بمستقبل سعيد، ملء جوانحي بعض الأمل.. بإمكان أبناء بلدي أن يحققوا النجاح كما فعل إسماعيل حسن حسين. assayha
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة