كلما تمايزت أطراف الصراع، أُتيح (موضوعياً) إماطة اللثام عن الوجه السياسي للموقف، ففي الغارة التي وقعت من الشيخ حمد ودّ الترابي ضد قائد جيش سلطنة الفونج. كان التمايز في أن القائد سلمان ، لجأ إلى أولياء آخرين، تحصن منهم بالأحجبة والحروز ليشكل بها غطاءً روحياً يحميه من غضبة ودّ الترابي. كان غريماً، يمثل سلطة سياسية لها موقف اجتماعي وروحي، يعبر عنه كقائد الجيش، دون فصل بين ذاته ووظيفته.. فقد قال لجنده: (بعد هذه الحروز ما يقدر يصلكم). وجمع قائد الجيش الفقراء من نواحي منطقة (ألتي) الحالية، وطلب منهم كتابة الأحجبة والحروز، وهي مجموعة من الآيات القرآنية والأدعية كالسبع المنجيات والحصن والحصين، لتسخيرها كأداة روحية ضد الإرادة الجماهيرية وممثلها.. للذين يستهويهم الحديث عن أن التاريخ يعيد نفسه، يمكنهم النظر إلى هذه الحادثة على أنها الفصل القديم المتجدد من مفاصلة الترابي الشهيرة عن الانقاذ! تلك كانت أعلى قمة مفاصلة بين شيخ وحاكم في ذلك العهد .. كان القائد موقناً أن الأداة الغالبة هي أداة الروح، لذا فهو الباحث عنها عند أولياء آخرين ضد (شايب الصوفية أبو سماً فاير).. بلغ الغرور بالقائد أن اطمأن إلى صولجانه وأداته الروحية المجلوبة من أولياء آخرين، ليواجه بها ولياً أغرق من قبلُ سنار، وأنام الخرطوم ورأى (ما تحت الطبق)! هكذا وُصِف ود الترابي في زمانه! كانت نتيجة الصراع هي غلبة الولي ــ الشيخ حمد ــ على ممثل السلطنة حيث قُطع رأس القائد ويده، ولم تغنِ عنه حروزه شيئاً.. هذا نموذج للغارة بين الأولياء، بمشاركة أطراف (سياسية) أو وسطاء ، أو مشاركين في ذات المعركة.. وكذلك تُنسب إلى الشيخ علي ود الحاج بلال رواية إغارته على العاصمة سنار، وإشعاله النار فيها، لأن سلطانها رفض النصح وإقامة العدل.. تقول الرواية إن الشيخ علي سار بعد ذلك راجلاً من صعيد سنار وحتى ديار الشايقية، لا يخشى أحداً، ولا تلحق به خيول جند السلطنة.. في نواحي سوبا ينغمس الشيخ علي ود بلال في حلقة ذكر، وأثناء المديح والذكر يرى المادح أن الزائر الغريب قد (طال واستطال)، فيحاول ببراعة المادحين أن يذكره بقواعد الأدب في حمى الآخر، فينشد خلال المديح بهذا النظم: (صنقر أقعد يا ضيف.. سلمان لا يلفاك بي سيف).. كان سلمان ولياً من أولياء تلك النواحي، والإغارة من جانبه واردة لأن الداخل إلى الحمى قد تجاوز الحدود دون حساب ودون استئذان. وجاء رد الزائر الغريب على المادح في ذات السياق المنغم قائلاً: (متلي العندو الفرسان.. ما بيلقاه سيف سلمان.. صنقع شوف الرجال)، قالوا.. (فلما شخص المادح ببصره إلى السماء وجدها قد ملئت خيلاً بيضاً عليها فرسان ذوو جلابيب بيض في أيديهم صفائح من سيوف بيض)، أنظر: مجلة الفيض، العدد (1)، ص (99)، هنا جنح الراوي إلى استنطاق أبطال الحدث فأنهى المنازلة الوشيكة بسلام في أجواء التسامح، ليكتفي صاحب الأداة الروحية الغالبة باستعراض القوة فقط.. ويؤخذ على مثل هذا لنص أن رواته جنحوا إلى التمني والتحدث بلسان البطل وممارسة الإسقاط باسمه، لقول ما يراد له أن يكون، وهذا المأخذ هو آفة من آفات الشفاهة التي فتحت الباب لاتهام التجربة الصوفية إجمالاً.. akhirlahza
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة