الفنان المحترم حمد البابلي ، رأيته من بعيد أول أمس الإثنين بالنادي العائلي ، إبان مجريات منتداه الإسبوعي الراتب و الذي كان بمناسبة إحتفالية صحيفة الدار لفوزها بجائزة الصحيفة الأكثر توزيعاً في السودان ، و لمن لا يعرفون حمد البابلي هو فنان موهوب و ذو صوت شجي و صاحب تطريب عالي و يُعتبر ( أُستاذاً ) بالنسبة إلى مُدعي فن الغناء اليوم و الذين هجموا على الساحة الموسيقية كالجراد حتى كدنا نصمُ آذاننا من فرط الأذى ، و كما تأذى المستمع السوداني الرفيع الذوق من أنصاف المبدعين و أدعياء مهنة الغناء كذلك تأذت و تعثرت مسيرة تطور الأغنية السودانية كونها فقدت الكثير من مبدعيها الحقيقيين الذين ما زالوا يأنفون التسكع أمام مباني الإذاعات و الفضائيات و المنابر التي أصبح معظم قادتها ومديريها بفعل سياسات التمكين التي أرستها دولة المشروع الحضاري الوهمي لا يعرفون و لا يفقهون الأبجديات الحِرفية في مجال تقييم ما هو صالح و ما هو طالح في شتى أنواع الفنون و في مقدمتها فن الموسيقى و الغناء ، لذا تجد أصحاب الصِنعة الحقيقيين و مالكي ناصية الإبداع الأصيل قابعين بعيداً في بيوتهم أو في غربتهم ينظرون إلى ما تقدمه الأجهزة الإعلامية في هذا المجال بعين الوجعة و الذهول ، نعود إلى أخينا حمد البابلي الذي قاده الحظ السيء ذات يوم إلى تسجيل أغنية لتلفزيون السودان في منتصف الثمانينات ، ومطلعها يقول (حم .. حم يا حمام / شتتا ليك سكر) .. حينها كانت الصحافة حُرة و كانت المعايير حقيقية وعادلة و المُكلفين بحراسة الذوق العام و حماية تاريخ الأدب الغنائي السوداني أكثر صدقاً مع نفوسهم قبل صدقهم تجاه المستمع السوداني ، لكل تلك الاسباب قامت الدنيا و لم تقعُد ، ودبجت الصحف حملة غاضبة و جسورة شابتها روح المبالغة وغياب سمة التسامح والعمل بمبدأ منح الفرص لأكثر من مرة حتى يتم التأكد بإنعدام الأمل في الإصلاح ، و نتيجة لتلك الهجمة الشرسة قُضي على صاحبنا حمد البابلي و على مشروعه الفني بأداة النقد الصحفي الفعّالة رغم إيماني بأنها قد شابها نوع من التسرع و الفجور ، الآن إنظروا إخوتي وتفكَّروا في مطلع الأغنية التي قضت على مشوارحمد البابلي قبل أن يبدأ ، ستجدونها بلا مبالغة عادية و محترمة و ذات مغذى بالنظر إلى هرطقات الغناء الهابط الذي ساد في غفلةٍ من (مشروعنا الحضاري السمعي و الموسيقي و الأخلاقي) .. و للتذكير فقط ما عليك سوى إمتطاء أيي حافلة مواصلات أو الوقوف قرب أيي كافتريا بالسوق العربي أو الشعبي لتنحشر في أذنك قسراً وإجباراً مطالعاً غنائية صاخبة من أمثال (راجل المره ده حِلو .. حلا) أو (الفي ريدو فرَّط دقس .. يجي غيرو يعمل مقص) .. ولا حياة لمن تنادي إذا سألت عن المسئول عن حماية الذوق العام و البيئة السمعية فلا وزارة الثقافة في الخط ولا لجنة المصنفات الفنية تلتفت ، ولا حتى جمعية حماية المستهلك يرتفع أآفاقها لحمايتنا نفسياً من هجمة تلك الترهات المعزوفة .. صحيح كل شيء إنقلب إلى ضده في هذه البلاد .. وكل جميل يهرول هرولةً نحو مزابل القباحة .. ما كنا نظنه بالأمس مذمة أصبح اليوم فضيلةً تسمو بآلة الفساد العام التي إستشرت بإدارة الكبار من أصحاب السطوة و النفوذ .. وإذا كان رب الدار للدف ضارباً .. فلماذا لا( يفسد) آذاننا الغناء الهابط (حقك علينا يا حمد البابلي).
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة