لو نظرنا الى بعض الثورات التي انتظمت المنطقة في السنوات الاخيرة نرى حقيقة قد تكون مشتركة بين معظمها فكل الثورات مرت بمراحلها التصاعدية بعد ان استوفت كل اسبابها المنطقية فالتردي المريع في كل مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والخدمية وغيرها الذي كانت تعيشه تلك البلدان كان قد تجمع عند فوهة بركان الغضب فكان لا مناص من ان ينفجر لتأتى حممه على اليابس و الاخضر . برغم ان شعوب تلك البلدان تعتبر من الشعوب الفقيرة جداً في تاريخ الثورات بل والمعدمة تماماً . إذا ما الذي جعلهم يخرجون وتقاعصنا نحن بما عرف عننا بتاريخنا الثورى الوضئ ؟ هل يعود هذا الى اضمحلال الوعى الثورى عندنا ام يعود الى اسباب موضوعية اخرى لم نجد سبيل لتعريفها ومن ثم تشريحها ووجود الحلول لها ؟ لو عدنا لتحليل شخصية مواطن تلك البلدان والمواطن السوداني سنخرج بخمسة اضاءات ستساعد في فهم وضعنا الحالي . - عدم وضع اهداف للحياة . - انعدام المنهجية والتخطيط الاستراتيجي - عدم الاعتدال والالتزام العاطفي. - الاتكالية والاعتمادية . - اهدار الموارد . 1. عدم وضع اهداف للحياة :ـ لعل من اهم مقومات النجاح ان يضع الانسان هدفا او اهدافا يطمح لتحقيقها وفق استراتيجيات وخطط صارمة وقوية يلتزم ويرتبط بها عاطفيا واخلاقيا للدرجة التي تصبح معها كالروتين يجيده من غير الالتفات اليه حتى ، والابتعاد عن الاتكالية المحضة والاعتماد الكلى على موارد ومصادر تعينه لتحقيق هذه الاهداف . للاسف الشديد نجد السوداني شخصية غير طموحة لا اهداف لها ولا آمال . في حين ومن خلال معايشتنا لبعض شعوب هذه البلدان المغتربون معنا نندهش كيف ان للواحد منهم هدف محدد وضع له خط زمني واستراتيجة معقولة لتحقيقه تجده لسنوات لا يحيد عنها ، متى ما وفقه الله في تنفيذها نجده عاد لبلاده سالما غانما بينما والكثير من السودانين الذين جاءت بهم الغربة محض صدفة او عاطفة نجده قد بتر حياته على حين غرة وجاء لغربة لا هدف من وراءها اللهم الى كلمة مغترب. واذا اعتبرنا الثورة هدف لكل الشعب السوداني برغم انها فرضت عليه فرضا الان، لماذا لم ننجح للان في تحقيقه ؟ سنعرف ذلك من خلال تناولنا لبقية النقاط . 2. عدم المنهجية والتخطيط الاستراتيجي :- من اهم الفوائد الجانبية لوضع الخطط والاستراتيجيات الطويلة للتحقيق هدف بعيد المنال انتاج شخصية متزنة اخلاقيا وعاطفيا قل مما تتأثر بالمؤثرات الآنية والاحداث العارضة ويستحيل ان تحيد عن التزماتها هذا الا بالحد المعقول الذي من شأنه رفد الكليات النهائية بعوامل النجاح وهذا ما نراه بالضبط في شعوب هذه الدول التي كللت ثوراتها بالنجاح ، اما السوداني فان الفوضى هي ما تشكل حياته في كل مراحلها وقلة الصبر هي ما يميزه وانفلاتاته العاطفية هي ما تقرر عنه في كثير من الامور المصيرية . لهذا نجده هشاً تقصم ظهره اول هبة رياح لانه ببساطة لم يتربى على فلسفة الالتزام بخطة او فنقل خطط طويلة المدى لحياته يحقق بها اهدافه وتبني شخصيته . 3. عدم الاعتدال والالتزام العاطفي :ـ ونحن نقصد بهذا الاعتدال تحجيم عاطفة النفس ومعروف المهالك التي توردها النفس بتربيتها على الصبر وبناء خط عاطفى لا هوج ولا فوضى فيه لا يتأثر ويتخبط بالمؤثرات اللحظية العابرة ، بل يتمرحل ويتطور مع مقتضيات المرحلة ومتطلبات المقاصد . والسوداني الذي عرف بعاطفته الهوجاء كثيرا ما تأخذه هذه العاطفة لتمزقه شذر مذر ورأينا كيف ان السوداني صار مضحكة الشعوب في الغربة هنا نتيجة لاحتكامه لعاطفته وكيف ان كثير من الناس صاروا يستغلون هذه العاطفة فيه بمجرد تدبيجه ببعض الصفات والالقاب الجوفاء ومدحه بما ليس فيه لتحقيق مأربهم . عاطفته نراها جليا في خلقه عداوات غير مبررة مع مدراءه والتعنت الغبي الذي يواجه به تنفيذ قرارات رؤساءه في العمل وفهمه المغلوط لعلاقته برب عمله فهو دائما ما يضعه نديد له يعامله في كثير من الاحيان كما يعامل اصدقاءه و اخوانه في البيت وكل هذه الشعوب برغم التزامها الصارم بالعمل لها وعي اجتماعي وعاطفي معتدل تتفهم به عدم موضوعية مثل هذه العلاقات فتنأى بنفسها عنها ولا تحاول ان تصادم في كثير من القضايا الانصرافية بعكس السوداني الذي تجده في العمل متبنياً لكل القضايا التي تعنيه والتي لا تعنيه . ومرد كل هذا لطبيعته العاطفية المحضة المتقلبة التي تصور له الاشياء بمنظور عاطفي مخل ومربك جداً . سنعود لنشرح تأثير هذه الشخصية العاطفية في انكفاء الثورة وعدم قيامها لاحقاً عندما نشرح الموارد والمصادر . 4. الاتكالية والاعتمادية :ـ أسوأ ما يميز الشخصية السودانية اتكاليتها واعتمادها على الغير في تسيير كثير من شؤونها ولعل لهذا سبب ، مصدره التربية المتقدمة منذ الصغر في البيت حيث تواجه كل طلباته بالقبول ولا يرفض له طلب . وهذا المسلك من شأنه ان ينتج لنا شخصية غير فاعلة نرجسية ومريضة تعتقد ان من حقها ان تطلب ما تريد وينفذ لها كل طلباتها من غير جدال . نحمد الله ان عاش الشعب السوداني في نعيم لاجيال قبل ثورة الانقاذ كان لها اكبر الاثر في تشكيل كثير من وجدانيات الشعب السوداني لعل هذه من اسوأها حيث عاشت الاجيال التي قبلنا في نعيم الوالدين والاسرة الممتدة وتحت كنف الاجداد والجدات مما اصاب بورة الاحساس بالمسؤولية فيهم كثير من الميوعة ورثوها للاسف للاجيال التي جاءت من بعدهم وهم جيل الانقاذ ، الجيل الذي ينتظر منه ان يقوم بالثورة . ولكن قد يسأل سائل لماذا فشل هذا الجيل فيما نجح فيه اباءه من ثورات ؟ سنعود لتوضيح هذا ايضا عندما نتحدث عن تأثير العواطف في إهدار الموارد والمصادر التي من شأنها المساهمة في انجاح أي عمل . ونجد بالمقابل شعوب هذه البلدان تربت ومن بيوتها على الاعتماد على الذات وغرس فيها معنى الكدح والمثابرة والعمل بهمة فكل نفس بما كسبت رهينة والعمل فضيلة يربى عليها الفرد من صغره فتجده يقدس العمل بشكل مخيف مصابا بالرعب طوال الوقت من فكرة فقدانه لوظيفته بعكسنا نحن مستعدون تماماً لفقد وظائفنا لاتفه الاسباب بل ونفاخر بذلك للناس معتبرين ذلك نوع من عزة النفس والإباء والشموخ .
5. اهدار الموارد والمصادر :ـ في علم الادارة عندما توكل أي مهمة لاي شخص او موظف عندك يجب عليك في المقام الاول ان توفر له الموارد والمصادر التي ستعينه في انجاح هذه المهمة . والموظف الذي يفشل في اداء المهمة مع توفير كل المعينات والتشجيع له يعتبر موظف فاشل لا يعتمد عليه كثيراً . والسوداني هو مثال لهذا الموظف الفاشل لاننا نجد الكثيرين الا من رحم ربي يفشلون في الاستفادة من الموارد التي لديهم وما موارد السودان الغنية ببعيد عن مثالنا هذا ، هذه الموارد التي فشلت كل الحكومات المتعاقبة للاستفادة منها ولو ضربنا مثال لخريج بسيط تخرج من الجامعة ولم يجد وظيفة في مجاله نجد يتزمر ويتأفف وان تحصل على مهنة هامشية كمورد دخل بسيط عن مجاله لا يحاول ان يستفيد من هذا المورد والمصدر لتطوير نفسه وترفيع شهاداته على الاقل بالرغم من توفر ذلك له ونجد انغمس في هذا المجال لسنوات عديدة ناسيا كل سنوات الدراسة والشقاء في حين كان في امكانه ان يرفعها وهو في عمله هذا ليجد نفسه بعد عدة سنوات في وضع غير الذي ابتدأ به حياته الهامشية هذه . ولكن كلا نحن شعب لا يجيد الا التذمر ولا نلتفت الى النعم والفرص التي بين ايدينا وهي تتلاشى بددا . إذا ما هو المورد المهم والرئيسي الذي انجح ثوراتهم وافشل ثوراتنا ؟ قبل ان ندخل في هذا التفصيل دعونا نلخص الحالة السودانية كالاتي :ـ شخصية عاطفية جدا لدرجة الهمجية لم تتربى على وضع اهداف لحياتها فبالتالي موغلا فيها احساس الضياع ، لم تتعود على وضع الاستراتيجيات والخطط الطويلة والالتزام بها مما جعل منها شخصية فوضوية لا تركن الى خط اخلاقى وعاطفي واحد ، شخصية اتكالية واعتمادية مريضة ليس لها الشجاعة في اتخاذ القرارات السليمة انما يرمي كل شخص مسؤوليته على الاخر ، شخصية تجيد اضاعة الموارد وبعثرتها بصورة جنونية ورمى اللوم على العوامل الخارجية وغيرها . في رأي ان وسائل التواصل الاجتماعي ( الفيس . الواتس . تويتر ) هو المورد والمصدر الرئيسي الذي كفله لنا الله من دون حول لنا ولا قوة لتحقيق هدف الثورة ولكن للاسف الشديد وكما قلنا فأن الموظف الفاشل اذا لم يحسن استخدام موارده فالفشل مصيره لا مناص وهذا ما جعل هذا المورد العدو الاول لثورتنا . هذه الوسائل نفسها التي استفادت منها الشعوب من حولنا ايما استفادة لنشر وعي وثقافة وعاطفة الثورة بين شعوبها هي نفسها ما عملت على خزلان الشعب السوداني . فالسوداني صاحب العاطفة القابلة (للتنفيس ) بل والقابلة لتحورها لعكسها عكف ليل نهار على هذه المواقع يثور على الحكومة على منصات الجوالات الذكية ويصب جام غضبه على الحكومة بالكلمات والهاشتاقات وهو يظن بذلك انه يمارس فعل حيوي سيأثر على الشارع وهو لا يدري انه بذلك الفعل انما يعمل على ( تنفيس ) عاطفته وثورته بالتالي . فالهاشتاق او البوست او الصورة الثورية ليست غاية انما هي وسيلة ناجعة لنشر ثقافة الثورة من فرد الى فرد وهكذا الى ان تسود العاطفة الثورية الجميع فينتقلون الى الفعل الاهم وهو الخروج من بيوتهم . عندما يقرأ السوداني أي عبارة ثورية في اي وسيط تقوم هذه العبارة بشحذ نفسيته الثورية لاقصى طاقتها لا يجد معها سبيل الا ان ينفسها ولأنه شخص فاشل لم يستفد من الخبرات التراكمية للحياة والتي تعلمك ان تخطط لحوجاتك الانية لتحققها بعد حين . يندفع بعطافته الجامحة هذه في تعليق اخرق آخر لم يذد الثورة الا حبرا على الورق . ليجلس باقي يومه يراقب كم شخص علق على تعليقه وكم شخص اعجب بنضاله الثوري هذا . وفي نفس الوقت ينتظر الشارع ان ينتفض نتيجة تعليق سخيف . وكهذا نحن للاسف الشديد نتبادل المثبطات في الوقت الذي تشرأب فيه اعنقانا الى الشارع ننتظر انتفاضته ولم يحدث احد نفسه ليكون هو هذا الشارع . واكبر دليل على مانقول في سهولة تثبيط السوداني مثل هذه الاخبار الممنهجة التي تطلقها الحكومة هذه الايام لاستباق الثورة مثل اعفاء بعض الادوية من الزيادات ونشر ( جدادها الاكتروني ) في كل مواقع التواصل الاجتماعي ينشر الاكاذيب لينفس العاطفة الثورية في قلوب الناس .
نعم هو عدم الاعتدال العاطفي الذي تحدثنا عنه وعدم الالتزام بخط عاطفي واحد يتمرحل ويتموضع مع كل فجر جديد الى ان يقودنا الى الفعل الثورى الحقيقي وهذه الشعوب تفوقت علينا برغم عدم خبرتها في الثورات نفسها الا انها استفادت ايما فائدة من تكوين الشخصية المعتدلة الطموحة والمثابرة والتي لا تتأرجح عاطفتها في كل الامور بين الذروة والاضمحلال بل تنساب حثيثة لهدف رسمه العقل وآمن به القلب فتقمصه وشحذ له كل الجوارح فانطلقت بقوة لتحقيق هدفها ليس للتاريخ دخل فيه ونحن مازلنا ننتظر تاريخنا ان ينتصر لنا من الطغاة ونحن ضائعون هكذا . واذا سألت لماذا نجح آباءنا في ثوراتهم في حين فشلنا نحن برغم ما توفر لنا من موارد واسباب كثيرة . نقول وكما قلنا ان هذا المورد نفسه هو الذي كان وبالا علينا فعندما غضب آباءنا خرجوا الى الشوارع ولم يهرعوا الي جوالاتهم كما فعلنا نحن لهذا كانت الهبة واحدة لم يبددها أي عامل . لهذا رجاء ابناء وطني ضعو هذه الجوالات جابنا واتجهو الى الشارع فالغضب الذي تنفسه بتعليق سخيف هو ماتحتاجة الثورة .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة