دخلنا من حيث لا ندري إلى البيت، لأننا ربما كنا غرباء عنه، لكن على كل حال، من حقنا أن نتساءل عن سبب هذا الاقتحام، لماذا هذا الهراء كله؟ لماذا غالبا ما نحاول أن ندخل أنفسنا فيما لا يعنينا، أو فيما نعتقده أكبر من مستوانا...، إنها الحقيقة التي ليست بالضرورة في مصلحتنا، فالكثير منا مات من أجل هذه الحقيقة، وإن كان يعلم أنها مرة، لقد صدق السيد أحمد حينما قال بأن البؤس الحقيقي والألم المر يعيشه أولئك الذين يعرفون الحقيقة، كنت آنذاك ما زلت صغيرا، كنا عائدين من السوق وجاء قوله ذاك في مستهل حديثه على حكام العرب وشعوبها اليتيمة. كنت آنذاك طالبا في الجامعة، وبدأت في التفكير في وضع الكرامة العربية، وأزمة الأمة العربية الإسلامية، في ظل هذه الظروف وجدت أن امتنا بدورها محرومة من حق المشاركة في حوار يدور حول مصيرها... أهكذا عروبتنا يا سادة؟ يلعب الآخرون بمصيرنا ويطلقون علينا الأحكام ويصفوننا بأبشع الصور الجرائمية ولا نحرك ساكنا... عفوا أيها العرب، ليس لدينا الحق في الرد والمشاركة، بل ليس لدينا الحق في تصحيح الأخطاء والرد على المغالطات التي تمرر على ظهورنا. إني أرى أنه لابد أن يحيا هذا الضمير العربي، من اللازم أن يفعم مرة أخرى بالحياة، ولأن العقل العربي في الحاجة إلى استيعاب هذا النكوص وهذا الخمول، كان لزاما عليه أن يعلن رغبته في الحياة مرة أخري. كان رجل في إحدى البوادي، وكان له ديك يصيح صباح مساء دون توقف، كان صياحه قويا يجوب القرية بأكملها، وذات يوم جاءه الرجل فطلب منه أن لا يصيح بعد، لأن ذلك يشوش على تفكيره وراحته، - إنك تزعجني بهذا الصياح ولا أريد أن أسمعه مرة أخرى، وإذا ما سمعت صياحك فسوف أنبري شخصيا بذبحك. بقي الذيك المسكين حائرا أمام هذا القرار الجائر، والقاضي بمنعه من حرية التعبير، ومع ذلك لم يجد أمامه سوى الخضوع له والخنوع لرغبة سيده. - قبلت يا سيدي... لن أصيح بعد اليوم. مرت أيام والديك لا يصيح، فيحاول كلما حضرته رغبة الصياح الاشتغال بأمور أخرى، يصرف من خلالها تلك الرغبة نزولا عند قرار سيده، بعد هنيهة من الزمن جاء الرجل ثانية إلى الديك فقال: - عليك في كل صباح بتقليد صوت من أصوات الحيوانات المختلفة، أريد أن أسمع منك كل صباح صوت حيوان من الحيوانات. إنه في الحقيقة تحد صعب، لكن الديك المسكين ما كان عليه إلا أن يخضع لأمر سيده مرة أخرى اتقاء لشره وجبروته، وبقي الديك يقلد الأصوات تلوى الأصوات، ويأتي الفجر في كل يوم مصحوبا بصوت جديد، يبذل فيه الديك قصارى جهده لمحاكاته لا لغاية سوى نيل رضا سيده. وذات صباح جاءه سيده مرة أخرى قائلا: - أريد منك بيضة كل صباح. وإن لم تفعل سأضطر لذبحك. آنذاك علم الديك أن سيده لا يريد شيئا منذ البداية سوى الذبح، وأن هذه السخافات لن تتوقف حتى يضرب عنقه، فخرج الديك المسكين إلى سيده غاضبا ووقف أمامه وقال له: الآن اذبحني. هكذا نحن العرب تنازلنا كثيرا إلى درجة انتشار حماقتنا، فلماذا هذا التنازل؟ لماذا لم نتنازل عند التحدي الأول؟ سمحنا في حرية التعبير، واخترنا تقمص إعاقة البكم... يا إلهي !!!، كيف ارتضينا بالذل إلى هذه الدرجة؟، هل كان قدرنا هو أن لا نعي حتى نبلغ مرحلة التنازل عن وظائفنا الذكورية واقتماص وظيفة انثوية؟ ها نحن شعرنا بالإهانة العظمى أفلا تقشعر أبدادنا حياء وخجلا أمام هذا التنازل؟ لم يتنازل الديك في آخر المطاف، ولو تنازل كما فعل في الأولى والثانية لتخلى على علاقته بالرجولة.... إنها الكارثة. هذا التنازل يا معشر العرب هو الذي جعلنا في افتقار ثام لمعنى الرجولة علينا أن نعيد النظر في مواقفنا الجريئة...وبكل بساطة، علينا أن نسترجع أوطاننا التي بيعت من كثرة التنازلات، لقد تنازل الديك في الأول خوفا من الموت، لكنه في الأخير فضل عرضه وكرامته وقدم نفسه للموت في مقابلهما، هذا ديك فقط يا معشر العرب، صاحب أضعف القلوب وأصغرها... استشهد مقابل الكرامة، فلماذا تنازل العرب أمام هذا العرض؟ لقد بعنا كل شيء، ديننا، أوطاننا، إخواننا، حريتنا...، حتى كرامتنا وعرضنا ولم نشعر –ولو من باب الحسرة- بالإهانة. نحن ملايير البشر أيها العرب، بديننا وثقافتنا وحضارتنا... أليس كذلك؟، نحن أكثر من ذلك، فهذه أرقامهم، ولا شك أنها مزورة، لا بد أن يكون عددنا أكثر من ذلك، فلا ريب أنهم يقلصون الأرقام لإضعافنا نفسيا وروحيا. تراهم يضعفون من أرقامنا السلبية، فقرنا، جهلنا، تخلفنا... أوا ليست خطة محكمة للقضاء على العروبة من دواخلنا؟ كل ذلك لإضعافنا يا أمة ضحكت من جهلها الشيع. تعالوا، لماذا لا نحصي أنفسنا؟ لماذا نختار أن نعيش بنمط القطيع، نحتاج دوما إلى من يحصينا؟ لسنا سوى سلعة، سوى قطيعا يفترس الذئب منا أعدادا تلوى أعداد، فنعود في صمت كما يعود القطيع في آخر النهار. هم يحصون أعدادنا، أمواتنا وأحياؤنا،...كل التفاصيل يعرفونها عنا، بل حتى التي نجعلها عن أنفسنا... لقد تنازلنا كما تنازل الديك، ومسبقا قبلنا الطريق الذي رسموه لنا، قبلنا خيار العبودية مهنة لنا مقابل أن نبيض فضلا منا وتكرما. يقررون مصيرنا في حلقات نحن ممنوعون منها رغبة منا، نحن نعرف كل هذه الحقائق، لكن الفضيحة أن بعضنا لا يعرفها ولا يريد ذلك، يريد أن لا يعرف، هذا النمط الذي يجعلنا بعيدين عن الحقيقة المرة، تلك التي تفرض علينا الموت من أجل الانبعات. لقد تنازلنا أكثر مما ينبغي يوم بعنا أوطاننا...يوم قبلنا التخلي عن وظائفنا خشية مواجهة الموت، فها نحن فقدنا كل شيء سوى الموت...لم يبقى لنا سوى الموت، لا فرار أيها العرب اليوم، علينا أن نواجه هذه المشنقة، وهذا السيف، وذلك السهم ونعري صدورنا للرصاص، استعادة لكرامتنا وحريتنا، أو موتا شريفا قبل أن يجيئنا مخاض الولادة. بقلم الطالب: مصطفى العادل.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة