في كل خريف نُبتلى بالسيل.. و لكن خريف عام 1988 كان خريفاً ابتلى القرية التي أعشق بموت أحد رجالاتها.. و هو ينقذ المنكوبين في ليلة ليلاء قاسية العناصر الطبيعية.. مطر ينهمر.. و سيل جارف.. و حشرات تقرص.. و ثعابين تلدغ.. تلك ليلة لا تُنسى مع مجيئ الخريف!
ألا رحم الله شيخ أحمد شهيد السيل و كل شهداء السيول..!
برقٌ.. رعدٌ مطرٌ.. مطرٌ.. مطرٌ.. ماءٌ.. ماءٌ.. .. ماءٌ.. ماءٌ..! والناس تحاول سد شقوقٍ يتسرب منها الماءُ إلى الأكواخِ الطينْ.. ضوضاءٌ.. ضوضاءٌ.. ضوضاءٌ و امرأةُ تجري من جهةِ التلْ:- " السيل! السيل! السيلْ!" كلُّ القريِة تخرجُ عزّ الليلْ.. عويلُ نساءٍ.. وعويلْ.. و الماءُ يثور.. يمورُ.. يغورُ.. يفورُ.. يدورُ.. يظل يدورْ.. كالباحثِ عن كنزٍ تحت الأرضْ.. يتفجرُّ فوق الأرضِ العطشى البورْ يلتفُّ حول بيوتِ الطينْ و يجرفُ كلَّ بيوتِ الطينْ.. أوانٍ تطفحُ و أباريقْ.. نملٌ يقرصُ.. و عقاربُ تلسعُ.. و ثعابين.. السيل! السيل! السيل! تَعَدَّي الغولِ على الأحلامِ العرجاءْ.. تتقافز كلُّ خِشَاشِ الأرضْ.. وُجهتها دبةُ شيخْ أحمدْ.. القنفذُ يخرجُ من تحت الأرضْ و الضبُّ يدُّب.. يدُّب.. يدُّبْ.. و البومُ يهبْ.. يستسلمُ للبومِ الضبْ.. للبومِ حضورٌ طاغٍ في ليلتِنا الليلاء.. موجاتٌ.. موجاتٌ.. موجاتٌ.. موجاتْ..! تجتاحُ المدرسةَ و المسجدَ و الدكانْ.. إختلط الزيتُ بالأوراقِ و بالأورادِ و ( كرسي الجانْ).. إرحمنا يا هذا السيلْ.. أكتافُ القريةِ ما عادت تتحملُ هذا ( الشيلْ).. و بعد أذانِ الفجرْ,, لبست شمسُ القريةِ ثوبَ حدادْ ركاماً.. زبداً.. و غثاءاً و غثاءْ.. و اختنقَ صوتُ حمارِ الشيخْ.. و الديكُ الأخرقُ لم يظهر.. و الحوشُ انفتحَ على الجيرانْ- كلِّ الأركانْ و رفاتُ بيوتٍ فوق رفاتْ و حمارُ الشيخْ تحت الأنقاضْ.. " مات؟!!" "لا.. لا.. ما مات..!" و صراخ رجال و عويلٌ نساءٍ.. و عويلْ.! " شيخْ أحمد مات!.. شيخْ أحمد مات!!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة