هنا تجدون من جديد: سلسلة مكافحة طلس الحقبنجية في روابط من فيسبوك، أو حسب الطلب، ومرتبة من الأدنى إلى الأعلى أو كما ينبغي. وهناك تحديثات جديدة.. شكرا مقدما للاهتمام.
وقبلها ملاحظات وتنبيهات مهمة.. وأهم هذه الملاحظات أن أهمية هذه الكتابة لمن يهتم تأتي من كونها مستندة إلى نتيجة البحث تمامًا وملخصة لها فقط بلغة مبسطة وتفاعلية. وهي مقصودة أن تكون كذلك بغرض سهولة الاطلاع والفهم.
الحدث الاعظم في تاريخ السودان الحديث الذي يشهد على هشاشة وعينا الجمعي على وجه العموم وبساطة مخيالنا العلمي على وجه الخصوص هو ما يسمى ب(حقيبة الفن السودانية) اي عدم الوعي بمرجعيتها واختلاق قصص خرافية لا حصر لها حولها.. فعندها يتجلى عقلنا الجمعي السحري اللا علمي في اوضح صوره. لذا انا اهتم بها كمثال للكل المركب.. وفق هذا الزعم.
وهذه السلسلة الجديدة مخصصة لهذا الغرض: مكافحة طلس الحقبنجية!
مرفق روابط الحلقات الـ13 المنجزة من سلسلة: مكافحة طلس الحقبنجية (حقيبة الفن). الطلس = سوء الفهم لمرجعية الحقيبة النظمية واختلاق قصص وأساطير وخرافات حولها جراء الجهل بنوعها الشعري "زجل". والحقبنجية هنا لا نعني بهم كما هو معتاد "سكارى الحقيبة" على وجه العموم، بل أولئك المتصدرين المنابر الذين يطلسون باسمها، ومن أطلس أقوالهم اليومية والتي لا يملون من ترديدها كل يوم كالببغاوات أن مرجعية الحقيبة النظمية تكون في: المديح النبوي وشعر السافل.. هذا وهم!.
ملاحظات إضافية بدورها هامة قبل الدخول إلى السلسلة: - يوجد في الختام رابط لتسجيل الشاعر الحقيبي محمد بشير عتيق الذي يقول فيه إن للحقيبة خلفية في تراث الموشحات الأندلسية وانه هو شخصيا وشعراء الحقيبة كتبوا على نهج الموشحات الاندلسية وصنف قصيدته الشهيرة: "جسمي المنحول" كموشحة.
- هذه السلسلة الخاصة تأتي على هامش فعاليات الحملة الوطنية لمحاربة شعوذة الحقبنجية وتفكيك آليات التسطيح التاريخي العظيم بلا هوادة.
- العنوان (مكافحة طلس الحقبنجية) يأتي من باب الفكاهة.. لكن في هذه السلسلة تلخيص وافي لبحث الحقيبة. ولا يغرنك العنوان الشين بتاع المكاواة دا.. إنه في الحقيقة ملخص لنتيجة بحث الحقيبة على طريقة الكتيبات التي تقول "تعلم الإنجليزية في ثلاثة أيام"!.
وأخيرا شيء هام جدًا هنا رابط: الشاعر الحقيبي عتيق يقول إن للحقيبة خلفية في تراث الموشح الأندلسي وإن شعراء الحقيبة كتبوا الموشح ولم يقل تأثروا بالأثر بل كتبوا هم أنفسهم الموشحات وحددها بالأسماء. تسجيل الشاعر عتيق في المقدمة. وملاحظة مهمة: المقالات الأربعة هي المهمة فيما يتعلق بموضوعنا هنا وليس بالضرورة النقاشات المصاحبة.
وهنا رابط اللقاء مباشرة.. لحقيبة الفن السودانية خلفية في التراث الأندلسي الشاعر الحقيبي محمد بشير عتيق يقول في تسجيل صوتي تم العثور عليه حديثا.. وبهذا ينتهي الجدل حول نتيجة بحث الحقيبة. هذا اللقاء مع الشاعر محمد بشير عتيق تاريخي بمعنى الكلمة: شهادة الشاعر عتيق حول مرجعية اللون الشعري للحقيبة هي الاهم؛ كونه كان شاهدا على كل رواد الحقيبة وكل مسيرتها ويعرف جل اسرارها:
فعندما توفي خليل فرح افندي 1932 كان عمر عتيق حوالي 23 سنة.
وعندما توفي ابوصلاح 1968 استاذه الاول او كما قال.. كان عمر عتيق 59 سنة.
وعندما توفي سيد عبد العزيز 1979 كان عتيق 70 سنة.
وعندما توفي ود الرضي 1982 كان عتيق 73 سنة.
وعندما توفي العبادي 1983 كان عتيق 74 سنة.
وعندما توفي عبيد عبد الرحمن 1986 كان عتيق 77 سنة. وقد ذكر نماذجا لاشعارهم قال انها جرت على نهج الموشح الاندلسي مثلما فعل هو ذاته حتى قبل ان يعلم تلك الحقيقة (قال انه نظم على نهج الموشح قبل ان يعلم اي انه كان يجاري.. وصنف قصيدته: جسمي المنحول كموشحة) .. كل ذلك في التسجيل المرفق.. وعندما تم اجراء هذا اللقاء 1986 مع عتيق كان صديقه ورفيق دربه ومهنته الشاعر عبد الرحمن الريح على قيد الحياة يستمع الى اللقاء.. هذا اللقاء تاريخي . وكان الاذاعي الذي اجرى اللقاء هو الإذاعي الألمعي محمود خليل محمد.
الحدث الاعظم في تاريخ السودان الحديث الذي يشهد على هشاشة وعينا الجمعي على وجه العموم وبساطة مخيالنا العلمي على وجه الخصوص هو ما يسمى ب(حقيبة الفن السودانية) اي عدم الوعي بمرجعيتها واختلاق قصص خرافية لا حصر لها حولها.. فعندها يتجلى عقلنا الجمعي السحري اللا علمي في اوضح صوره. لذا انا اهتم بها كمثال للكل المركب.. وفق هذا الزعم.
وهنا رابط تسجيل الشاعر عتيق مباشرة اذا كنت لا ترغب في قراءة التحليل المرفق اعلاه من منبر سودانيزاونلاين:
وهذه السلسلة الجديدة مخصصة لهذا الغرض: مكافحة "الطلس" الذي ظل يدور حول حقيبة الفن قرن كامل من الزمان.. لذا فانها حتما مهمة صعبة وشاقة لكن لا بد منها!.
حلقة "1" نتيجة البحث كانت في ثلاث نقاط وليست واحدة..شرح مفصل.. في سبيل مكافحة طلس الحقبنجية
ملاحظة إستباقية: الحقبنجية المعنيين هنا هم حقبنجية ما قبل البحث أي سلفية الحقيبة.. والآن عندنا حقبنجية جدد (الحداثيين) وهم أصحاب الوعد الجديد ومتعة فن الحقيبة عن وعي وعلم ودراية.
والآن نمشي للنقاط الثلاثة التي جاء بها البحث وكل نقطة لا تقل أهمية عن الأخرى أو هن يكملن بعضهن البعض:
1- أن حقيبة الفن (الحقيبة بالإحالة إلى الإسم في زمانه الأول) من نمطية الزجل الأندلسي من حيث هي نوع شعري (لا نتحدث هنا عن الألحان أو المقامات الموسيقية)
2- تم تشجيع النمط بواسطة سلطات العهد الإنجليزي لأسباب ذلك الزمان مما مهد الطريق إلى تسجيل هذا النمط في أسطوانات (طريقة التسجيل والإستماع الوحيدة ذلك الزمان) دون غيره من فنون السودان الأخرى. تبع ذلك محاربة غناء الطنبرة والدلوكة (التم تم). سنفرد حلقة خاصة لهذه النقطة ضمن حلقات هذه السلسلة.
3- تم حصر وتأطير الأنواع الشعرية العامية/الغنائية في السودان (ليس من ضمنها مسمى دوبيت، دا إسم مجازي غير إصطلاحي) لا يوجد دوبيت في السودان (إنه فن فصيح وعنده وزن واحد محدد) ما عندنا يندرج تحت مظلة: القوما والموال والكانكان. تم بالفعل شرح هذه النقطة في إحدى الحلقات السابقة رقم 5 من هذه السلسلة.
وهنا المزيد من الضوء على النتيجة رقم "1":
البحث لم يقل أن نمطية الحقيبة من حيث النوع الشعري زجل وتركها هكذا بل أستطعنا من خلال البحث أن نستكشف إستناداً إلى النتيجة (أن الحقيبة من نمطية الزجل = خلفية أندلسية) ونمضى إلى الأمام في المعرفة الموضوعية.. لقد تمكنا بعد كثير من اعمال الوقت والجهد من:
1- إستنباط طرق النظم الحقيبية "خمسة" .
2- التعرف على قواميس الحقيبة التي أشتغلت عليها "خمسة"
3- رواد الحقيبة "خمسة"
4- مدارس الحقيبة "خمسة".......... (هذه المخمسات صدفة أن تكون هكذا.. صدفة غريبة محببة).
5- أن شعر الحقيبة ينتمي إلى لونية الزجلين الحوزي والمملوكي في الاساس مع تقاطعات مع أعمال إبن قزمان "المؤسس لقواعد فن الزجل”.
6- إستطعنا أن نتعرف على المصادر "المنبع" في الحالين (المملوكي والحوزي)
7- أستطعنا أن نتعرف المراحل التي مر بها النمط بداية بالعام 1910 إلى العام 1954 حيث بدأ برنامج حقيبة الفن وجاءت التسمية لأول مرة وكان المقصود بها فقط "الزجل" أي تلك الأعمال المسجلة في الأسطوانات.
8- أستطعنا أن نتعرف على حقيقة وخلفية وأسباب دعم الإنجليز للنمط الزجلي دون غيره من فنون السودان الأخرى.
9- تعرفنا على عديد النماذج المتكئة على أعمال زجلية تاريخية: ليس أثراُ وتأثراً وتشابها وتلاقحاً طبيعياً وإنما 1- إقتباسات 2- إستشهادات 3- مجاراة بينة واضحة لا لبس فيها لأزجال مملوكية وحوزية. مما قادنا أيضاً إلى التيقن من أن رواد الحقيبة كانوا على دراية لا لبس فيها بالنوع الشعري الذي ينظمون وفق قواعده وقد ذكروا كلمة زجل عديد المرات في أشعارهم وبمعناها الإصطلاحي الدقيق.
10- أستخرجنا تفاعليل وأوزان النظم الحقيبي مقابل أشعار السودان الأقدم (المسماة دوبيت) وأهمية معرفة الأوزان والتفاعيل تجعلنا نتعرف بشكل موضوعي على البناء التقني للقصيدة ومقارنتها بالأشعار الأخرى الاقدم والموازية واللاحقة. كما نستطيع من خلالها القراءة السليمة للكلمة الشعرية وقاموسها.
وآخيراً ومن الأعمال المبهجة لنا غاية البهجة:
11- أستطعنا أن نستكشف أبحر الحقيبة أي المقاييس الشعرية التي نُظمت على أثرها كل أشعار الحقيبة التي سرعان ما تحولت إلى أغاني تم تسجيلها في أسطوانات أو كما هو معلوم.
تتواصل هذه السلسلة.. والمرة القادمة سنتعرف على أسباب محاربة فنَي الطمبور والتم تم إبان أيام العهد الإنجليزي أو ضوء على النقطة رقم "2" من نتيجة البحث
09-29-2024, 11:46 PM
محمد جمال الدين محمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5757
حلقة "2": نظرية الفستق... من سلسلة مكافحة طلس الحقبنجية!
هذه المرة نعطي ملخصاً لخلفيات مرجعية الحقيبة النظمية.. وطريقة النظم هي الفيصل في تحديد الأنواع الشعرية كما هو معلوم بالضرورة. ووفق السائد من مسلمات (غير علمية طبعاً) هناك إحتمالان فقط بتلك المرجعية والبحث أضاف إحتمالاً ثالثاً يعضده أيضاً تسجيل الشاعر عتيق الذي وصلنا أخيراً وقال فيه أننا نظمنا الأشعار الغنائية على نهج الموشح الأندلسي، إذاً اصبحت لدينا ثلاثة إحتمالات لمرجعية الحقيبة:
1- أشعار السافل = دوبيت (إسم مجازي غير علمي) إذ لا يوجد دوبيت في تاريخ السودان ولا حاضره (الدوبيت فن شعري فصيح وعنده وزن واحد محدد ونمط محدد للقوافي) إنما الذي عندنا: موال وقوما (نسميه دوبيت) وكانكان (نسميه مسدار).. الخلط بين تلك الانواع ووضعها في سلة واحدة ساهم في المزيد من تشويش الفرز بين زجل الحقيبة وتلك الأنماط المختلفة.
2- المدائح النبوية (المديح غرض وليس بنوع شعري) دي Off point
3- خلفية أندلسية (جاءت حديثاً من خارج المعهود السوداني وأصبحت جزءً حتميا منه).. هنا وجب أن تُقرع الأجراس.. أي يَنشد الإنتباه.
ووفق نتيجة البحث الذي أعتمد أساساً: المنهج الأدبي المقارن إضافة إلى المنهجين الآنثروبولوجي والتاريخي.. لم يجد البحث أي علاقة بين أشعار السافل المعنية (الدوبيت والمسدار) بزجل الحقيبة من حيث طريقة النظم (وهي الفيصل ووحدها كافية علمياً حينما تتطابق لتقرير الأنواع الشعرية وفرزها من بعضها البعض) ولا توجد تلاقيات في المخيال ولا القاموس والتفاعيل والأوزان كما لا توجد في زجل الحقيبة إقتباسات وإستشهادات من أشعار السافل كتلك التي جرت بين الحقيبة وأزجال تاريخية منتقاة (مملوكية/حوزية).
لكن نكرر دوماً أن: طريقة النظم هي الفيصل (وحدها كافية علمياً) وما تبقى من القواميس والكلمات المفتاحية والإقتباسات والإستشهادات والمجارات فهي هدية إضافية على النتيجة "هوادة" بالدارجة السودانية.
أما الزعم القائل بمرجعية للحقيبة من حيث النظم في المديح (هنا نتحدث عن القضية الفيصلية في تحديد الأنواع الشعرية) فالمديح النبوي (إرث شعبي قديم يخص المشرق كله كما المغرب لا السودان وحده طبعا). و أي مديح اي كان، ليس بنوع شعري بل غرض شعري ليس إلا. لا يوجد شئ إسمه "مديح" كنمط شعري او نوع شعري. بل غرض يستخدم من أجل هدفه كل الأنواع الشعرية من: الشعر الكلاسيكي (بانت سعاد فقلبي اليوم مبتول) والدوبيت (الموال والقوما) والمسدار (الكانكان) والموشح والزجل وشعر التفعيلة وقصيدة النثر والنثر نفسه. كل شيء.
لا تستطيع ان تنتج من المديح نوعا شعريا كزجل الحقيبة.. مستحيل.
فذلك الإدعاء من حيث الأساس باطلا محضا وهو اظنه نتاج الحيرة الناتجة من ضعف عدد وكم البحوث العلمية والدراسات في مثل هذه المجالات عندنا في السودان وربما في كل شئون حياتنا ليس الأداب والفنون الشعبية فحسب، فتملأ الفراغات العريضة تلك الخرافات العريضة (الطلس) في مثل تلك الحالات، ويسود العقل السحري أو كما هو الواقع المعيش .. الطلس والشعوذة يسودان بشدة كل مناحي حياتنا.
فمعظم المدائح السودانية الخالصة في الأساس دوبيت (مواليا وقوما وكنكان = أنواع شعرية نجملها عندنا في السودان في كلمتي دوبيت ومسدار) كما أسلفنا القول .. وهي الأنواع الشعرية الأقدم والأرسخ والأكبر أثراً على مخيال كثير من شعوب السودان بالذات في الوسط الوسيط ومنه منطقة البطانة.. ثم مدن: كبوشية وشندي والمتمة وبربر "هذه المدن الأربعة هي الحاضنة شبه الحصرية لما يُسمى بشعر السافل". كما في أرجاء الشايقية وشمال كردفان وبعض أرجاء دارفور.. أعني رقعة إنتشار تلك الألوان/الأنماط الشعرية/الغنائية الشعبية/العامية.
المديح النبوي إرث شعبي محبب عندنا وعند كثير الشعوب من حولنا (عابر للمكان والزمان) بحكم إنتشار الطرق الصوفية عبر الزمكانات.
لكنه لم ينتج يوماً لنا حقيبة فن وهو موجود من قبل أن تنشأ دولة سنار 1504م وعبر زمانها كله والعهود التي تلتها من تركية ومهدية.. لم نسمع بأي شيء مشابه للحقيبة.. ولم يُحي لنا الحقيبة بعد أن نشأت بغتة ونضجت 1919 وبدأت في الموت نظمياً 1945 "لذا يقولون، هي فن ما بين الحربين".. أليس كذلك!. كل ذلك حدث في حضور المديح وهو من فريتهم براءة.
فالمديح (جميل في مخيال عامة الناس) لكنه شئ موازي ويعيش عالمه الخاص.. ولم يكن يوماً سبباً في نشأة الحقيبة ولا سبباً في موتها ولم يستطع إحيائها من جديد بعد أن ماتت نظميا.. بل حتى أنه توقف هو ذاته عن مجاراتها نظمياً بعد موتها.. هذا هو الواقع.
شئء آخر مهم إذ أن المداح السودانيين هم من جاروا بعض أشعار/أغاني الحقيبة لا العكس (هناك أدلة صريحة واضحة.. وشهود هم الشيوخ الصوفية العظام ذاتهم الذين جاروا الحقيبة).
والشئ المتعلق بالأمر هنا وذو أهمية بالغة هو أنه سهل عليك أن تجاري قصيدة "غزلية" محددة وتحولها إلى مديح في النبي (وفق المخيال الشعبي) ولكن العكس صعباً ولا يألفه المخيال الشعبي أن تحول مدحة في النبي إلى التغزل في جسد إمرأة فارهة في مخيالك مهما كانت مكانتها او عظمتها. هذا غير معهود.
لذا لم يحدث.. لم نجد أي تصريحات من أصحاب الشأن "الحقيبة" بذلك لكن المداح العظام قال منهم عشرة في أقل تقدير .. الشيوخ: الشريف الهندي والصابونابي وحفيد الماحي والهاشمي وأبو كساوي، والدقوني الابن. مجرد أمثلة لا حصرية.
قالوا علناً أنهم جاروا زجل الحقيبة لما شهدوه فيه بحسهم المرهف من نسق نظم جديد موشح ومرصع (كما قال إبن خلدون ويعنى فن الزجل مطلقاً) وذو قواميس فريدة وتعابير عجيبة قادمة من تواريخ قديمة متلاقحة من قواميس الحاضر (ذلك هو سحر الحقيبة ومكمن فتنتها كما الزجل مطلقاً وهي منه).. فحولوها الى مديح محبب.
لي في شروقنا قمر ويا ليلة ليلك جنًَ من أشهر المدائح هن مجاراة لزجل الحقيبة وليس العكس.
ولكن كثير من الناس تخلط بسبب نقص المعلومة او التطليس وتجعل شعراء الحقيبة مجارون للمديح ولكن الحقيقة عكس ذلك لمن أراد التحقق بنفسه.. وأي خرق لهذه القاعدة فتلك ربما حالة شاذة، شخصياً لم أمر بها.
نظرية الفستق:
بعد علينا أن نتذكر دوماً (نظرية الفستق) أن: الأغاني الناتجة عن أشعار (زجليات) هي التي أخذت الإسم (حقيبة الفن) تلك التي وجدها الرجل الذي إخترع الإسم في الأسطوانات التي تم تسجيلها أيام العهد الإنجليزي (1926-1940) كان زجلاً محضاَ.. وليس شئ غير ذلك.. أي إضافات أخرى تمت بعد ذلك تكون خارج المعنى الأول لكلمة (حقيبة) أو كما هو منطق الأشياء.
قبل ولادة الإسم (حقيبة) سنة 1954 عبر الصدفة وحدها بواسطة الإذاعي صلاح أحمد كان النمط لا إسم له (تلك الأسطوانات لا إسم للمادة التي بداخلها) إسمها فقط: الشئ الجديد.. إبراهيم العبادي جمع الناس سنة 1923 وقال ليهم تعالوا نوريكم الشيء الجديد العملناه (مبارك المغربي).
وهنا العبادي يعني النظم الشعري (الزجل).
سرور دخلني الغرفة قعد ينقرش بالكبريت وقال لي أسمع الشيء الجديد "الغناء الجديد" العملناه (ديميتري البازار يتحدث) المرجع السابق.
وهنا سرور يعني اللحن الجديد للشيء الجديد الذي عناه العبادي.
الشيء الجديد تم تسجيله في أسطوانات بين الأعوام 1926-1939 تم تسجيله وحده (الزجل) لا غيره.
لكي يزول عن خاطرك التشويش وطلس الحقبنجية في الحتة دي.. تأمل في هذه النظرية المخترعة للبيان "نظرية الفستك":
نظرية الفستق بإختصار (مثال للبيان من اختراعي):
عندك كيس فستق سنة 1954 (فهو كيس الفستق معرفاً) أضفت له: تسالي سنة 1964 وما زلت تسميه كيس الفستق.. ثم أضفت على الخليط: فول حاجات 1974 وظللت أيضاً تسميه كيس الفستق.. مع أنه في الحقيقة أصبح كيس الفستق والتسالي والفول السوداني.
تلك هي "الحقيبة" بعد صلاح أحمد محمد صالح والإسم الذي عناه "حقيبة الفستق" وحده = الزجل السوداني فتم إضافات عليها كثيرة ليست من نوعها الأول وظلت تسمى كيس الفستق = الحقيبة. اذ جاء بعد صلاح احمد صالح إذاعيون اخرون اضافوا للحقيبة الاولى (كيس الفستق) اغاني جديدة ليست من نمط الزجل ولو كتبها ذات الشعراء وسميت دواوين كاملة (حقيبة) واصبح شعراء كبار منوعي الانتاج مجرد شعراء (حقيبة) مثل الخليل والعبادي وابو صلاح وود الرضي.. اذ كتبوا الموال والقوما والكانكان والزجل.. اي كل الانواع الشعرية العامية الممكنة في السودان.. وبعد ذلك كلهم التصق اسمهم بالحقيبة واصبح انتاجاتهم كلها (حقيبة).
وجب فك الاشتباك.
وذلك جزءَ ضئيلاً من الضلال الكبير بمحتوى الحقيبة وبالتالي عدم المعرفة العلمية بنمطها الشعري وظروف نشأتها حتى جاء "البحث" بعد مية عام من نشأتها وحدثنا بالخبر اليقين في الضد من "الطلس" المقيم فوق غابة الظلام الكثيف.
الآن لدينا فهم جديد ووعي جديد علميان وفق نتيجة بحث علمي بمرجعية حقيبة الفن وبالظروف السياسية والإجتماعية والطبقية والإقتصادية التي نشأت بها.
وحدد البحث بكل الدقة الممكنة نوعها الشعري/الغنائي بكونه زجل أندلسي من حيث النظم نعني النوع الشعري (عن علم).
وقال الشاعر الجليل عتيق بأنها جرت على نهج او طريقة الموشحات الأندلسية (عن تجربة ذاتية).
إذاً الآن نحن أمام أفق جديد للنظر لفن الحقيبة عملياً وعلمياً والإستماع إليها والإستمتاع بها عن وعي ودراية.
لقد أنتهى زمان السحر والخرافة.. و"الطلس".
تتواصل فعاليات الحملة الوطنية لمكافحة طلس الحقبنجية.. ودا أمر شديد الأهمية = جزء من مساعي الوعي العلمي بالذات الجماعية والتراث والبيئة الطبيعية المحيطة بنا.
ملاحظة ختامية: الشغل دا نفسه طويل أي زول مستعجل وعايز سياسة مباشرة أو معالجة شئون الحياة الناشبة مثلاً وتلك أمور مهمة أيضاً.. نفهمه.. وعندنا ليه مادة ممكن نشتغل عليها برضو مع بعض وعندنا مشروع السودان200.
يوجد مثال في اول مداخلة (مشروع دولة المواطنة)
--- المثال المعني يأتي بعد نهاية السلسلة
09-29-2024, 11:53 PM
محمد جمال الدين محمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5757
على هامش فعاليات الحملة الوطنبة لمحاربة شعوذة الحقبنجة (حلقة 3) : بحث الحقيبة لم يعتمد على القواميس او المتشابهات ليخرج بالنتيجة بل بطريقة النظم الشعري/النوع👇
طريقة النظم وحدها هي المحدد للانواع الشعرية:
1- البشرية كلها عندها كلام "نثر" وكلام منظوم "شعر" وبكل لغات الأرض المعلومة.. طبعاً.. في العادة كدا.
2- كذلك في حالة اللغة العربية نثر وشعر
3- الشعر العربي ينقسم إلى نوعين رئيسين: فصيح ودارجي أي عامي صاح.. طبعاً.
هنا يأتي السؤال عن موضوعنا = شعر الحقيبة = عامي "طبعاً" = لا يلتزم الإعراب. إذاً= شعر عامي
بكدا يكون مشينا خلينا الشعر الفصيح من حيث أنه معرب.
4- الشعر المكتوب بالعاميات العربية كما السودانية ينقسم إلى عدة أنماط عندها مسميات مختلفة بناءاً على بناء القصيدة وقوافيها هذه المرة .. وهذه الأنماط معروفة منذ قديم الزمان.
مثلاً انظر كيف يصنف إمام الزجالين الأديب صفي الدين الحلي (1278-1351م) من كتابه العاطل الحالي والمرخص الغالي (فن الزجل):
. اسم الكتاب كاملاً العاطل الحالي والمُرخَص الغالي ولكنه اشتهر بالعاطل الحالي.يعالج هذا المؤلَّف الفنون الأربعة التي كتبت في اللغة العامية وهي الزجل والمواليا والقواما والكان كان. وقد نص الحلي في مقدمة الكتاب على هذه الفنون فقال: "فهي الفنون التي إعرابها لحن، وفصاحتها لَكْنٌ، وقوة لفظها وهن. حلال الإعراب بها حرام، وصحة اللفظ بها سقام. يتجدد حسنها إذا زادت خلاعة، وتضعف صنعتها إذا أودعت من النحو صناعة، فهي السهل الممتنع والأدنى المرتفع، لا سيما في الزجل الذي تختلف أوزانه ويضطرب ميزانه، ويتغاير لزومه ويشتبه منظومه. وهذه الفنون تختلف بحسب اختلاف بلاد مخترعيها وتفاوت اصطلاح مبتدعيها ؛ فمنها ما يكون له وزن واحد وقافية واحدة وهو الكان كان ومنها ما يكون له وزن واحد وأربع قواف وهو المواليا، ومنها ما يكون له وزنان وثلاث قواف وهي القواما ومنها ما يكون له عدة قواف وعدة أوزان وهو الزجل". ذلك مقطع مهم من كتاب العاطل الحالي والمرخص الغالي..
ملخص كلام الحلي الآتي للأهمية:
1- قافية واحدة ووزن واحد = الكانكان = المسدار بالسوداني
2- أربع قوافي ووزن واحد = المواليا = دوبيت بالسوداني
3- ثلاث قوافي ووزنان = القوما = نمط من الدوبيت بالسوداني
4- عدة أوزان وعدة قوفي = الزجل = الحقيبة بالسوداني
ملاحظة ونمضي إلى الأمام: الحلي يتحدث عن بناء القصيدة هذه المرة لا قاموسها أو أغراضها ومن خلال بناء القصيدة تتحدد الأنواع الشعرية من حيث المبدأ.
وعندما عاينَّا نمط الحقيبة أيام البحث مع أشعار السودان الأخرى وجدناها تختلف في أهم خاصية هي القوافي = تعدد القوافي إلى درجة أنك تستطيع أن تجد ست قوافي في البيت الواحد.. مثال:
أنت حكمة ولا آية للأمي
العلامة "/" أمام القافية: انـت نـادي/ انـت هـادي/ انت ميسان/ -- انـت ظـافـر/ انت ضـافر/ اسـود وفـرسان/
انـت حـالي/ انـت عـالي/ انـت سلطان/ -- انـت سـاطـع/ و انـا ساجع/ بي غناك طان/
القصيدة كلها كدا.
تلك واحدة من اشكال النظم الحقيبية المفارقة لاشكال الدوبيت والمسدار (المواليا والقوما والكانكان). أي أشعار السودان التاريخية.
وتتعدد القوافي والأوزان عند نظم الحقيبة بغير حساب (راجع كلام الصفي أعلاه).. ناخد مثال بناء قصيدة العبادي برضي ليك المولى الموالي: برضي ليك المولى الموالي زجلية تامة أي معيارية (مطلع وأدوار وخرجة) والمطلع والأقفال والخرجة تتكون من أربع أغصان والأدوار من أربعة أسماط (وفق طريقة الموشح النظمية في أتم كمالها ولكنها زجل كونها عامية وفق تصنيف الزجل التام وقواعده).
برضي ليك المولى الموالي لإبراهيم العبادي (مثال) إذ تحتوي على مطلع وأدوار لكن الخرجات متوحدة مع الدور وتأخذ نصف قافيته في كل المرات (قالي هاك أقوالاً مصيبا/ كل نفس توجد نصيبا/ والمصيبة المولى اليصيبا/ بالقدر كم عز الذليل/ كم ربوعاً أجدب خصيبا/ ومافي فجراً ماعقبو ليل/) مثال. ثم تتعدد القوافي في عدة مرات وهي طريقة باهرة من الزجل السوداني وفق هذا التصور (أنت قاسي هاتك/ فاتك/ ويالك/ من مرائى وصدقك قليل/ أنت عاشق بالجد خيالك/ ومنه ساكن ظلاً ظليل/) مثال).
وهذه هي القصيدة البديعة (معقدة النظم باهرة) كاملة مع ملاحظة وجود العلامة "/” أمام القوافي:
مطلع:
برضي ليك المولى الموالي/ وفيك لازم الصبر الجميل/
دور اول:
لو تحول دون قصدي العوالي/ برضي أغوص في بحوري/ وأوالي/ ليك أخرج درري/ الغوالي/
قفلة: وأنشي شعري/ وزجلي/ وموالي/ في سناك قليل/ ياجميل/
دور ثاني (نلاحظ أن القفلات كما الخرجة ملتحمة مع الدور وصدرها ياخذ قافية الدور ودوما لامية العجز على طول جسد القصيدة)
ياملاكي ظروفي العصيبا/ حايلة دونك مالي صيبا/ قالي هاك أقوالاً مصيبا/ كل نفس توجد نصيبا/
قفلة:
والمصيبة المولى اليصيبا/ بالقدر كم عز الذليل/ كم ربوعاً أجدب خصيبا/ ومافي فجراً ماعقبو ليل/
دور ثالث (ذات الملاحظة أعلاه تنطبق هنا في هذا الدور أيضاً بل وعلى كل جسد القصيدة):
المكارم خلقي الجبيلا/ والمحامد سالك سبيلا/ ديمة شارب سلسبيلا/ من أخاير أخر قبيلا/
قفلة: ومن أعالي العايلة النبيلا/ وكل صميم لصميم بديل/ الليالي الليلة وقبيلا/ للجلل معدود الجليل/
ياسما الغايات ياملاكا/ من تطاول لي نيل علاكا/ عشت دم يا حلية حلاكا/ ياحياة أرواحنا هلاكا/
خرجة في قافية ووزن المطلع والأقفال:
لو سليتو النار ماسلاكا/ قلبي راضي وهاك الدليل/ أنه صابر وحامل بلاكا/ مرة أرحم يكفي القليل/
تلك أيضاً واحدة من اشكال النظم الحقيبية المفارقة لاشكال الدوبيت والمسدار (المواليا والقوما والكانكان) وكل أشكال الشعر الأخرى.
5- اشعار السافل والبطانة لا تتبع طريقة النظم الزجلية بل هي مواليا وقوما وكانكان بالمعنى الإصطلاحي.. عملنا مئات المقارنات واتضح أن الزجل في السودان هو الحقيبة وحدها (الزجل منها) فهي ثلاثة أنواع.
6- المدائح السابقة للحقيبة مفارقة للحقيبة في عدة طرق نظم كما القاموس وخصائص أخرى. والاهم ان المديح ليس نوعيا شعريا ليولد نوعا من جنسه.. مستحيل.. لان المديح غرض شعري يستخدم كل الانواع ليحقق هدفه.
تلك المقارنات الأولية تمحورت حول بناء القصيدة لأجل تحديد الأنواع الشعرية ثم ذهبنا إلى الأمام في إستكشاف القواميس والأوزان الحصرية ومدارس الحقيبة وأقطابها وكيف تحولت من نظم إلى لحن وغناء والظروف الإجتماعية والسياسية التي نشأت بها.
تلك المقارنات (مئات) كثيرها نشر حتى قبل النتيجة النهائية للبحث.. ولتبيان الصورة ساسرد لكم في مقبل الايام المزيد من الامثلة المقارنة من حيث النظم.. طريقة النظم وحدها هي المحدد للنوع الشعري. مع ملاحظة ان البحث لم يقل ان الحقيبة جاءت من الزجل.. بل قال انها تنتمي نمطية الزجل اي من جنس النوع.. نوعها الشعري زجل من حيث النظم.. لا يجب الخلط.
09-29-2024, 11:59 PM
محمد جمال الدين محمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5757
حلقة (4) على هامش فعاليات الحملة الوطنية لمكافحة طلس الحقبنجية.. المبدعان: خضر بشير ومحمود عبد العزيز وزجل الحقيبة!
الليلة استمتعت بمكالمة روعة مع واحد من اشهر رفقاء الفنان الراحل محمود عبد العزيز.. سالته انت ومحمود لما غنيتو برضي ليك المولى الموالي فيها كلمة (زجل) كنتو فاهمنها شنو؟ (وانشي شعري وزجلي وموالي في سناك قليل يا جميل) قال لي محمود عبد العزيز لما يصل الحتة دي كان بفطها ما بنطقها😅.. قال لي كمان مرة في التمانينيات سالوا منها الراحل خضر بشير (زجل دي شنو يا بلبل؟) قال ليهم معناها الحمام الزاجل😅
الشاعر ود الرضي (بتاع العسيلات والقرع وسد مكوار) كان برضو بعرف كلمة زجل واوردها في شعره.. نحن بس الطلعنا مسطحين وجهلاء😅
هذه نماذج تؤكد أن رواد الحقيبة الأساسيين كانوا يعرفون معنى كلمة "زجل" في مستواها الإصطلاحي (نوع شعري وفن من الفنون). وكانوا يعرفون أنه نمط معسول من الكلام المنظوم "حالي، عسل، باهر" ولذا إستخدموا الكلمة لتدل على تلك المعاني في بعض أشعارهم، مثلاً:
انشِي شعري و"زجلي" وموالي... في ثَناك قليل يا جميل (إبراهيم العبادي)
ضاع صبري زاد من نار الصدود وجلي.. يامعاني الشـعر و"الزَّجــــــــلِ”
يا بيت القصيد يا روح "الزَّجــــــــلِ" (عبيد عبد الرحمن)
مالت على الأغصان تصتنت "الزجل" (أبو صلاح).
رقصنا وزجلنا (عمر البنا)
لو رد السلام بحكمة و خجل .. كنا نقول كلام احلى من "الزجل" .. (عبد العزيز سيد احمد، متأثراً بالحقيبة إذ لا قبله ولا بعده وفق رصد البحث في 2017).
وود الرضي:
جنْ جلنْ عيونَ الناظرين أنجالِنْ.. جَمعنْ جِنْ وفَنْ جَنْ بيه من "زَجَّالِنْ" .. ديوان ود الرضي ص 296. والزجال هنا هو الشخص المشتغل بفن الزجل (القاموس المحيط).
في كل تلك المرات جاءت كلمة زجل موعية ومعنية بمعني حالي، باهر، عظيم.
هذه الكلمة "زجل" بمعناها الإصطلاحي لا توجد في أي منهج دراسي سوداني معلوم (قديم أم حديث) وغير مستخدمة في اليومي وبل مجهولة تماما بالنسبة للشخص السوداني العادي.. ولم ترد في اي شعر سوداني آخر ابدا غير زجل الحقيبة. لذا فعلا غريبة.. الكلمة.. لكن اهلها كانوا عارفين.. نحن الما عارفين واميين في الزجل.. بس عندنا مجرد امل.
--- هذه الايام المباركة نحن نعيش فعاليات الحملة الوطنية ضد شعوذة الحقبنجية ومحاربة التسطيح التاريخي العظيم بلا هوادة . . فشدوا حيلكم معانا💥
09-30-2024, 00:04 AM
محمد جمال الدين محمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5757
حلقة "5" عبد الله الأمي ما كان أمي ، أميين نحن ديل .. حلقة من سلسلة مكافحة طلس الحقبنجية.
الشاعر عبد الله الأمي دخل الخلوة زيو والكثير من أقرانه في زمانه وزي ومعظم شعراء الحقيبة (توجد وثائق وافية تؤكد ذلك).
كما أن الأمية بمعناها الأكاديمي لم تكن مذمة في زمان الشاعر عبد الله الأمي (1910-1981) عشان يقولو عليه امي. إنها مجرد قطرة في محيط الأوهام الخالدة.
95% من الشعب كان أمياً أكاديمياً انذاك فأنت لا تستطيع أن تعيَر شخصاً بالأمية في ذلك الزمان وإلا أنك تذم المجتمع كله.
إنه اسم حركي اخترعه بنفسه ايام حركة الكفاح ضد الاستعمار الانجليزي..اسم حركي وبس .. وتلك كانت عادة شائعة ذلك الزمان ان يتسمى الناشطين باسماء حركية.
ومعلومة عامة ان الامية ليست ذما في مخيال تلك المجتمعات السودانية التاريخية وبل حتى الآن.
والدليل أن كثير من مغني الحقيبة ومؤديها وروادها حتى هذه الأيام من الأميين امية حرفية واخرى مقنعة دون أن يشجبهم أحد (غير هذه الليلة!) يبرطعون على كيفهم لمدة قرن من الزمان.
الشاعر المثقف الفطن المتعلم العالم الذكي (المفترى عليه) عبد الله الامي كان: كان يقرأ ويكتب.
كان مقرباً من الرائد خليل فرح أفندي.. وعاش قدر من الزمان معه في نفس الغرفة أي تقاسما العيش المشترك في ذات المكان وبالتالي التجربة الحياتية.
زار القاهرة حوالي 12 مرة بين الأعوام 1929- 1950 لأغراض فنية وثقافية وسياحية. وطبع ديوانه الأول بنفسه في القاهرة عام 1949.
كان صديقاً حميماً لأحمد خير المحامي رئيس مؤتمر الخريجين بمدني. كان خطيباً مفوهاً مما أضطر الحاكم الإنجليزي لطرده من مدينة مدني آنها بسبب نشاطاته السياسية المعادية للإحتلال.
أصبح مدير فرقة فنون كردفان في نهاية الخمسينات برغم أنه جاء مهاجراً لمدينة الابيض لبعض الوقت بعد نفيه من مدينة مدني.
كان على علاقة مع افراد فاعلين من الجاليات القبطية والمغربية والشامية والهوساوية واليهودية واليونانية والهندوسية.. وفق وثائق مؤكدة.
يعرف النظم الزجلي الاندلسي ويعرف أن حقيبة الفن من نمطية الزجل الأندلسي. وابدع فيها أيما إبداع نظماً وقاموسا.
هاك أمثلة لا حصرية: في قصيدته (عيون الصيد) انظر فحسب لنسق القوافي.. دعك من المعاني الآن ودعك من الكلمات القاموسية الكثيرة الوافدة من خارج العامية السودانية اللغة الأم للشاعر المدمغ بالأمية زيفا.. فقط انظر للقافية الرباعية (كل اربعة أبيات لهم قافية رباعية تتنوع بين رباعية وأخرى ويظل الحرفين الآخرين من القافية دوماً اللازمة (نِي)):
عيون الصيد ناعسات ع/يوني..عيون النيل حاكن ع/يوني نسيت قلبي وروحي ون/سوني.. وفقدت الكانوا يؤان/سوني ليالي هناي جد عاك/سوني.. وأخاصم النوم كيف در/سونى مع الآلام هاجت ش/جوني.. وأطباء الكون ما عال/جوني جفوا بنفورهم هيَ/جوني .. متين في الطيف يصبو وي/جونى فقدت صحاى لا تنص/حوني.. خطاب وعتاب كفى بار/حونى عيون الصيد ديل جر/حوني.. سروري يتم لو يلم/حوني غلبني أسير هيا در/جونى..وعلى الأطلال ليل عر/جونى هواى شريف لا تحر/جونى .. وعلى الأكفان شيش در/جونى مقر املى فيهم ظ/نونى.. يزيدوا دلال وتزيد ج/نوني لذيذ تعذيبهم لو ض/نونى .. وصالهم آه راحتي وم/نوني.
هذا: وتأمل في مثال آخر.. اغنية (أنت حمكة ولا آية) جاء بست قوافي في البيت الواحد.. العلامة "/" أمام القافية:
تلك واحدة من اشكال النظم الحقيبية المفارقة لاشكال الدوبيت والمسدار (الشعر الشعبي العادي) المفترض أنه فن الأميين غير المتعلمين انذاك. أي أشعار السودان التاريخية.
هذه القصيدة ذات الست قوافي نادرة فوق هذا الكوكب وليس مثلها الكثير مما فعله الشعراء السوادنة او العرب عبر تاريخهم من كتب منهم الفصيح أو العامي (أتحدث الآن فقط عن القوافي). أما إذا نظرت لبعض الكلمات ومعانيها لن يكون أمامك حلاً غير أن تذهب إلى محرك البحث قوقول (الصبابا/ ومر عذابا/ وقلبي اقران/) إيه معنى صبابة؟.
اسألك في الخيال من كنت.. وأنت تعيش في القرن الواحد وعشرين وتزعم أنك متعلم وغير أمي ولكن اظنك ستعجز أن تجيب على السؤال مباشرة دون أن تحتاج إلى شحذ ذاكرتك وربما تحتاج الرجوع إلى القواميس السايبرية (شنو يعني: صبابا)!.
أما الرجل الذي تدعوه أمي كان يعرف (صبابا) ومثلها آلاف الكلمات القاموسية معرفة دقيقة ووظفها في شعره بحنكة عالية لتكون جزء من الغناء السوداني كل الوقت (قرن من الزمان) يترنم بها عامة الاميين والمتعلمين على حد سواء قرن كامل من الزمان وحتى تاريخ اليوم :
أنت حمكة ولا آية.. يا حياتي/ يامماتي/ هاك سطران/ -- الصبابا/ ومر عذابا/ وقلبي اقران.
وهذه مجرد أمثلة لا حصرية على حياة وتاريخ الشاعر المثقف الفذ: محمد علي عبد الله الأمي.. فمن هو الأمي فينا؟!.
السؤال الآن: لمصلحة من صُنعت تلك الأوهام الصلدة والخالدة فينا.. ولمصلحة من تستمر هذه الأوهام حول فن الحقيبة وبل حول كثير من عناصر حياتنا في كلياتها!
احسب ذلك مجرد قطرة في محيط غيابنا عن ذاتنا الجماعية.. وبفعل فاعل خفي.. ربما!.
إذاً الآن نحن أمام أفق جديد للنظر لفن الحقيبة عملياً وعلمياً والإستماع إليها والإستمتاع بها عن وعي ودراية.
لقد انتهى زمان السحر والخرافة.. و"الطلس"!.
تتواصل حملة مكافحة طلس الحقبنجية.. ودا أمر شديد الأهمية وفق هذا التصور = جزء من مساعي الوعي العلمي بالذات الجماعية والتراث والبيئة الطبيعية المحيطة بنا.
ملاحظة ختامية: لا اظنك تفهم الصورة كاملة ان لم تتطلع على بقية الحلقات من سلسلة: مكافحة/محاربة شعوذة او طلس الحقبنحية.. منشورة بالتتابع على بروفايلي بالفيسبوك.
تصحيح من الاستاذ العلامة عمر قدور شقيق الراحل السر قدور حول أخبار (طلس) امية الشاعر عبد الله الأمي المنتشرة طول الزمن ودبجت فيها الاف المقالات والكتابات والكتب بلا تحقق أو حقيقة.. قال ان الامي اختار اسم الامي بنفسه كاسم حركي ايام النضال ضد المستعمر.. وقال انه اجرى معه حوارا متلفزا قبل وفاته بقليل كما مع اعلام اخرين من شعراء الحقيبة واخرين.. وقد استاذنته لاهمية الموضوع في نشر هذه المعلومة المهمة عندي..في الصورة المرفقة.. مع الحب والاحترام للرجل العظيم استاذنا عمر قدور
https://www.0zz0.com
09-30-2024, 00:19 AM
محمد جمال الدين محمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5757
ابقو عشرة على الحقيبة: لا تعرب الملحون ولا تلحن المعرب.. رسالة الى المغنين الأصيلين الجادين وكل المبدعين في بلادي (حلقة رقم "6" من سلسلة مكافحة طلس الحقبنجية)
الوصية من جديد انسجاما مع الحوارات الدائرة هذه الايام حول العامية الوسطسودانية وعلاقتها بالعاميات الأخرى وباللغة الكلاسيكية كما بالشعر والغناء والموسيقى والسلم الخماسي. مع ملاحظة ان هذه السلسلة في الاصل متولدة عن ندوات في الزوم وتسجيلات صوتية واتسابية تحولت الى كتابة لذا ربما ما زالت تحمل النكهة التفاعلية وعفوية السرد. وبلغت السلسلة حتى الان 15 حلقة تحت هذا العنوان الانتقامي: (مكافحة طلس الحقبنجية)😀🥀.. توجد روابط للحلقات الاخرى في اول مداخلة. وابقوا عشرة على الوصية.
الله.. الوطن .. الحقيبة
وصية وشرحها باختصار.. وصية لكل مغني ومؤدي فن الحقيبة من الفنانين المبدعين صغار وكبار وواعدين: ما تعرب ما تلوي خشمك ما تمد لسانك.. انطق الكلام بلغة الشارع لغتك الام.. يصح ويحلى.. وإلا بتتعوق وتعوقنا معاك كمستمعين وباحثين!.
الحقيبة في عهدها الجديد.. يعني: وعي ما بعد بحث الحقيبة او مثلما يقولون: ما بعد الحداثة.. مش الطلس القديم.. نحن في زمان الوعي العلمي بالذات الجماعية والتراث.
ملاحظة استباقية: لازم تكمل الكلام للنهاية لأن في البوست دا معاك خمسة رموز ناس مهمين أنت في ضيافتهم (عشان انت مهم واظن الموضوع مهم) وهم: عمك ابن خلدون المغاربي وعمك المنوني المغربي وعمك إبن قزمان من قرطبة (ت 1160) وعمك صفي الدين الحلي/العراق (ت 1339) وعمك محمد جمال الدين/ جبل أولياء (الكاتب المتقمص شخصية الراوي).. أقول: ما تقرأ سطر وتفط سطر.. والا ح تفط سطر في غناك وإمكن في حياتك ذاتها "بعد الشر " .. دي مش حاجة للتحميس كدا بس.. لا .. اعتقد انك لن تفهم فكرة البوست إن لم تقرأه كاملا.
وصية احسبها من دهب لمغني الحقيبة ومؤديها جميعاً: ما تعرب الكلام .. ما تعرب مطلقا.. كمان اهم شي ما تنطق أي حرف لازم تمد عنده لسانك بتتعوق وبتعوق الكلام زي الذال " ذ" تنطقها بطريقة الكلام اليومي عبر الحروف البديلة لها زي ال (دال او سين أو زين او ضاد) او حسب سياقها من الجملة كمان برضو وطبعا حرف الثاء تنطقه بلغة الشارع (سا سمك أو تا تور او صا صارقيل) او حسب موقعها من الجملة ولا تنطق الهمزة على النبرة (دوما ياء) مائل مايل مسائل مسايل مثلا.. وتهمل الهمزة على السطر دوما مثل: السماء في العامية سما وحين تنسبها لا تقول سمائك بل سماك أخف وألطف وسهلة النطق. وانا اكون ليك ممنون وشاكر وفي: سناك قليل يا جميل.
وضاوي سناك بمعنى (نور القمر) وفي ثناك في اغنية برضي ليك للعبادي بمعنى (شكرك) الاتنين تنطقهم بالسين (سناك) والمعنى واضح من السياق.
وحرف القاف برضو مشكلة .. وجب ان تنطق القاف بلغة الشارع او حسب موقعها من الجملة زي g الانجليزية: لا تقول قائد الاسطول بل قايد الاسطول gايد الاسطول.. اخف وارشق.
كل بلاد عندها طريقتها لنطق حرق القاف مثلا في مصر والشام يكون (أ) في اليومي وفي الغناء وفي اليمن والسودان على طريقة g الانجليزية او شي من هذا القبيل.
الأحرف دي (الثاء والذال والهمزة على النبرة والسطر كمان ايضا: القاف) أختفت من الشارع الناطق العربية ومن الغناء العربي منذ بداية العهد العباسي حوالي 750م ولم تعد أبداً راجعة لأنها ثقيلة (دا السر.. انت عايز ترجعها ليه) اختفت في كل مكان (الحجاز واليمن والشام ومصر والمغرب والأندلس والسودان طبعاً) وحلت محلها احرف اخرى اخف وارشق في النطق تختلف قليلا او كثيرا بين زمكان واخر.. عندنا في السودان أمشي شوف كتاب ود ضيف الله (الطبقات) مثلا وشوف أشعار ود الفراش وأشعار السافل كلها وبنونة (ماهو الفافنوس.. ما هو الغليد البوص) السين والصاد ممكن يشتغلوا قافية.
ولازم تعرف أو تتذكر أن: نمطية الحقيبة جارية وفق قواعد العامية الوسطسودانية برغم الكلمات الفريدة والغريبة المحتشدة بها القصيدة.. وهي طبعاً وافدة اي قادمة من تواريخ سحيقة .. وليست من أصل العامية الوسطسودانية إلا إنه كما أسلفنا القول فالنظم يخضع بالكامل لقواعد العامية الوسطودانية كما لاحظنا من الأمثلة والتقطيع العروضي الذي أجريناه على قدر من أشعار الحقيبة (يوجد رابط لذلك ختام هذا السرد).
يعني مثلاً ما تسمع كلام واحد مشعوذ (لا يعرف قواعد الزجل) مهما كان أنت بتحترمو ولو أبوك.. يقول ليك مثلا في اغنية برضي ليك المولى الموالي أنطقها او قلها (ثناك) بالثاء وليس سناك بالسين (في ثناك قليل يا جميل) لا ما تسمع كلامه إنه غير عالم بقواعد النمط الشعري ولا يعرف الفرق بين الأنماط الشعرية.
او يقول ليك (مثلا) انطق بازخ بالذال وليس الزين: نحن الشرف الباذخ (خليل فرح).. ما البازخ.. غلط.. الصاح بالزين لا الذال.. الشرف البازخ.. ولو وجدتها مرسومة باذخ او كتبتها كذلك لا مشكلة.. لكن لا تعرب.
من يقول لك بذلك دا بكون في العادة مجرد شخص كلاسيكي الفهم او شخص مدعي وجاهل بفن الزجل وقوانينه او الاتنين معا .. او حقبنجي ساي.. محترم صاح ما قلنا شيء.. بس زول "طلاس" وجاهل بقواعد الأنواع الشعرية ولونية الحقيبة النظمية وقواعدها.. وما قرا نتيجة بحث الحقيبة لسا او قرا طشاش او سمع بيها ساي من الناس وقعد يكورك.
نرجع للحظة للعبادي و (ثناك) أول حاجة لما تعملها (ثناك) وتنطقها بهذه الثقالة بدلاً من سناك.. إنت لسا ما عربت.. لازم تكون: ثنائِكَ لأن أصل الكلمة ثناء.. شوف المشكلة بتاعة النطق الحا تدخل فيها والعولاق الح تسويه في نفسك قدر شنو.. ولو عملتها كدا لازم تعرب الغنية كلها إش معنى في ثنائِكَ بس والباقي لا.. شفت كيف بتكبر المشكلة!.
الشعر العامي والزجل تحديدا ممنوع فيه التعريب.. واذا رسمتها بالثاء أو وجدتها مكتوبة كذلك الصاح تنطقها سين ومثلها كل الأحرف الثقيلة التي تحدثنا عنها للتو.. وعموماً لا تعرب.. غلط كبير.. زي كالمال كال"بنون" بتاعة سيد عبد العزيز اذا عربتها بتخل حتما بالقافية ان عربتها وعملتها كالبنين وكمان بالسجع والتفعيلة والوزن ويبقى خراب شامل زي خراب سوبا.
أي تعريب للفنون العامية عند إبن قزمان وصفي الدين الحلي "حرام" وعند محمد بن جمال نوع من الشعوذة فخيم وطلس حقبنجية ساي.
طيب للحظة نسمع مع بعض الشباب ديل بقولوا في شنو:
(جردت فني هذا من الإعراب .. كما يجرد السيف من القراب.. فمن دخل علي من هذا الباب فقد أخطأ وما أصاب) دا كلام ابن قزمان امام الزجالين ومخترع قوانين فن الزجل.. إبن قزمان بزعل منك وبشوتك برا ان عربت.
يعني الشعر العامي عامي والفصيح فصيح وإلا ح تعمل مشكلة وإخلال بالوزن والقوافي.
ودا الشاب البديع الصفي الحلي يتحدث عن: الفنون الأربعة التي كُتبت في اللغات العامية وهي الزجل والمواليا والقواما والكان كان.. وهي كل الفنون العامية مطلقا وما دونها فهو بناتها واحفادها.
إذ نص الحلي في مقدمة كتابه (العاطل الحالي) على هذه الفنون فقال: "فهي الفنون التي إعرابها لحن، وفصاحتها لَكْنٌ، وقوة لفظها وهن. حلال الإعراب بها حرام، وصحة اللفظ بها سقام. يتجدد حسنها إذا زادت خلاعة، وتضعف صنعتها إذا أودعت من النحو صناعة، فهي السهل الممتنع والأدنى المرتفع، لا سيما في الزجل الذي تختلف أوزانه ويضطرب ميزانه، ويتغاير لزومه ويشتبه منظومه. وهذه الفنون تختلف بحسب اختلاف بلاد مخترعيها وتفاوت اصطلاح مبتدعيها ؛ فمنها ما يكون له وزن واحد وقافية واحدة وهو الكان كان ومنها ما يكون له وزن واحد وأربع قواف وهو المواليا، ومنها ما يكون له وزنان وثلاث قواف وهي القواما ومنها ما يكون له عدة قواف وعدة أوزان وهو الزجل "وهو أرقاها في السلم وأعظمها شأناً").
فهي الفنون التي إعرابها لحن، وفصاحتها لَكْنٌ، وقوة لفظها وهن. حلال الإعراب بها حرام، وصحة اللفظ بها سقام. يتجدد حسنها إذا زادت خلاعة، وتضعف صنعتها إذا أودعت من النحو صناعة، فهي السهل الممتنع والأدنى المرتفع، لا سيما في الزجل. الخلاعة هنا بمعنى: منتهى الوضوح والصراحة.
هذا بالضبط ما قاله إبن خلدون الذي جاء في ترتيب الزمان بعد صفي الدين الحلي مباشرة وقبل إبن حجة الحموي بقليل الذي نقل عنهما ووافقهما في كتابه بلوغ الامل في فن الزجل.
والسؤال هنا، كيف يكون في اللحن واللكن بلاغة؟!.
نعم يكون وفق إبن خلدون (في تعدد القواميس العامية في القصيدة الواحدة).. بل إبن خلدون كان أشد صرامة في الوصف إذ يصف (اللحن واللكن) بالعجمة!.
ويعني طبعاً إنتفاء الإعراب لا أن اللغة ذاتها التي كتب بها الزجل الأندلسي في الجوهر أعجمية بالكامل بل عامية الأندلس العربية ولو حوت عبارات لاتينية مثل كل عاميات هذا الزمان التي تستطيع أن تحوي كلمات تركية وفرنسية وإنجليزية ولغات تاريخية أخرى عديدة لكن بعد هي عامية عربية. ولكنه برغم ذلك يقول لقد إزداد فضاء البلاغة مع اللحن واللكن؟. كيف حدث ذلك مع العجمة!.
حتى أن بعد عدة قرون تالية جاء المؤرخ الجليل محمد المنوني ليقول:
(ولعلنا سنجد في هذا النوع من الشعر من دقة الوصف ما لا نطمح أن نجده عند شاعر أو كاتب بالعربية الفصحى) اي ان الملحون من الشعر قد يكون افصح اي ابين وارفع من الفصيح الكلاسيكي.. مرافعة عن الشعر العامي او الملحون احسبها عظيمة.
وهنا نص إبن خلدون المعلوم عند هذه النقطة:
"لما شاع فنُّ التوشيح في أهل الأندلس، وأخذ به الجمهور لسلاسته وتنميق كلامه وترصيع أجزائه، نسجت العامة من أهل الأمصار على منواله، ونظموا في طريقتهم بلغتهم الحضرية من غير أن يلتزموا فيه إعراباً، واستحدثوا فناً سموه بالزجل، والتزموا النظم فيه على مناحيهم إلى هذا العهد فجاءوا فيه بالغرائب واتسع فيه للبلاغة مجال، بحسب لغتهم المستعجمة".
السر في تعدد القواميس المستخدمة + طريقة النظم المرصعة.. السحر الاعظم.. فتعدد القواميس هو مكمن البلاغة بلغة ابن خلدون اي يتسع للزجال المجال لانتقاء الكلمات والقوافي من عدة قواميس تاريخية.
فالترصيع عند إبن خلدون هو القيمة الثابتة عند الوشاح والزجال في ذات الأوان.
الموشح التام أي المعياري يتكون "مرصعاً" من مطلع (أغصان) وأدوار (أسماط) وأقفال (أغصان) وخرجة (أغصان).. وموشحة (جادك الغيث) للسان الدين الخطيب هي مضرب المثل المدرسي عند هذه اللحظة.. وهذا بإختصار طبعا. ومشى على نهجه الزجل فقط في لغة غير معربة.
إبن خلدون يقول لغتهم المستعجمة أي طبعاً غير الفصيحة. ويعني زجالي الأندلس آنذاك. وقلنا أن فن الحقيبة من نمط الزجل أو وريثه. فهل الحقيبة أيضاً أيضاً مستعجمة!. نعم طبعاً، برغم الكلمات الفريدة الرنانة "الوافدة من التاريخ" فإنها غير معربة (لا تجري على قواعد النحو والإعراب في اللغة الفصيحة أو الأحسن أن نقول "الكلاسيكية" ولا على أوزان أبحر الخليل وتفاعيلها بالضرورة) كما أن كثير من تصاريفها غريبة على العربية الكلاسيكية كما أنها غريبة على العامية الوسطودانية ذاتها الحاضنة لشعر الحقيبة كل الوقت. القواميس التاريخية انتبه: الحقيبة غير معربة.. عامية.. فقط جواها قواميس عربية تاريخية غريبة وقادمة من شعوب أخرى في التاريخ لكن أيضاً عامية.. فعندما تجد كلمة شادن فهي مجرد كلمة غزال والإتنين كلمات عربية فقط الإستخدام مختلف (الليلة ضابحين شادن.. شخص من الأندلس يتحدث.. الليلة ضابحين غزال شخص سوداني يتحدث). غزال البر يا راحل حرام من بعدك الساحل أنا المن حالى ماك سايل. عشقت شادن عيونو ساحرة وقوامو لادن .. كأنو زهرة. وذلك طبعا مجرد مثال لا حصري.
يعني مرجعية الكلمات ممكن كلها عربية بس غير معربة.. لازم ننتبه!.
ملخص للفكرة: تلات أنواع من العثرات تواجه مغني الحقيبة كل الوقت.. وجب الانتباه لها بروية.. 1. الاحرف المنقرضة من العاميات العربية 2. التعريب غير اللازم وبل المضر .. وشي آخر هو: 3. معضلة السواكن المتقابلة في الجملة الواحدة، كالتالي:
1- الأحرف المندثرة في العاميات (الذال، الثاء، الهمزة على النبرة والهمزة على السطر والقاف) تحدثنا عنها في سالف السرد وكشفنا عن الحلول المعروفة.
2 - التعريب مطلقاً كأن تسعى إلى إعمال قواعد النحو والصرف والإعراب في الشعر العامي (خطأ مميت). لأنك عند هذه الحالة تخل بالمعنى والوزن والقوافي فتصبح القصيدة مجرد كلام "ساي".
3- نطق السواكن المتقابلة (خطأ شائع عند مؤدي الحقيبة) مثال (محيكْ البدري) تنطق: محيكْ لْبدري (ثقيلة) والصحيح دوماً في هذه الحالة تحريك الساكن الأول بإستلاف الساكن الثاني (تلك قاعدة في العامية الوسطسودانية وجب أن ننتبه لها بروية) إذاً النطق الصحيح = (محيكَلْ بَدري). تحريك الكاف بإستلاف الساكن المقابل وبالتالي الكلمة المقابلة ستكون متحركة ويصح عندها النطق ويصبح أكثر خفة ورشاقة (توجد أمثلة عديدة لهذه العلة في الرابط المرفق تحت عنوان "أخطاء اللفظ والتفاعيل" عند مغني الحقيبة من الجيل الثاني وإلى الآن.. لكن ليس الجيل الأول (سرور وكرومة ومن في زمانهم) لأنهم كانوا يعرفون قواعد النمط عن دراية وافية.
الملاحظة المهمة هنا وربما مدهشة أن الأشعار المغناة السابقة للحقيبة (الحماسة والمناحة والدوبيت مثال) واللاحقة للحقيبة (التي جاءت بعدها كأعمال بازعة وإسماعيل حسن والحلنقي) لا توجد بها الأخطاء التي تحدث في حالة الحقيبة وتحديداً تعريب ما لا يجب أن يعرب فيعرب كما علة اخرى هي: نطق السواكن المتقابلة.. مع أنهم في الغالب ذات المغنين الذين أدوا الحقيبة فوقعو في العثرات ولكن في الغناء الأقدم للحقيبة والجديد لا (لأنهم يعرفون بالسليقة والفطرة) ولكن في حالة الحقيبة لا (إلا الرواد فإنهم كانوا عالمين بقواعد الزجل الحقيبي أمثال سرور وكرومة).
والسبب في تقديري هو الكلمات المتفردة (الغريبة على العامية الوسطسودانية الوافدة من عاميات ماضوية تاريخية = عامية العهد المملوكي 1250 - 1500 م والزجل الحوزي 1500-1830م) :
يا روح البدن يا غصين النقا يا لدن يا مهفهف يا املدن (ود الرضي)
فـاتـك هـاتك و يالك مـن مُـرائـي وصـدقك قليل (العبادي).. امثلة لا حصرية طبعا.
وأيضاً القاموس التاريخي المهمل مثل (ظبيات وجرة والعيس).
فأشعار الحقيبة تحتشد بمثل تلك العبارات الوافدة من تواريخ سحيقة وقواميس مجتمعات ماضوية ما عادت تعيش في هذا العصر.. مما يوحي بأن القصيدة فصيحة والحقيقة أنها ليست كذلك بل عامية وجملها التعبيرية كلها مبنية على الساكن (غير معربة) وكما اسلفنا تخصع بالكامل لقواعد العامية الوسطسودانية (الحاضن الرسمي لزجل الحقيبة) وبالتالي من الخطأ الجسيم تعريبها.
ملاحظة ختامية: هذه القراءة (اسميتها مجازا بالنصيحة) تستند إلى تجربة الباحث أيام بحث الحقيبة الذي جرى في تفتيش مرجعيات النمط الشعري وحده لأغاني الحقيبة لا الألحان والمقامات الموسيقية.. ذلك شأن آخر لم يتطرق له البحث. ولمزيد من المعلومات بهذا الصدد تستطيع أن تطلع على الكتابات المنشورة بهذا الصدد على الصفحات الخاصة بهذا الشأن أو بالباحث.
وتلك مجرد محاولة سريعة مني لتبيان الصورة في شمولها.. اتمناها واضحة ومفيدة.. واما مسالة: نطق السواكن المتقابلة دي "معضلة كبيرة" ح أرجع ليها لقدام بالأمثلة البيانية للأهمية.. ومقدما في الرابط دا بعض الأمثلة مع تطبيقات بيانية:
أخطاء اللفظ والتفاعيل/الوزن عند مغني الحقيبة من الجيل الثاني والثالث وما بعدهم!
--- نحن ما نزال نحكي على هامش فعاليات الحملة الوطنية لمكافحة شعوذة الحقبنجية وذلك الطلس الكتير.. نحن في زمان عهد الحقيبة الجديد: ما بعد البحث.. نحن في زمان الوعي العلمي بالذات الجماعية والتراث.. ومسو نوركم وابقو عافية.
وعلى هذا العنوان تتواصل فعاليات الحملة الوطنية لمكافحة طلس الحقبنجية او محاربة مية عام من الخرافات والدجل باسم حقيبة الفن:
تلك كانت حلقة "6" من سلسلة مكافحة طلس الحقبنجية.. ونواصل.
مقاطع صافية من عتيق بدون المختارات الغنائية (للحقيبة خلفية اندلسية) مع تعليق ايضاحي:
لحقيبة الفن السودانية خلفية في التراث الأندلسي الشاعر الحقيبي محمد بشير عتيق يقول في تسجيل صوتي تم العثور عليه حديثا.. وبهذا ينتهي الجدل حول نتيجة بحث الحقيبة.
ارفق هنا سلسلة من اربع حلقات كتابية على أثر هذه المناسبة:
الأولي تحوي ملخص كتابي لتسجيل عتيق الذي قال فيه أن للحقيبة خلفية في الموشح الأندلسي وصنف قصيدته الشهيرة (جسمي المنحول) كموشحة. ويوجد شرح للفرق بين فني الموشح والزجل.
في الحلقة الثانية مقاربة لكلام عتيقة بان الحقيبة من نمطية الموشح الاندلسي بنتيجة البحث ان: الحقيبة من نمطية الزجل الأندلسي.
في الحلقة الثالثة اجابة على السؤال: ما الحاجة لنوع شعري وغنائي جديد ايام العهد الانجليزي في السودان ولماذا تحديدا الزجل الاندلسي دون غيره من فنون العالم!.
في الحلقة الرابعة والاخيرة محاولة لكشف لخطأ المسلمات التي ترجع نمطية الحقيبة النظمية لاشعار السافل والمديح النبوي السوداني وارث سنار. والحديث هنا عن النوع الشعري لا الألحان والإيقاعات والموسيقى. وكيف ان الحقيبة زجل تم تكييفه مع المزاج الغنائي السوداني ايام العهد الانجليزي.
حلقة 1-4
مقدمة:
"شعراء الحقيبة كتبوا الموشح الاندلسي وانا في مقدمتهم” الشاعر الحقيبي عتيق يقول.. هذا ربما عنى أن علينا أن ننظر للخلفية النمطية لنظم الحقيبة بطريقة جديدة!.
تصريحات الشاعر محمد بشير عتيق في تسجيل إذاعي قديم تم نشره حديثاً يقول فيها أن: شعراء الحقيبة كتبوا الموشح الأندلسي أو نظموا على طريقة الموشح الأندلسي.. ذلك يعني أن للحقيبة خلفية نظمية أخرى ليست بالضرورة ذات علاقة مباشرة بالمسلمات السائدة كل الوقت أن: خلفية نظم الحقيبة في شعر السافل والمدائح النبوية وتراث سنار. وإنما ذات علاقة مباشرة بالتراث الأندلسي من حيث طريقة النظم والقاموس والمخيال الشعري.
إنه إخبار واضح وصريح (أنا وزملائي كتبنا، أشعرنا الموشح الأندلسي) ولم يقل تأثرنا بالأثر فحسب كما إستخلص مثلاً البروف على المك من أشعار الخليل، أنه تأثر بشعر الطبيعة الأندلسي .. لا بل قال: نحن كتبنا/أشعرنا الموشح الأندلسي.. وذكر نماذجاً لتلك الموشحات المعنية منها قصيدته الشهيرة "جسمي المنحول"، قال أنها موشحة.
وقال أن الرائد سيد عبد العزيز عنده موشحات كما الشاعرين: عبيد عبد الرحمن وعبد الرحمن الريح وبالطبع أستاذه الشاعر الرائد الكبير صالح عبد السيد أبو صلاح.
وذكر عتيق عديد المرات أن (أبو صلاح) أستاذه وقدوته في الشعر والنظم والمخيال. وقال أنه أطلع بروية على الموشحات الأندلسية من مصادرها التاريخية وأقتفى أثرها.
الشاعر عتيق يقول أن شعراء الحقيبة نظموا الموشح الأندلسي وهو بدوره نظم الموشح وجاء بنماذج لما أسماه موشحات أندلسية من إنتاج عدد من شعراء الحقيبة. والبحث قال أن الحقيبة زجل أندلسي وليست "موشح أندلسي". أي أن نتيجة البحث والشاعر عتيق متفقان أن للحقيبة خلفية نظمية أندلسية ولو إختلفا في نوعها النظمي، لا يهم!.
ملاحظات إستباقية أو مفاتيح الكلام:
1- خلفية أندلسية نَعني بها هنا: مرجعية النمط الشعري النظمية لزجل حقيبة الفن السودانية وفق نتيجة البحث ووفق تسجيل الشاعر الحقيبي محمد بشير عتيق الذي صنف فيه أشعار الحقيبة كموشحات أندلسية (تم العثور على اللقاء مع عتيق فقط هذه الأيام بعد أربعين عاماً من تسجيله) لأسباب مجهولة. ونقول خلفية النمط النظمية لأن الزجل لم يأتي إلى السودان بكل محمولاته اللحنية والآدائية وإنما فقط نظم شعري تم تكييفه غنائياً مع الموروث المحلي اللحني والإيقاعي والموسيقي.
2- الزجل نوع شعري/غنائي/عامي/شعبي منبثق عن الموشح الأندلسي من حيث طريقة النظم نشأ أيام الأندلس المزدهرة ثم عم الشرق أيضاً تلك العهود وما زال يُمارس في كل المجتمعات المتحدثة اللغة العربية بالأصالة وتم مؤخراً إعتماد نوعين منه كإرث إنساني غير مادي بواسطة اليونيسكو/الأمم المتحدة وهما الزجل اللبناني 2014 والملحون المغربي 2024 (فهل يتم تسجيل الحقيبة السودانية أيضاً كإرث إنساني غير مادي!.. تلك هي الأمنية).
3- ما الحاجة إلى نوع شعري/غنائي جديد في السودان بداية العهد البريطاني في السودان؟! .. نضع هذا السؤال في الحسبان للأهمية ونحن نقرأ معاً هذه السلسلة من الحلقات المخصصة لموضعة تسجيل عتيق (الحقيبة موشحات أندلسية) في نتيجة بحث الحقيبة (الحقيبة زجل أندلسي). وستكون أربعة حلقات قصيرة نسبياً تأتي بالتتابع.
4- هذه الكتابة ومجمل الآراء الواردة بها تجد مرجعيتها في خلاصات نتيجة بحث الحقيبة وهو بحث في النظم الشعري للحقيبة وخلفيته النوعية وظروف نشأته التاريخية والآنثروبولوجية أيام العهد البريطاني في السودان.
للحقيبة خلفية أندلسية.. ملخص كتابي للنقاط الجوهرية من تسجيل عتيق التاريخي برفقة الإذاعي خليل محمود محمد:
1- حدثنا عم عتيق عن شغلكم في الموشحات الأندلسية (الجزء الاول من اللقاء يبدأ بمقدمة قصيرة من الإذاعي الألمعي خليل محمود محمد عن الموشح الأندلسي ) اللقاء جرى حوالي 1987 تقريبا.
2- أنا بديت في مدينة كسلا بالدوباي وبعد داك عملت في الموشح الأندلسي (الشاعر عتيق)
3- في البداية نفسي ما كنت عارف أن شغلي موشح لغاية ما جاء الزمن وعرفت (عتيق)
5- "جسمي المنحول" أول موشحة لي عملتها سنة 1937.. سيد عبد العزيز وعبيد عبدر الرحمن وعبد الرحمن الريح كلهم عندهم موشحات أندلسية.
6- أبو صلاح أستاذي وتعلمت منه كل شئ (عتيق). أنا أعتبره شيخ الصنعة "شعره فيه صنعة كبيرة وعندنا مثال جوهر صدر المحافل" (خليل يقول) ويعترض عتيق أن في شعر أبو صلاح أيضاً روح وعاطفة كبيرة.
7- العبادي شاعر متمكن وكذلك ود الرضي وسيد عبد العزيز يمتاز بالرصانة (عتيق)
8- أنا سودنت أبيات شعر فصيحة قال عتيق ذلك و ضرب مثلا.
(ووجدنا مرة أن الرائد سيد عبد العزيز سودن قصيدة في سناء القمر لإبن زيدون إلى في ديارهم حجبو القمر.. كما أخريات).
10- الموشح الأندلسي بتعرف بالقافية الآخيرة (عتيق يقول).. جسمي المنحول موشحة (أنا أشتغلت كتير في الموشح وأول واحد نظم الموشح الأندلسي هو أنا) ولكن "حاول يخفي نفسو" لسيد عبد العزيز ليست موشحة بس فيها رصف للقوافي.. سيد عنده الموشح الأندلسي لكن "حاول يخفي نفسو" لا.. لكن (فرحة للروح) لسيد موشحة أندلسية. . الموشحة بتتعرف بآخر القافية .. يقول عتيق.
ذلك هو ملخص لأقوال الشاعر الجليل عتيق في لقائه الإذاعي مع الأديب خليل محمود محمد. وتبقت لنا بعد ثلاث خطوات لنحاول موضعة كلام عتيق التاريخي في إحداثيات نتيجة بحث الحقيبة تلك المكونة بدورها من ثلاث نقاط:
2- تم تشجيع النمط بواسطة السلطات الإنجليزية لأسباب ذلك الزمان (وفق البحث).
3- لا يوجد دوبيت في السودان بالمعنى الإصطلاحي للكلمة وإنما أنماط شعرية أخرى وتحديداً مواليا وقوما وكان كان (هذه المعرفة تجعلنا نتعرف على القوانين الداخلية لكل نمط وآخر والفرز بينها).
وهنا تعليق ختامي على النقطة الأخيرة لعتيق رقم 10 الواردة بعاليه:
عتيق يعرف أنه نظم الشعر على نهج الموشح الأندلسي كونه يتحدث عن تجربة ذاتية.. ويقول للعلم أن الموشح الأندلسي يتحدد وينفرز عن الأنماط الشعرية الأخرى عبر القافية (نسق القوافي) أي طريقة النظم بشكل عام. وهذه المنهجية هي ذاتها التي أتبعها البحث ليصل إلى أن الحقيبة من نمطية الزجل الأندلسي وليس الموشح.. وهناك أدلة مادية بينة يستطيع ان يتعرف عليها في الحال كل مطلع وعالم بالفرق بين الزجل والموشح والأنماط الشعرية عموما.. هذا ما سيأتي شرحه تفصيلياً في مستقبل السرد وشرح لماذا صنف عتيق تحفته البديعة "جسمي المنحول" كموشحة.. مع انها زجلية!.
تلك كانت حلقة 1 من 4.. البقية تأتي بالتتابع (للحقيبة خلفية أندلسية) الشاعر الحقيبي محمد بشير عتيق يقول:
الحلقة الاكثر إثارة وتشويق من حلقات حقيبة الفن تتمثل في حرب الطنابرة وحرب التم تم (فنون السودان الاقدم) وسيكون هناك نفي واستيعاب في ذات الاوان: استيعاب الطنابرة الى الغناء الجديد (الشي الجديد كان اسمه قبل الاسم حقيبة) الطنابرة الوافقو (مثال: بشير الرباطابي وعبد الله الماحي) مشوا قدام وتم نفي من رفض ماديا ومعنويا مثال: عبد الغفار الطنباري (وجلده وتهديده بالقتل) ومحمد ود الفكي (سكت واصبح تاجر خضروات في سوق امدرمان) وغيرهم الكثير. وتم استيعاب العديد من مغنيات التمتم وتسفيرهم الى القاهرة: مهلة العبادية وام الحسن الشايقية وعاشة الفلاتية (اسم القبيلة ضروري للتمييز بين المغنيات الاحرار والاخريات بالذات في المراحل الاولى من تاريخ المرحلة) وام رشيرش وفاطمة خميس وتومات كوستي. اضافة الى زنقار الذي قتله زميله في العمل على خلفية خلافات مالية. وتم نفي اخريات من مغنيات التم تم. وتزوج دميتري البازار من فنانة التم تم فاطمة خميس.
كانت هناك لجان متخصصة لذلك الغرض الهام في زمانه .. توجد وثائق وافية بهذا الخصوص.
وعلى ذكر القاهرة فقد كانت تمثل عاصمة الشرق الثقافية وبيروت عاصمة الشرق الاكاديمية بينما الخرطوم عاصمة الشرق الاقتصادية شديدة الاهمية اذ كان الجنيه السوداني يعادل 4 جنيه استرليني.. فكان لا بد من حراستها وتامينها وفي الخاطر دوما مقتل غردون باشا.. والثورات والحروب اولها كلام والكلام كانت وسيلته الوحيدة الغنايين والحكايين الشعبيين.
ملاحظة: طمنبور او طمبور /Tambur/Tanbur كلمة تركية تعني الربابة. تم تم كلمة انجليزية Tom tom تعني الدلوكة. يعني زي Fish وسمك.
مساء اليوم نحكي عن حرب الطنابرة والتم تم (الاسباب والمآلات ) من سلسلة طلس الحقبنحية.. will see
الحلقة رقم 7 (حرب الطنابرة والتم تم) من سلسلة الحقيبة الجديدة او ( مكافحة الطلس) تتأجل لغاية يوم بكرا ان ربنا هون.. الليلة قضيت معظم وقتي اتامل في ارث محمد المكي ابراهيم زي كتير مننا.
مثلا: كل العناوين دي وفق الحظ اخوكم ان ينشر خلاصاتها في صيغة مقالات او اوراق بحثية.. ونوقش بعضها في لقاءات عامة اكثر من مرة.. لا اتحدث عن قيمة عظيمة فقط ما حدث.. الا العنوان الاخير.. حتى رحل صاحبه الأثير الآسر:
1. دولة المواطنة vs دولة الهوية
2. ازمة اللون الاسود الكونية .. متي وكيف ولماذا!
3. الانواع والالوان الشعرية والغنائية في تاريخ السودان الحديث (الانماط والتفاعيل والاوزان والمخيالات الانثروبولوجية).
4. حقيبة الفن (اضاءة على نتيجة بحث الحقيبة)
5. العامية الوسطسودانية متى وكيف ولماذا سادت في الوسط النيلي الوسيط دون غيره من ارجاء السودان الاخرى
6. قواعد العامية الوسطسودانية
7. سايكولوجية الزول السوداني
8. الدولة والمجتمع المدني في السودان
9. انسان الشرق وانسان الغرب (مقارنة انثربولوجية)
10. محمد المكي ابراهيم ومدرسة الغابة والصحراء واسئلة الهوية والمواطنة. كتبت خمس مسودات منذ عدة اعوام تحت هذا العنوان الاخير ولم انشرها ابدا من قبل.
السلام على روح المبدع الكبير محمد المكي ابراهيم صاحب ديوان امتي وسيد ملحمة اكتوبر الاخضر.. ولنتامل في مقبل الايام ابداعاته العديدة ورؤاه.
وبكرا ان ربنا هون ننشر الحلقة رقم 7 حرب الطنابرة والتم تم وفن الحقيبة او وفق الوعد.. وهو شأن بدوره مهم كونه ذو علاقة مباشرة ب: مراجعة الذات والتراث.. او حسب زعمي الخاص طبعا!
10-04-2024, 01:32 AM
محمد جمال الدين محمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5757
حلف التَّمْتامة والزَّجالين هو الذي حدد مصير مستقبل الغناء الحديث في السودان بعد إبعاد فن الطنبور من العاصمة 1919-1940
ملاحظات إستباقية: 1- التَّمْتامة (مصطلح خاصتي) إشارة إلى المشتغلين بفن التم تم والزجالين (ايضا مصطلح خاصتي) إشار الى شعراء حقيبة الفن.
2- الطنابرة هم الجماعات التي كانت تتسيد ساحة فن الطنبور بالعاصمة (أمدر/الخرطوم) فيما قبل الحقيبة وحتى العام 1919 العام الذي أشتعلت فيه الحرب ضدهم بواسطة رواد الفن الذي أنبعث حديثاً آنها وأخذ في المستقبل إسم "حقيبة الفن”.
3- هذه هي الحلقة "8” من سلسلة مكافحة طلس الحقبنجية. وكي لا تطول سـأتناول فيها العناوين البارزة فقط لما أسميته (حلف التَّمْتامة والزَّجالين) ونعود في المستقبل لتقديم مزيد من االإفادات حيال الموضوع.
نعم، بقليل من التأمل ربما نستدرك أن حلف التَّمْتامة والزَّجالين هو الذي حدد مصير مستقبل الغناء الحديث في السودان بعد إبعاد فن الطنبور من العاصمة 1919-1940 وسجنه في الأرياف البعيدة أي وضعه قسراً في الظلال. إذ إنتصار فن حقيبة في نهاية المطاف جاء على خلفية حرب الطنابرة عبر نفيهم من العاصمة أو تحييدهم من الساحة الفنية ثم بعد قليل أشتغلت حرب في ساحة أخرى بدورها مهمة هي حرب التم تم (إحدى فنون السودان الاقدم والأكثرها حضوراً وإنتشاراً). اسباب تلك الحروب مشروحة تفصيليا في الحلقات السابقة. نحن هنا نهتم اكثر بالنتيجة.
والحربان (حرب الطنابرة والتمتامة) تضمنتا نفي واستيعاب في ذات الاوان لكن بطرق مختلفة ودرجات مختلفة: إذ تم استيعاب بعض الطنابرة في ساحة الغناء الجديد (الشي الجديد كان اسمه قبل الاسم: حقيبة) لكن دون إستيعاب أدوات فنهم (الربابة والكرير). من أمثلة من تم إستيعابهم: بشير الرباطابي وعبد الله الماحي والأمين برهان. في ذات الوقت تم نفي من رفض فن الزجل نفياً مادياً ومعنوياً مثال: عبد الغفار الطنباري (وجلده وتهديده بالقتل) ومحمد ود الفكي (سكت واصبح تاجر خضروات في سوق امدرمان) وغيرهم الكثير طبعاً.
في الجانب الآخر تم استيعاب العديد من مغنيات التم تم مع تبني إيقاعات التمتم ذاتها فقط تم تغيير الكلمة الغنائية (محل الحرب الاساسية) وتم اخيرا الاحتفاء بالعديد من مغنيات التمتم وتسفير بعضهن إلى القاهرة لتسجيل أسطوانات، مثال: مهلة العبادية وام الحسن الشايقية وعاشة الفلاتية (اسم القبيلة ضروري للتمييز بين المغنيات الاحرار والاخريات بالذات في المراحل الاولى من تاريخ المرحلة) وام رشيرش وفاطمة خميس وتومات كوستي. اضافة الى زنقار الذي قتله زميله في العمل على خلفية خلافات مالية (وتم الحكم بالإعدام على قاتله وتم نشر حيثيات المحكمة في الصحف سنة 1952 وهو شخص موهوب ومتعدد المواهب كونه كان: مغني ورسام ورياضي وراقص في ذات الوقت) فورث ساحته الفنان الصاعد آنها عبد العزيز محمد داؤود الذي أصبح ملك التمتم في المستقبل وعلى يديه تدربت كثير من الاجيال اللاحقة على فن التم تم وإيقاعاته المتعددة.
الحرب على التمتم سرعان ما أنتهت بحلف بين التَّمْتامة والزَّجالين تمثلت نتيجه هذا الحلف في: تَبنِّي زجَّالو الحقيبة لإيقاع التم تم ليغذي فن الحقيبة بشئ يعوزه في الماضي وهو الإيقاع الأصيل مما حداه إزاء ذلك النقص إلى إستخدام الرق “المصري” في لحظة ما. وفي المقابل حلف المصلحة المشتركة تضمن تغيير نوعي في كلمة غناء التمتم (غناء السيرة والفروسية والمناحة) الى كلمة شعرية جديدة مستحدثة تواكب المرحلة الجديدة (من امثلتها: يا خداري لعبد الرحمن الريح وبف نفسك يا القطار لعبد القادر تلودي).
تبني إيقاع التمتم أدى في المستقبل إلى نتيجة اخرى وهي هزيمة آلة (الرق) التي تسيدت لبعض الوقت غناء الحقيبة إلى درجة أن هناك مرحلة ما؛ سميت بمرحلة الرق. وأختفى الرق بشكل تام من الغناء السوداني ولم يعد حتى تاريخ اليوم وهو طبعا من الآلات الإيقاعية الأكثر قِدماً وأصالة في كل بلدان المشرق العربي المشتغلة بالسلم السباعي في موسيقاها.
وقبل حضور الرق كانت بدايات الحقيبة تؤدى عبر الآلات الوترية وحدها ومن أسطع أمثلتها (عازة في هواك للخليل) والعديد من أغنيات سرور المسجلة في الاسطوانات القديمة وليس بالضرورة الاذاعة.
فاصبح ايقاع التم تم سيد الموقف في اغاني الحقيبة ومعظم الاغاني الاخرى التي تلتها؛ بالذات في الوسط النيلي.
كانت هناك لجان متخصصة لذلك الغرض الهام في زمانه.. التعامل مع الطنابرة والتمتامة .. كما توجد وثائق وافية بهذا الخصوص تقول بتغيير كلمة أغاني التم تم مع الإحتفاظ بالإيقاع.
يوجد رابط ختام هذا السرد يلقي مزيد من الضوء على طبيعة الصراع الذي دار في أوقات مختلفة بين زجالي الحقيبة والطنابرة والتمتامة وكيف أنتهت تلك المعارك الفنية إلى ما نحن عليه الآن من كلمة ولحن وغناء وآلات موسيقية وإلى صعود شعراء وفنانين وعازفين ومنتجين وهبوط اخرين وانزوائهم عن ساحة المشهد المر ئي.
وهذا طبعاً بإختصار وسأعود بتفاصيل أوفى في المستقبل. وهناك بالفعل كتابات عديدة قامت على خلفية نتيجة البحث تحت عنوان: البداية والنهاية (كيف ومتى ولماذا نشأت حقيبة الفن ولماذا أنتهت كنظم).
ملاحظة ختامية: بحث الحقيبة جرى حول النظم الشعري وحده (لا الألحان والموسيقى) وحول الظروف السياسية والإجتماعية والانثروبولوجية التي تخلق في زمانها فن الحقيبة ولكن أحياناً يمر الباحث عبر محطات أخرى تستحق النظر ومن أهمها حروب الفن التي جرت ذلك الزمان.
حلقة "8" حقيبة الفن: البداية والنهاية.. كيف ولماذا ومتى "؟!" الاسباب والنتائج
ونبدا بسؤال: ما الحاجة لتخلق نمط شعري وغنائي جديد في تلك اللحظة التاريخية؟!. ذلك السؤال مهم في تقديري لتأمله اولا.. ثم : لماذا وكيف مات النمط النظمي للحقيبة.. كما حدثنا الواقع!
نظرة في اسباب نشوء النمط:
ربما لأن لا توجد في سالف تاريخ السودان أنماط شعرية وغنائية حضرية (مدينية) بل كل أو جل تلك الأنواع ريفية وبدوية ثم ذات خلفية أثنية آحادية كل الوقت.. مثل:
1- أشعار السافل (كبوشية وشندي والمتمة والدامر) وهي مناطق الجعليين التاريخية.
2- أشعار البطانة وهي في الأساس إنتاج جماعات الشكرية والمسلمية والكواهلة والبطاحين ورفاعة واللحويين. وهي أول الأشعار التي وصلتنا من بدايات العهد السناري. وربما تكون أول الأشعار االعامية التي وصلتنا مطلقا.
3- أشعار الشايقية
4- شمال كردفان (مثال الحسانية والكبابيش والمجانين والجوامعة).
وغير ذلك لا يوجد في أواسط السودان غير غناء الدلوكة بقسميه أ- غناء البنات الأحرار ب- غناء البنات خادمات المنازل (ورد أيضاً في كتاب لهجة عربان السودان بقلم اليوزباشي أميري 1905).
مع بداية العهد الإنجليزي 1900 حدثت تحولات إدارية وإقتصادية وثقافية جديدة أقتضت لزوم تحول في مخيال الشعر والغناء.. هذه بإختصار.
مختصر أسرار ميلاد حقيبة الفن السودانية وأسباب نهايتها.. سرد مختصر حول أسباب نشوء النظم الشعري لحقيبة الفن واسباب نهايته أو موته النظمي.
أسباب نشوء النمط الحقيبي "الزجلي" تتلخص في التغيير السياسي والإجتماعي والإقتصادي والإداري الكبير الذي أعقب مجزرة كرري وإنهيار الدولة المهدية وسيطرة الإنجليز والباشوات على السودان من جديد بعد إنقطاع دام طيلة عهد الدولة المهدية "15 سنة".
فجاءت قيادة جديدة للدولة وجيوش جديدة وجاليات جديدة ومخيالات ثقافية جديدة. كل ذلك تطلب بدوره فن ترفيهي جديد ورقص جديد وكل شئ جديد.
إضافة إلى أن فنون السودان التي كانت سائدة تلك اللحظة كانت عنيفة العبارة ومشحونة بذكر أدوات الحرب والطحان من سيوف وحراب وسيطان وبطان و"الخيل عركسن ما قال عدادن كم.. أحي على سيفو بالحد الروس" بنونة. والرقصات المصاحبة لتلك الأغاني تُمارس حرفياً بإصطحاب السيوف والعصي والسيطان من أنواع العرضة والصقرية والقفز بالسيوف في الهواء وكأنها معركة حربية حقيقية.
تلك في الحقيقة إحدى تمارين خوض الحروب.. أي تدريب الفرسان الأشداء على إستخدام أدوات القتال كما تأهيلهم بدنياً. نعم، هي أقرب لأن تكون تدريبات ومناورات عسكرية منها إلى مجرد رقص ترفيهي.
كما أن تلك الأشعار المغناة يتبعها في كثير من الأحيان كرير عبر الحلق يسمى "الطنبور أو الطمبور" والطنبور في ذات الوقت هو الربابة في منطقة الجعليين الكبرى وله أسماء أخرى في الأرجاء الأخرى.. والكرير تحديداً شكل من أشكال الكورس الغنائي والموسيقى (فلكلوري) متخلف تقنياً عن أشكال الموسيقى الحديثة التي دخلت السودان مع العهد الجديد (العود والكمان والرق).. وقد أسس الإنجليز الفرقة الموسيقية العسكرية العام 1915.
لكل تلك الأسباب لا بد من نشوء فن جديد ألطف في العبارة وأشيك.. وفي لغة قد تكون مفهومة للجنود وقياداتهم والجاليات الجديدة .. أي حاجة مناسبة للأذواق الجديدة من جاليات وافدة وجيوش حارسة للوطن والعهد الجديد وموظفين وعمال يكدون ليل نهار من أجل رفعة إقتصاد البلاد وأمنها وفي الخاطر الإمبراطورية العظمى ومصانع لانكشير وقطن الجزيرة ذلك "الذهب الأبيض".
كل هؤلئك يستحقون فناً جديداً يفهمونه ويروحون به عن أنفسهم (ولا إذاعة بعد ولا تلفزيون ولا أدوات تسجيل) ذلك الزمان . دور الفن والحكاوي الشعبية كان في غاية الأهمية والخطورة ليس فقط في فضاء الترفيه بل ايضاً في إثارة الثورات ضد الحكام من كانوا أو العكس تثبيطها!. كان لا بد من بحث عن فن خالي من ألفاظ وأدوات الأرهاب وخالي من (الربابة وعُوعايْ الطنابرة) ذلك الشكل التاريخي الذي يمكن فقط وضعه في المتاحف ليتفرج عليه زوار الخرطوم التي أصبحت للتو جزءاً من ممتلكات الإمبراطورية العظمى. وكان هناك خمسة مبدعون عظام قاموا بالمهمة في الدورة التمهيدية على الوجه الاكمل ثم أنتقوا معهم لاحقاً آخرين وهم:
إبراهيم العبادي والخليل في خط واحد وود الرضي وصالح عبد السيد أبو صلاح. (الخليل تراجع دوره بعد احداث نوفمبر 1924 وانحيازه للمعسكر المهزوم في المعركة وربما ذلك سببا من اسباب موته المبكر). هؤلئك معاً تولوا أمر الثورة الفنية الشعرية الجديدة (الوعد الجديد) بمنتهى الصدق والعنفوان.
وتولى أمر الألحان والأداء الحاج محمد أحمد سرور. هو الخامس (في التيم) وذو اهمية بالغة.
وتم في الجانب الآخر (في العلن والسر) ردع الطنابرة بعنف شديد ومنظم (فنون السودان الشعبية والتراثية الأقدم والأرسخ).. تحدثت عن ذلك بعض الوثائق ثم عم الصمت بعد التمكين الإنجليزي الذي استمر 60 عاماً. وتم أيضاً محاربة فن التمتم ثم توجيهه في نسق الزجل. وفي جانب آخر كانت هناك أيضاً حرب تجري ضد أغاني التم تم أنتهت بصلح تلقائي بينهما نسبة للحاجة المتبادلة بين الفنيين (راجع إن شئت الحلقات السابقة من هذه السلسلة).
وكان النمط الزجلي مناسباً نسبة لعدة أسباب: 1- لغته في بعض نصوصها الأصيلة تشابه العامية السودانية (متأثرة بالعهد المملوكي) 2- يسهل مجاراته والإنطلاق منه إلى الخصوصية الإبداعية 3- مفهوم ومعروف للجاليات الجديدة الوافدة مع العهد الجديد وللجيوش وقياداتها 4- مموسق ورشيق العبارة بطبيعته النمطية 5- يعيش في تاريخانيته في مَنْأى عن السياسية وتقلباتها إلا شذوذا.
وهكذا انبلج العهد الغنائي الجديد مع ليالي سرور.
هذا بإختصار في شأن أسباب نشوء النمط... وأما أسباب خفوته أو في الحقيقة موته النظمي، فهذه هي الاسباب وفق هذا التصور “ثلاثة أسباب":
1- السبب الاول أن النمط الشعري ليس جزءً من مخيال أي جماعة شعبية سودانية.. بالتالي فإن طريقة نظمه مجهولة بالنسبة للجميع ما عدا أصحاب الصنعة. وفي هكذا حالة فبتوقف أو موت أصحاب النظم يموت النظم. وهذا بالضبط ما حدث. هذا بإختصار حيال هذه النقطة.
2- السبب الثاني في علة النظم نفسه (طريقة نظم الزجل أو طبيعته) معقدة حيث لا بد من: مطلع وأدوار وأقفال وخرجة.. أو أن تتعدد الأوزان وتتعدد القوافي بين الصدر والعجز من البيت الواحد ثم تثليث وتربيع القافية وربما تسديسها (ح/ماماتن.. غ/ماماتن) مثال.. مما يجعله عملاً شاقاً جداً لا تستطيعه إلا المواهب الجبارة وذات الدربة العالية.
ولهذه الأسباب فنمطية الزجل الأندلسي في الغالب لا تصلح للمعاني بل الوصف. ولذا كثير من شعراء الحقيبة لحظة المشاعر أو الرؤى الحقيقية يلجأون إلى الدارجة السودانية القحة وإلى الدوبيت.
3- إنقضاء ظروف النشأة.
ذلك النظم الحقيبي (الزجلي) الباهر كان حتماً عملاً شاقاً جداً في زمانه وليس كما يبدو عليه من شكله الخارجي.. ولا يقدر عليه إلا شخص يمتلك حتماً شيئين جوهريين “معاً”: 1- موهبة فطرية عالية (ليس كافية إلا مع حضور الشئ الثاني) 2- علم مسبق بطرق النظم الزجلي ذات التعقيد الكبير.
وفي غياب هذين الشيئين يغيب كل شئ تقريباً وذلك بالضبط ما حدث وأثبته الواقع .. فغاب نظم الحقيبة وغابت القواميس التاريخية .. وظلت الحقيبة مجرد صدى محبوب يردده الناس كل يوم مع ذكريات الأزمان الجميلة المنصرمة.. وظل كثير من الناس في ظل عدم الوعي العلمي بخلفية نظم الحقيبة ونوعها الشعري وملابسات نشأتها تنسج الأساطير والقصص الخرافية كل الوقت وحتى تاريخ بحث الحقيبة 2017 حيث أمكننا الإجابة العلمية على كل تلك الأسئلة التي كانت بلا إجابة.
تتواصل سلسلة مكافحة طلس الحقبنجية.. في المرة المقبلة سنسرد المراحل الزمنية من النواحي النظمية والفنية والعملية التي مرت بها الحقيبة بين الاعوام 1910 و 1953 حيث كان اسم الفن (الشيء الجديد) و1954-الى تاريخ اليوم حيث اصبح اسمه (حقيبة الفن)
10-07-2024, 10:10 PM
محمد جمال الدين محمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5757
---حلقة "10" خارطة طريق لبقية حلقات حقيبة الفن .. من سلسلة مكافحة طلس الحقبنجية
هذه الحلقة ستكون بمثابة خارطة طريق لمواضيع مستقبل حلقات مكافحة الطلس وهي من المهام الشاقة التي آليتها على نفسي كون محاربة الطلس قد تواجه بمقاومة عنيفة من الطلاسين الكتار وماليين البلد.. هذا من ناحية.. وأما من الناحية التانية تلات ترباع الطلاسين ديل أصحاب وقاعدين مع الواحد في كل مكان والبعض منهم أساتذة محببين في الحياة وحرفيا في جميع المراحل الدراسية ولغاية كلية غردون التذكارية.. حيث كان خليل فرح أفندي يوما ما.. لكن يظل الطلس طلس ووجب مكافحته ما امكن.
عناوين الحلقات المخطط لها في مقبل الايام ان ربنا هون.. وتوجد ملاحظات مهمه في الختام:
ربما نكتشف أن تلك وهمة متدروشة جدا وراسخة لأن إن كانت الخلوة تصنع شاعراً مثل شعراء الحقيبة فالأولى أن يكون معهد أم درمان العلمي (تأسس 1912) ان يفعل وهو المرحلة الما فوق "خلوة" ولم يخرج منه أي شاعر حقيبة. بل خرج منه التجاني يوسف بشير صاحب ديوان إشراقة وعبد الله البشير أمير شعراء السودان وغيرهم الكثير وجميعهم كتبوا الشعر الفصيح لا العامي/الغنائي.. نقطة سنشرحها تفصيليا في زمانها.
وسنعرف ايضا أن شعراء الحقيبة (جميعهم) تلقوا تعليمياً عاماً أو خاصاً غير الخلوة وكثير منهم يتقن اللغة الإنجليزية وقرأوا أمهات عيون الكتب في زمانهم مثل: المستلطف في كل فن مستظرف والعاطل الحالي وبلوغ الأمل في فن الزجل.. وغير ذلك الكثير.. ولم يكن ود الرضي تاجر قرع إلا لمحة من صباه بل مثقف اصيل وقاريء نهم وكان تاجر كتب ومجلات والعبادي كان متخصص في المحاسبة (علم الدوبا) وتلك كانت مهنته الأولى وكان ابو صلاح يحفظ عشرة الاف بيت شعري من التراث القديم (عتيق قال كدا) وكان سيد عبد العزيز يدرس في ذات الوقت اللغتين العربية والانجليزية على يد اساتذة مختصين (ودي مجرد امثلة لا حصرية) دعك الآن من ناس كلية غردون التذكارية. المهم خلوني هسا من التفاصيل لغاية ما نجي للحلقة المهمة دي. مع ملاحظة أن وهمة مجاراة الحقيبة لشعر السافل والمديح النبوي دي مرينا عليها في الحلقات السابقة.
حلقة "12"
سرد للمراحل الزمنية من النواحي النظمية والفنية والعملية التي مرت بها الحقيبة بين الاعوام 1910 و 1953 حيث كان اسم الفن الجديد (الشيء الجديد) و1954-الى تاريخ اليوم حيث اصبح اسمه (حقيبة الفن)
حلقة "13"
غناء البنات (التم تم .. الدلوكة = Tom tom) أيام التركية والمهدية وبداية العهد الإنجليزي
حلقة "14"
وهمة الملهمات القبطيات واليهوديات (مجرد تفسير خرافي لنمط شعري ظل مجهول الهوية من حيث النوع والمخيال الشعري والقاموس)
حلقة "15"
كيف تم تمويل الأسطوانات ولماذا (1926-1940).. ومتى أنتهت المهمة!
حلقة "16"
الرقصات الحديثة في السودان.. من أين جاءت.. ومتى.. ولماذا!.
حلقة "17"
فضيحة الدراويش.. الطلاسين!
حلقة "18"
الأبحر العروضية لحقيبة الفن (طرق النظم والتفاعيل والأوزان والمقاييس)
حلقة "19"
قواميس الحقيبة ذات الكلمات الرنانة الغريبة على العامية الوسطسودانية (؟!)
حلقة "20"
خلاصة
ملاحظات ختامية:
1- أكتب من الكيبورد وأنشر مباشرة أي أن هذه كتابة أولية همها توصيل الفكرة لا صحة اللغة أي كانت عامية أو فصيحة.. لذا أي أخطاء طباعية تكون واردة إلى حين صدور البحث في صورته الإحترافية في المستقبل القريب (أحتاج عون المخلصين منكم)!.
2- هناك 10 حلقات منجزة ومنشورة بالفعل لمن شاء تحت عنوان يبدوا فكاهي (مكافحة طلس الحقبنجية) لكنه معبر عن الحقيقة الساطعة!
3- هذه الحلقات عبارة عن خلاصة للبحث من جديد بطريقة جديدة قبل أن يخرج في المستقبل القريب بشكل إحترافي في صورة كتاب من تلاتة أجزاء ومعه فلاش صوتي عبارة عن البحث في كلياته بالصوت لمن لا يستطيع أو لا يحبذ القراءة من الورق.
4- هذه القراءة/الحلقات الجديدة (مكافحة الطلس) تستند إلى تجربة الباحث أيام بحث الحقيبة والنقاشات الكثيرة التي تلت ذلك (بخيرها الوفير وشرها) أي كأنها رد جمعي أو عمومي على المخيالات الطلسية العديدة التي تدور حول الحقيبة لحوالي قرن من الزمان.
5- بحث الحقيبة جرى في تفتيش مرجعيات النمط الشعري وحده لأغاني الحقيبة لا الألحان والمقامات الموسيقية.. ذلك شأن آخر لم يتطرق له البحث إلا لماماً. ولمزيد من المعلومات بهذا الصدد تستطيع أن تطلع على الكتابات المنشورة بهذا الصدد على الصفحات الخاصة بهذا الشأن أو بالباحث. في جملة قصيرة: البحث أهتم بالكلمة الشعرية وحدها وخلفيتها النمطية والانثروبولوجية المحتملة والظروف السياسية والإجتماعية التي نشأ في كنفها النمط لا الألحان أو الموسيقى أو الأداء الغنائي.. ذلك شأن آخر.
والملاحظة المهمة غاية الأهمية في حسباني:
6- أن مثل هذه الحوارات/القراءات/الأبحاث ليست بالضرورة هدف في حد ذاتها بقدر ما هي نافذة مهمة قد نرى من خلالها ذاتنا الجماعية بطريقة أكثر وضوحاً (عبر مراجعة الذات والتراث).. أو هي الخطة المأمولة.
وربما نقف عبرها على أسباب فشلنا (حتى الآن) في صناعة سودان متحضر وموحد وتعثر ثوراتنا الشعبية حتى الآن من جراء شقاقاتنا القائمة على جهلنا بذاتنا الجماعية والبيئة الطبيعية المحيطة بنا (زعم).. وإذاً عبر ذلك السبيل ربما نساهم معاً في المضي إلى الأمام بطريقة أكثر صحة!.
هذا.. مع كل معاني الإحترام الواجب.. والمحبة الأكيدة.. ولنرى معاً هذه الكتابة تفاعلية وتنشر فقط على بروفايلي بالفيسبوك ومنبر سودانيزاونلاين
عقدة الزجل هي ذاتها عقدة الحقيبة (الإتهام بالخلاعة من البعض المتزمت) او هي في الحقيقة: عقدة ابن قزمان ( أبو بكر بن قزمان 1078 - 1160م، هو أشهر الشعراء والزجالين في تاريخ الأندلس) وتاثر به الشرق والغرب معا كونه كان يكتب الزجل باللغتين العربية والاسبانية/اللاتينية.
ملاحظة إستباقية: أعيد نشر هذه المقالة كتمهيد للحلقة المقبلة رقم "11" من: سلسلة طلس الحقبنجية حول: وهمة علاقة ( الخلاوي القرآنية + المديح وحقيبة الفن) وأتوقعها ستكون حلقة عاصفة وربما أصاب الكثير منا دوار البحر!.
خلال مدة البحث لاحظت أن الأزجال التالية للزجل الأندلسي (المنتصر منها) تتبع في كثير منها طريقة نظمه وتتبع قاموسه وتتبع المخيال الشعري لشيخه شيخ الصنعة الأعظم (إبن قزمان) الذي قال عنه إبن خلدون أنه كان إمام الزجالين على الإطلاق وهو كذلك في كل العصور حتى تاريخ الساعة.. إنه في دنيا الزجل في مقام أرفع من مقام المتنبىء في عالم الشعر.
غير أن لإبن قزمان علة أخذها عليه أعداءه وأعداء الزجل عبر الأزمان ذلك أنه متهم بالخلاعة وأنه يمارس الهوى مع الصبيان الذكور وأنه يسكر كل الوقت حتى يوم صلاة الجمعة.
وعند إبن قزمان قصيدة يشكر فيها إبليس لأنه صنع النبيذ (العرقي) ومرة حُكِم عليه بالإعدام لكنه نجا.
وأوصى مرة أقرانه أن لا يحبوا النساء حبا إفلاطونيا لأن إذن الواحد منهم سيلتصق بإمراة واحدة دون أن يستمتع بعدد غير محدود من النساء.. تلك كانت فلسفته الخاصة في الحياة.. وهو طبعاً رجل شديد الإبداع وعنده كثير من الطرائف.
وعلى كل حال فالزجل موصوف بأنه فن شعبي (غنائي) من أهم ميزاته الصراحة في العبارة وتتمركز أغراضه الأساسية في ذكر مفاتن المرأة ومحاسن الطبيعة مع بعض المدح والمديح والرثاء.
لكن عقدة إبن قزمان جعلت الكثير من الزجالين عبر الأزمان يسعون إلى نفي تهمة الخلاعة عنهم.. كما يفعل أيضاً من يكتبوب أو يتحدثون عنهم إذ كثيراً ما نقرأ ونسمع أن الشاعر (الزجال) فلان الفلاني إستقى بعض شعره من القرآن.. وعندنا في حالة زجل السودان تركيز مكثف على أن شعراء الحقيبة درسوا القرآن في الخلوة وأنهم تأثروا بالمدائح الصوفية وهكذا.. مع أن تلك ليست ميزة حصرية فجل الناس في أعمارهم درسوا في الخلاوي.
و تلك الحالة ليست جديدة ولا حصرية بالسودان بل تمارس عبر التاريخ وعند كل الشعوب التي أزجلت ومثالها الأزجال المملوكية والحوزية.
لكن يظل محتوى الزجل هو هو وإلا لن يكون زجلاً.
وهو كما وصفه صفي الدين الحلي (1278-1351م) في كتابه العاطِل الحالي الذي يعالج الفنون الأربعة التي كتبت في اللغة العامية وهي الزجل والمواليا والقواما والكان كان. وقد نص الحلي في مقدمة الكتاب على هذه الفنون فقال: "فهي الفنون التي إعرابها لحن، وفصاحتها لَكْنٌ، وقوة لفظها وهن. حلال الإعراب بها حرام، وصحة اللفظ بها سقام. يتجدد حسنها إذا زادت خلاعة، وتضعف صنعتها إذا أودعت من النحو صناعة، فهي السهل الممتنع والأدنى المرتفع.
لا سيما في الزجل الذي تختلف أوزانه ويضطرب ميزانه، ويتغاير لزومه ويشتبه منظومه. وهذه الفنون تختلف بحسب اختلاف بلاد مخترعيها وتفاوت اصطلاح مبتدعيها ؛ فمنها ما يكون له وزن واحد وقافية واحدة وهو الكان كان ومنها ما يكون له وزن واحد وأربع قواف وهو المواليا، ومنها ما يكون له وزنان وثلاث قواف وهي القواما ومنها ما يكون له عدة قواف وعدة أوزان وهو الزجل".
قال صفي الدين الحلي: تلك الفنون ومنها الزجل يتجدد حسنها إذا زادت خلاعة (يعني صراحة في العبارة).
والزجل الأندلسي (نوع شعري): فن شعري/غنائي عامي ما يزال يمارس عند جميع الشعوب المتحدثة اللغة العربية بالاصالة وحتى تاريخ اليوم بذات طرق نظمه ووفق كثير من قواعده التي أرساها رائده الأول إبن قزمان ومن أهمها (لا تعريب، بل إعتماد لغة العامة في كل زمكان) وفي ذلك سر إنتصار الزجل عبر الأزمنة. وعنده أسماء مختلفة في البلدان المختلفة ففي المغرب العربي إسمه الملحون (احدى اهرامات المغرب العظيمة التي تطال السحاب) وفي الجزائر عنده عدة أسماء: الحوزي والصنعة وايضا المالوف .
وفي مصر ولبنان وفلسطين والعراق يأخذ إسمه الصريح: زجل.. وفي المملكة العربية السعودية إسمه الحجازي.
وفي السودان إسمه: حقيبة الفن (وفق خلاصة بحث الحقيبة).
وفي زجل الملحون كما الحوزي (مثال) تضرعات كثيرة إلى الله والأولياء الصالحين (إسمهم "الفقراء" احيانا) ولكن ليس ذلك فحسب بل هناك أيضاً رجاءات بالغفران بل هناك أزجال خاصه إسمها الغفرانيات.
وهذا مجرد مثال من إبن زمرق من الزجل الحوزي يستغفر الله:
من يعشق الغزلان * يخدم كما خدم العبيد ويصفف القطعان * ويراقب النجم السعيد و يكون بحال سلطان * يفعل في جيشه ما يريد الرجوع للاه أصدق * راني فاني والله يعلم.
وكان إمام الزجالين في العهد المملوكي إسمه خلف الغباري ويلقبونه بالشيخ الغباري.. ومثله الكثير في أزمان مختلفة.. وعندنا أيضاً في السودان لقب أعظم الزجالين في السودان بالشيخ: الشيخ محمد ود الرضي.
غير أن في الأشعار الأخرى مثل الدوبيت لا تجد في العادة مثل هذا اللقب ولا عند أدباء الشعر الفصيح فيلقبونهم مثلاً ب: شاعر النيل، مجنون ليلى، أمير الشعراء.
وتظل عقدة إبن قزمان تجلل الأفق في جميع الأزمنة والأمكنة لكن دون أن تقتل الخلاعة (بهجة العبارات الصريحة) فيموت الفن حسب صفي الدين الحلي.
محمد جمال الدين.. لاهاي/هولندا .. ديسمبر 2017 --- دا مجرد تمهيد للحلقة المقبلة رقم 11
---
الحدث الاعظم في تاريخ السودان الحديث الذي يشهد على هشاشة وعينا الجمعي على وجه العموم وبساطة مخيالنا العلمي على وجه الخصوص هو ما يسمى ب(حقيبة الفن السودانية) اي عدم الوعي بمرجعيتها واختلاق قصص خرافية لا حصر لها حولها.. فعندها يتجلى عقلنا الجمعي السحري اللا علمي في اوضح صوره. لذا انا اهتم بها كمثال للكل المركب.. وفق هذا الزعم.
وهذه السلسلة الجديدة مخصصة لهذا الغرض: مكافحة طلس الحقبنجية!
--- دا مجرد تمهيد للحلقة المقبلة رقم 11 وهمة (الخلاوي)!
الحدث الاعظم في تاريخ السودان الحديث الذي يشهد على هشاشة وعينا الجمعي على وجه العموم وبساطة مخيالنا العلمي على وجه الخصوص هو ما يسمى ب(حقيبة الفن السودانية) اي عدم الوعي بمرجعيتها واختلاق قصص خرافية لا حصر لها حولها.. فعندها يتجلى عقلنا الجمعي السحري اللا علمي في اوضح صوره. لذا انا اهتم بها كمثال للكل المركب.. وفق هذا الزعم.
وهذه السلسلة الجديدة مخصصة لهذا الغرض: مكافحة طلس الحقبنجية!
10-13-2024, 11:30 PM
محمد جمال الدين محمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5757
حلقة "11" طرق نظم الحقيبة (لأول مرة مكتملة وفي مكان واحد) .. حاجة مهمة لأن على أساسها تم تحديد النوع الشعري للحقيبة (توجد في الختام ملاحظات هامة)!
الابحر الشعرية الخمسة التي اشتغلت عليها الحقيبة أي المقاييس وان شئت قل طرق النظم.. بديعة، ممتعة وساحرة.. وشئ جديد عرفناه حديثاً عبر الكفاح!
في هذه الحلقة سنتعرف عبر النماذج البيانية على الطرق التي اشتغل عليها شعراء الحقيبة كي ينتجوا نوعا شعريا/غنائيا غاية في التشويق والابهار والخلود.. ربما الاجمل مطلقا فوق ظهر الكوكب من حيث سبكة واحكام النظم وترصيع اجزاء الشعر بالحلي والديباج والحلل. ولكن قبل ذلك
أرى من اللائق التذكير أن حقيبة الفن من لونية الزجل الأندلسي من حيث النظم (نوع شعري حديث نسبياً في السودان) وعلى كل حال وفق رصد البحث فأن اشعار العامية الوسطسودانية في الاساس أربعة أنواع فحسب:
1- الدوبيت (اسماءه العلمية: مواليا وقوما.. وأيضاً سلسلة وحماق).. دوبيت تسمية مجازية لا اصطلاحية.. لا يوجد دوبيت في السودان ولا في أي مكان من أمكنة الشعوب المتحدثة العربية بالأصالة منذ أزمان بعيدة فالدوبيت فن فصيح وعنده وزن واحد محدد. أعتقد أن جهلنا بالأنواع الشعرية ووضعها كلها في سلة واحدة تعمينا عن رؤية قوانينها الداخلية المختلفة وبالتالي عدم مقدرتنا على نقدها وتذوقها عن علم ودراية.. يتضمن ذلك تكلسها وعدم تطورها.. وهذا للأسف أظن قدر منه حدث بالفعل لذات العلة. وعليه فان ما نسميه في السودان الكبير بالدوبيت فهي مجرد تسمية مجازية.. وهو من اكثر الفنون سطوعا وقوة وانتشارا واصالة عندنا.
2- المسدار (اسمه العلمي كانكان) عنده وزن واحد وقافية واحدة ويحكي حجوة أو قصة أو وعظ أو أسطورة أو غلوطية .. وكان يا ما كان في سالف العهد والزمان وإلخ. والنوعين ديل هم الاقدم والاكثر اصالة.
3- الحقيبة السودانية (اسمها العلمي زجل) الزجل السوداني.
(تعليق حول الزجل ونمضي إلى الأمام: ودا نوع شعري جديد لم يعهده السودان قبل العهد الانجليزي.. هذه نقطة غاية الأهمية .. والملاحظة المهمة بدورها اننا هنا لا نتحدث عن الالحان والمقامات الموسيقية بل النظم الشعري وحده والذي تم اقلمته مع المقامات الموسيقية التراثية القديمة.. دا هام.. عشان ما كل مرة تحصل لخبطة وعك ابدي. كمان تاني ما تلخبط الحقيبة مع الانواع الشعرية الاتنين المذكورين للتو اعلاه.. لان زجل الحقيبة مشتبك معها أحيانا بس في نفس الوقت مختلف جذريا عنها من حيث النمطية.. لازم عشان تفهم نحن بنقول في شنو.. تفك الاشتباك دا بنفسك. لو ما وضح ليك بعمل ليك برسلك ليك شروحات خاصة عشانك.. نحن تحت امرك (الشخص المهتم الافتراضي اعني). الحتة دي اكتر حتة مرهقة للصحاب المستعجلين وهم الغالبية للاسف في الحكاية دي كلها من بداية الاعلان عن نتيجة البحث 2017 وحتى اشعار آخر.. وبتجي فيها كوش وسنار والمديح وشعر السافل.. لا علاقة لذلك بهذا.. وعك زي دا كتير (تنبيه: الشرح الأخير دا تعليق قديم من فيسبوك فخليته على طبيعته التفاعلية).
4- الاشعار الغنائية الحديثة (خليط بين الانواع الثلاثة الرئيسة)
والآن إلى الأبحر الشعرية التي اشتغلت عليها الحقيبة (زجل السودان):
هنا الخمسة طرق نظم/مقاييس/ابحر التي اشتغلت عليها الحقيبة اضعها مرتبة على التوالي مع وصف لكل منها ثم بعد ذلك أضع نموذجاً تطبيقياً لكل واحدة منها.. وفق نتيجة بحث الحقيبة اذ قبل ذلك لم تكن هذه المقايييس مكتشفة ولا متحدث عنها:
1. الطريقة النظمية الاولى: البحر التام وأسميته أيضاً البحر العبادي /إبراهيم العبادي ومثاله (برضى ليك المولى) ودمت أوالي لود الرضي.. وربما أبهر الأزجال التي أبتدعها شعراء الحقيبة أو قل زجاليها تمت وفق هذا البحر ومنها طبعاً برضي ليك المولى للعبادي وفي الضواحي للخليل وبلغ الأقوال لأبوصلاح وأحرموني لود الرضي وفرحة الروح لسيد عبد العزيز.. والكثير غير ذلك.
2. الطريقة النظمية الثانية: البحر العامودي وأسميته بحر العزيز/سيد عبد العزيز ومثاله (قائد الإسطول)
3. الطريقة النظمية الثالثة: بحر القوافي وأسميته البحر الرضي/محمد ود الرضي ومثاله (تيه والتاكا)
4. الطريقة النظمية الرابعة: البحر البديع وأسميته بحبر الخليل ومثاله (بدر التمام)
5. الطريقة النظمية الخامسة: البحر المختلط وأسميته أبوصلاح ومثاله (بدور القلعة)
ملاحظة: الأسماء لا تعني أن الأبحر حصرية على إسم صاحبها.. لا.. دا فقط إسم للمحبة والتكريم.. فكل شعراء الحقيبة أشتغلوا على هذه الأبحر لكن ليس جميعهم أستوفاها كلها البعض الشتغل فقط على بحرين منها أو ثلاثة ونظم كل ازجاله على ذلك. وهنا إنموذج واحد على الأقل لكل طريقة من طرق نظم الحقيبة الخمسة (زجل السودان):
وهنا تأتي نماذج لكل طريقة على حدى:
الطريقة النظمية الأولى أي البحر التام:
دمت أوالي لود الرضي: مثال للزجل السوداني المعياري (المثالي) إذ أن للحقيبة خمس طرق نظم أولها الطريقة المثالية (المعيارية) من الزجل في أصله المنبثقة عن الموشح إذ تبدأ القصيدة بمطلع وعدد من الأدوار تفصل بين الأدوار قفلات وتنتهي الأدوار بخرجة. ولا بد أن تكون قوافي المطلع والأقفال والخرجة متفقة مع بعضها ومن ذات الوزن لكن الأدوار ليست بالضرورة.. هنا مثال جديد من الشاعر (الزجال أيضاً ) ود الرضي في
دمت أوالى (لاحظ العلامة "/" أمام قوافي المطلع والأقفال والخرجة (الموحدة) وكيف أن قوافي الأدوار مختلفة وهي بالزبط الطريقة المثالية للزجل أي المعيارية.. أرفق أيضاً في الختام فيديو تعليمي يشرح تلك القواعد ويوثق للعلاقة بين طريقة نظم الموشح والزجل من جامعة الأزهر كما بوست من سودانيز يشرح بإختصار نتيجة بحث حقيبة الفن السودانية:
الطريقة الثانية للنظم (بحر العزيز) تعتمد تقفية الصدر والعجز من البيت مع تنويع القافية بين الدور والآخر من أدوار القصيدة (راجع تعريف "دور" في مصطلح الزجل).. ومثال ذلك بدور القلعة وجوهرا (ابو صلاح) وقايد الإسطول لسيد عبد العزيز وعزة في هواك للخليل وسنأتي بالمزيد من الأمثلة في مستقبل السرد.. وهناك نمطان من هذه الطريقة وليس واحدا. والآن نأخذ قايد الإسطول (النمط الاول) وعزة في هواك (النمط الثاني) في مناسبة أخرى.
النظم في "قايد الإسطول" يعتمد على تقفية صدر البيت وعجزه كل الوقت وبقافية مختلفة كل مرة وأخرى .. إضافة إلى ذلك تتنوع القافية بين مقطع وآخر لكسر الرتابة والإحتفاظ دوماً بفتنة المفتتن يدري ولا يدري.. نبدأ بهذا المقطع من باب المثال:
يا قائد الأسطول/ تخضع لك الفرسان/
ياذو الفخار والطول/ أرحم بنى الإنسان/
مين لسماك يطول/ ما يطولك اللمسان/
التلاتة أبيات دي بتدينا مثال لنمطية القصيدة كلها .. إذ أن القصيدة دوماً يتكون بيتها الواحد من قافيتين مختلفتين.. صدرها مختلف عن عجزها في كل مقطع وآخر.. لاحظ هنا مرة ثانية أن الصدر ينتهي باللازمة ( طُولْ) والعجز باللازمة (سَانْ):
يا قائد الأس/طولْ تخضع لك الفر/سَانْ
يازو الفخار وال/طولْ أرحم بنى الإن/سَانْ
مين لسماك ي/طولْ ما يطولك الّمَ/سَانْ.
وإلخ. فكل الوقت يكون نسق القصيدة (الزجلية) هو نفسه وفق طريقة النظم الثانية (العامودية).
الطريقة النظمية الثالثة (بحر الرضي):
زجلية: ﺗﻴﻪ ﻭأﺗﺎﻛﺎ لود الرضي.. طريقة نظمها مختلفة عن البحر التام وعن البحر العامودي:
تتبع طريقة (تعدد القوافي في البيت الواحد) ثلاث قوافي منتظمة في كل بيت وهي طريقة زجلية شهيرة معمول بها في الزجلين المشرقي والمغربي.
تأتي قصيدة تيه وأتاكا متعددة القوافي في البيت الواحد (لاحظة أن العلامة “/” تشير إلى القوافي):
كل بيت من أبيات الزجلية منذ البداية وحتى النهاية تكون فيه القافيتان الأولتان (كا) أي كاف ممدودة والقافية الأخيرة ميمية (ام):
ثلاث قوافِ منتظمة في كل بيت وبالضبط .. ومن مثل ذلك: النسيم هبالي لأبو صلاح وانت حكمة ولا آية للأمي (ست قوافي منوعة بين البيت الواحد والآخر).
الطريقة الرابعة:
الطريقة النظمية الرابعة من زجل حقيبة الفن السودانية (البحر البديع) تقفية صدر البيت بقافية متوافقة وجعله أقصر من عجزه الطويل.. نأخذ ثلاثة أمثلة متتالية من أبو صلاح (قصيدتان من ذات الشاكلة وهما: مثلي كم ضايعين و ضامر قوامك لان) ثم الخليل في تم دور وإتدور:
مثلي كم ضايعين ( أبوصلاح )... مع ملاحظة أن العلامة "/" تشير للشطر القصير "الصدر" والعلامة "//" تشير للعجز الطويل.. ربما هناك متعة في الفرادة والغرابة:
مثلي كم ضايعين/ مالي و مال سهام العين//
لا اطيق تطعين/ و لا استطعت فراق لحظه الدغس لا معين//
تهت بين تمعين/ ماء و نار و خضار في خدودو مجتمعين//
غيرو شفنا متين/ فرع بان ارنع اثمرلو رمانتين//
و كيف درر نابتين/ في مبيسمو و الريحان و الراح داخل التين//
اشواقي مؤتلفين/ و العيون و منامي صاروا مختلفين//
إلخ.. كل الوقت تكون القصيدة (الزجلية) بذات النسق.. ومثلها أيضاً: أبو صلاح في طريقة النظم الرابعة.
تم دوره ودور.. فهي تتبع أيضاً طريقة النظم الرابعة (الصدر أقصر من العجز مع ذات التقفية) كما كانت نمطية أبو صلاح في قصيدتيه الواردتين للتو بعاليه.. وهي طريقة نادرة ومميزة ولم أجدها إلا في الملحون المغاربي وعند هولاء الشعراء الأماجد وغيرهم القليل.. وهذا مثال من البديع خليل فرح:
تم دور وادور /
عم نوره شال فات الحله نور //
زي بدر التمام
واحدين قالوا نور/
واحدين قالوا دوب مروي ما بتنور //
مين يقوم يتهور/
يبري القيف هناك تحته الدابي كور //
زي بدر التمام
قالوا الكون اتطور/
لا عاشق عفيف لا جميل إتصور//
الحسود يتضور /
ناره ماكله لسانه كله زور ومزور//
الطريق الحور/
دمي ما بروح سيدة ليش يتجور//
إلخ.. كل الوقت تكون القصيدة (الزجلية بذات النسق) ومثلها أيضاً: أبو صلاح في طريقة النظم الرابعة
تلك طريقة النظم الرابعة في الحقيبة.. والخامسة والأخيرة خليط بين طريقتين أو زيادة ومن أمثلتها بدور القلعة لأبوصلاح.
تلك كانت الحلقة رقم (11) من سلسلة مكافحة طلس الحقبنجية
ملاحظات ختامية:
1- أكتب من الكيبورد وأنشر مباشرة أي أن هذه كتابة أولية همها توصيل الفكرة لا صحة اللغة أي كانت عامية أو فصيحة.. لذا أي أخطاء طباعية تكون واردة إلى حين صدور البحث في صورته الإحترافية في المستقبل القريب (أحتاج عون المخلصين منكم)!.
2- هناك 10 حلقات منجزة ومنشورة بالفعل لمن شاء تحت عنوان يبدوا فكاهي (مكافحة طلس الحقبنجية) لكنه معبر عن الحقيقة الساطعة!
3- هذه الحلقات عبارة عن خلاصة للبحث من جديد بطريقة جديدة قبل أن يخرج في المستقبل القريب بشكل إحترافي في صورة كتاب من تلاتة أجزاء ومعه فلاش صوتي عبارة عن البحث في كلياته بالصوت لمن لا يستطيع أو لا يحبذ القراءة من الورق.
4- هذه القراءة/الحلقات الجديدة (مكافحة الطلس) تستند إلى تجربة الباحث أيام بحث الحقيبة والنقاشات الكثيرة التي تلت ذلك (بخيرها الوفير وشرها) أي كأنها رد جمعي أو عمومي على المخيالات الطلسية العديدة التي تدور حول الحقيبة لحوالي قرن من الزمان.
5- بحث الحقيبة جرى في تفتيش مرجعيات النمط الشعري وحده لأغاني الحقيبة لا الألحان والمقامات الموسيقية.. ذلك شأن آخر لم يتطرق له البحث إلا لماماً. ولمزيد من المعلومات بهذا الصدد تستطيع أن تطلع على الكتابات المنشورة بهذا الصدد على الصفحات الخاصة بهذا الشأن أو بالباحث. في جملة قصيرة: البحث أهتم بالكلمة الشعرية وحدها وخلفيتها النمطية والانثروبولوجية المحتملة والظروف السياسية والإجتماعية التي نشأ في كنفها النمط لا الألحان أو الموسيقى أو الأداء الغنائي.. ذلك شأن آخر.
والملاحظة المهمة غاية الأهمية في حسباني:
6- أن مثل هذه الحوارات/القراءات/الأبحاث ليست بالضرورة هدف في حد ذاتها بقدر ما هي نافذة مهمة قد نرى من خلالها ذاتنا الجماعية بطريقة أكثر وضوحاً (عبر مراجعة الذات والتراث).. أو هي الخطة المأمولة.
وربما نقف عبرها على أسباب فشلنا (حتى الآن) في صناعة سودان متحضر وموحد وتعثر ثوراتنا الشعبية حتى الآن من جراء شقاقاتنا القائمة على جهلنا بذاتنا الجماعية والبيئة الطبيعية المحيطة بنا (زعم).. وإذاً عبر ذلك السبيل ربما نساهم معاً في المضي إلى الأمام بطريقة أكثر صحة: مشروع السودان200.
هذا.. مع كل معاني الإحترام الواجب.. والامنيات بحال احسن.. ولنرى!
10-15-2024, 00:23 AM
محمد جمال الدين محمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5757
اسرار فتنة الملحون المغربي ربما هي ذاتها اسرار فتنة الملحون السوداني!
بعد ان قرأوا لي مقالا في صحيفة مغربية حول (الملحون المغربي).. سألني عدد من أصدقائي ومعارفي المغاربة بالذات من المهتمين بفن الملحون المغربي (زجل المغرب واحد اهراماته الخالدة): عندكم ملحون في السودان؟. الاجابة طبعا: نعم.. فقط لا نسميه ملحون.. بل: حقيبة الفن!. والمقالة (اسرار فتنة الملحون المغربي) في الرابط المرفق.. ومثال لاغنية من الملحون السوداني في اول مداخلة فقط في مقام موسيقى خماسي وليس سباعي ولكن الكلمات ملحون وتحمل كل اسرار الملحون وجيناته وفتنته الخالدة.. اي فان الاسرار هي ذاتها:
قسم بمحيك البدري لوردي (أبوصلاح) من ملحون السودان.. الحقيبة السودانية = فن الملحون في المغرب أي من ذات النمط الشعري والمخيال الأنثروبولوجي ولو تباينت الأمكنة والأزمنة.. ربما فقط قد تختلف المقامات الموسيقية واللحنية أحيانا:
10-15-2024, 00:45 AM
محمد جمال الدين محمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5757
مقاطع صافية من عتيق بدون المختارات الغنائية (للحقيبة خلفية اندلسية) مع تعليق ايضاحي:
لحقيبة الفن السودانية خلفية في التراث الأندلسي الشاعر الحقيبي محمد بشير عتيق يقول في تسجيل صوتي تم العثور عليه حديثا.. وبهذا ينتهي الجدل حول نتيجة بحث الحقيبة.
هذا اللقاء مع الشاعر محمد بشير عتيق تاريخي بمعنى الكلمة: شهادة الشاعر عتيق حول مرجعية اللون الشعري للحقيبة هي الاهم؛ كونه كان شاهدا على كل رواد الحقيبة وكل مسيرتها ويعرف جل اسرارها:
فعندما توفي خليل فرح افندي 1932 كان عمر عتيق حوالي 23 سنة.
وعندما توفي ابوصلاح 1968 استاذه الاول او كما قال.. كان عمر عتيق 59 سنة.
وعندما توفي سيد عبد العزيز 1979 كان عتيق 70 سنة.
وعندما توفي ود الرضي 1982 كان عتيق 73 سنة.
وعندما توفي العبادي 1983 كان عتيق 74 سنة.
وعندما توفي عبيد عبد الرحمن 1986 كان عتيق 77 سنة. وقد ذكر نماذجا لاشعارهم قال انها جرت على نهج الموشح الاندلسي مثلما فعل هو ذاته حتى قبل ان يعلم تلك الحقيقة (قال انه نظم على نهج الموشح قبل ان يعلم اي انه كان يجاري.. وصنف قصيدته: جسمي المنحول كموشحة) .. كل ذلك في التسجيل المرفق.. وعندما تم اجراء هذا اللقاء 1986 مع عتيق كان صديقه ورفيق دربه ومهنته الشاعر عبد الرحمن الريح على قيد الحياة يستمع الى اللقاء.. هذا اللقاء تاريخي . وكان الاذاعي الذي اجرى اللقاء هو الإذاعي الألمعي محمود خليل محمد.
الحدث الاعظم في تاريخ السودان الحديث الذي يشهد على هشاشة وعينا الجمعي على وجه العموم وبساطة مخيالنا العلمي على وجه الخصوص هو ما يسمى ب(حقيبة الفن السودانية) اي عدم الوعي بمرجعيتها واختلاق قصص خرافية لا حصر لها حولها.. فعندها يتجلى عقلنا الجمعي السحري اللا علمي في اوضح صوره. لذا انا اهتم بها كمثال للكل المركب.. وفق هذا الزعم.
وهذه السلسلة الجديدة مخصصة لهذا الغرض: مكافحة "الطلس" الذي ظل يدور حول حقيبة الفن قرن كامل من الزمان.. لذا فانها حتما مهمة صعبة وشاقة لكن لا بد منها!
10-16-2024, 09:32 PM
محمد جمال الدين محمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5757
حلقة "12" من سلسلة طلس الحقبنجية.. علاقة الخلاوي والمسايد والمدايح النبوية بالحقيبة كنظم ولون شعري!
ملاحظة استباقية: أعترض بعض الصحاب المتابعين على عنوان هذه السلسلة (طلس الحقبنجية) لما لمسوه فيها من جدية في محتواها مفارقة للعنوان حد تعبيرهم وهم: الأصدقاء الأعزاء مهند أحمد حامد وبدور محمد.. شكراً لهم.. سيتم الرد على هذا الإلتماس المحبب في بوست منفصل.. توجد روابط في اول مداخلة لبقية حلقات السلسلة المعنية.
فعلى باب الحيرة كل الوقت وفي ظل عدم إدراك اللون الشعري (النوع) للحقيبة يتسول البعض أمام كل المداخل خبط عشواء.
وفي خضم تلك الحيرة يتخيرون الأبواب المحببة والمزخرفة في الوعي الشعبي، مثل:
المدائح والخلاوي والمسايد وحتى القرآن وقبل كل ذلك القول بالمرجعية في شعر السافل وهو القول الأكثر وضوحاً وإنتشارا. وكله بعيد عن لمس الحقيقة النهائية.
وإن كنا قد سبق وألقينا بعض الضوء على "مقولة" علاقة المدائح بنظم الحقيبة كما شعر السافل (في الحلقات السابقة) فاليوم نحن بصدد قضية أخرى (الخلاوي = المدارس القرآنية) وهي ذاكرة محببة في الوعي الشعبي الجمعي لما للخلاوي والمسيد من دور مدرسي وتثقيفي وإجتماعي هام عبر عدة قرون خلت وكل الوقت فقط بدرجات مختلفة. وبالذات قبل العهد الإنجليزي في السودان الذي عمد إلى نشر التعليم الغربي الحديث في السودان رويداً رويداً بداية بكلية غردون التذكارية 1902.
ومدة الدراسة بالخلوة ثلاث سنوات (الكثير لا يكملونها بحسب التجارب الموثقة) يتم فيها حفظ القرآن وبعض الحساب الاولي ولا شيء غير ذلك. وإن أراد الطالب (في الحالات النادرة) المضي قدماً إلى الأمام فعنده خياران فقط في ذلك الزمان: 1- الأزهر الشريف 2- معهد أدرمان العلمي بعد تأسيسه في 1912. فعندها يدرس الطالب الفقه والشريعة وألفية إبن مالك وكتابات الطبري ومذاهب الأئمة الكبار وإلخ.. مع بعض الدراسات المتقدمة في اللغة العربية وأدابها.
وهنا ربما نقف لنتأمل حقيقة: إن كانت الخلوة تصنع شاعراً مثل شعراء الحقيبة فالأولى أن يكون الأزهر ثم معهد أم درمان العلمي (تأسس 1912) ان يفعلا وهما المرحلة الما فوق "خلوة" ولم يخرج منهما أي شاعر حقيبة مطلقا.
بل خرج من المعهد: التجاني يوسف بشير صاحب ديوان إشراقة وعبد الله البشير أمير شعراء السودان (خرج من المعهد والأزهر معاً) وغيرهم الكثير وجميعهم كتبوا الشعر الفصيح لا العامي/الغنائي أو أي نوع شعري آخر.. لا حقيبة.
لكن حدثتنا الوثائق المتاحة أن شعراء الحقيبة (جميعهم) تلقوا تعليمياً عاماً أو خاصاً غير الخلوة وكثير منهم يتقن اللغة الإنجليزية وقرأوا أمهات الكتب في زمانهم مثل:
المستلطف في كل فن مستظرف والعاطل الحالي وديون الزجال إبن قزمان وشعر الطبيعة الأندلسي والعاطل الحالي وكتاب بلوغ الأمل في فن الزجل.. وغير ذلك الكثير.. ولم يكن ود الرضي تاجر قرع إلا لمحة من صباه بل مثقف اصيل وقاريء نهم وكان تاجر كتب ومجلات والعبادي كان متخصص في المحاسبة (علم الدوبا) وتلك كانت مهنته الأولى وكان ابو صلاح يحفظ عشرة الاف بيت شعري من التراث القديم (عتيق قال كدا) وكان سيد عبد العزيز يدرس في ذات الوقت اللغتين العربية والانجليزية على يد اساتذة مختصين (وهذه مجرد امثلة لا حصرية) دعك الآن من مرتادي كلية غردون التذكارية آنذاك.
.. مع ملاحظة أن القول (المعكوس) بمجاراة الحقيبة لشعر السافل والمديح النبوي قد تحدثنا عنها تفصيلياً في الحلقات السابقة.. وثبت بالأدلة المادية أن بعض شعراء المديح العظام جاروا بعض أشعار الحقيبة ولم يحدث العكس أبداً وفق الوثائق المتاحة.
وهنا إحصائية بمتوسط طلاب الخلاوي (المدارس القرآنية) من أواخر العهد السناري 1810 إلى الأيام الأولى من إستقلال السودان 1956:
9 آلاف في المتوسط "العهد السناري" = صفر شاعر حقيببة 80 ألف عهد التركية = صفر شاعر حقيبة 30 ألف عهد المهدية = صفر شاعر حقيبة 60 ألف أيام العهد الانحليزي = 21 شاعر حقيبة 90 ألف متوسط طلاب الخلاوي لحظة إستقلال السودان = صفر شاعر حقيبة
فالخلوة عامل ثابت في كل الأوقات فقط تختلف العهود.. وفي العهد الإنجليزي وحده جاء شعراء الحقيبة لا قبله ولا بعده.. ملاحظة هامة.
مع العلم أن لا حاجة لشعراء الحقيبة لإختراع الكبريت من مادة أولية بل أمامهم عديد التجارب التي يستطيعون عبرها التعلم من أنواع شعرية جاهزة بعد أن أصبح السودان مفتوحاً على الأفاق وجاءت الكتب والمجلات والجاليات (القبطية/الشامية/اليهودية/المغربية/اليونانية/الهندية/الغرب أفريقية) بإرثها المادي والمعنوي وموسيقاها وغنائها وكل شيء تقريباً.. وتلك تجربة كبيرة لم تتكرر في أي لحظة أخرى سابقة أو لاحقة.
كما أننا كما لاحظنا على وجه العموم أن من تعلم فوق علم الخلاوي أشعر شعراً آخراً غير زجل الحقيبة بمعنى نوع شعري مختلف كالفصيح الكلاسيكي والتفعلية كما القصة والرواية والنقد الأدبي.. ومن لم يدخل الخلاوي أبداً بدوره أشعر أجزل الشعر من نوع: الدوبيت والمسدار (شعراء منطقة البطانة والسافل مثال) ما زال خالد الأثر وتسير ببعضه الركبان حتى تاريخ اليوم.. ولا ننسى أيضاً النساء العظيمات اللائي أشعرن الفروسيات والمناحات الخالدة مثل: بنونة بت المك ورقية بت حبوبة وقبلهما شغبة المراغمابية وبت مسيمس (لم يرتدن الخلاوي ولا المدارس الإنجليزية).
فللشعر شيطان آخر.. إسمه في بعض الأساطير: وادي عبقر . فالخلوة على محبتها وعظمتها في الخواطر لا علاقة لها بنظم الحقيبة.. لا بحياته ولا بمماته.. فهي براءة.
وإنما الذي جاء بهذه الإسطورة والمسؤول الاول عنها هو: العقل الكسول/اللا علمي، ليس إلا.
الخلاصة أن: 1- الحقيبة قبل أي شئ هي نوع شعري جديد (زجل) لم يكن معهودا في السودان من قبل.. وانما كانت هناك انواع شعرية اخرى اكثر اصالة وانتشارا.
2- هناك مصادر كانت متاحة لقواميس الحقيبة التي أشتغلت عليها مثل (ظبيات وجرة، الصبابة، رشا يا كحيل، الخد الزهري، يا خشيف، يا غصين النقاء يا لدن يا مهفهف يا أملدن، قصر الرشيد الشايد، قلعة الأصفاح).
كما جاء مخيال انثروبولوجي وافد حديثاً للجمال وضده ولعناصر الطبيعة.
وبالإضافة إلى معرفة شعراء الحقيبة للنوع الشعري وقواميسه ومخياله كان هناك: 3- تدريس وتدارس وتبادل للتجربة لشعراء الحقيبة مع بعضهم البعض في إجتماعات ولقاءات تعقد خصيصاً لهذا الغرض، تحدثت عن ذلك عديد الوثائق المكتوبة عبر شهود العيان.
وكان إسم النمط (الشئ الجديد) لا اسم له غير ذلك منذ نشأته وحتى العام 1954 حيث في ذلك العام وحده جاء إسم (الحقيبة) ليس قبل ذلك.. والناس مسكت في الاسم الجديد العجيب حتى اصبح في عداد المسلمات.. وفي الحقيقة فاسمه الحقيقي والعلمي: (زجل السودان) وفق نتيجة البحث العلمي.
تحليل نفسي/إجتماعي:
إن كان قد ثبت عبر البحث العلمي إن مرجعية الحقيبة في نمط الزجل من حيث النوع الشعري.. فلماذا يصر البعض بطريقة هستيرية على القول بمرجعيتها كنوع شعري في المدائح النبوية ولو عسفا!. الإجابة التي وجدتها بعد بعض التأمل هي أن: معظم هؤلئك الناشطين في مجتمع الحقيبة وبيزنسها بالإضافة الى كونهم يجهلون لونها الشعري بالكامل فهم أصحاب مرجعيات إجتماعية محافظة "سلفية المخيال" ولو بالمعنى اللغوي للكلمة لا الإصطلاحي.
ولذا فإن محاولة إلصاق غناء الحقيبة بالمديح النبوي "المحبب اجتماعيا"يريحهم نفسياً ويبرر عشقهم المفرط للحقيبة والجسدانية التي تحفل بها وهم يخجلون منها في اعماقهم ويغرمون بها في السطح. في حين أن الرواد الأوائل وأصحاب الصنعة والمشتغلين بالمجال والنقاد الأصيلين أمثال: صلاح أحمد محمد صالح والمبارك إبراهيم وعلى شمو ومحمود خليل محمد وعلى المك ومحمد حساس ومحمد سليمان الحاوي وغيرهم.. لم يقولوا ذلك القول "الساي" وهم جميعهم عاشوا في أزمان رواد الحقيبة وشهدوا على قسط وافر من تخلقها وحاوروا صانعيها الأوائل. بل أن المبارك إبراهيم وعلى المك ومحمود خليل محمد جميعهم قالوا بخلفية للحقيبة في الموشحات الاندلسية. وزيادة على ذلك واهم شىء ان الشاعر الحقيبي محمد بشير عتيق قال في مقابلة عثرنا عليها حديثا ان شعراء الحقيبة كتبوا على نهج الموشحات الاندلسية وحدد تلك الاعمال بكل وضوح.
تلك ملاحظة بدورها مهمة. أما القول بخلفية النمط الشعري في شعر السافل "برضو كلام ساي" فقد أوفينا ذلك حقه من الدحض في مواضع أخرى. وإن مجاراة شعر السافل هي شىء غير الحقيبة ولو بعضه حدث بواسطة بعض صانعي الحقيبة "راجع مقالة: حقيبة الفن ونظرية الفستك" لتستدرك هذه النقطة الدقيقة. تتواصل.. سلسلة مكافحة طلس الحقبنجية
حلقة خاصة.. مواصلة في المديح.. شيوخ المديح هم من جاروا الحقيبة ولم يحدث العكس.. يوجد فيديو يفصل تلك المجاراة عبر النماذج التطبيقية بواسطة البروف ابراهيم القرشي.. في ختام هذا السرد!
المديح النبوي وحقيبة الفن مرة أخرى (توجد روابط ووثائق مهمة)
المناسبة الجديدة للحديث عن فكرة أن "نظم الحقيبة متفرع عن المديح أم لا أم من اين جاء" هي أنني قبل عدة أسابيع مضت علقت كتابة على الحلقة التلفزيونية الوثائقية التي نشرتها سودانية 24 العام 2023، حيث خصصها البروفيسور إبراهيم القرشي (المتخصص في الأدب السوداني) عن كيفية مجاراة كبار شيوخ المديح لأشعار الحقيبة، وذكر مجموعة مبدعة استطاعت تحويل زجل الحقيبة إلى شكل آخر ذي هدف سامٍ، وهو مدح النبي “ص”.
وللبروفيسور كتاب مشهور عن تاريخ المديح النبوي في السودان، وتعد هذه الحلقة جزءً ممتعا منه (سأرفق رابطها في الختام). تضمنت الحلقة نماذج إبداعية لشيوخ كبار مثل الشريف الهندي، والشيخ الهاشمي، والصابونابي، والدقوني، والبرعي، وغيرهم، بالإضافة إلى أسلوب السرد الشيق الذي اتبعه البروفيسور الهاشمي.
في بداية الحلقة، ذكر أنه سيركز على مجاراة شيوخ المديح لأشعار الحقيبة، وقال عبارة مفادها: "لا يهم أيهما سبق الآخر، الحقيبة أم المديح". وقد فُسرت هذه العبارة خطأً بأن الحقيبة أيضا جارت المديح بذات المعنى، لكن هذا لم يحدث قط. وهذا لا يقلل من قيمة المديح النبوي، فهو فن مستقل بذاته، له تاريخه ومساحته الخاصة.
كما البروفيسور الهاشمي لم يقدم حلقة أخرى يتحدث فيها عن مجاراة الحقيبة للمديح، سواء في الألحان أو غيرها، لأنه ببساطة لا يوجد دليل على ذلك.
وفي كتابه القيم عن تاريخ المديح في السودان ومراحله الأربعة وفق تصنيفه، لم يذكر أي دليل واضح على أن بعض رواد الحقيبة المعروفين جاروا ألحان المديح أو نظموا على أثره، إلا في حالة واحدة: قصيدة واحدة للعبادي، التي رأى أنها قد تكون مجاراة لـ "ليلة ليلك جن"، لكن دون جزم. أما الأمثلة الأخرى فليس لها علاقة بالحقيبة كنوع زجلي ولا شعراء الحقيبة.
والعبادي نفسه لم يقل ذلك، ولا أي شاعر آخر من شعراء الحقيبة أنني جاريت نظم المديح أو ألحانه. بينما المداحون جاروا العشرات من ألحان الحقيبة وأقروا بذلك، لأن المجاراة في الأدب تتطلب الإقرار، وإلا اعتُبرت نوعا من السرقة وفق إرث النقاد الأدبيين.
تحليل نفسي/اجتماعي: إذا كان البحث العلمي قد أثبت أن مرجعية الحقيبة كنوع شعري تعود إلى الزجل، فلماذا يصر البعض بطريقة هستيرية على ربطها بالمديح النبوي، حتى لو كان ذلك تعسفًا؟
بعد التأمل، وجدت أن معظم المهتمين بمجتمع الحقيبة و"بيزنسها" ونقاباتها يجهلون طبيعتها الشعرية، كما أن خلفياتهم الاجتماعية المحافظة (ذات المخيال السلفي، حتى لو بالمعنى اللغوي وليس الاصطلاحي) تجعلهم يحاولون ربطها بالمديح النبوي – الذي يحظى بقبول اجتماعي – لتبرير ولعهم بالحقيبة وما تحمله من جسدانية قد يخجلون منها في أعماقهم، رغم افتتانهم السطحي بها.. وفق هذا الزعم.
بينما الرواد الأوائل من النقاد الفنيين والإعلاميين الكبار، مثل: صلاح أحمد محمد صالح، والمبارك إبراهيم، وعلي شمو، ومحمود خليل محمد، وعلي المك، ومحمد حساس، ومحمد سليمان الحاوي – الذين عاصروا نشأة الحقيبة وتفاعلوا مع صانعيها – لم يقولوا بهذا الكلام السطحي. بل أكد بعضهم، مثل المبارك إبراهيم وعلي المك ومحمود خليل محمد، أن للحقيبة خلفية في الموشحات الأندلسية. والأهم أن الشاعر الحقيبي محمد بشير عتيق ذكر في مقابلة حديثة أن شعراء الحقيبة كتبوا على نهج الموشحات الأندلسية، وحدد تلك الأعمال بوضوح (رابط اللقاء مرفق هنا).
أما الربط بين الحقيبة وشعر السافل، فهو كلام بدوره أي كلام غير دقيق، وقد ناقشناه في مواضع أخرى. مجاراة شعر السافل شيء مختلفة عن الحقيبة، حتى لو قام به بعض شعرائها. (راجع مقال "حقيبة الفن ونظرية الفستق" لمزيد من التفاصيل).
الحدث الاعظم في تاريخ السودان الحديث الذي يشهد على هشاشة وعينا الجمعي على وجه العموم وبساطة مخيالنا العلمي على وجه الخصوص هو ما يسمى ب(حقيبة الفن السودانية) اي عدم الوعي بمرجعيتها واختلاق قصص خرافية لا حصر لها حولها.. فعندها يتجلى عقلنا الجمعي السحري اللا علمي في اوضح صوره. لذا انا اهتم بها كمثال للكل المركب.. وفق هذا الزعم.
الخلاصة: المديح النبوي غرض شعري وليس نوعا شعريا، أي أنه يمكن تقديمه بكل الأنواع الشعرية والنثرية وبجميع اللغات. أما الحقيبة فهي نوع شعري محدد ومعروف في التراث العربي باسم الزجل. ووجدنا وفق البحث أن للحقيبة خمس طرق نظم كلها من نمطية الزجل الأندلسي أي تجري وفق طريقة نظمه (اطلع على الراوبط المرفقة).
كون كبار شيوخ المديح السوداني جاروا زجل الحقيبة لما رأوا فيه من إبهار، لا يقلل من قيمة المديح، بل يظهر عظمة هذا الأدب وقدرته على التجديد واستغلال كل الوسائل لتحقيق هدفه النبيل: التعبير عن محبة سيد الخلق “ص”.
ومن الجدير بالذكر أن أول من أبدع في الزجل في عمومه وحول غزله إلى مديح في زمكان آخر من شيوخ الصوفية العظام هو القطب محي الدين بن عربي ومن قبله الشيخ الششتري.
وأخيرا إنتباه لطفاً: أمامك روابط وثائقية مهمة آخرها (في الختام) الحلقة المعنية للبروف الهاشمي عن مجاراة المديح للحقيبة “ممتعة وواضحة”. وقبلها روابط لا تقل أهمية وشروحات لها.
الشاعر الحقيبي عتيق يقول إن للحقيبة خلفية في تراث الموشح الأندلسي وإن شعراء الحقيبة كتبوا الموشح ولم يقل تأثروا بالأثر بل كتبوا هم أنفسهم الموشحات وحددها بالأسماء. تسجيل الشاعر عتيق في المقدمة. وملاحظة مهمة: المقالات الأربعة هي المهمة فيما يتعلق بموضوعنا هنا وليس بالضرورة النقاشات المصاحبة.
وهنا رابط اللقاء مباشرة.. لحقيبة الفن السودانية خلفية في التراث الأندلسي الشاعر الحقيبي محمد بشير عتيق يقول في تسجيل صوتي تم العثور عليه حديثا.. وبهذا ينتهي الجدل حول نتيجة بحث الحقيبة. هذا اللقاء مع الشاعر محمد بشير عتيق تاريخي بمعنى الكلمة: شهادة الشاعر عتيق حول مرجعية اللون الشعري للحقيبة هي الاهم؛ كونه كان شاهدا على كل رواد الحقيبة وكل مسيرتها ويعرف جل اسرارها:
فعندما توفي خليل فرح افندي 1932 كان عمر عتيق حوالي 23 سنة.
وعندما توفي ابوصلاح 1968 استاذه الاول او كما قال.. كان عمر عتيق 59 سنة.
وعندما توفي سيد عبد العزيز 1979 كان عتيق 70 سنة.
وعندما توفي ود الرضي 1982 كان عتيق 73 سنة.
وعندما توفي العبادي 1983 كان عتيق 74 سنة.
وعندما توفي عبيد عبد الرحمن 1986 كان عتيق 77 سنة.
وقد ذكر نماذجا لاشعارهم قال انها جرت على نهج الموشح الاندلسي مثلما فعل هو ذاته حتى قبل ان يعلم تلك الحقيقة (قال انه نظم على نهج الموشح قبل ان يعلم اي انه كان يجاري.. وصنف قصيدته: جسمي المنحول كموشحة) .. كل ذلك في التسجيل المرفق.. وعندما تم اجراء هذا اللقاء 1986 مع عتيق كان صديقه ورفيق دربه ومهنته الشاعر عبد الرحمن الريح على قيد الحياة يستمع الى اللقاء.. هذا اللقاء تاريخي . وكان الاذاعي الذي اجرى اللقاء هو الإذاعي الألمعي محمود خليل محمد. وهنا رابط تسجيل الشاعر عتيق وبعده مباشرة حلقة مجاراة شيوخ المديح للحقيبة وليس العكس:
وختامه .. الشيء المهم هنا: حلقة البروف القرشي عن مجاراة المديح للحقيبة.. مجاراة شيوخ المديح الكبار للحقيبة وليس العكس.. سودانية 24 عام 2023:
شكراً للهمة والإهتمام ومع أسمى معاني السلم والسلام.. وإلى الأمام.
حلقة "13" نظرة في حقيبة الفن السودانية من حيث المراحل الزمنية بين البداية والنهاية!
هناك محطات فاصلة في تاريخ نشوء وتطور نظم وغناء الحقيبة (الزجل السوداني) وبداية نهايته النظمية بين الأعوام 1910 و1954.. في العام 1954 جاء الإسم "الحقيبة" قبل ذلك كان إسم الفن (الشئ الجديد) ولا إسم له غير ذلك.
ففي هذه الحلقة سأسرد بشكل مكثف المراحل التي مر بها فن الحقيبة من حيث النظم الشعري والألحان والأداء والتسجيل في أسطوانات ثم مجئ الإذاعة ونهاية الحرب العالمية الثانية التي أشرت إلى تراجع نظم الحقيبة وصعود أنماط شعرية وغنائية أخرى تخلت عن صرامة نظم الحقيبة وعن قواميسها التاريخية.. وكل ذلك وفق نتيجة البحث.
العام 1910:
نقطة الصفر (البداية النظمية للزجل السوداني) بواسطة الشاعر والزجال خليل فرح أفندي (وحده كسوداني) مع أستاذه الشاعر والمسرحي والأديب والعارف بفن الزجل الأندلسي والذي أصبح لاحقاً وزيراً ومستشاراً لأربع دول عربية في أوقات مختلفة: فؤاد الخطيب (مؤلف مسرحية فتح الأندلس 1905) وآخرين من أساتذته بالكلية وبعدها.
1914:
إنضمام الشاعر الشعبي والزجال المبدع الفذ إبراهيم العبادي إلى خليل فرح في النظم الزجلي.. تحول جديد مهم جدا.. وهنا ملاحظة إستباقية: أعرف أن هاتين المرحلتين غير مسجلات في التوثيق المعتاد فيما قبل نتيجة بحث الحقيبة، مع أن فيهما بذرة الشفرة الجينية للفن الجديد وتفسير لشرارة الإنطلاقة.
1918:
أول المحاولات لتحويل النظم الزجلي إلى لحن وغناء وإنضمام الشاعرين والزجالين الكبيرين محمد ود الرضي وصالح عبد السيد أبوصلاح إلى ركب النظم الزجلي عبر تدريبات من الخليل والعبادي. وهو ذاته زمان حضور الحاج محمد أحمد سرور في بدايات محاولة تلحين وأداء النظم الجديد.
1919:
نجاح تحويل النظم إلى غناء والإستغناء عن الطنابرة (الحرس القديم) فتراجع دور فنان أم درمان الأول محمد ود الفكي (رفض النمط الجديد فرجع إلى مهنته كخضرجي لكنه فدى نفسه بإبن بلدته عبد الله الماحي) وصعد سرور وتم نفي عبد الغفار الطمباري إلى مدني وتم منعه من الغناء أيضاً في مدني لأسباب ذات خلفية سياسية وغيرهم الكثيرين.. وثمة طنابرة آخرين وافقوا لاحقاً على أداء النمط الجديد (الزجل) وسجلوه في أسطوانات بجانب سرور وهم: بشير الرباطابي والأمين برهان وعبد الله الماحي.
1924:
ثورة اللواء الأبيض وطرد الجيش المصري من السودان وإنحياز الخليل لها وتراجع دوره في العملية الإبداعية لأسباب ذات خلفية سياسية وصعد العبادي وتولى العملية الإبداعية بصحبة محمد ود الرضي وأبو صلاح في البداية حتى جاء لاحقاً آخرون.
وتم دعم رسمي لمكتبة البازار للتحكم في المجال الثقافي بواسطة مدير مديرية الخرطوم مستر "بيني" وضمن ذلك الشعر والأدب والغناء والبعثات التي تذهب إلى مصر والقادمة منها (راجع هنا الترتيبات الجديدة التي أعقبت أحداث مقتل حاكم عام السودان في 20 نوفمبر 1924 وتمرد اللواء الأبيض في 28 نوفمبر 1924) وطرد الجيش المصري من السودان وجميع الموظفين المصريين في السلك الرسمي.
وبعد الفراغ الذي تركه غياب الحضور المصري أضطر الإنجليز بحكم الضرورة للقيام بترتيبات جديدة لسد الفراغ الذي تركه إنمحاء الوجود المصري بشكل شبه تام في السودان في كل المجالات الممكنة ومن ضمنها المجال الثقافي والفنون والآداب والموسيقى والترفيه.
فأصبح البحث من جديد عن حضور فن سوداني ملائم للمرحلة ضرورة ملحة في حضور جاليات عديدة وطبقات جديدة ولدتها المؤسسات التعليمية الجديدة وسنامها كلية غردون.. ولكن العامل الأول والأهم هو الجيش الإنجليزي والذين معه من الضباط والجنود المحليين والآخرين في وقت لا توجد به بعد أي وسيلة لنقل الصوت إلى الخارج غير حضور الشاعر/الفنان/الخطيب/الحكاي نفسه إلى الناس بشحمه ولحمه.
بعد هذا العام أنضم عدد آخر من الشباب الذين تم تدريبهم على الزجل بواسطة العبادي وأبوصلاح وود الرضي. وهم بقية ما يعرفون بشعراء الحقيبة لاحقاً (16 في الراي الرسمي) زيادة من هذا العدد، ربما (21) في الرأي الآخر.
1926:
بدأ التفكير في تسجيل الفن الجديد (الزجل) وحده في الاسطوانات والذي سمي لاحقاً (حقيبة الفن) بحكم الضرورة وبعد ان نضح ذلك الفن بعد أكثر من عشرة سنوات من النشأة والتطور. .. وتم ذلك في المقام الاول بواسطة مكتبة البازار هذه المرة.
1935:
في هذا العام بدأ زجَّالو الحقيبة في تَبنِّي إيقاع التم تم ليغذي فن الحقيبة بشئ يعوزه قبل ذلك وهو الإيقاع الأصيل مما حداه إزاء ذلك النقص إلى إستخدام الرق “المصري” في لحظة ما. وفي المقابل حلف المصلحة المشتركة تضمن تغيير نوعي في كلمة غناء التمتم (غناء السيرة والفروسية والمناحة) الى كلمة شعرية جديدة مستحدثة تواكب المرحلة الجديدة (من امثلتها: يا خداري لعبد الرحمن الريح وبف نفسك يا القطار لعبد القادر تلودي).. وتلك نقطة تحول بدورها كبيرة.
1936:
تمت إتفاقية بريطانية مصرية جديدة أعادت بعض النفوذ المصري إلى السودان بالذات في المجال الثقافي وفي ذات العام حضر وفد مصري ثقافي بقيادة عمر طوسون باشا (راجع كتاب البعثة المصرية إلى السودان 1936) وتم بواسطة هذا الوفد تسمية الحاج محمد أحمد سرور عميد الغناء السوداني (الزجل) الذي لم يكن له إسم بعد، فقط: الشئ الجديد .. وقال رئيس البعثة المصرية يومها 1936 أنه يشبه الغناء الأندلسي .. وتلك الجملة المتلاطفة كانت تحمل قدرا من الحقيقة.
1940:
بداية البث الحي لاذاعة "هنا امدرمان".. وانتهاء مرحلة تسجيل الغناء في اسطوانات. ومع بدايات الحرب العالمية الثانية اقر الإنجليز أنهم إذا أنتصروا في الحرب العالمية الثانية (وقد حدث) سيغادرون السودان ويعلنون الإعتراف بإستقلاله بشرط أن يساعدهم السودانيون في دحر الإيطاليين في الجبهة الشرقية.. وبهذا القرار توقفت كل مشاريع الإنجليز في السودان وآخرها كان بخت الرضاء 1938 وبدأ السودانيون التنافس المحموم على ورثة الإنجليز في كل المجالات الممكنة وكان تنافساً شهد التاريخ أنه كان مدمراً فتوقف كل شئ تقريباً، بما في ذلك فن الحقيبة ذاته كنظم من معظم شعرائه الرواد.. وتفرغ الكل للسياسة وورثة هياكل الدولة وتمرد الجنوب وإنشقاقات الأفندية في مؤتمر الخريجين حتى إنقلاب الجيش في العام 1958.. وتلك اللحظة هي التي ربما تولد عنها كل سوء في مستقبل الأيام.
1952- 1954:
تم بمحض الصدفة نبش الأسطوانات المسجلة لل (الشيء الجديد) بواسطة الشاعر صلاح احمد محمد صالح من إذاعة لندن ثم أمدرمان تحت عنوان جديد (حقيبة الفن) ومن هنا بدأت مرحلة جديدة وجاء الإسم (حقيبة) الذي حل اشكالية الاسم ولكنه في ذات الوقت أضاف المزيد من الغموض على محتوى النوع الشعري/الغنائي = الزجل السوداني.. وفق نتيجة بحث الحقيبة.
ملاحظات ختامية:
هذه النقاط مستندة إلى نتيجة بحث الحقيبة ونعرف أن هناك وجهات نظر أخرى قديمة لكنا مررنا عليها كلها أو كلما أمكن وأستوعبناها في خلاصة البحث.
تلك نقاط جاءت مختصرة بحكم طبيعة هذه السلسلة التفاعلية .. يوجد شرح إضافي للمراحل الزمنية تحت عنوان "البداية والنهاية" في حلقة سابقة من هذه السلسلة، لمن شاء.
هذه السلسلة الجديدة كانت عبارة عن حوارات صوتية تفاعلية جرت في الزوم وقروبات السودان200 واخرى على الواتساب ثم تحولت الى نسخة كتابية بتصرف. وهي تعبير بصورة او اخرى عن خلاصة بحث الحقيبة بطريقة سهلة وموجزة او هي الخطة المامولة.
10-20-2024, 00:56 AM
محمد جمال الدين محمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5757
جاء بحث حقيبة الفن (العلم) وبالتالي التعرف على خلفية النمط الشعري (نوعه) وظروف نشاته ونشاطه حتى القمة ومن ثمة نهايته المادية.. ثم عودته من جديد كصدى عظيم الأثر!.
اعني تلك ربما كانت مرحلة مهمة بدورها من المراحل التي ربما تذكر في مستقبل الزمن!.
10-20-2024, 10:59 PM
محمد جمال الدين محمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5757
سأختم هذا البوست (سلسلة طلس الحقبنجية) هنا وفي الأماكن الأخرى بحلقة أخيرة (الايام المقبلة) وستكون فيها الخلاصة .. لكنها ستشمل أيضاً شرحاً عبر النماذج التطبيقية للقواميس الخمسة التي وجدناها أشتغلت عليها الحقيبة وفي تلك القواميس الماضوية المتعددة أسرار "فتنة الحقيبة" وخلودها بجانب الترصيع النظمي طبعاً .. هناك حلقة خاصة من هذه السلسلة تشرح يعني شنو: حقيبة؟!.. تحت عنوان معبر عن الحالة: نظرية الفستق!.
وأن كل تلك القواميس المعنية جاءت غير معربة .. وجميعها أشتغلت فقط مع الزجل لا أي نوع شعري آخر في تاريخ السودان المعروف .. ولن ننسى: أسد بيشة (بنونة) وأمثلة مثله أي أعني النظرة المقارنة بما سبق الحقيبة وما تلاها.. أسد بيشة: ليست كلمة قاموسية إنما بنونة جاءت بها من المخيال الشعبي السائد آنها.. كل الناس العاديين كانوا يعرفون أسد في منطقتهم إسمه أسد بيشة.. تلك مجرد لمحة مقدماً لطريقة المقارنة بين القواميس المعنية.
غير أن الزجل يستطيع أن يأتي أحياناً في لغة بسيطة وغير تاريخانية مثل: ما بخاف من شئ للشاعر عبد الله الأمي💐🌹🥀
نعم.. (ما بخاف من شئ) تسير من حيث طريقة النظم على نهج الزجل التام اي المعياري وقوانينه. فهي ليست دوبيت ولا مسدار ولا اي نوع شعري اخر غير كونها من جنس الزجل من حيث طريقة النظم .. هنا لا نتحدث عن القاموس او المعاني.. ذاك شي اخر.. نحن هنا فقط بصدد تحديد: النوع الشعري.
زجلية محمد علي عبدالله الأمي (ما بخاف من شئ) زجلبة تامة تتكون من مطلع وادوار واقفال وخرجة. المطلع والاقفال والخرجة من نفس جنس القافية وللادوار قافية مختلفة.
وهي ملتزمة ايضا بقانون الزجل (لا تعريب) لذا جاءت كلمة (جبون) من الفعل يجبن وهو تصريف غير معروف في الفصيح ففي الفصيح (قلبي لا يُجْبَنُ اي ليس بجبان) ولكن الشاعر يعرف قانون النظم لان مثل هكذا تعريب سيخل بالقافية فالوزن العروضي ان حدث.. ومثل ذلك عبارة (لم يكون) في: لـم اكون كل يوم ليّ لون.. فالتعريب بجزم الفعل يكون سيخل حتما بالوزن العروضي والسجع المساند للقافية. لذا جاء النص بلا تعريب.
وهذه هي الزجلية كاملة ذات مطلع يتكون من غصنين وادوار كل منها يتكون من ثلاثة اسماط (اشطر) واقفال من غصن واحد وكذا الخرجة من غصن واحد.. وهذا طبعا بلغة الزجل المشتقة من الموشح:
مطلع: مابخاف من شي برضي خابر الـمُـقـدّر لابـد يـكـون/
دور تالت: مـاعصيت مولاي ماني فاجر لا و لا بـالـعـالم بـتاجر نـفسي يا احـباب ليها زاجر
قفلة: لـم اكون كل يوم ليّ لون/
دور رابع: الثـبات مـعروف لَيْ مُعاصر لـو بقيت في داخل مَعاصر والإلـه غـير شك ليّ ناصر
قفلة: رغـم انف الواشي الخؤون/
دور خامس: قول لِي شاهد الزور فيم سائر هّـدي روعك قبل الخسائر يـاما قـبلك عـميت بصائر
قفلة: مـن لساني وقولي الهتون/
دور سادس:
قول لي اهل الجور والمساخر مـافي اوّل مالـيـهو آخر مـا بدوم العـز والمـفـاخر
قفلة: وما بدوم الظل و الحصون/
دور سابع "اخير":
عـن لسـان الحق ماني نافر وما جحدت الخير ماني كافر مـاضمرت السوء ماني حافر
خرجة:
للـصديق هاويات السجون/ 💐🌹🥀
--- تنبيه: بعد حلقة القواميس المعنية (تأتي يوم السبت المقبل 26 أكتوبر 2024) ستنتهي مهمة هذا البوست من جانبي إلا إن شاءت أقدار أخرى في غاية الضرورة.. كما تنتهي مهمة البوست الآخر أيضاً: (تسجيل عتيق والموشح الأندلسي) https://sudaneseonline.com/board/515/msg/1719870536.html
ثم نمضي إلى الأمام في محورآخر من محاور مشروع السودان200 💐🌹🥀
سؤال جانبي معلق ليه زمن في الاوراق عندي.. برغم سيادة العربية بالاصالة (بالكامل) في الوسط النيلي الوسيط منذ عدة قرون.. ومع فنونها الشعبية من شعر ونثر وحكاوي وحجاوي شعبية مروية بالعربية ظل الغناء في السودان يحتفظ بالسلم الموسيقي الخماسي لا السباعي بما يخالف جميع البلدان الاخرى التي بدورها امتثلت العربية. وجدت اجابة ابتدائية اضعها باختصار في ان الجماعات الاصيلة التي تعرب لسانها بالكامل كانت هي الغالبية الساحقة (نوبية/بجاوية/فونجبة/عنج) مما ادي الى نتيجة الانتصار: للسلم الخماسي.. الذي كان مقيما في الارض.
كما شي اخر ان: الغناء فيما بين عهدي سنار والانجليز كان في الاساس محتكرا بواسطة الرقيق المحلي الازرق (لا الشركس والارناؤوط البيض) ذلك الاحتكار من جماعات افريقية اصيلة مرة ثانية انتصر للسلم الخماسي. فقط قليل من القبائل الرعوية ذات الاصول العربية في بعض مناطق البطانة وشرق السودان وكردفان ووسط وجنوب دارفور احتفظت بالسلم السباعي او لمسات منه وظل رويدا رويدا يختفي السباعي عندها ليحل محله الخماسي حتى في تلك الحالات النادرة.
والنقطة هنا التي لا يذكرها الكثيرون ان بعض فناني الحقيبة القدامى حاولوا اعمال السلم السباعي في موسيقاهم والحانهم لكن المحاولة لم تتواصل..اظنها لذات الاسباب.. ومثال لذلك اغنية رسايل الشوق لابراهيم عبد الجليل عصفور السودان.
فماذا لو نجحت تلك المحاولة؟! اتصور عندها سيكون السلم الخماسي انتهى دوره واصبح من العادات الضارة التي حدت من انفتاح الغناء والموسيقى السودانية الى عوالم ارحب من فقط عدة شعوب في غرب افريقيا والقرن الافريقي (نقطة للجدل الموجب).
--- *من بوست تفاعلي
11-05-2024, 05:27 AM
محمد جمال الدين محمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5757
قواميس الحقيبة الخمسة: ما هي وما الحاجة لها!.. حلقة 15 من مكافحة طلس الحقبنجية!.
ملاحظات إستباقية مهمة:
1- هذه المقالة /الحلقة/ منشورة هنا فقط للتوثيق.. كثيرة الصفحات وصعبة المتابعة .. لا تصلح للتفاعل في وسائط التواصل الاجتماعية سريعة الريزم.
2- نتيجة بحث الحقيبة لم تعتمد على القواميس المتشابهة لتقول بنوع الحقيبة الشعري (زجل) بل بطريقة النظم وحدها وما دونها مجرد مقاربة للمخيالات اللغوية والآنثروبولجية لشعر الحقيبة وذلك بدور شئ مهم لكن في مجاله فحسب.
3- تتبعنا السبل التي وصلت بها تلك القواميس المتعددة لتشكل لنا لوحة نظم الحقيبة وفنها.. وهو أمر يبدو شديد الغرابة وشئ صعب على التصديق والإلمام به لأول وهلة نسبة لطول المدة التي تفصلنا عن بدايات نظم الحقيبة وغياب الدراسات العلمية الجادة وترك الساحة كل الوقت للمغرمين وعشاق الفن (السكارى بما وجدوه من فن باهر) ليتولوا دفة الحديث المطلوق على عواهنه عن بقرتهم المقدسة كل الوقت في حل عن العلم والبحث العلمي.
4- في هذه المرة سنحاول أن نقف على قواميس الحقيبة “الخمسة” عبر نماذج مقارنة ولكن قبل ذلك لدينا سؤال ما هية الحاجة التي دعت رواد الحقيبة للإشتغال بخمسة قواميس لا واحد أو إثنين!.
والأسباب وفق هذا العلم:
1- نقطة الإنطلاقة النمطية لفن الحقيبة كانت تعتمد ثلاثة قواميس في حالة الزجلين المملوكي والحوزي من حيث مبدأ النظم.
2- نظم الحقيبة يقوم في الأساس على تعدد القوافي في البيت الشعري الواحد وهذا يتطلب تعدد القواميس لبناء أمثل للقصيدة (مثال قايد الإسطول لسيد عبد العزيز وانت حكمة لعبد الله الأمي والنسيم هبالي لأبو صلاح) إذ بدون تعدد القواميس يستحيل إيجاد قوافي بهذا الكم من جسد العامية الوسطسودانية وحدها وهي بمثابة القاموس الحاضن لقواميس الحقيبة التاريخية. كما أن تثليث وتربيع القافية بدوره سبب، مثال: (ﺍﻟﺪﻫﺎﺓ ﺑﺎﻟﺴﻠﻮ ﻣﺎ ﺩ/ﻫﻮﻧﻲ ﻋﻦ ﺗﺠﺎﻫﻜﻢ ﻣﺎ ﻭﺟ/ﻬﻮﻧﻲ ﺑﻲ ﺗﺤﻜﻮ ﻭﺷﻤﺘﻮ ﺍﻟﻨ/ﻬﻮﻧﻲ ﻭﺑﺮﺿﻲ ﻫﺎﻳﻢ ﻭﺧﺎﺿﻊ ﻟ/ﻬﻮﻧﻲ ﻻ ﺍﻗﻮﻝ ﻣﺴﺘﻨﻜﻒ ﺩ/ﻫﻮﻧﻲ) ود الرضي. ومثال آخر من أبو صلاح (رى الهلال ينقص وأرى محيو يتج/لالو .. كل يوم يزداد في خديدو نور يح/لالو تتقاصر الأبصار من حسنو من إج/لالو * يتيه يصد باسم آه .. ما ألذ د/لالو).
3- نشأت الحقيبة أيام العهد الإنجليزي في السودان والذي جاءت معه وسيرته عقول بشرية وجيوش عسكرية قدمت من خارج السودان مثلت جاليات جديدة تسنمت السلطة وقمة المشهد الإجتماعي ولا عهد لها بالعاميات السودانية ولا أشعار السودان السائدة آنها أو الأقدم منها، كما كانت (أغنيات/أشعار) السودان مناطقية وشعوبية وعنيفة العبارة ومشحونة بذكر عبارات وأدوات الحرب والقتال وداعية للإستقلالية والثورة على الدخلاء. لذا كان لا بد من بديل لها.
وأخيرا: 4- في تنوع القواميس جاذبية من جراء دغدغة رؤى الفضول والإيحاء بالفرادة والتفرد جراء الغموض الذي يستند إلى لغة القصيدة القادمة من عاميات تاريخية جلها منقرضة ولكنها حلوة الوقع على الأسماع.
تلك هي الأسباب مجملة هذه المرة بلا تفصيل.
وهل في تعدد القواميس فائدة مؤكدة!.
والإجابة قد نجدها بعد أن نفكك مقولة إبن خلدون في كلامه (الزجل فيه متسع للبلاغة أكبر) برغم أنه شعر عامي غير فصيح.. ووجهة نظري أن البلاغة جاءت من واقع تعدد القواميس.
إذ جاء في تاريخ إبن خلدون:
"لما شاع فنُّ التوشيح في أهل الأندلس، وأخذ به الجمهور لسلاسته وتنميق كلامه وترصيع أجزائه، نسجت العامة من أهل الأمصار على منواله، ونظموا في طريقتهم بلغتهم الحضرية من غير أن يلتزموا فيه إعراباً، واستحدثوا فناً سموه بالزجل، والتزموا النظم فيه على مناحيهم إلى هذا العهد فجاءوا فيه بالغرائب واتسع فيه للبلاغة مجال، بحسب لغتهم المستعجمة".
تهمنا هذه الجملة من كلام إبن خلدون: (واستحدثوا فناً سموه بالزجل، والتزموا النظم فيه على مناحيهم إلى هذا العهد فجاءوا فيه بالغرائب واتسع فيه للبلاغة مجال، بحسب لغتهم المستعجمة").
بل تهمنا بشكل أدق هذه الجملة: (فجاءوا فيه بالغرائب واتسع فيه للبلاغة مجال، بحسب لغتهم المستعجمة").
والسؤال هنا كيف يتسع باب للبلاغة مع العجمة؟!. ملاحظة: الحقيبة غير معربة طبعاً.
نعم، يتسع!.
إذ أن الموشح "المرصع بالحلي والديباج والحلل" في الأساس معرب "فصيح".. وبالتالي لغته محدودة بحدود القاموس المحدد وقواعد اللغة المحددة وكنتيجة أيضاً قوافيه "تضيق" وبالتالي باب البلاغة “وفق إبن خلدون”.
لكن تعال معي لنرى ماذا فعل إبن قزمان.. كان إنفجاراً داوياً في زمانه.. ثورة في القاموس والنظم والقافية حينما نقل الموشح إلى عامي "زجل".. لقد حدث شيئان في غاية الأهمية إذ أن:
القاموس العامي والعربي الإتنين يعملان في النص الزجلي (فقط دون تعريب “لا نحو وصرف وفق قواعد العربية”) فيحدث هنا شيء مهم جداً: عندك القاموس يصبح "دابول" باللغة الإنجليزية أي يتضاعف. وبالتالي أيضاً ينجذب جمهور أكثر إلى النمط (زيادة الشعبية).
وعليه هنا يصح كلام إبن خلدون إذ تنفتح مساحات جديدة للزجال فيكون لديه المزيد من المفردات من القاموسين العامي والفصيح ليصنع قصيدته ذات البلاغة الباهرة "فقط غير المعربة" وفرص أفضل ليجد قوافي كثيرة لينتقي منها. وهذا سبب في تعدد القوافي والأوزان في الزجل دون غيره من الأشعار الأخرى. وإمكانية تثليث وتربيع القوافي:
إذاً إبن قزمان عمل عملأً عظيماً في زمانه زلزل الشرق والغرب معاً.. كانت ثورة عظيمة أسس لها ووضع قواعدها (أهم تلك القواعد مطلقاً "لا تعريب") .. فهو المؤسس الحق.. لذا نحن نتحدث عنه حتى هذه اللحظة. فعمل للشعر الأندلسي لاول مرة قاموسين لا واحداً كما كان.
وبقفزة سريعة قلنا ان الحقيبة تنتمي إلى نمطية الزجلين "المملوكي والحوزي". كيف كانت القواميس هناك!.
كان للزجل المملوكي ثلاثة قواميس "قفزة بدورها" القاموسين الأندلسيين (العامي والفصيح "العامل الثابت") واللغات العامية في العهد المملوكي في مصر والشام.
وكذا النوع الحوزي ثلاثة: القاموسين الأندلسيين (العامي والفصيح “العامل الثابت”) وقاموس العامية المغاربية الحاضنة للزجل الحوزي وغيره من انواع الأزجال في المغرب الكبير كالمألوف والصنعة.
والحقيبة السودانية "طفرة جديدة أبعد.. إذ جاءت فوق العادة بخمسة قواميس:
إذن لقد إتسع في زجل الحقيبة مجال أكبر للبلاغة بلغة إبن خلدون.. ولذا كانت أزجال الحقيبة شديدة الإبهار بالذات للمتكلمين بالأصالة العامية الوسطسودانية الحاضنة لنمطية الزجل الحقيبي. إذ اتسع للمفردة والقافية مجالات اوسع للتناول والإستخدام وبالتالي البلاغة مرة ثانية بحسب فهم إبن خلدون في زمانه إذ انت عندك خمسة قواميس بدلاً عن إثنين أو ثلاثة.. والزمان هو الزمان لأن كل تلك القواميس تعيش في جسد الحقيبة!.
ولذلك أيضاً بعض المثالب (الغرابة المنفرة) المتمثلة في إحدى أوجهها: عدم إستيعاب جماعات السودان الأخرى غير المتحدثة العامية الوسطسودانية بالأصالة مثل: النوبة والفور والفونج والبجا ونوبا الشمال من غير المولدين بالوسط الوسيط كما أهل جنوب السودان “عربي جوبا”..
فكلمات مثل: غصين النقا (ود الرضي) وفرع النقا المميح (العبادي) وقلعة الأصفاح (س. عبد العزيز) ، والهوى سباني (ابو صلاح) وفريع الشاو (الخليل) ويا خشيف (ود الرضي) وظبيات وجرة (العبادي).. تكون شديدة الطلسمية عند هؤلك الناس في فجاج السودان البعيدة وبل ربما عند جميع السودانيين بالذات في بداية إنطلاقة الحقيبة حوالي 1920م (95% من الشعب أمي أكاديمياً).. ولا ننسى هنا الأسباب التي جاءت في صدر هذه المقالة حول اسباب إشتغال الحقيبة بخمسة قواميس.. ففي ظني فيها الإجابة.
وهنا لمحات من الخمسة قواميس المعنية:
1- العامية الوسطسودانية هي الحاضنة للخمسة قواميس الوافدة من التاريخ. إذ العاميات السودانية خمسة بحث نظرة خاصتي: الوسطسودانية وعامية سهل البطانة والشايقية وعامية دارفور وجنوب غرب كردفان وعامية عربي جوبا (راجع إن شئت ورقة العامية الوسطسودانية).. وهذا القاموس (العامية الوسطسودانية) يعمل بمثابة اللاصق مثل الغراء (Gorilla Glue) لبقية القواميس لذا فإن أهميته مركزية. انظر هذا المثال من أبوصلاح "الهوى سباني": (كيف هواك عن فؤادى ينقل.. ده المحال ما اظنه يعقل يار قيق الحشا المفقل.. يضوى سيف طرفك المصقل لو سحب لحظه هندوانى للجمال الرواسى قلقل.. الهواك سباني).
انظر كيف تعمل العامية الوسطسودانية لتكون رابط لكلمات عربية لكنها غير معربة ومن خارج قاموس العامية السودانية مثل: الهوى سباني والمفقل ولحظ هندواني.. و هذا المثال "النهج" سيتكرر في كل شعر الحقيبة إلا في الحالات النادرة.. وستجده في كل القواميس التي نحن هنا بصددها.
كل تلك القواميس المعنية جاءت غير معربة .. وجميعها أشتغلت فقط مع الزجل لا أي نوع شعري آخر في تاريخ السودان المعروف .. والبعض يتحجج بأسد بيشة (بنونة) وأمثلة مثله أي أعني النظرة المقارنة بما سبق الحقيبة وما تلاها.. أسد بيشة: ليست كلمة قاموسية إنما الشاعرة بنونة جاءت بها من المخيال الشعبي السائد آنها.. لم تقرأه في كتاب.. كل الناس العاديين آنها كانوا يعرفون أسد في منطقتهم إسمه أسد بيشة.. تلك مجرد لمحة مقدماً لطريقة المقارنة بين القواميس المعنية
ولا بد أن نضع في خواطرنا كل الوقت أننا أمام شعر عامي (الحقيبة) غير معرب وصنع خصيصاً للغناء الشعبي في بداية القرن الواحد وعشرين. هذه النقطة (شعر عامي/غير معرب صُنع خصيصاً للغناء أمام جماهير الشعب في المسارح العامة وفي الإسطوانات ثم الإذاعات والتلفزيونات والحفلات العامة والخاصة والمجانية والمدفوعة الأجر) هذه النقطة شديدة الجوهرية إن لم تضعها دوماً نصب عينيك أظنك ستضل فهم هذه الكتابة.
كنا هنا نتحدث عن القاموس الأول الحاضن لنظم الحقيبة.
2- قاموس الفصيح (المهمل) من أمثلته ظبية/ظبيات وجرة.. إذ استخدمها العبادي وأبو صلاح في نص زجلي (ملحون أي غير معرب):
ظبية من (ظباء وجرة) أدماء .. تسف الكباث تحت الهدال.. (الأعشى)
ظبيةٌ من (ظباء وجرة) تعطو .. بيديها في ناضر الأوراق .. (عدي التغلبي).
ملاحظة: في حالة الحقيبة تم إعادة صياغة العبارة في زجل (غير معرب) إذ كل الكلمات مبنية على السكون في قصيدتي العبادي وأبو صلاح.. كما ظباء جاءت: ظبيَّاتْ في حالة الشاعر العبادي وظبية في حالة أبو صلاح. ووجرة مكان تاريخي في منطقة الحجاز.. لا عهد للمخيال السوداني به وليس مضرباً لأي مثل.. فقط عبارة
ومثل ذلك الإستخدام لا يماثل أو يقاس "مثلاً" بأسد بيشة لبنونة بت المك (البعض يبرر مخطئً بذلك) لأن تلك حالة شاذة في جسد القصيدة والنسق والنوع الشعري كله لبنونة كما أنها مشكوك في أصالتها “أسد بيشة”.. أما إزاء الحقيبة نحن أمام قاعدة جللت كل النسق الشعري "الزجلي " للحقيبة أي أن الكلمات والعبارات الوافدة من التاريخ البعيد هي القاعدة .. وذلك مجرد مثال لا حصري.
3- القاموس الأندلسي المباشر (عامية الأندلس) من أمثلته:
ما ناح حمام الأيك في الأغصان إلا وتـــزايدت بكـــم أشجانـــي.. (الشاغوري في نسق عامية أندلسية).
حـمام الايـك والـقمري .. يـصيح ينبيك عن امري.. ابو صلاح/حقيبة
سجعت وقد غنى الحمام فرجـــــــــــــــعا وما كنت لولا أن يغني لأسجــــــــــــــــعا ابن خفاجة الأندلسي
ياحمـــام الايك سجعــه وأســـألن الله رجعــــــــا النسيم سارقنى هجعه زال لى عله وزادنى وجعا.. ود الرضي/حقيبة
وحمام الأيك تشـــدو حولنا والمثاني في ذراها تصخب أي عيـــــش قد قطعناه بها ذكره من كل نعمى أطيـــب.. ابن خفاجة الاندلسي
والـبلبل الـغريد يـدور عـلي منبر الاغصان خطيب (سيد عبد العزيز)
لكل وَسيلَة سَبَباً إِلّا تَكُن نَسَبا فَهُو الوداد صَفا مِن غير ما كدر (ابن زيدون)
وكل شئ إن صفا أو كدر في أيادي القضاء والقدر (سيد عبد العزيز).. وذلك إقتباس من مخيال إبن خلدون مع تحوير الفصيح إلى زجل (ذو مصراعين) وهذا الإقتباس والذي يليه من قصيدة سنا القمر (إبن زيدون وحجبو القمر لسيد عبد العزيز).
من يسأل النّاس عن حالي فشاهدها مَحْض العِيَان يُغْني عَن خبَر (ابن زيدون)
حبي هاك القول الأبر العيان يغنيك عن خبر (سيد عبد العزيز).
4- القاموس الحوزي (نوع زجلي وريث الزجل الأندلسي ولغته الحاضنة كانت عامية تلمسان الجزائرية بين الأعوام 1500-1830 (التاريخ الأخير بداية الإحتلال الفرنسي لأيالة الجزائر) وهنا نماذج للقاموس الحوزي:
وهنا أمثلة مقارنة من القاموس الحوزي بين أحمد بن تريكي 1650-1750م وأبو صلاح (حقيبة):
ما يجنيه حديق حاجبين يبريهو بنصالا والشفر القتال سيف صايل للناس قبالا (التريكي) وسهمك صاب احشاي قَلالا (أبو صلاح)
وجهُ تقول هلال تحت سالف خجلا و دلالا (التريكي) صدت من تيها ودلالا (أبو أصلاح)
كتبتلك عقد بالخط عـــــدالا (التريكي) النسام شال الرسالا (أبو صلاح)
جـــــــــــــرحت الخديـــــــن بالمدامع ديما سيـــــــــــالا (التريكي) وقول لي ام خد هجراني مالا وهاج الشوق والدمعة سالا (أبو صلاح)
خدك ورد عبيـــــــــــــــــــق في ريــــــاض مدلل يَتَلالا
الخصلات غسيق والجبين فيه قمرة تَتَلالا (التريكي)
ﺑﺮﺍﻕ ﺳﻨﻚ ﺷﻖ لأْﻻ (أبو صلاح)
ذات القافية يتلالا ولالا من لؤلؤ.
عشقك منيـــــــــــــــــع أعلى من عشيقك و تعـــــــــالا (التريكي)
هذا التصريف "العسالا" بمعنى عاسلة متكرر في الزجل والنوع "الحوزي" على وجه الخصوص.
ذا الحسن البديــــــــــــــــــع ما مثيلك هيفاء ميـــــــــالا (التريكي)
علمتي الغصن الرتالا
شوفتك كم عاشق اتالا
يانسام اوصف جمالا
والقامة السيرك امالا (أبو صلاح)
ظهر لي مثيل البرق إن لاح يخفق مثيل الورق يضوي مصبـاح الجبين كامل وضاح ... والوجه كما المصباح (إبن سهلة/حوزي)
شوفوا المن جبينة صباح والصباح لو لاح لا فايدة فى المصباح … مابتعيرنا محاسن محيها الوضاح (سيد عبد العزيز)
وهذه اللغة الحوزية تتردد في كثير من أشعار أبو صلاح وآخرين عبر هذين المثالين:
يا راشا يا فتانْ يا قاضي البلدانْ ارحمْ الولهانْ
ذبت بالأشواق يا آحيل الأحداق فتنة العشاق
آية تُتْلى
ورد الخدود قد لاح آوآب الوضاح
بلابل الأفراح آية تُتْلى .. (أغنية حوزية 1650م)
هو ملكني فالهوى سلطـــــــــــــــان وأنحل جسمي وكنـــــــــــــــاني قلة لـو يا من ملكت عقلـــــــــــــــي ترتضى بعـــــــــدي و تهجرني قـــــــــــــــال لي أصل السبب قلـي يا عشيق من أيـن تــــــــعرفني قلت لـو أش دلك علــــــــــــى قتلي أش هو عيبي بـــــــــاش تقتلني قلت لـو يا ســـــــــــــــاحر الأذهان بحت أسراري وفؤادي وكنــــــاني هـو ملكني فالهواء سلطـــــــــــــان وأنحل جسمي وكنـــــــــــــاني قد قلت يا مليــــــــــــح أقصر صدك وأعطف عاليا منيش إلا عبدك خلفت جسمي ضريــــــــــــر هـالك و أشهرت عني الجفا أوصدك. … زجل حوزي
5- القاموس المملوكي (عامية العهد المملوكي 1250-1500) وما قبلها بقليل وما بعدها:
ألا يا نسمة الريح ... قفي أبديك تبريحي قفي أخبرك عن جسمي ... وإن شئت أقل روحي (زجل مملوكي)
نسمة السحار ليلى طال هبي أنا مساهر.. ونومي متخبي انتحل جسمي والمحال طبي.. بطران/حقيبة
في رياض صفوف من الأزهار ... قابلتها صفوف واعجب من النهر إذا صفق ... لو من الموج كفوف.. خلف الغباري (زحل مملوكي)
فوق هضاب الوادى الوثيرة ..الزهور منظومة ونثيره والجداول فى حال مسيره ..فى جبينه التل لازى مسيره والغداير حول الهلال العبادي (حقيبة).
لو ترى حمرة خدودو ... وعذاره ذا المنمنم والشقيق حمرا في صفرا ... كنو رايات شاه أرمن.. (كمال الدين بن النبيه/ المرحلة التمهيدية للزجل المملوكي)
صَبّـغْ الخـدين حُمرة بعد ساعة تشوف صفرة والّــ نُمّــت نهـار .. خليل فرح "حقيبة" (النُّمت هنا من نمنمة "تطريز" وليس النوم).
إنتهى.
تلك كانت لمحمة بيانية صغيرة للقواميس الخمسة بغرض النظر والتأمل فحسب فهي في بحور نظم الحقيبة أكثر غزارة.. وفيها كما أسلفنا سر فتنة فن الحقيبة بالذات للمتحدث الأصيل "العامية الوسطسودانية" أي مستدرك للقاموس الحاضن الذي يمثل الحاضر في مواجهة بقية قواميس الحقيبة الماضوية. .. وهذا القاموس (العامية الوسطسودانية) يعمل بمثابة اللاصق مثل الغراء (Gorilla Glue) لبقية القواميس لذا فإن أهميته مركزية.
مع ملاحظة مهمة غاية الأهمية أن نتيجة البحث لم تعتمد على القواميس المتشابهة لتقول بنوع الحقيبة الشعري (زجل) بل بطريقة النظم وحدها وما دونها مجرد مقاربة للمخيالات اللغوية والآنثروبولجية لشعر الحقيبة.
تلك القواميس وصلت بطريقة مدرسية ومدروسة عبر (في الأساس): 1- كلية غردون تأسست 1902 (خليل فرح ودميتري وبطران والعمري)
2- معهد ام درمان العلمي تأسس 1912 حيث تلقى كل من (سيد عبد العزيز وعبيد عبد الرحمن وعبد الرحمن الريح دروس خاصة متقدمة).
3- مكتبة دميتري البزار تأسست 1917 وكان يديرها في البدء والد دميتري ثم آلت إليه في حدود العام 1930.
وكل ذلك حدث بطريقة منظمة وكان هناك تنسيقاً دقيقاً ومحكماً يقوده كل من (الرواد): خليل فرح والعبادي وأبو صلاح في معية محمد أحمد سرور ثم سرعان ما أنضم لهم ود الرضي.. وبعد عدة سنوات لاحقة سيد عبد العزيز.
هذه النقطة الأخيرة تم شرحها تفصيلياً في أوقات سابقة للأهمية ولما بها من جدل. --- تلك كانت الحلقة (15) من سلسلة مكافحة طلس الحقبنجية (تم في المرات السابقة شرح أهمية هذه السلسلة وتبيان يعني شنو "طلس" وشنو "حقبنجية")!
11-12-2024, 06:52 AM
محمد جمال الدين محمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5757
حلقة أخيرة من سلسلة مكافحة طلس الحقبنجية.. لن نغفر ولن نسامح! دا آخر كلام ونمشي نشوف شغلنا التاني.. خلاص موضوع الحقيبة حسمناه.. أنتهى بالنتيجة.. يوجد رابط في أول مداخلة.. وهو موضوع فني وثقافي وإجتماعي وسياسي وآنثروبولوجي مهم.. من خلاله بنقدر نفهم جوانب مهمة من تطور مجتمعنا. ودا السبب الخلاني أصرف الزمن دا كله في الموضوع دا.. وبسببه تعرضت شخصياً وبعض الناس المخلصة الشغالة معاي لسيل مستمر عدة سنوات من الشتايم والمنابذ النابية ومن كل نوع وبل التحرش الجسدي (أي والله) من ناس معظمم ناس ساي وسمعوا ساي لا قروا لا تحققوا بس قاموا سداري ساي.. اللعنة.
بس برضو قبل ما نقفل الخانة.. قبل ما نمشي للأمانة الواحد اشتاق لشغب أعدقانا الحقبنجية.. زمان كان بجوا منفوشين كلما ننشر حاجة عن نتيحة البحث هسا بعد الحملة النارية الجديدة دي هجسو.. عليك الله لو فيهم واحد لسا فيه روح وبفرفر جيبو حي.. خليه يتحرك معانا شوية😅💥 ويكتب ليه صفحة صفحتين ردا على حملة مكافحة طلس الحقبنحية، ما يجي تاني ينبذ ويكورك زي زمان كدا ساي.. زمان كنا عاذرنهم عشان "الشوك" وجدة الموضوع.. زي دا طوالي بعد دا كله.. بنصرف ليه اللازم.
لكن أشك.. الا حقبنجي درويش.. درويش من أمو.. زي بتاعين زمان البقولو: المنهجية ما في، الباحث الجاهل، شعر السافل، المديح، القصص الخرافية والطلس الخرافي😅 End
في الزمن الجاي والسودان بخير من جديد.. تاني مافي نقابة حقيبة بدون تصريح ومافي فنان يغني حقيبة إلا يسمع النصايح العشرة أمام لجنة النصوص (الحلقة رقم 4).
الناس دي يا جماعة ضيعوا 7 سنوات من زمنا في الشرح.. وفي النهاية بعد أن حصحص الحق.. هربوا بلا أثر.. لا دفعوا غرامة لا أعتذروا.. خلو وراهم شوية دراويش بس بطنطنو بلا فصاحة ولا بيان. لن نغفر ولن نسامح على ضياع الزمن. 😅💥
من هنا ورايح يتصدر الحلبة نوع جديد من الحقبنجية.. حقبنجية المدنية وما بعد الحداثة.. ثوار البحث العلمي.. هؤلك الذين يرون ويستمتعون بفن الحقيبة وكل الفنون عن علم ودراية .. لقد أنتهى زمان السحر والخرافة. End
روابط سلسلة حملة مكافحة طلس الحقبنجية في أول مداخلة (15 حلقة تشرح نتيجة البحث في لغة بسيطة مبسطة) 🌹🔥🥀💐💥💫
إن كان قد ثبت عبر البحث العلمي إن مرجعية الحقيبة في نمط الزجل من حيث النوع الشعري.. فلماذا يصر البعض بطريقة هستيرية على القول بمرجعيتها كنوع شعري في المدائح النبوية ولو عسفا!. الإجابة التي وجدتها بعد بعض التأمل هي أن: معظم هؤلئك الناشطين في مجتمع الحقيبة وبيزنسها بالإضافة الى كونهم يجهلون لونها الشعري بالكامل فهم أصحاب مرجعيات إجتماعية محافظة "سلفية المخيال" ولو بالمعنى اللغوي للكلمة لا الإصطلاحي.
ولذا فإن محاولة إلصاق غناء الحقيبة بالمديح النبوي "المحبب اجتماعيا"يريحهم نفسياً ويبرر عشقهم المفرط للحقيبة والجسدانية التي تحفل بها وهم يخجلون منها في اعماقهم ويغرمون بها في السطح.
في حين أن الرواد الأوائل وأصحاب الصنعة والمشتغلين بالمجال والنقاد الأصيلين أمثال: صلاح أحمد محمد صالح والمبارك إبراهيم وعلى شمو ومحمود خليل محمد وعلى المك ومحمد حساس ومحمد سليمان الحاوي وغيرهم.. لم يقولوا ذلك القول "الساي" وهم جميعهم عاشوا في أزمان رواد الحقيبة وشهدوا على قسط وافر من تخلقها وحاوروا صانعيها الأوائل. بل أن المبارك إبراهيم وعلى المك ومحمود خليل محمد جميعهم قالوا بخلفية للحقيبة في الموشحات الاندلسية. وزيادة على ذلك واهم شىء ان الشاعر الحقيبي محمد بشير عتيق قال في مقابلة عثرنا عليها حديثا ان شعراء الحقيبة كتبوا على نهج الموشحات الاندلسية وحدد تلك الاعمال بكل وضوح.
تلك ملاحظة بدورها مهمة. أما القول بخلفية النمط الشعري في شعر السافل "برضو كلام ساي" فقد أوفينا ذلك حقه من الدحض في مواضع أخرى. وإن مجاراة شعر السافل هي شىء غير الحقيبة ولو بعضه حدث بواسطة بعض صانعي الحقيبة "راجع مقالة: حقيبة الفن ونظرية الفستك" لتستدرك هذه النقطة الدقيقة.
تتواصل.. سلسلة مكافحة طلس الحقبنجية
03-09-2025, 08:28 PM
محمد جمال الدين محمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5757
الليلة للحظة أتذكرت أحبابي الحقبنجية وعكات زمان.. طولت منهم مع منظمة سدرة والشهر الجميل.. فقلت الليلة أسلم عليهم وأهديهم الفيديو المرفق لمديح جميل تم مجاراة للحقيبة! لماذا يصرون أن حقيبة الفن مجاراة للمديح النبوي؟.. مع أنه لم يحدث ولا يستقيم بل ما جرى هو العكس تماماً وهنا إحدى الأدلة الكثيرة: محاولة لتحليل نفسي إجتماعي أدناه رابط لحلقة بواسطة الباحث المتخصص د. إبراهيم القرشية (سودانية24 سنة 2023) تتحدث تفصيلياً عن الشيوخ الكبار الذين جاروا شعر وغناء الحقيبة.. عدد كبير من الأسماء الساطعة بداية بالشريف الهندي مروراً بالشيخ الصابونابي والهاشمي والدقوني وود الماحي الحفيد وليس نهاية بالبرعي شيخ الزريبة. وأهم من جارى شعراء الحقيبة مدحاً في النبي "ص" من الشيوخ العظام هو الشريف يوسف الهندي المتوفي العام 1942م وعمره حينذاك 73 أي أنه ولد في حدود العام 1870 إذاً فهو أكبر عمراً من كل رواد الحقيبة الكبار ود الرضي والعبادي والخليل وأبو صلاح بأكثر من عشرين سنة في المتوسط. لكنه بعد هو الذي جارى الحقيبة ولم يحدث العكس ابداً حد هذا العلم.. ولذلك طبعاً أسباب مشروحة تفصيلياً في حلقة (الحقيبة وشعر السفال والمديح) يوجد رابط في أول مداخلة. تحليل نفسي/إجتماعي: إن كان قد ثبت عبر البحث العلمي إن مرجعية الحقيبة في نمط الزجل من حيث النوع الشعري.. فلماذا يصر البعض بطريقة هستيرية على القول بمرجعيتها كنوع شعري في المدائح النبوية ولو عسفا!. الإجابة التي وجدتها بعد بعض التأمل هي أن: معظم هؤلئك الناشطين في مجتمع الحقيبة وبيزنسها بالإضافة الى كونهم يجهلون لونها الشعري بالكامل فهم أصحاب مرجعيات إجتماعية محافظة "سلفية المخيال" ولو بالمعنى اللغوي للكلمة لا الإصطلاحي. ولذا فإن محاولة إلصاق غناء الحقيبة بالمديح النبوي "المحبب اجتماعيا"يريحهم نفسياً ويبرر عشقهم المفرط للحقيبة والجسدانية التي تحفل بها وهم يخجلون منها في اعماقهم ويغرمون بها في السطح. في حين أن الرواد الأوائل وأصحاب الصنعة والمشتغلين بالمجال والنقاد الأصيلين أمثال: صلاح أحمد محمد صالح والمبارك إبراهيم وعلى شمو ومحمود خليل محمد وعلى المك ومحمد حساس ومحمد سليمان الحاوي وغيرهم.. لم يقولوا ذلك القول "الساي" وهم جميعهم عاشوا في أزمان رواد الحقيبة وشهدوا على قسط وافر من تخلقها وحاوروا صانعيها الأوائل. بل أن المبارك إبراهيم وعلى المك ومحمود خليل محمد جميعهم قالوا بخلفية للحقيبة في الموشحات الاندلسية. وزيادة على ذلك واهم شىء ان الشاعر الحقيبي محمد بشير عتيق قال في مقابلة عثرنا عليها حديثا ان شعراء الحقيبة كتبوا على نهج الموشحات الاندلسية (لم يقل تأثرو بالأثر بل كتبوا هم أنفسهم على نهج الموشحات الأندلسية) وحدد تلك الاعمال بكل وضوح كما طبعاً صانعيها. يوجد رابط في المداخلات. تلك ملاحظة بدورها مهمة. أما القول بخلفية النمط الشعري في شعر السافل "برضو كلام ساي" فقد أوفينا ذلك حقه من الدحض في مواضع أخرى. وإن مجاراة شعر السافل هي شىء غير الحقيبة ولو بعضه حدث بواسطة بعض صانعي الحقيبة "راجع مقالة: حقيبة الفن ونظرية الفستق من سلسلة طلس الحقبنيجة، الرابط في اول مداخلة لتستدرك هذه النقطة الدقيقة. هنا يوجد سرد ممتع معضد بالوثائق: المديح السوداني جارى الحقيبة ولم يحدث ابداً العكس .. لا دليل مادي مادي مباشر مثل هذا: بيت القصيد | مجاراة المديح لاغاني الحقيبة | الحلقة الحادية عشر | رمضان تقديم: أ/ د. إبراهيم القرشي
الحلقة الاكثر إثارة وتشويق من حلقات حقيبة الفن تتمثل وفق هذا التصور في حرب الطنابرة وحرب التم تم (فنون السودان الاقدم) وسيكون هناك نفي واستيعاب في ذات الاوان:
استيعاب الطنابرة الى الغناء الجديد (الشي الجديد كان اسمه قبل الاسم حقيبة) الطنابرة الوافقو (مثال: بشير الرباطابي وعبد الله الماحي) مشوا قدام وتم نفي من رفض ماديا ومعنويا مثال: عبد الغفار الطنباري (وجلده وتهديده بالقتل) ومحمد ود الفكي (سكت واصبح تاجر خضروات في سوق امدرمان) وغيرهم الكثير. وتم استيعاب العديد من مغنيات التمتم وتسفيرهم الى القاهرة: مهلة العبادية وام الحسن الشايقية وعاشة الفلاتية (اسم القبيلة ضروري للتمييز بين المغنيات الاحرار والاخريات بالذات في المراحل الاولى من تاريخ المرحلة) وام رشيرش وفاطمة خميس وتومات كوستي. اضافة الى زنقار الذي قتله زميله في العمل على خلفية خلافات مالية. وتم نفي اخريات من مغنيات التم تم. وتزوج دميتري البازار من فنانة التم تم فاطمة خميس.
كانت هناك لجان متخصصة لذلك الغرض الهام في زمانه .. توجد وثائق وافية بهذا الخصوص.. مثلا هذه المرة: عبد الرحمن الريح وعمر البنا يتحدثان عن حرب التمتم:
--- ملاحظة: يستحسن بالنسبة للمتابع الحريص مراجعة حلقة "حرب الطنابرة والتمتامة" لفهم الأسباب والمآلات .. وفق نتيجة البحث!
04-06-2025, 01:30 AM
محمد جمال الدين محمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5757
المديح النبوي وحقيبة الفن مرة أخرى (توجد روابط ووثائق مهمة)
المناسبة الجديدة للحديث عن فكرة أن "نظم الحقيبة متفرع عن المديح أم لا أم من اين جاء" هي أنني قبل عدة أسابيع مضت علقت كتابة على الحلقة التلفزيونية الوثائقية التي نشرتها سودانية 24 العام 2023، حيث خصصها البروفيسور إبراهيم القرشي (المتخصص في الأدب السوداني) عن كيفية مجاراة كبار شيوخ المديح لأشعار الحقيبة، وذكر مجموعة مبدعة استطاعت تحويل زجل الحقيبة إلى شكل آخر ذي هدف سامٍ، وهو مدح النبي “ص”.
وللبروفيسور كتاب مشهور عن تاريخ المديح النبوي في السودان، وتعد هذه الحلقة جزءً ممتعا منه (سأرفق رابطها في الختام). تضمنت الحلقة نماذج إبداعية لشيوخ كبار مثل الشريف الهندي، والشيخ الهاشمي، والصابونابي، والدقوني، والبرعي، وغيرهم، بالإضافة إلى أسلوب السرد الشيق الذي اتبعه البروفيسور الهاشمي.
في بداية الحلقة، ذكر أنه سيركز على مجاراة شيوخ المديح لأشعار الحقيبة، وقال عبارة مفادها: "لا يهم أيهما سبق الآخر، الحقيبة أم المديح". وقد فُسرت هذه العبارة خطأً بأن الحقيبة أيضا جارت المديح بذات المعنى، لكن هذا لم يحدث قط. وهذا لا يقلل من قيمة المديح النبوي، فهو فن مستقل بذاته، له تاريخه ومساحته الخاصة.
كما البروفيسور الهاشمي لم يقدم حلقة أخرى يتحدث فيها عن مجاراة الحقيبة للمديح، سواء في الألحان أو غيرها، لأنه ببساطة لا يوجد دليل على ذلك.
وفي كتابه القيم عن تاريخ المديح في السودان ومراحله الأربعة وفق تصنيفه، لم يذكر أي دليل واضح على أن بعض رواد الحقيبة المعروفين جاروا ألحان المديح أو نظموا على أثره، إلا في حالة واحدة: قصيدة واحدة للعبادي، التي رأى أنها قد تكون مجاراة لـ "ليلة ليلك جن"، لكن دون جزم. أما الأمثلة الأخرى فليس لها علاقة بالحقيبة كنوع زجلي ولا شعراء الحقيبة.
والعبادي نفسه لم يقل ذلك، ولا أي شاعر آخر من شعراء الحقيبة أنني جاريت نظم المديح أو ألحانه. بينما المداحون جاروا العشرات من ألحان الحقيبة وأقروا بذلك، لأن المجاراة في الأدب تتطلب الإقرار، وإلا اعتُبرت نوعا من السرقة وفق إرث النقاد الأدبيين.
تحليل نفسي/اجتماعي: إذا كان البحث العلمي قد أثبت أن مرجعية الحقيبة كنوع شعري تعود إلى الزجل، فلماذا يصر البعض بطريقة هستيرية على ربطها بالمديح النبوي، حتى لو كان ذلك تعسفًا؟
بعد التأمل، وجدت أن معظم المهتمين بمجتمع الحقيبة و"بيزنسها" ونقاباتها يجهلون طبيعتها الشعرية، كما أن خلفياتهم الاجتماعية المحافظة (ذات المخيال السلفي، حتى لو بالمعنى اللغوي وليس الاصطلاحي) تجعلهم يحاولون ربطها بالمديح النبوي – الذي يحظى بقبول اجتماعي – لتبرير ولعهم بالحقيبة وما تحمله من جسدانية قد يخجلون منها في أعماقهم، رغم افتتانهم السطحي بها.. وفق هذا الزعم.
بينما الرواد الأوائل من النقاد الفنيين والإعلاميين الكبار، مثل: صلاح أحمد محمد صالح، والمبارك إبراهيم، وعلي شمو، ومحمود خليل محمد، وعلي المك، ومحمد حساس، ومحمد سليمان الحاوي – الذين عاصروا نشأة الحقيبة وتفاعلوا مع صانعيها – لم يقولوا بهذا الكلام السطحي. بل أكد بعضهم، مثل المبارك إبراهيم وعلي المك ومحمود خليل محمد، أن للحقيبة خلفية في الموشحات الأندلسية. والأهم أن الشاعر الحقيبي محمد بشير عتيق ذكر في مقابلة حديثة أن شعراء الحقيبة كتبوا على نهج الموشحات الأندلسية، وحدد تلك الأعمال بوضوح (رابط اللقاء مرفق هنا).
أما الربط بين الحقيبة وشعر السافل، فهو كلام بدوره أي كلام غير دقيق، وقد ناقشناه في مواضع أخرى. مجاراة شعر السافل شيء مختلفة عن الحقيبة، حتى لو قام به بعض شعرائها. (راجع مقال "حقيبة الفن ونظرية الفستق" لمزيد من التفاصيل).
الحدث الاعظم في تاريخ السودان الحديث الذي يشهد على هشاشة وعينا الجمعي على وجه العموم وبساطة مخيالنا العلمي على وجه الخصوص هو ما يسمى ب(حقيبة الفن السودانية) اي عدم الوعي بمرجعيتها واختلاق قصص خرافية لا حصر لها حولها.. فعندها يتجلى عقلنا الجمعي السحري اللا علمي في اوضح صوره. لذا انا اهتم بها كمثال للكل المركب.. وفق هذا الزعم.
الخلاصة: المديح النبوي غرض شعري وليس نوعا شعريا، أي أنه يمكن تقديمه بكل الأنواع الشعرية والنثرية وبجميع اللغات. أما الحقيبة فهي نوع شعري محدد ومعروف في التراث العربي باسم الزجل. ووجدنا وفق البحث أن للحقيبة خمس طرق نظم كلها من نمطية الزجل الأندلسي أي تجري وفق طريقة نظمه (اطلع على الراوبط المرفقة).
كون كبار شيوخ المديح السوداني جاروا زجل الحقيبة لما رأوا فيه من إبهار، لا يقلل من قيمة المديح، بل يظهر عظمة هذا الأدب وقدرته على التجديد واستغلال كل الوسائل لتحقيق هدفه النبيل: التعبير عن محبة سيد الخلق “ص”.
ومن الجدير بالذكر أن أول من أبدع في الزجل في عمومه وحول غزله إلى مديح في زمكان آخر من شيوخ الصوفية العظام هو القطب محي الدين بن عربي ومن قبله الشيخ الششتري.
وأخيرا إنتباه لطفاً: أمامك روابط وثائقية مهمة آخرها (في الختام) الحلقة المعنية للبروف الهاشمي عن مجاراة المديح للحقيبة “ممتعة وواضحة”. وقبلها روابط لا تقل أهمية وشروحات لها.
الشاعر الحقيبي عتيق يقول إن للحقيبة خلفية في تراث الموشح الأندلسي وإن شعراء الحقيبة كتبوا الموشح ولم يقل تأثروا بالأثر بل كتبوا هم أنفسهم الموشحات وحددها بالأسماء. تسجيل الشاعر عتيق في المقدمة. وملاحظة مهمة: المقالات الأربعة هي المهمة فيما يتعلق بموضوعنا هنا وليس بالضرورة النقاشات المصاحبة.
وهنا رابط اللقاء مباشرة.. لحقيبة الفن السودانية خلفية في التراث الأندلسي الشاعر الحقيبي محمد بشير عتيق يقول في تسجيل صوتي تم العثور عليه حديثا.. وبهذا ينتهي الجدل حول نتيجة بحث الحقيبة. هذا اللقاء مع الشاعر محمد بشير عتيق تاريخي بمعنى الكلمة: شهادة الشاعر عتيق حول مرجعية اللون الشعري للحقيبة هي الاهم؛ كونه كان شاهدا على كل رواد الحقيبة وكل مسيرتها ويعرف جل اسرارها:
فعندما توفي خليل فرح افندي 1932 كان عمر عتيق حوالي 23 سنة.
وعندما توفي ابوصلاح 1968 استاذه الاول او كما قال.. كان عمر عتيق 59 سنة.
وعندما توفي سيد عبد العزيز 1979 كان عتيق 70 سنة.
وعندما توفي ود الرضي 1982 كان عتيق 73 سنة.
وعندما توفي العبادي 1983 كان عتيق 74 سنة.
وعندما توفي عبيد عبد الرحمن 1986 كان عتيق 77 سنة.
وقد ذكر نماذجا لاشعارهم قال انها جرت على نهج الموشح الاندلسي مثلما فعل هو ذاته حتى قبل ان يعلم تلك الحقيقة (قال انه نظم على نهج الموشح قبل ان يعلم اي انه كان يجاري.. وصنف قصيدته: جسمي المنحول كموشحة) .. كل ذلك في التسجيل المرفق.. وعندما تم اجراء هذا اللقاء 1986 مع عتيق كان صديقه ورفيق دربه ومهنته الشاعر عبد الرحمن الريح على قيد الحياة يستمع الى اللقاء.. هذا اللقاء تاريخي . وكان الاذاعي الذي اجرى اللقاء هو الإذاعي الألمعي محمود خليل محمد. وهنا رابط تسجيل الشاعر عتيق وبعده مباشرة حلقة مجاراة شيوخ المديح للحقيبة وليس العكس:
وختامه .. الشيء المهم هنا: حلقة البروف القرشي عن مجاراة المديح للحقيبة.. مجاراة شيوخ المديح الكبار للحقيبة وليس العكس.. سودانية 24 عام 2023:
شكراً للهمة والإهتمام ومع أسمى معاني السلم والسلام.. وإلى الأمام
المقالة الواردة اعلاه للتو ذات اهمية خاصة في سردنا هذا لان بعض "الدراويش"مازالوا يتحدثون ولو في غرفهم المغلقة عن جزمهم الجزافي في اصل لنظم الحقيبة في المديح السوداني.. ويتعللون بقدمه ولحنه المميز.. كدا بس!
هناك مكافحة لطلس اخر شبيه.. في زمكان اخر في 2018. منه:
حلقة 1 من حملة مكافحة طلس تعريب (تشويه) العامية الوسطسودانية
الناس ديل اذا ما قرعتوهم برجعوكم سوق عكاظ.. الناس البصلحو الناس البتتكلم او تكتب بالعامية السودانية.. ديل شر مستطير وتخلف وبلادة وسلفية لغوية بغيضة!
اللغة العامية هي اللغة الأم (الوسطسودانية)، لا نغلط فيها لأنها تأتي من السليقة.. غير العربية الكلاسيكية القاموسية.
وفصاحتها في البادية لا المدن. اذ البادية هي اصلها.. ومعظم الاشعار والحكاوي والحجاوي بالعامية السودانية جاءت من البادية. كتير من ناس المدن هم اعداء فصاحتها واعداء ثقافتها بلا وعي.
الخلاصة: ما تصلح زول بتكلم أو بكتب بالعامية غلط وبلادة كمان (معليش ح أشرح) ,وذا كتب خليط بين العامية واللغة الكلاسيكية (أقول الكلاسيكية أو الرسمية فكلمة "فصيحة" فيها تعالي حد هذه الرؤية) فعند هذه اللحظة برضو ما تصلحوا لأنك ما ح تعرف تعبر عنه أحسن منه. أما إذا كتب بالكلاسيكي (الفصحى) ووضع الكلمات العامية بين أقواس برضو ما تصلحوا.. وإذا كتب كل شئ فصيح تماماً لكنه غلط في ترتيب الكلمات والجمل والإعراب برضوا ما عندك حق تصلحوا دون أن يطلب منك ذلك إلا في حالة واحدة بس أن الكلام ربما عناك وأنت لم تفهم نسبة لتلك العلة.. وإن فهمت الكلام غير المعرب ووصلك المعني لماذا أنت تجري خلف الشكلانيات. المعاني هي المطلوبة، أليس كذلك؟. إلا إن كنت أنت أستاذ في الفصل وتلك وظيفتك. والأفضل أن يكون التعليم والمناهج الدراسية مكتوبة بالعامية، لأنها لغة الطلاب الأم لا الكلاسيكية يا أخ العرب ويتلقون بها الدرس أسهل وألطف.
العاميات تشكلت لان هناك حاجة لها من أهمها أن اللغة الكلاسيكية مثقلة بالقواعد والمترادفات المربكة وبها أحرف ثقيلة على الألسن مثل الثاء والذال والقاف والهمزة على النبرة والسطر.
ولذا يتم بشكل مستمر إستبدال تلك الحروف بأخرى أخف وألطف.
فالثاء تكون تاء أو سين أو صاد (تور = ثور وسَوْرة ديسمبر = ثورة وصريا بت خالي عباس = ثريا "عنقود نجمي" دي بت حقيقية عليها السلام “مثال”). والذال دال وضاء وظاء (دهب يعني ذهب وضنب ذَنب القرد مثلاً.. الزول مسكنا ضنب الككو) وأحياناً الذاك تتحول إلى ظاء أو زاء فذنوب ممكن تكون زنوب أو ظنوب كلو صاح. مجرد أمثلة لا حصرية فقط للبيان. واهم شي عندنا القاف زي g (قلم) g الانجليزية فالحس السليم يرفض القاف الكلاسيكية الثقيلة. وبلاد اليمن تفعل مثلنا.. وفي مصر والشام (أ) قلم تصبح ألم وهكذا.
الفائدة المهمة أيضاً للعاميات هي بناء الجملة على السكون مطلقاً وهذه من أهم أسباب رشاقتها وخفتها.. لذا أصبحت مسرحاً أساسياً للأشعار وبالذات الغناء. كل الأشعار التي كتبها السودانيون في العهد السناري والتركي والمهدية وزمان الانجليز وحتى تاريخ اليوم (اسحاق الحلنقي) عامية مطلقاً ولا توجد استثناءات تذكر.
ويمكن ان تكون القاعدة: لا تعريب للعامي ولا تعميم للكلاسيكي بالذات في الشعر والغناء لان في الحالين سيختل الوزن العروضي كما القوافي.
والعامية تغذي ذاتها كل مرة وأخرى بفيض من القواميس المستلفة أو الجديدة والمشتقات الجديدة المستمرة مما يزيدها حيوية وحياة.
أنت عايز ترجع الناس إلى الوراء ليه؟! بعدما تخلصوا من كل تلك القيود وصنعوا كل تلك الحيوية.. داير توديهم سوق عكاظ ليه بعد سقوطه في غيابة التاريخ.. انت يا زول مكشكش ولا شنو!.
العامية قلنا أنها هي اللغة الأم وانت تُفاجا في المدرسة بلغة جديدة زي الإنجليزي بدرسوك ليها من البداية هي الفصيح (الكلاسيكي) ولو مخفف شوية. هل أنت ممكن تصلح دنقلاوي أو بجاوي مثلاً وتقول ليه ما تقول أوهاج الصاح الحاج. لا طبعا. نفس الشيء ينطبق على العاميات.
ولهذا السبب تم ألغاء وموت اللغة اللاتينية في اوروبا لأنها كانت عائق للطلاقة وللأفهام.. وضد العلم والعلوم.. وذلك مضافاً إلى عوامل أخرى بدورها جوهرية أدى إلى نهضة أوروبا الشاملة ونحن لسا نعيش في التاريخ السحيق.
طيب سؤال المليون:
إش معنى نحن بس في بلاد السودان بنصلح بعض في الحروف والكلام العامي ولا يفعل الاخرون ذلك في العادة، إيه السبب؟!.
اظن واحد من الاسباب ان عاميتنا جديدة.. نحن مستجدين نسبيا.. نحن آخر شعب تحدث عامية عربية بالاصالة (يعني بالكامل) حوالي 1700م ولم تتطور من نسخة فصيحة في الارض بل جاءت جاهزة وسادت في الوسط النيلي الوسيط وحده بس لاسباب التاريخ.. كل اطراف السودان عندها لغة ام غير العربية. -- مع ملاحظة انو نحن هنا ما بنتحدث جوهريا عن تفاضل بين العامي والكلاسيكي ولكن اس الحديث ان لكل منهما فضاءاته المختلفة كثيرا او قليلا من قواعد وابجدية ولفظ وتصريف الى درجة وكانهما لغات مختلفة.
للمزيد من الشرح حول سوء التعريب في الزجل السوداني (غناء الحقيبة) لوضوح الفكرة:
رسالة الى المغنين الأصيلين الجادين وكل المبدعين في بلادي:
ابقو عشرة على الحقيبة: لا تعرب الملحون ولا تلحن المعرب.. رسالة الى المغنين الأصيلين الجادين وكل المبدعين في بلادي (حلقة رقم "3" من سلسلة مكافحة طلس الحقبنجية)
الوصية من جديد انسجاما مع الحوارات الدائرة هذه الايام حول العامية الوسطسودانية وعلاقتها بالعاميات الأخرى وباللغة الكلاسيكية كما بالشعر والغناء والموسيقى والسلم الخماسي.
مع ملاحظة ان هذه السلسلة في الاصل متولدة عن ندوات في الزوم وتسجيلات صوتية واتسابية تحولت الى كتابة لذا ربما ما زالت تحمل النكهة التفاعلية وعفوية السرد. وبلغت السلسلة حتى الان 15 حلقة تحت هذا العنوان الانتقامي: (مكافحة طلس الحقبنجية)😀🥀.. توجد روابط للحلقات الاخرى في اول مداخلة. وابقوا عشرة على الوصية.
الله.. الوطن .. الحقيبة
وصية وشرحها باختصار.. وصية لكل مغني ومؤدي فن الحقيبة من الفنانين المبدعين صغار وكبار وواعدين: ما تعرب ما تلوي خشمك ما تمد لسانك.. انطق الكلام بلغة الشارع لغتك الام.. يصح ويحلى.. وإلا بتتعوق وتعوقنا معاك كمستمعين وباحثين!.
الحقيبة في عهدها الجديد.. يعني: وعي ما بعد بحث الحقيبة او مثلما يقولون: ما بعد الحداثة.. مش الطلس القديم.. نحن في زمان الوعي العلمي بالذات الجماعية والتراث.
ملاحظة استباقية: لازم تكمل الكلام للنهاية لأن في البوست دا معاك خمسة رموز ناس مهمين أنت في ضيافتهم (عشان انت مهم واظن الموضوع مهم) وهم: عمك ابن خلدون المغاربي وعمك المنوني المغربي وعمك إبن قزمان من قرطبة (ت 1160) وعمك صفي الدين الحلي/العراق (ت 1339) وعمك محمد جمال الدين/ جبل أولياء (الكاتب المتقمص شخصية الراوي).. أقول: ما تقرأ سطر وتفط سطر.. والا ح تفط سطر في غناك وإمكن في حياتك ذاتها "بعد الشر " .. دي مش حاجة للتحميس كدا بس.. لا .. اعتقد انك لن تفهم فكرة البوست إن لم تقرأه كاملا.
وصية احسبها من دهب لمغني الحقيبة ومؤديها جميعاً: ما تعرب الكلام .. ما تعرب مطلقا.. كمان اهم شي ما تنطق أي حرف لازم تمد عنده لسانك بتتعوق وبتعوق الكلام زي الذال " ذ" تنطقها بطريقة الكلام اليومي عبر الحروف البديلة لها زي ال (دال او سين أو زين او ضاد) او حسب سياقها من الجملة كمان برضو وطبعا حرف الثاء تنطقه بلغة الشارع (سا سمك أو تا تور او صا صارقيل) او حسب موقعها من الجملة ولا تنطق الهمزة على النبرة (دوما ياء) مائل مايل مسائل مسايل مثلا.. وتهمل الهمزة على السطر دوما مثل: السماء في العامية سما وحين تنسبها لا تقول سمائك بل سماك أخف وألطف وسهلة النطق. وانا اكون ليك ممنون وشاكر وفي: سناك قليل يا جميل.
وضاوي سناك بمعنى (نور القمر) وفي ثناك في اغنية برضي ليك للعبادي بمعنى (شكرك) الاتنين تنطقهم بالسين (سناك) والمعنى واضح من السياق.
وحرف القاف برضو مشكلة .. وجب ان تنطق القاف بلغة الشارع او حسب موقعها من الجملة زي g الانجليزية: لا تقول قائد الاسطول بل قايد الاسطول gايد الاسطول.. اخف وارشق.
كل بلاد عندها طريقتها لنطق حرق القاف مثلا في مصر والشام يكون (أ) في اليومي وفي الغناء وفي اليمن والسودان على طريقة g الانجليزية او شي من هذا القبيل.
الأحرف دي (الثاء والذال والهمزة على النبرة والسطر كمان ايضا: القاف) أختفت من الشارع الناطق العربية ومن الغناء العربي منذ بداية العهد العباسي حوالي 750م ولم تعد أبداً راجعة لأنها ثقيلة (دا السر.. انت عايز ترجعها ليه) اختفت في كل مكان (الحجاز واليمن والشام ومصر والمغرب والأندلس والسودان طبعاً) وحلت محلها احرف اخرى اخف وارشق في النطق تختلف قليلا او كثيرا بين زمكان واخر.. عندنا في السودان أمشي شوف كتاب ود ضيف الله (الطبقات) مثلا وشوف أشعار ود الفراش وأشعار السافل كلها وبنونة (ماهو الفافنوس.. ما هو الغليد البوص) السين والصاد ممكن يشتغلوا قافية.
ولازم تعرف أو تتذكر أن: نمطية الحقيبة جارية وفق قواعد العامية الوسطسودانية برغم الكلمات الفريدة والغريبة المحتشدة بها القصيدة.. وهي طبعاً وافدة اي قادمة من تواريخ سحيقة .. وليست من أصل العامية الوسطسودانية إلا إنه كما أسلفنا القول فالنظم يخضع بالكامل لقواعد العامية الوسطودانية كما لاحظنا من الأمثلة والتقطيع العروضي الذي أجريناه على قدر من أشعار الحقيبة (يوجد رابط لذلك ختام هذا السرد).
يعني مثلاً ما تسمع كلام واحد مشعوذ (لا يعرف قواعد الزجل) مهما كان أنت بتحترمو ولو أبوك.. يقول ليك مثلا في اغنية برضي ليك المولى الموالي أنطقها او قلها (ثناك) بالثاء وليس سناك بالسين (في ثناك قليل يا جميل) لا ما تسمع كلامه إنه غير عالم بقواعد النمط الشعري ولا يعرف الفرق بين الأنماط الشعرية.
او يقول ليك (مثلا) انطق بازخ بالذال وليس الزين: نحن الشرف الباذخ (خليل فرح).. ما البازخ.. غلط.. الصاح بالزين لا الذال.. الشرف البازخ.. ولو وجدتها مرسومة باذخ او كتبتها كذلك لا مشكلة.. لكن لا تعرب.
من يقول لك بذلك دا بكون في العادة مجرد شخص كلاسيكي الفهم او شخص مدعي وجاهل بفن الزجل وقوانينه او الاتنين معا .. او حقبنجي ساي.. محترم صاح ما قلنا شيء.. بس زول "طلاس" وجاهل بقواعد الأنواع الشعرية ولونية الحقيبة النظمية وقواعدها.. وما قرا نتيجة بحث الحقيبة لسا او قرا طشاش او سمع بيها ساي من الناس وقعد يكورك.
نرجع للحظة للعبادي و (ثناك) أول حاجة لما تعملها (ثناك) وتنطقها بهذه الثقالة بدلاً من سناك.. إنت لسا ما عربت.. لازم تكون: ثنائِكَ لأن أصل الكلمة ثناء.. شوف المشكلة بتاعة النطق الحا تدخل فيها والعولاق الح تسويه في نفسك قدر شنو.. ولو عملتها كدا لازم تعرب الغنية كلها إش معنى في ثنائِكَ بس والباقي لا.. شفت كيف بتكبر المشكلة!.
الشعر العامي والزجل تحديدا ممنوع فيه التعريب.. واذا رسمتها بالثاء أو وجدتها مكتوبة كذلك الصاح تنطقها سين ومثلها كل الأحرف الثقيلة التي تحدثنا عنها للتو.. وعموماً لا تعرب.. غلط كبير.. زي كالمال كال"بنون" بتاعة سيد عبد العزيز اذا عربتها بتخل حتما بالقافية ان عربتها وعملتها كالبنين وكمان بالسجع والتفعيلة والوزن ويبقى خراب شامل زي خراب سوبا.
أي تعريب للفنون العامية عند إبن قزمان وصفي الدين الحلي "حرام" وعند محمد بن جمال نوع من الشعوذة فخيم وطلس حقبنجية ساي.
طيب للحظة نسمع مع بعض الشباب ديل بقولوا في شنو:
(جردت فني هذا من الإعراب .. كما يجرد السيف من القراب.. فمن دخل علي من هذا الباب فقد أخطأ وما أصاب) دا كلام ابن قزمان امام الزجالين ومخترع قوانين فن الزجل.. إبن قزمان بزعل منك وبشوتك برا ان عربت.
يعني الشعر العامي عامي والفصيح فصيح وإلا ح تعمل مشكلة وإخلال بالوزن والقوافي.
ودا الشاب البديع الصفي الحلي يتحدث عن: الفنون الأربعة التي كُتبت في اللغات العامية وهي الزجل والمواليا والقواما والكان كان.. وهي كل الفنون العامية مطلقا وما دونها فهو بناتها واحفادها.
إذ نص الحلي في مقدمة كتابه (العاطل الحالي) على هذه الفنون فقال: "فهي الفنون التي إعرابها لحن، وفصاحتها لَكْنٌ، وقوة لفظها وهن. حلال الإعراب بها حرام، وصحة اللفظ بها سقام. يتجدد حسنها إذا زادت خلاعة، وتضعف صنعتها إذا أودعت من النحو صناعة، فهي السهل الممتنع والأدنى المرتفع، لا سيما في الزجل الذي تختلف أوزانه ويضطرب ميزانه، ويتغاير لزومه ويشتبه منظومه. وهذه الفنون تختلف بحسب اختلاف بلاد مخترعيها وتفاوت اصطلاح مبتدعيها ؛ فمنها ما يكون له وزن واحد وقافية واحدة وهو الكان كان ومنها ما يكون له وزن واحد وأربع قواف وهو المواليا، ومنها ما يكون له وزنان وثلاث قواف وهي القواما ومنها ما يكون له عدة قواف وعدة أوزان وهو الزجل "وهو أرقاها في السلم وأعظمها شأناً").
فهي الفنون التي إعرابها لحن، وفصاحتها لَكْنٌ، وقوة لفظها وهن. حلال الإعراب بها حرام، وصحة اللفظ بها سقام. يتجدد حسنها إذا زادت خلاعة، وتضعف صنعتها إذا أودعت من النحو صناعة، فهي السهل الممتنع والأدنى المرتفع، لا سيما في الزجل. الخلاعة هنا بمعنى: منتهى الوضوح والصراحة.
هذا بالضبط ما قاله إبن خلدون الذي جاء في ترتيب الزمان بعد صفي الدين الحلي مباشرة وقبل إبن حجة الحموي بقليل الذي نقل عنهما ووافقهما في كتابه بلوغ الامل في فن الزجل.
والسؤال هنا، كيف يكون في اللحن واللكن بلاغة؟!.
نعم يكون وفق إبن خلدون (في تعدد القواميس العامية في القصيدة الواحدة).. بل إبن خلدون كان أشد صرامة في الوصف إذ يصف (اللحن واللكن) بالعجمة!.
ويعني طبعاً إنتفاء الإعراب لا أن اللغة ذاتها التي كتب بها الزجل الأندلسي في الجوهر أعجمية بالكامل بل عامية الأندلس العربية ولو حوت عبارات لاتينية مثل كل عاميات هذا الزمان التي تستطيع أن تحوي كلمات تركية وفرنسية وإنجليزية ولغات تاريخية أخرى عديدة لكن بعد هي عامية عربية. ولكنه برغم ذلك يقول لقد إزداد فضاء البلاغة مع اللحن واللكن؟. كيف حدث ذلك مع العجمة!.
حتى أن بعد عدة قرون تالية جاء المؤرخ الجليل محمد المنوني ليقول:
(ولعلنا سنجد في هذا النوع من الشعر من دقة الوصف ما لا نطمح أن نجده عند شاعر أو كاتب بالعربية الفصحى) اي ان الملحون من الشعر قد يكون افصح اي ابين وارفع من الفصيح الكلاسيكي.. مرافعة عن الشعر العامي او الملحون احسبها عظيمة.
وهنا نص إبن خلدون المعلوم عند هذه النقطة:
"لما شاع فنُّ التوشيح في أهل الأندلس، وأخذ به الجمهور لسلاسته وتنميق كلامه وترصيع أجزائه، نسجت العامة من أهل الأمصار على منواله، ونظموا في طريقتهم بلغتهم الحضرية من غير أن يلتزموا فيه إعراباً، واستحدثوا فناً سموه بالزجل، والتزموا النظم فيه على مناحيهم إلى هذا العهد فجاءوا فيه بالغرائب واتسع فيه للبلاغة مجال، بحسب لغتهم المستعجمة".
السر في تعدد القواميس المستخدمة + طريقة النظم المرصعة.. السحر الاعظم.. فتعدد القواميس هو مكمن البلاغة بلغة ابن خلدون اي يتسع للزجال المجال لانتقاء الكلمات والقوافي من عدة قواميس تاريخية.
فالترصيع عند إبن خلدون هو القيمة الثابتة عند الوشاح والزجال في ذات الأوان.
الموشح التام أي المعياري يتكون "مرصعاً" من مطلع (أغصان) وأدوار (أسماط) وأقفال (أغصان) وخرجة (أغصان).. وموشحة (جادك الغيث) للسان الدين الخطيب هي مضرب المثل المدرسي عند هذه اللحظة.. وهذا بإختصار طبعا. ومشى على نهجه الزجل فقط في لغة غير معربة.
إبن خلدون يقول لغتهم المستعجمة أي طبعاً غير الفصيحة. ويعني زجالي الأندلس آنذاك. وقلنا أن فن الحقيبة من نمط الزجل أو وريثه. فهل الحقيبة أيضاً أيضاً مستعجمة!. نعم طبعاً، برغم الكلمات الفريدة الرنانة "الوافدة من التاريخ" فإنها غير معربة (لا تجري على قواعد النحو والإعراب في اللغة الفصيحة أو الأحسن أن نقول "الكلاسيكية" ولا على أوزان أبحر الخليل وتفاعيلها بالضرورة) كما أن كثير من تصاريفها غريبة على العربية الكلاسيكية كما أنها غريبة على العامية الوسطودانية ذاتها الحاضنة لشعر الحقيبة كل الوقت. القواميس التاريخية انتبه: الحقيبة غير معربة.. عامية.. فقط جواها قواميس عربية تاريخية غريبة وقادمة من شعوب أخرى في التاريخ لكن أيضاً عامية.. فعندما تجد كلمة شادن فهي مجرد كلمة غزال والإتنين كلمات عربية فقط الإستخدام مختلف (الليلة ضابحين شادن.. شخص من الأندلس يتحدث.. الليلة ضابحين غزال شخص سوداني يتحدث). غزال البر يا راحل حرام من بعدك الساحل أنا المن حالى ماك سايل. عشقت شادن عيونو ساحرة وقوامو لادن .. كأنو زهرة. وذلك طبعا مجرد مثال لا حصري.
يعني مرجعية الكلمات ممكن كلها عربية بس غير معربة.. لازم ننتبه!.
ملخص للفكرة: تلات أنواع من العثرات تواجه مغني الحقيبة كل الوقت.. وجب الانتباه لها بروية.. 1. الاحرف المنقرضة من العاميات العربية 2. التعريب غير اللازم وبل المضر .. وشي آخر هو: 3. معضلة السواكن المتقابلة في الجملة الواحدة، كالتالي:
1- الأحرف المندثرة في العاميات (الذال، الثاء، الهمزة على النبرة والهمزة على السطر والقاف) تحدثنا عنها في سالف السرد وكشفنا عن الحلول المعروفة.
2 - التعريب مطلقاً كأن تسعى إلى إعمال قواعد النحو والصرف والإعراب في الشعر العامي (خطأ مميت). لأنك عند هذه الحالة تخل بالمعنى والوزن والقوافي فتصبح القصيدة مجرد كلام "ساي".
3- نطق السواكن المتقابلة (خطأ شائع عند مؤدي الحقيبة) مثال (محيكْ البدري) تنطق: محيكْ لْبدري (ثقيلة) والصحيح دوماً في هذه الحالة تحريك الساكن الأول بإستلاف الساكن الثاني (تلك قاعدة في العامية الوسطسودانية وجب أن ننتبه لها بروية) إذاً النطق الصحيح = (محيكَلْ بَدري). تحريك الكاف بإستلاف الساكن المقابل وبالتالي الكلمة المقابلة ستكون متحركة ويصح عندها النطق ويصبح أكثر خفة ورشاقة (توجد أمثلة عديدة لهذه العلة في الرابط المرفق تحت عنوان "أخطاء اللفظ والتفاعيل" عند مغني الحقيبة من الجيل الثاني وإلى الآن.. لكن ليس الجيل الأول (سرور وكرومة ومن في زمانهم) لأنهم كانوا يعرفون قواعد النمط عن دراية وافية.
الملاحظة المهمة هنا وربما مدهشة أن الأشعار المغناة السابقة للحقيبة (الحماسة والمناحة والدوبيت مثال) واللاحقة للحقيبة (التي جاءت بعدها كأعمال بازعة وإسماعيل حسن والحلنقي) لا توجد بها الأخطاء التي تحدث في حالة الحقيبة وتحديداً تعريب ما لا يجب أن يعرب فيعرب كما علة اخرى هي: نطق السواكن المتقابلة.. مع أنهم في الغالب ذات المغنين الذين أدوا الحقيبة فوقعو في العثرات ولكن في الغناء الأقدم للحقيبة والجديد لا (لأنهم يعرفون بالسليقة والفطرة) ولكن في حالة الحقيبة لا (إلا الرواد فإنهم كانوا عالمين بقواعد الزجل الحقيبي أمثال سرور وكرومة).
والسبب في تقديري هو الكلمات المتفردة (الغريبة على العامية الوسطسودانية الوافدة من عاميات ماضوية تاريخية = عامية العهد المملوكي 1250 - 1500 م والزجل الحوزي 1500-1830م) :
يا روح البدن يا غصين النقا يا لدن يا مهفهف يا املدن (ود الرضي)
فـاتـك هـاتك و يالك مـن مُـرائـي وصـدقك قليل (العبادي).. امثلة لا حصرية طبعا.
وأيضاً القاموس التاريخي المهمل مثل (ظبيات وجرة والعيس).
فأشعار الحقيبة تحتشد بمثل تلك العبارات الوافدة من تواريخ سحيقة وقواميس مجتمعات ماضوية ما عادت تعيش في هذا العصر.. مما يوحي بأن القصيدة فصيحة والحقيقة أنها ليست كذلك بل عامية وجملها التعبيرية كلها مبنية على الساكن (غير معربة) وكما اسلفنا تخصع بالكامل لقواعد العامية الوسطسودانية (الحاضن الرسمي لزجل الحقيبة) وبالتالي من الخطأ الجسيم تعريبها.
ملاحظة ختامية: هذه القراءة (اسميتها مجازا بالنصيحة) تستند إلى تجربة الباحث أيام بحث الحقيبة الذي جرى في تفتيش مرجعيات النمط الشعري وحده لأغاني الحقيبة لا الألحان والمقامات الموسيقية.. ذلك شأن آخر لم يتطرق له البحث. ولمزيد من المعلومات بهذا الصدد تستطيع أن تطلع على الكتابات المنشورة بهذا الصدد على الصفحات الخاصة بهذا الشأن أو بالباحث.
وتلك مجرد محاولة سريعة مني لتبيان الصورة في شمولها.. اتمناها واضحة ومفيدة.. واما مسالة: نطق السواكن المتقابلة دي "معضلة كبيرة" ح أرجع ليها لقدام بالأمثلة البيانية للأهمية.. ومقدما في الرابط دا بعض الأمثلة مع تطبيقات بيانية:
أخطاء اللفظ والتفاعيل/الوزن عند مغني الحقيبة من الجيل الثاني والثالث وما بعدهم!
التُم تُم والطنبور كلمات غير سودانية من حيث الاصل:
يا جماعة يا كوشيين من ناحية والحقبنجية من الناحية التانية.. ما دام الأدلة المادية ما أقنعتكم إلا أحلف ليكم طلاق😅:
1- الطمبور .. لا يوجد في التراث السوداني القديم كلمة إسمها (طنبور أو طمبور.. بالنون والميم كله صاح أيضاً في اللغات التركية والإنجليزية والألمانية والهندية والعربية بالميم والنون كله صاح)
Noun. Tanbur or Tambur (plural tanburs) (music) In classical Turkish music, a long-necked, fretted, plucked lute, or various similar lutes of West and Central Asia. Cambridge Dictionary
هذه الكلمة جاءت مع الأتراك وأصلها البعيد فارسي وقبله يوناني.. ملاحظة: الآلة موجودة في السودان منذ اقدم العصور وعندها اسماء اخرى ليس من بينهما طمبور او طنبور الا في منطقة الجعليين التاريخية.. فمثلاً:
ففي النيل الازرق اسمها ابنقرن وكنجن وفي شرق السودان باسنكو وفي بعض مناطق جبال النوبة كاسندي وفي شمال كردفان ام بري بري وعند النوبيين في الشمال كيسير وتشتغل في العادة مع ايقاع الدليب.
تلك هي الاسماء الكوشية إن شئت.. أما طنبور هي الدخيلة يا أصدقاء ولكنها اصبحت بدورها احد اسماء تلك الالة الموسيقية القديمة قدم التاريخ.
كما ان الكرير بالحلق ايضا ياخذ اسم طنبور وهو ايضا اصله تركي لا يوجد في التراث السوداني قبل دخول الاتراك 1821. وما زال الاتراك والاكراد وشعوب شبيهة اخرى تمارسه حتى تاريخ اليوم.
2- التُم تُم.. كلمة إنجليزية/هندية وتعادلها الدلوكة في التراث السوداني .. وتصدر منها إيقاعات كثيرة أهما السيرة والعرضة والتمتم السوداني والتمتم الهندي الأصبح سوداني.. مرة ثانية كلمة تمتم ليست من التراث السوداني (راجع البوست المخصص للحتة دي إن شئت). كلمة دلوكة وما يقابلها من لغات السودان الأخرى هي الكوشية وتم تم اصبحت تعني في السودان ايقاع محدد فقط منوع الطرق ويختلط بالسيرة والعرضة وغناء البنات.
Tom-tom a drum that is usually beaten with the hands: They were swaying to the incessant beat of tom-toms. In the distance, the tom-tom drums were sounding.
قاموس كيمبردش ودائرة المعارف البريطانية وغيرها من القواميس تعرف التمتم على أنه:
توم توم: الطبل الذي يُضرب عادة بالأيدي. كانوا يتمايلون على إيقاع الطبل المتواصل. ومن بعيد، كانت طبول توم توم تدق. ومنشأه بلاد الهند. https://dictionary.cambridge.org/dictionary/english/tom-tomhttps://dictionary.cambridge.org/dictionary/english/tom-tom
3- الحقيبة = نظم الحقيبة كلمات الحقيبة أي أشعار الحقيبة منظومة على نمطية الزجل الأندلسي.. البحث العلمي قال كدا.. والشاعر عتيق في تسجيل عثرنا عليه أخيراً ونشرناه أكد أن كثير من أشعار الحقيبة تجري على نمطية الموشح الأندلسي.. خلي البحث شوف عتيق بقول شنو. هنا نتحدث عن النوع الشعري فقط لا الالحان والاداء والموسيقى ذلك شان اخر.
4- الشيوخ المداح هم من جاروا نظم الحقيبة وليس العكس.. المعلومة المرهقة للخرافات الصلدة السائدة أن الحقيبة مجاراة للمديح.. غلط.. المديح (المداح الشيوخ) هم من جاروا الحقيبة وليس العكس بما فيهم إبن الحاج الماحي كما الشيخ هاشم والشخ الصابونابي والشيخ الدقوني الإبن والشيخ أبو كساوي والشيخ الشريف الهندي والمزيد.. ولم يحدث العكس.. توجد أدلة مادية على هذه النقطة. المديح شي عظيم في التراث السوداني لكنه يسير في خطه وحده.. فالحقيبة وفق البحث كما وفق اقرار الشاعر الكبير محمد بشير عتيق. انها عبارة عن موشحات وصنف اغنيته الشهيرة (جسمي المنحول) كموشحة اندلسية.. قالها هكذا ولا يوجد تصرف من الكاتب (موشحة اندلسية اي تجري على نهج الموشح). اذن الامر في غاية الوضوح.. ولكن الخرافة صلدة.
نحن في الحقيقة نسبح فوق بركة عميقة من الخرافات المنتصرة شديدة الرسوخ.. هناك قلب للحقائق رأساً على عقب.
أكرر الكلام دا لأن بعض الكوشيين العظام إتهموني بأني مطلع أي حاجة ما سودانية.. بالعكس أخوكم شغال بفرز ليكم الكوشي من غير الكوشي شنو.. صدقوني.. وأمامكم الأدلة المادية.. وعلى أي حال من المفترض مافي حب وكراهية في العلم.
لدينا ادلة مادية حاسمة على كل تلك النقاط.. والهدف من هذا البوست وغيره محاولة الاشارة الى معرفة الذات والتراث المعرفة الحقة.. وتلك من صميم اهداف مشروع السودان200 = مشروع الوعي العلمي بالذات الجماعية والبيئة الطبيعة المحيطة بنا = توثيق الماضي, فهم الحاضر, تخطيط المستقبل في ذات الاوان.
بالنسبة للناس البتسال عن مشروع السودان200.. شكرا للاهتمام المقدر.. نحن اقلية صلدة شغالين كل الوقت وحتى الآن في 17 محور من محاور المشروع المعلنة.. يعني الموضوع ما انتهى ببحث الحقيبة.. بحث الحقيبة العامل خوتة دا مجرد جزء من نص جزء من لغات وألسن السودان والأخير دا بدوره مجرد جزء من محور واحد من محاور المشروع ال27. من اهم اهداف المشروع: جعل المعرفة شعبية بمعنى صناعة المعرفة عبر المخيال الشعبي وليس بالضرورة حيطان الجامعات والمعاهد العليا.. ذلك افعل و ابقى. دا طبعا باختصار شديد الخلل.. لانني اعرف ان المهتمين منا يعرفون اصل الحكاية.
ولو بحث الحقيبة مثل اقوى علاقة عاطفية ممكنة🌹
05-07-2025, 04:18 PM
محمد جمال الدين محمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5757
1- بحث الحقيبة لم يعتمد على المتشابهات في نتيجته ليخلص الى ان الحقيبة من نمطية "الزجل"، بل بطريقة النظم اولا، فهي وحدها المحدد الجوهري للانواع الشعرية. القواميس والمتشابهات أقل اهمية عند هذه اللحظة او في الحقيقة مجرد ادلة اضافية وتأكيدية وللمتعة والسياحة في دنيا الزجل، هذا الفن البديع.
2- نلاحظ عدة مخمسات في سردنا هذا (مدارس الحقيبة الخمسة والقواميس الخمسة وطرق النظم ايضا خمسة ورواد الحقيبة الاوائل خمسة) وهي صدفة غريبة وحقيقة وليست عملا تعسفيا.
وهيا بنا الى السياحة: عبر مسيرة هذا السرد سبق أن قلنا بعدة أدلة عبر النماذج التطبيقية أن الحقيبة تنتمي من حيث طرق النظم الى نمطية الزجل الأندلسي (نوعها الشعري) وتحديداً زجلي العهد المملوكي والزجل الحوزي التلمساني. وعرفنا أن الحقيبة من نمطية الزجل عبر الإستقصاءات التالية:
1- طريقة النظم "واحدة" وهي أهم دليل ووحدها كافية لتحديد النوع الشعري، وزيادة على ذلك 2- وجدنا أثراً واضحاً لمجاراة قام بها رواد الحقيبة لأزجال مملوكية وحوزية وأندلسية مباشرة 3- وجدنا عدداً من رواد الحقيبة يذكر كلمة "زجل" في شعره بمعنى الكلمة الإصطلاحي 4- وجدنا أن المخيال الشعري واحد بين الحقيبة والزجليين المملوكي والحوزي 5- وجدنا القواميس اللغوية مشتركة.
وعرفنا أن رواد الحقيبة كانوا يعرفون أن ما ينظمونه من شعر كان زجلاً ويعرفون نمطه وفنون نظمه معرفة كاملة.
ومعلوم أن الزجل صناعة شديد التعقيد وتحتاج إلى معرفة مسبقة بدروبها ودربة عالية تناسب حذاقتها وهذا لا يحدث إلا عبر معلم أو شيخ طريقة كما هو معلوم في تاريخ الزجل.. إذ لا يمكن أن تولد زجالاً بالفطرة كون الزجل ليس مثل ضروب الشعر الأخرى فهو علم من العلوم مثله والهندسة المدنية وعلم الحاسوب. لذا لا يوجد أي شاعر من الشعراء من أي بقعة في بلاد السودان إستطاع أن ينظم شعراً زجلياً على طريقة الحقيبة إن لم يلتقِ بواحد على الأقل من شيوخ الصنعة، وهم: 1- العبادي 2- الخليل 3- أبو صلاح 4- سيد عبد العزيز (أصغر سناً لكنه أمتلك ناصية العلم بالشئ).
لم نجد أي إستثناء لشاعر نظم زجلاً حقيبياً مستقلاً عن هولاء الأربعة على طول بلاد السودان وعرضها.. مع الوضع في الإعتبار أن مركزية المعرفة وسلطتها توجد عند الشاعر إبراهيم العبادي بالذات في المرحلة الأولى من نشوء النمط الشعري/الغنائي.
ووجدنا أن هناك عدة مدارس داخل فضاء الحقيبة (خمسة) وليس مدرسة واحدة كما قد يتراءى أول وهلة:
1- مدرسة العبادي (طريقة نظمها وقاموسها مملوكي في مجمله مع إستثناءات نادرة) تأثرت هذه المدرسة فيما تأثرت بصفي الدين الحلِّي وإبن حُجة الحموي وخلف الغباري. ومرجعيتها في كتابي: بلوغ الأمل في فن الزجل (الحموي) والعاطل الحالي (الصفي). ولهذه المدرسة تأثير مباشر وغير مباشر على كثير من شعراء الحقيبة بالذات في المرحلة الأولى من تخلق النمط الشعري/الغنائي.
2- مدرسة الخليل (طريقة نظمها مملوكية وأندلسية مباشرة وقاموسها بدوره مختلط). تأثرت فيما تأثرت بكمال الدين بن النبيه و إبن زمرك الأندلسي (بالذات موشحاته) ثم خلف الغباري. وهذه المدرسة بالإضافة إلى الخليل تضم مصطفى بطران وأحمد العمري ولها تأثير وسلطة على عدد آخر من شعراء الحقيبة.
3- مدرسة أبو صلاح (طريقة نظمها حوزية وقاموسها في معظمه حوزي + أندلسي مباشر + قليل من المملوكي) تأثرت فيما تأثرت بإبن سهلة وأحمد بن التريكي وإبن مسايب (من النمط الحوزي).
وهذه المدرسة ذات تأثير مباشر وغير مباشر على: عبيد عبد الرحمن وعبد الرحمن الريح واحمد حسين العمرابي وآخرين ومنها كان سيد عبد العزيز قبل أن يستقل بمدرسته الخاصة.
4- مدرسة سيد عبد العزيز (حوزية وأندلسية مباشرة مع قليل من القاموس المملوكي) تأثرت فيما تأثرت بإبن سهلة وأحمد بن التريكي وإبن قزمان وخلف الغباري.
وهذا المدرسة ذات تأثير على معظم المتأخرين من شعراء الحقيبة بما فيهم عبيد عبد الرحمن وعتيق وعبد الرحمن الريح.
5- مدرسة ود الرضي (طريقة نظمها وقاموسها مختلط مملوكي مع قليل من الأندلسي المباشر) وهذا المدرسة ذات تأثير متبادل مع مدرسة العبادي والخليل.
قواميس كل تلك المدارس المقول بها تشتغل في حضانة العامية الوسطسودانية.
وهذا ما سنخصه (أي القواميس) بالعناية اللازمة خلال هذا السرد وسنسعى لمحاولة الإحاطة بكل الخواطر المتعلقة بالموضوع.. مثل كيف ولماذا تعددت القواميس (ما الحاجة)؟.
كما السؤال المركزي: ما الحاجة إلى تخلق نوع شعري/غنائي جديد مثل الزجل خلال العهد الإنجليزي؟. كما كيف حصل رواد الحقيبة على كل ذلك العلم بفنون النظم الزجلي الذي جعلهم ينتجون زجلاً في تمام النسق الزجلي وبعضه في غاية الحذاقة ومنتهى كمال الصناعة؟.
إضافة إلى الأسئلة الأخرى المتعلقة مثل: كيف ولماذا ومتى أنتهى النسق الزجلي في السودان (توقف نظمه بموت صانعيه) ولماذا؟.
لذا ربما نأخذ بعض الوقت في هذه الجزئية المتعلقة بالقواميس ودوماً مع لمحات إضافية لطرق النظم وما يتبع ذلك من تقصى المخيالات الشعرية.
1- مدرسة العبادي (طريقة نظمها وقاموسها مملوكي في مجمله مع إستثناءات نادرة). وهنا نماذج مقارنة لهذه المدرسة من حيث القاموس:
وأنشي شعري وزجلي وموالي في سناك قليل ياجميل إبراهيم العبادي 1930م "حقيبة" العهد الإنجليزي/التركي
والثمار تنشر حليه .. بثياب بحل زبرجد والرياض تلبس غلالا .. من نبات فحل زمرد والبهار مع البنفسج .. يا جمال أبيض وأزرق.. ابن قزمان
شوف محاسن حسن الطبيعة ..تلقى هيبة وروعة وجلال صاحى شاهد هاهى الطبيعة ..زاهية زاهرة فى زهور ربيعة شوف نواحى الوادى الخديره .. والحمائم يشجيك هديره.. العبادي
في رياض صفوف من الأزهار ... قابلتها صفوف واعجب من النهر إذا صفق ... لو من الموج كفوف.. إبراهيم الغباري (زجل اندلسي)
فوق هضاب الوادى الوثيرة ..الزهور منظومة ونثيره والجداول فى حال مسيره ..فى جبينه التل لازى مسيره والغداير حول الهلال العبادي (حقيبة). خلع الربيع على غصون البان حللاً فواضلها على الكثبان ونمت فروع الدوح حتى صافحت كفل الكثيب ذوائب الأغصان وتتوجت هام الغصون وضرجت خد الرياض شقائق النعمان والظل يسرق في الخمائل خطوه والغصن يخطر خطرة النشوان والشمس تنظر من خلال فروعها نحو الحدائق نظرة الغيران فاصرف همومك بالربيع وفصله إن الربيع هو الشباب الثاني صفي الدين الحلي 1277 – 1339م.
طيبة أصلك دلت عليها الخصايل ... وأنت غرة بدر تشرق لنا في الأصايل وحن أخصب بالحسن روضة خدودو ورياض وصلي أمحلوا من صدودو قلت خاف الإله يا ناقض عهودو تدرو آش قلي لما أراد أن يماحل ... آش تقول في روض الوصال قلت ماحل (إبن حُجة الحموي/ مملوكي).
وهنا قصيدة للحموي يجاري فيها إبن مقاتل وتحتها مباشرة قصيدة العبادي "برضى ليك المولى الموالي" وثم مقارنة بينهما في القاموس وطريقة النظم.
يا مليح الشباب يا حلو الشمايل ... إن عينيك تعمل في قلبي عمايل قالوا عينيك نرجس وصدغيك خمايل... صبتها أسياف معقربات الحمايل لا تخوض يا حبيبي في نـهـر سـايل في مديح ثغرو لي عقـود جـوهـرية وفي ريقو ألفاظي جت سكرية وحن أسبغ لي ظل شعرو عليه صار مقيلي وكيف لمدحو نقايل وقد أظهر فخري عـلـى كـل قـايل في الأصايل عاتبت بدري رثـى لـي وحلف لي أنو ما يقطع وصالي والتفت نحوي قلت لو يا غزالي طيبة أصلك دلت عليها الخصايل وأنت غرة بدر تشرق لنا في الأصـايل وحن أخصب بالحسن روضة خـدودو ورياض وصلي أمحلوا من صدودو قلت خاف الإله يا ناقض عهودو تدرو آش قالي لما أراد أن يماحل آش تقول في روض الوصال قلت ماحل.. (إبن حموي) --- هنا مقطع من قصيدة العبادي المعنية: برضي أغوص في بحوري وأوالي ليك أخرج درري الغوالي وأنشي شعري وزجلي وموالي في سناك قليل ياجميل قالي هاك أقوالاً مصيبة كل نفس توجد نصيبة والمصيبة المولى اليصيبة بالقدر كم عز الذليل كم ربوعاً أجدب خصيبة ومافي فجراً ماعقبة ليل وأري الهلال في ظلال تلك الخميلة يلوح .. (العبادي/حقيبة)
وأنت غرة بدر تشرق لنا في الأصـايل وحن أخصب بالحسن روضة خـدودو ورياض وصلي أمحلوا من صدودو .. قلت خاف الإله يا ناقض عهودو تدرو آش قالي لما أراد أن يماحل آش تقول في روض الوصال قلت ماحل (الحموي).
كم ربوعاً أجدب خصيبة ومافي فجراً ماعقبة ليل (العبادي)
قالي هاك أقوالاً مصيبة كل نفس توجد نصيبة (العبادي) قالي لما أراد أن يماحل آش تقول في روض الوصال قلت ماحل (إبن حجة الحموي) "قالي" أرض آمالي في امحال ومن الهم بقيت في أوحال "العبادي" (بيت من عازة الفرق بي طال) تتجلى عنده مرجعية اللغة والصور مكملة لقصيدة برضى ليك المولى الموال مع إبن حجة الحموي.. لاحظ ايضاً الصورة المتشابهة لإستخدام الكلمة "إمحال وماحل وامحلو".
قالوا عينيك نرجس وصدغيك خمايل (إبن حموي) وأري الهلال في ظلال تلك الخميلة يلوح (العبادي) والصورة في الحالين أن شعر المعشوقة كثيف ويشبه الخميلة يغطي أذنيها ووجنتيها ويفيض (الخميلة هي الغابة كثيفة الاشجار)
في مديح ثغرو لي عقـود جـوهـرية وفي ريقو ألفاظي جت سكرية (إبن حجة) برضي أغوص في بحوري وأوالي ليك أخرج درري الغوالي وأنشي شعري وزجلي وموالي في سناك قليل ياجميل (العبادي).. هناك شعر للمحبوب في الحالين مشبه بالحجارة الكريمة. ليك أخرج درري الغوالي "العبادي" .. لي عقود جوهرية "إبن حجة الحموي".
---تلك مجرد نماذج للبيان--- تذكرة ختامية: نحن هنا إهتمامنا الأول وحدة القواميس يأتي بعد ذلك وحدة النظم كما وحدة المخيال الشعري.. تتبع مدرسة الخليل في الأسطر المقبلة وبقية المدارس الأخرى بالتتابع
وأنشد إبن قزمان (1150م):
أنا لفظـــي بان
جـوهر و مرجـــان
زجلي حـــِـــلا على اللســـان.
وأنشد إبن زمرق:
قال بن زمرق أصغى و ناول .. زجلي رشيق صعب المناول وأنشد إبن قزمان (1150م):
أنا لفظـــي بان
جـوهر و مرجـــان
زجلي حـــِـــلا على اللســـان.
وأنشد إبن زمرق:
قال بن زمرق أصغى و ناول .. زجلي رشيق صعب المناول وأنشد إبن قزمان (1150م):
أنا لفظـــي بان
جـوهر و مرجـــان
زجلي حـــِـــلا على اللســـان.
وأنشد إبن زمرق:
قال بن زمرق أصغى و ناول .. زجلي رشيق صعب المناول وأنشد إبن قزمان (1150م):
أنا لفظـــي بان
جـوهر و مرجـــان
زجلي حـــِـــلا على اللســـان.
وأنشد إبن زمرق:
قال بن زمرق أصغى و ناول .. زجلي رشيق صعب المناول
2- مدرسة الخليل (طريقة نظمها مملوكية وأندلسية مباشرة وقاموسها بدوره مختلط). وهنا نماذج مقارنة لهذه المدرسة من حيث القاموس:
لو ترى حمرة خدودو ... وعذاره ذا المنمنم والشقيق حمرا في صفرا ... كنو رايات شاه أرمن.. (كمال الدين بن النبيه/ مملوكي)
صَبّـغْ الخـدين حُمرة بعد ساعة تشوف صفرة والّــ نُمّــت نهـار .. خليل فرح "حقيبة" (النُّمت هنا من نمنمة "تطريز" وليس النوم).
والثمار تنشر حليه .. بثياب بحل زبرجد والرياض تلبس غلالا .. من نبات فحل زمرد والبهار مع البنفسج .. يا جمال أبيض وأزرق ابن قزمان - تتـنـفــس نـــاس وريـــاض وبحــار زعفران وعبيـــر إنتَ نـار فـى بهــار صبح البُستـان شايل شجـر الرمـان مايل السُــلافْ فى الدِنـــان والكنـــار فى حنـــان خليل فرح
ثلاث أشيا في البساتين ... لم تجد في كل موضع النسيم والخضرة والطير ... شمّ واتنزه واسمع قم تري النسيم يولول ... والطيور عله تغرد والثمار تنثر جواهر ... في بساط من الزمرد مدغليس - يا الطبيعه الواديك ساكن ما في مثلك قط في الأماكن شوف صباح الوادي وجماله وشوف خضاره وصيده ورماله شوف يمينه وعاين شماله شوف نسيم الليل صاحي ماله شوف فريع الشاو مين أماله خليل فرح
خلع الربيع على غصون البان حللاً فواضلها على الكثبان ونمت فروع الدوح حتى صافحت كفل الكثيب ذوائب الأغصان وتتوجت هام الغصون وضرجت خد الرياض شقائق النعمان والظل يسرق في الخمائل خطوه والغصن يخطر خطرة النشوان والشمس تنظر من خلال فروعها نحو الحدائق نظرة الغيران فاصرف همومك بالربيع وفصله إن الربيع هو الشباب الثاني صفي الدين الحلي 1277 – 1339
ردفك البتقمز بالوضيب عكران... والضمير يتمايل،صاحي أم سكران... ابو صلاح ردفك البتقمز بالوضيب عكران
وقد شدت تسجع كالخطيب بمنبر الغصن الرشيق القوام .. لما انثنى يهفو بقد رطيب إبن زمرك الأندلسي 1150م
الخطيبة وردفك منبرا الشعور البسطــــــــل عنبــــــــــرا أبو صلاح/ حقيبة 1930م
وصف الفم والشفاه بالتِّبْر بين الحقيبة والزجل الحوزي:
الحرير كلو مطرز ألــــوان/ والعيـــون تسحر الغزلان/ الرقتى تقول غصن البـــان/ و خطيبو سيســـان/ الفم دري عقيــــــــان/ بالتبر زايد مرجـــــان/
ذلك مقطع من إبن سهلة تتعد القوافي في البيت الواحد مع مطلع وقفلة ودور وقفلة.. وملاحظة عابرة: وصف الفم أيضاً بالتبْر أي الذهب أو الفضة (الفم دري عقيــــــــان/ بالتبر زايد مرجـــــان) وهذا فعله أيضاً أبوصلاح حين قال (بسيمات فاهك التبْري).. وقال البعض لا يجوز وصف البسمات بالتبر كون السنون بيضاء غير لون الذهب ولكن في الحالين الوصف يصح إن كانت الشفاه "الفم" لا البسمات فهي في لون الذهب من معاني التِّبْر.. وبما أن التبر يعني: فُتات الذهب أَو الفضة قبل أَن يُصاغا (المعجم الوسيط) فان وصف البسمات بالتبر أيضاً يجوز. وشخصياً أميل إلى الأخذ بالمعنيين معاً إذ الشفاه ذهبية والبسمات فضية وإذن الفم كله تِبْري. وتبْري بسكون الباء لا فتحها حسب معني الكلمة لغوياً وحسب قافية أبو صلاح.. والبعض يلفظها بالفتح فتعتل وتختل القافية كما المعنى والوزن العروضي كله معا.
قلبي تاب من قولة لا لا (أحمد بن تريكي)
شوف العين قالت دا لا لا (أبوصلاح)
ملاحظة: تكرار لا النافية كقافية غير معهودة في غير الزجل بالذات الحوزي والأشعار اللاحقة التي تأثرت به.
ذا الحسن البديــــــــــــــــــع ما مثيلك هيفاء ميـــــــــالا (التريكي)
يانسام اوصف جمالا
والقامة السيرك امالا (أبو صلاح)
جـــــــــــــرحت الخديـــــــن بالمدامع ديما سيـــــــــــالا (التريكي) وقول لي ام خد هجراني مالا وهاج الشوق والدمعة سالا (أبو صلاح)
والـبلبل الـغريد يـدور عـلي منبر الاغصان خطيب سيد عبد العزيز (حقيبة)
أقبل الصباح والطير صاح في اوكارو.. كأنو خطيب في منبرو ترنم وصاح (إبن قزمان)
حيرتى كل نبيل عيناك سحرهن يسحر سحر أبابيل يخترق الصدور يا صاحبة الأكليل ما أظن النهار العين تدور له دليل محياك نوره جليل كنت أقول شمس لو ما الزمان كان ليل
سيد عبد العزيز (ابابيل تحوير لبابل لتناسب القافية وهو سحر هاروت وماروت.. وهذا المقطع أحسبه تأثراً بإبن قزمان “أضع نص إبن قزمان أدناه”)
الصباح قد غار لحسنك وغضب مسكين وعبس والقمر بهت في حسنك واختفت من نورك الشمس وراى هاروت لعينك وهرب في الحين وفرنل*
ابن قزمان الأندلسي مؤسس فن الزجل (*فرنل من اللغة الاسبانية القديمة بمعنى هرب فزعا أو نطط من الجذع وربما جاءت منها فرنب/فرنيب السودانية).
قـد قلت أه يا غزالي رف لحالي (حوزي)
زجل/صنعة (رف في الأصل "أرأف" وإحدى مرادفاتها: أعطف لحالي أو علي) تتكر عند سيد عبد العزيز.
اعطف على يا ريم يا نــــــا فر الغزلان سيد عبد العزير "حقيبة"
ابتسم لي عن نقا ثغرو ذا الغزال النافر الأنسي ... للغزالة قد أعار النور كسر قلبي كسير جفنو... فاعجبوا للكاسر المكسور.. زجل مملوكي.. خلف الغباري/مملوكي
والبروق تتلامع من بسوم ونحور النظر مكسور دون توقل تارك كم قلب مكسور في حسابه كسور سيد عبد العزيز / حقيبة 1930
لابـــــــــــس حلة خضرا والغصن الــرطيــــــب (إبن قزمان) يا مداعب الغصن الرطيب (سيد عبد العزيز).
وهنا حوار ذاتي (قال وقلت له): شُفت بدره المتجلي سافر صك غاضب لقى دمعي دافر قالوا جملة وعقد الأظافر قال لي طبع الريم أصلو نافر قت لو عل تريم النوافر وعل «راء» الريم تبقى «لام» ود الرضي (حقيبة)
وأنت غرة بدر تشرق لنا في الأصـايل وحن أخصب بالحسن روضة خـدودو ورياض وصلي أمحلوا من صدودو قلت خاف الإله يا ناقض عهودو تدرو آش قالي لما أراد أن يماحل آش تقول في روض الوصال قلت ماحل.. (إبن حجة الحموي/زجل)
سجعت وقد غنى الحمام فرجـعا وما كنـت لولا أن تغنى لأسجعـا إبن خفاجة (الأندلسي)
يا حمام الأيـك سجعـا.. أسـألـن الله رجـعا النسيم عاودنـي هجعـا.. زال لي علة وزادني وجعا ود الرضي (حقيبة).
مدرسة ود الرضي تحتاج بعد (من المهتمين المزيد) من الدراسات المتأنية كونها متعددة طرق النظم والقواميس (السودانية والتاريخية) ربما أكثر من بقية مدارس الحقيبة الأخرى!.
تلك مجرد نماذج للبيان وليست حصرية. مع التذكير مرة ثانية أن بحث الحقيبة لم يعتمد على المتشابهات في نتيجته ليخلص الى ان الحقيبة من نمطية "الزجل"، بل بطريقة النظم اولا، فهي وحدها المحدد الجوهري للانواع الشعرية. القواميس والمتشابهات أقل اهمية عند هذه اللحظة او في الحقيقة مجرد ادلة اضافية وتأكيدية وللمتعة والسياحة في دنيا الزجل، هذا الفن البديع.
05-16-2025, 02:38 PM
محمد جمال الدين محمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5757
1. النشأة التاريخية: وُلدت "الحقيبة" كفن زجلي في العام 1910 (وليس 1920 كما يُشاع)، على يد خليل فرح أفندي (المُلقب بالخليل) بالشراكة مع أستاذه فؤاد الخطيب (شاعر الثورة العربية الكبرى ضد الأتراك)، وهو شامي الأصل (راجع بعاليه إن شئت الحلقة الخاصة بأسباب نشأة حقيبة الفن).
وفؤاد الخطيب عقلية فذة، فقد تولى لاحقاً حقائب وزارية في أربع دول عربية هي السعودية، العراق، لبنان، والأردن، إضافة إلى عمله سفيرا في أفغانستان لصالح السعودية حتى رحيله 1958. كما ألف مسرحية "فتح الأندلس" عام 1905 ومثلت على خشبة المسرح 1910، وعمل أستاذا للأدب العربي في كلية غردون بالخرطوم. وقد مدحه الخليل في قصيدة فصيحة طويلة ضمن ديوانه الذي حققه البروف على الملك، تحت عنوان: مرحباً فؤاد الخطيب. وقد قال علي المك في مقدمة الديوان المعني أن "فؤاد الخطيب هو أحد أبطال الخليل".
2. التطور التاريخي والانتقال القيادي: درب الخليل فرح أفندي كلاً من العبادي وود الرضي على النمط الزجلي المملوكي/الأندلسي بين الأعوام 1914–1920، مما مهد الطريق لظهور "العقد الفريد من زجالي الحقيبة" لاحقا.
وبعد غياب الخليل بسبب انحيازه للمعسكر المنهزم في ثورة 1924، ورحيله المبكر عام 1932، تولى العبادي قيادة الإبداع الزجلي، فظنه الكثيرون – دون تمحيص – أنه المؤسس الأول لشعر الحقيبة، بينما يُعد الخليل الرائد الحقيقي لهذا الفن في السودان وفق ما تهيأ لنا عبر البحث الجديد.
3. الامتداد الجغرافي والتأثيرات الثقافية: وصل الزجل المملوكي عبر بوابة كلية غردون (تأسست 1902) بينما وصل النوع الحوزي التلمساني إلى السودان عبر المعهد العلمي بأم درمان (تأسس عام 1912)، وتبنّاه الزجال الكبير صالح عبد السيد أبوصلاح، الذي درب معه مجموعة من أبرز شعراء أم درمان ذلك الزمان وهم:
سيد عبد العزيز، عبيد عبد الرحمن ، عبد الرحمن الريح ومحمد بشير عتيق.
وقد تميزت أشعارهم بتشابه في النمط مع اختلافات في القاموس مع تنوع طرق النظم الزجلي عندهم، مقارنة بأسلوب الخليل، العبادي وود الرضي.. تفصيل هذه النقطة الاخيرة للأهمية تجده في حلقة "مدارس الحقيبة الخمسة" رقم 14 من سلسلة مكافحة طلس الحقبنجية "أعلاه".
تتواصل: استدراكات وتوضيحات حول نشأة شعر الحقيبة.
05-18-2025, 02:32 PM
محمد جمال الدين محمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5757
الليلة جيت من برا مرهق جسدياً بعد يوم طويل في أزقة المدينة. دخلت البيت، وقعدت على الكنبة خمس دقايق، وفجأة رنّ جرس الباب. فتحت، لقيت كمية من البشر مقيدين بالسلاسل والسلب، آلاف الرجال وبعض النساء واقفين في حر الهجير، وقدامهم شخص غريب المظهر، شعره منكوش ووجهه معفّر بالتراب، واقف في المقدمة تحت ظل الشجرة الوحيدة في المكان.
تقدمت منه بحذر، كان يبدو غاضباً. وضع يده المرتعشة على كتفي وقال لي:
– ديل ناس الحقيبة الشتموك زمان أيام البحث، وسبّوا سلسبيلك، وضيعوا زمنك وأتعبوك تعب الموت في الفارغة والمقدودة... فماذا أنت فاعل بهم بعد أن حصحص الحق؟!
– من أنت؟
- أنا نكير... لكن ما نكير الفي راسك، أنا واحد تاني.
– طيب كويس... ما فرقت.
فتأملت من جديد عيون الناس الشاخصة ثم صعدت المنبر، شكرت الشخص الغريب المعفّر على حسن صنيعه، وحمدت الله على نعمه الكثيرة، ثم قرأت على القوم المقيّدين بسلاسل الحديد والسلب نتيجة بحث "حقيبة الفن السودانية" عشر مرات، ومن خلفي يتردد تسجيل الشاعر عتيق، القال فيه إن الحقيبة مشت على نهج الموشح الأندلسي.
بعد ذلك وزعت عليهم أربع مقالات شارحة لتسجيل عتيق، وأمرتهم أن يقروها عشرين مرة، فاتمروا قهراً بأمري.
فالتفت إليّ الشخص المعفّر الذي تحت الشجرة وقال:
– بس كده؟ إذا دا كل العندك، خلّيهم عليّ.
وبدأ يُخرج أشياء من خرج حصانه، مصنوعة من حديد صدئ وعليها آثار قيح، يبدو أنه من مخلفات مناسبات تاريخية شبيهة. أمسكت واحدة منها أتأملها، كانت تشبه "أبو القنفد"، فقال لي:
– دي اشتغلت بيها الخوارج.
فلم أسأله: أي خوارج يعني؟ لكن لم يعجبني ما نوى فعله.
قلت له:
– معليش، خلّيهم عليّ أنا... أصلاً الدنيا عندنا حرب ما ناقصين، فالتعامل معاهم لازم يكون بالحسنى والهداوة.. وانا اضمر في نفسي خطة تعذيب معنوي شديدة الوقع.
فأمرت بالفنانة عشة الجبل، بت حِلّتي (كلنا جبلاب) أن تأتي إليّ. فكتبت لها زجلية من 770 دور، مطلعها يقول:
ود الجبل العسل كشح الزجل.
فصعدت المسرح وغنّت بصوتها البديع أبشع أنواع الهجاء، ثم ترجلت مبتسمة، وفي قمة الأناقة والجمال كعادتها، وهي تشعر بأن كل واحد من الحضور أمامها ما هو إلا غريمتها: مروة الدولية.
وأمرت القوم أن يسمعوني وأنا أغني بصوتي الحاد كالسكاكين اغنية: "جوهر صدر المحافل" 77 مرة. فلما وصلت للمرة 33، سمعت واحد من المساجين يقول للتاني:
– أخنقني... أقتلني... ريّحني، كفاية عذاب!
ولما وصلت لـ 44، كل واحد منهم بقى يخنق في التاني، وأنا شغال... والساقية مدوّرة.
لكن لاحظت حاجة غريبة: هناك تلاتة اشخاص قاعدين وراء، رايقين ومستمتعين، وقدامهم صحن فتة بسليقة اللحمة مع الخبز والرز. قلت ليهم:
– إتّو منو آ جِنّيات؟
قالوا لي:
– نحن بتاعين المركز الثقافي داك، الكنا بناقشك ونقول ليك ان مرجعية الحقيبة في المديح النبوي السوداني الكريم.
– أها انتو الدراويش ديلاك.. اتذكرت!.
ثم ابتسمو في وجهي ببلاهة وقالوا لي:
– والله مديحك الليلة سمح خلاص!
فاغتظت غيظا شديدا.. وصحيت من النوم، لقيت نفسي ماسك رقبتي بيديي الاتنين، أخنق في نفسي... والعرق يتصبب.
- اللعنة. End.
تعليق من خبير استراتيجي:
لا أظنك تفهم القصة أو الكابوس دا... ألا تسمع أو تقرأ عن كابوس اسمه بحث الحقيبة؟ لو بتقدر حاول.. وإلا، نكير ليك بالمرصاد يوم من الأيام.. اني لك من المحذرين.. فما انا الا نذير😅.
يمكنك مثلا الاطلاع على واحد (كفاية) من رابطين اتنين كالتالي: الاول- سلسلة مكافحة طلس الحقبنجية 15 حلقة (فيها تلخيص لنتيجة البحث) موجودة على حيطتي في الفيسبوك وكمان بمنبر سودانيزاونلاين في خيط واحد .. في الرابط دا
والملخص التاني تحت عنوان: للحقيبة خلفية أندلسية أو كما يقول الشاعر عتيق. وتسجيل الشاعر عتيق في المقدمة. ملاحظة هامة: المقالات الأربعة التي بالمقدمة هي الأهم فيما يخص موضوعنا هنا، وليس بالضرورة النقاشات المصاحبة... برضو موجودة على حيطتي على الفيسبوك.. بالمناسبة دي نفس الاربعة مقالات الوزعناها على المساجين الفي القصة الخرافية التي هي في شكل أمنية او دعوة مظلوم😅💥🌹
ادناه عناوين لبعض النقاشات الصاعدة الأيام دي من ناحيتي الصغيرة (اجتهاد ذاتي) وفي اطار مشروع السودان200*. أعني بعض العناوين لحوارتنا الجارية.. لكن الناس اظنها ما بتسمع الا عن بحث الحقيبة وعكات الحقيبة وطلس الحقبنجية😅.. في الحقيقة الحقيبة عاملة شغل وجوطة كبيرة لانها اكبر حزب في السودان.. حوالي 40 مليون.. كل عدد سكان البلد تقريبا😅🔥🌹
1. دولة المواطنة vs دولة الهوية
2. ازمة اللون الاسود الكونية .. متي وكيف ولماذا!
3. الانواع والالوان الشعرية والغنائية في تاريخ السودان الحديث (الانماط والتفاعيل والاوزان والمخيالات الانثروبولوجية).
4. حقيبة الفن (اضاءة على نتيجة بحث الحقيبة)
5. العامية الوسطسودانية متى وكيف ولماذا سادت في الوسط النيلي الوسيط دون غيره من ارجاء السودان الاخرى
6. قواعد العامية الوسطسودانية
7. سايكولوجية الزول السوداني
8. المجتمع المدني والدولة.. السودان مثال.
9. انسان الشرق وانسان الغرب (مقارنة انثربولوجية)
10. الشفرة الوراثية (الجينات) والامراض النفسية والعقلية والعصبية كما الامراض الاخرى الجسدية واهمها المتوارثة.. من منطلق علم الانثروبولوجيا.. السودان مثال.
11- مشروع إنساني محض "منظمة سدرة"
https://sidraintl.org/https://sidraintl.org/
12. مشروع دولة المواطنة.. وهذا المشروع المعني (مقترح مفتوح).
نصوص كتابية وندوات حية: المشروع البديل: دولة المواطنة
إعادة إنتاج نسخة جديدة من الحقيبة (حقيبة 2)*.. هل تكون المحاولة ناجحة ومجدية!
من مدة أفكر أن نُنتِج نسخة جديدة على نمط النظم الشعري لحقيبة الفن ما دمنا قد تعرفنا علمياً وعن قرب على طريقة نظمها (خمس طرق لنظم القصيدة).
ولسنا بالضرورة أن نكرر ذات التجربة بل ننطلق منها إلى الامام في نسخة متطورة بحكم الزمن وتراكم المعرفة.
بحيث أننا لن نحتاج للقواميس التاريخية التي أشتغلت عليها الحقيبة الأولى ولا طريقة لحنها الأحادي.. بل زجل سوداني جديد يستفيد من تجربة النظم الفريدة المميزة الممتازة للحقيبة الأولى في عامية سودانية محلاة بقواميس الأجيال الجديدة من التعبير والعبارات المبتكرة.
مما يجعلنا نستفيد من أصالة التراث (تجارب الماضي) في الإنطلاقة الفنية الإبداعية إلى المستقبل في نظم شعري ولحني وأدائي وموسيقي وجمالي جديد ومواكب.
وذلك ربما ساهم في إزاحة حالة التيه والضلال الفني التي نعيشها وظلت مكان تندر وإستياء من الكثير منا (غناء القونات مثال).
المقترح: نحتاج مثلاً 18 شاباً من ذوي الملكات الشعرية و5 مغنين فقط من الشباب ذوي المقدرات الأدائية واللحنية المميزة.
وهذا المقترح مقدم إلى أصحاب الشأن وطبعاً من هؤلئك القانعين بالفكرة والمطلعين على خلاصات بحث حقيبة الفن.. لا يهمنا هنا أصحاب الفهم والمفاهيم المختلفة بل لهم إحترام ولكن هذا ليس من شأنهم.. لنفكر معاً.. نحن المتفقين والمتفقهين في التجربة.. ربما تكون تجربة فريدة وممتعة.
شخصياً (إن أذنتم لي) أستطيع أن أقوم بدورات تدريبية مخصصة لتعلم وتطبيق طرق النظم الزجلي عموماً والحقيبة "السابقة" خصوصاً في سبيل إنتاج زجلي سوداني جديد وفريد ومواكب لمخيالات الأجيال الجديدة.
النظم الزجلي مدهش وبديع عبر كل الأزمان وما زال عند كثير من الشعوب من حولنا.
وبالمناسبة لمن لا يذكر ولا نقول لا يعلم أن أوروبا الغربية أستفادت كثيراً من تجربة الزجل الأندلسي وما تزال تفعل حتى تاريخ اليوم مستندة على تجربة (إبن قزمان) في طريقة النظم الشعري "الغنائي" وأول من حقق ديوان إبن قزمان (النسخة العربية) هم الألمان والإنجليز والأسبان والفرنسيين.. لا غيرهم.. كما أن إبن قزمان كان يكتب أيضاً باللغة الرومانثية (اللاتينية).. فعلمهم طرق النظم الزجلي الذي نقلوه إلى لغاتهم وفق طرقهم الخاصة.. وذلك بإعتراف كاتبين معتبرين في الغرب الاوروبي. راجع إن شئت حيال هذه النقطة مقدمة ديوان إبن قزمان.
ولأن هذه النقطة مغيبة عن كثير منا سآتي في مستقبل السرد بمراجع إنجليزية وفرنسية وهولندية وأسبانية تقول بذلك.. وهذه النقطة "الأوروبية" الأخيرة مجرد تشجيع إضافي محول لناس "الراب والهيب هوب".
فالمحاولة قد تكون مفيدة وربما باهرة ومدهشة.. تجربة حقيبية "2" قد لا تقل متعة عن تجربة الحقيبة “1”.. لما لا! --- *من بوست قديم
05-24-2025, 03:25 AM
محمد جمال الدين محمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5757
جاء السودان الحديث من لحظة ولادة واحدة واربعة مراحل حضانة/تغذية تابعة لها.. وليس في الامكان احسن مما كان، أليس كذلك!.
لحظة الولادة كانت إبان العهد المملوكي 1250-1500م.
اللحظة التالية لها 1504 لحظة سنار. الثانية محمد على باشا 1821. والثالثة المهدية 1885.
والرابعة الإنجليز 1900.
اللحظات التالية للحظة الولادة لا تحمل أي مضمون تغيير جذري وإنما كانت تباينات إدارية وسياسية في إطار ذات النسق الحضاري “الثقافي، الإثني، العقدي” ومخياله الاجتماعي.
لذا دعنا في هذه العجالة نشد الانتباه إلى لحظة الولادة، فهي الأهم.
بدأ السودان النوبي المسيحي يتبنى الإسلام رسمياً في العام 1312م في أواخر عهد دولة المقرة عبر أسلمة الأسر المالكة وأسلمة المجتمع بدفع ورعاية مباشرة من الإدارات المملوكية. بداية الانقلاب الحضاري الاخير الذي ما نزال نعيش اثاره كاملة الدسم.
وتوطدت الثقافة المملوكية على حساب الإرث السابق النوبي/المسيحي/المروي/الكوشي الذي تضعضع بفعل سوء الاحوال الطبيعية والمناخية وغياب الرؤية الحضارية.
فتم بعد ذلك اول ما تم تبني العامية المملوكية بين الأعوام 1400-1550 وهي ذاتها العامية العربية التي نتحدثها اليوم في السودان الوسيط.. سادت بشكل كامل في السودان الوسيط نسبة لأنها تعضدت بالهجرات المملوكية التي جاءت مباشرة بعد إنهيار المماليك رويداً رويداً بين الأعوام 1500-1517. وتلك العامية الوسطسودانية والحجازية (جدة/مكة/المدينة/الطائف) أخوات من ذات الأب والأم.. في نظري او وفق دراستي الخاصة.
وتم شيء أيضاً مهم جدا: تبني المظهر المملوكي ممثل في الجلباب والعمامة. العمامة السودانية الحالية مملوكية بالكامل. وذلك بعد أن أصبحت الوجهة العقدية “مكة” بدلاً من أورشليم القدس والوجهة الثقافية القاهرة “العاصمة المملوكية” بدلاً من التقاليد الثقافية المتوارثة والأخرى الكنسية المالكانية. لاحظ صورة العمامة مرفقة لاخر حاكم مملوكي لمصر: طومان باي.
وزيادة على كل ذلك تم تبني أنساب عربية قرشية عند أهل مراكز السلطة كون الإئمة من قريش. إضافة إلى الهجرات الرعوية التي لا تحتاج أن تقول بنسب قرشي من حيث المبدأ فليس لها في السلطة نصيب إذ لا داعي، فكانت عرب كنانة/جهينة من غير قريش وبنو عقيل ورفاعة وبنو هلال وسيف بن ذي يزن. ولهذا السبب فإن أي نسب إلى قريش في السودان تحوم حوله الشكوك ما لم يثبت بالدليل الممكن ان امكن الدليل .. في الضد من الرعاة.
ولكن في كل الأحوال مثل ما كان هناك عرب عاربة وعرب مستعربة فإنني حاولت إشتقاق مصطلح جديد وهو: العرب المستحدثة. وهم الجماعات التي تعربت بعد إنهيار بغداد 1258م أو قالت بنسب عربي من أكراد وأشوريين وبابليين وسريانيين وترك ومغول وفينيقيين وفلسطينيين وأقباط وبربر وفور وفونج ونوبة.
وأكثر مظاهر الحضور الثقافي المملوكي هي الفنون الشعرية والغنائية. إذ الدوبيت وهو الفن الشعري والغنائي الأكبر سطوة في تاريخ السودان الحديث أصله مملوكي. بل خطأ التسمية ذاته مملوكي. إذ لا دوبيت في السودان بالمعنى الإصطلاحي للكلمة وإنما فنون شعرية/غنائية عامية جاءت مع كرتونة العامية التي جاءت جاهزة: الموال والقوما = دوبيت والكاكان = مسدار.. وفق هذا التصور.
والمدهش حقاً أن حقيبة الفن السودانية أيضاً أقتفت في معظمها أثر الزجل المملوكي، وهنا مجرد أمثلة صغيرة لا حصرية لذلك الأثر: ولك ألفاظ صارت مواليا بالزجل والنشيد إبراهيم الغباري 1280م (زجل مملوكي)
وأنشي شعري وزجلي وموالي في سناك قليل ياجميل إبراهيم العبادي 1930م "حقيبة" العهد الإنجليزي/التركي
لو ترى حمرة خدودو ... وعذاره ذا المنمنم والشقيق حمرا في صفرا كنو رايات شاه أرمن.. كمال الدين بن النبيه
صَبّـغْ الخـدين حُمرة بعد ساعة تشوف صفرة والّــ نُمّــت نهـار خليل فرح "حقيبة"
وابتسم لي عن نقا ثغرو ذا الغزال النافر الأنسي ... للغزالة قد أعار النور كسر قلبي كسير جفنو... فاعجبوا للكاسر المكسور زجل.. صفي الدين الحلي 1339م
والبروق تتلامع من بسوم ونحور النظر مكسور دون توقل تارك كم قلب مكسور في حسابه كسور سيد عبد العزيز / حقيبة 1930
--- لابـــــــــــس حلة خضرا والغصن الــرطيــــــب (إبن قزمان) يا مداعب الغصن الرطيب (سيد عبد العزيز).
والـبلبل الـغريد يـدور عـلي منبر الاغصان خطيب (سيد عبد العزيز)
---
لكل وَسيلَة سَبَباً إِلّا تَكُن نَسَبا فَهُو الوداد صَفا مِن غير ما كدر (ابن زيدون)
وكل شئ إن صفا أو كدر في أيادي القضاء والقدر (سيد عبد العزيز)
من يسأل النّاس عن حالي فشاهدها مَحْض العِيَان يُغْني عَن خبَر (ابن زيدون)
حبي هاك القول الأبر العيان يغنيك عن خبر (سيد عبد العزيز).
ملاحظة على المقاطع الأخيرة المقارنة من سيد عبد العزيز وأزجال وأشعار من أزمان الأندلس المزدهرة عبرت وتوثقت في مصر العهد المملوكي ووصلت شعراء الحقيبة عبر بوابة كلية غردون التذكارية 1902 ومعهد أمدرمان العلمي 1912. ولأن هذه النقطة الأخيرة شديدة الإلتباس والجدل، دعني أحليك إلى هذا الرابط (سلسلة الحقبنجية) فربما نجد فيه الإجابة على كل الأسئلة المتعلقة بحكاية حقيبة الفن ومن بعده رابط اهم عبارة عن محاولة رصد للتحولات الحضارية الكبرى في تاريخ السودان القديم والحديث:
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة