العيش على حافة النار: قراءة في سايكولوجية الزول السوداني في زمان الحرب وبعدها!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-31-2025, 09:54 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
المنبر العام
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-28-2025, 01:25 AM

محمد جمال الدين
<aمحمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 6125

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
العيش على حافة النار: قراءة في سايكولوجية الزول السوداني في زمان الحرب وبعدها!

    01:25 AM December, 27 2025

    سودانيز اون لاين
    محمد جمال الدين-The Netherlands
    مكتبتى
    رابط مختصر




    العيش على حافة النار: قراءة في سايكولوجية الزول السوداني في زمان الحرب وما بعدها :

    1- المقيم كل الوقت في أتون الحرب 2- النازح 3- اللاجئ في دول الجوار والعالم 4- المهاجر 5- العائد إلى داره و6- المقاتل في بيئات الحرب السودانية.. إضافة
    إلى نظرة في الأدوار الجديدة المحتملة للأحزاب السياسية والمجتمع المدني!

    مقدمة:

    تمثل الحروب الممتدة في السودان إحدى أطول التجارب الجماعية في العيش ضمن بيئة عنف مزمن، حيث لم تعد الحرب حدثًا استثنائيًا، بل إطارًا بنيويًا للحياة اليومية. في هذه البيئات، تتشكل أنماط نفسية‑اجتماعية خاصة متأثرة بعوامل الخطر، التهجير، الفقد الجماعي، وغياب الأمان المعيشي والنفسي.

    تسعى هذه الفكرة إلى توصيف وتحليل خمس فئات اجتماعية رئيسية، إضافة إلى فئة المقاتلين، بوصفهم فواعل بشرية داخل منظومة الحرب. الهدف هو فهم الخصائص النفسية المميزة لكل فئة وتفسير آليات التكيّف التي طوّرتها للبقاء، لا النجاة فقط

    .1. المقيم في أحزمة الحرب: التكيف مع الخطر المزمن.. المقيمون داخل مناطق النزاع يمثّلون نموذج “الاستمرارية القسرية” في مواجهة الخطر. يعيشون في بيئة تفتقر للحد الأدنى من الطمأنينة، ما يؤدي إلى حدوث تطبيع نفسي للخوف وارتفاع دائم في مستوى اليقظة العصبية.

    يترتب على هذا النمط سلوكيات دفاعية مثل النوم المتقطع، ضعف التركيز، وتقلص دوائر التطلّعات المستقبلية. يتعامل الفرد مع البقاء اليومي باعتباره الهدف الأقصى، مما ينتج حالة استنزاف داخلي مزمن تُلبس صاحبها مظهر القوة بينما تآكله داخليًا.

    2. النازح: الفقد القريب ومفارقة الانتماء يترك النازح منزله لا وطنه، ما يولد إحساسًا فريدًا بالاقتلاع الملغوم بالانتماء. العيش في مناطق اللجوء الداخلي أو المخيمات يكرس شعور “العودة المؤجلة”، ويخلق حالة من التوتر النفسي المستمر.

    غالبًا ما تتشكل لديه بنية وجدانية يغلب عليها الغضب المكبوت والارتباك في الهوية المكانية. ولأن الاعتراف بالفقد يعني القبول بالهزيمة، تظلّ حياته معلّقة بين احتمالين: استئناف الماضي أو التكيّف مع حاضر مؤقت.

    3. اللاجئ: الخروج من النظام الرمزي اللاجئ لا يغادر الجغرافيا فقط، بل يغادر منظومة الاعتراف الاجتماعي والسياسي، لينتقل إلى فضاء جديد يستوجب إعادة تعلم كامل للعالم.
    نتيجة لذلك تظهر أنماط نفسية تتضمن الارتباك الإدراكي، الحاجة المستمرة لتبرير السلوك، والإحساس الخفي بالدونية. يعيش بين مطالبتين متناقضتين: الاندماج السريع في المجتمع المضيف، ومقاومة فقدان الذات الأصلية.
    هذه المفارقة تضع اللاجئ في موقع هش بين الذاكرة المقيمة في المخيال والتكيف القسري.

    4. المهاجر: تحويل الفقد إلى مشروع معنى في حين يبدو المهاجر أكثر تحكما في قراره، فإن كثيرًا من حالات الهجرة السودانية المعاصرة ترتبط بعوامل عنف سياسي واقتصادي، ما يجعل النجاح الشخصي آلية دفاعية ضد الشعور بالاقتلاع.
    يتجلى هذا في نمط “المثابرة المفرطة” والالتزام الصارم بالنظام المهني والاجتماعي للدول المستقبلة، بوصفه وسيلة لتعويض الانكسار الأول.
    الإنجاز المهني أو الأكاديمي لا يقوم هنا بوظيفة مادية فحسب، بل يحمل دلالات رمزية على أن الرحيل كان له معنى.

    5. العائد: إعادة التكوين بعد الانقطاع العودة، سواء من النزوح أو اللجوء أو الهجرة، لا تعني بالضرورة الاستقرار أو إعادة الاندماج. غالبًا ما يواجه العائد انفصالًا معرفيًا وعاطفيًا بين الذاكرة والواقع، إذ يتغير المكان والناس، بينما تظل الذاكرة جامدة عند لحظة الخروج.
    هذه الصدمة الزمنية تولّد ما يشبه “الاغتراب المزدوج”، حيث يعجز الفرد عن الانتماء الكامل لا للماضي ولا للحاضر. يحتاج العائد إلى إعادة التعرف على داره وبلدته ووطنه وعلى ذاته معًا.

    6. المقاتل: ازدواجية القوة والهشاشة يحتل المقاتل موقعًا مركّبًا داخل المشهد الحربي؛ فهو حامل السلاح ومنفذ العنف من جهة وضحية السياق العام للحرب من جهة أخرى.
    تظهر الدراسات الميدانية في النزاعات المشابهة أن مقاتلي الحروب الداخلية يعانون من مستويات مرتفعة من اضطرابات ما بعد الصدمة وانفصال الوعي الأخلاقي، والإدمان الإدراكي على الخطر.
    في المثال السوداني، يتجاوز المقاتل أحيانًا حدود الوظيفة القتالية إلى التماهي مع السلاح كامتداد للذات، ما يصعب فصله عن الحرب حتى بعد توقفها.
    إنه يعيش صراعًا بين الشعور بالبطولة وبين إحساس دفين بالذنب، الأمر الذي يجعله من أكثر الفئات هشاشة في مرحلة ما بعد النزاع.

    خلاصة ثم خاتمة:

    تمثل هذه الفئات الست أنماطًا مختلفة لحالة إنسانية واحدة: العيش على حافة النار. تجمعها بنية نفسية تتأرجح بين التكيّف القسري، الإنكار الجزئي، والمقاومة الصامتة.
    يتضح من التحليل أن الصدمة النفسية في المجتمعات السودانية المتأثرة بالحرب لم تعد حدثًا منعزلًا، بل أصبحت جزءًا من البنية الثقافية والاجتماعية.
    وعليه، فإن مقاربة التعافي لا يمكن أن تقتصر على الدعم الإنساني المباشر، بل تستدعي مشروعًا وطنيًا‑نفسيًا للعدالة والاعتراف بالجرح العام ومن ثمة إعادة البناء الاجتماعي.
    فمن عاش طويلاً على حافة النار لا يحتاج شفقة، بل بيئة آمنة تعيد تعريف الأمان نفسه.

    الخاتمة:

    السياسة الجديدة والمخيال الشعبي ما بعد الحرب
    قد تكشف لنا قراءة سيكولوجية العيش على حافة النار أن ما دمرته الحرب في السودان لم يكن البيوت وحدها، بل مخيال الأمان، ومعنى السياسة، وصورة الدولة في الوعي الجمعي. لقد أعادت الحرب تشكيل الإنسان السوداني من الداخل: طريقته في الإحساس، في الحلم، في الثقة، وفي تصور المستقبل. ومن هنا، فإن أي سياسة ما بعد الحرب لا تنطلق من هذا التحول النفسي الكبير ستكون سياسة صماء، معزولة عن واقع الناس ومهيأة لإعادة إنتاج العنف نفسه.
    إن المخيال الشعبي بعد الحرب لن يكون ذلك الذي سبقها.

    فالزول المقيم في أتون الحرب، والنازح، واللاجئ، والمهاجر، والعائد، وحتى المقاتل، جميعهم خرجوا من التجربة وهم يحملون ذاكرة جرح مشتركة، لكنها تتخذ أشكالًا مختلفة. هذا المخيال الجديد أكثر حذرًا، أقل قابلية للتصديق، وأكثر حساسية تجاه الخطاب السياسي الفارغ عن معنى يشعرونه واقعيا. إنه مخيال لا يبحث عن بطولات كبرى، بل عن أمان يومي، وعدالة ملموسة، واعتراف صادق بالألم.
    من هنا، تتأسس الحاجة إلى سياسة جديدة لا تقوم على منطق الغلبة أو السباق نحو السلطة، بل على منطق الخدمة العامة، والرعاية، وإعادة بناء الثقة. سياسة تعترف بأن المجتمع سبق الأحزاب في دفع ثمن الحرب، وأن الجماهير لم تعد ترى في الأحزاب أو النخب مجرد ممثلين طبيعيين لها، بل كيانات يجب أن تعيد تعريف نفسها أخلاقيًا ووظيفيًا.
    في هذا السياق، يصبح من الضروري أن يتماهى دور الأحزاب السياسية مع دور المجتمع المدني، لا أن يتصارع معه أو يتعالى عليه. فالحزب في مرحلة ما بعد الحرب لا ينبغي أن يكون آلة انتخابية أو منصة صراع صفري على السلطة، بل فاعلًا مدنيًا-سياسيًا يشارك في:
    إعادة ترميم النسيج الاجتماعي،
    دعم برامج التعافي النفسي والجماعي،
    حماية الفضاء العام من العنف والشيطنة،
    وتحويل مطالب الضحايا إلى سياسات عامة قابلة للتنفيذ.
    إن السياسة التي لا تنحاز لمعنى الشفاء، ولا تفهم سيكولوجية من عاشوا طويلًا في الخطر، ستفشل حتى لو امتلكت السلطة.
    أما السياسة التي تنبع من المخيال الشعبي الجديد - مخيال ما بعد النار - فهي تلك التي تتعلم الإصغاء قبل القيادة، وتدرك أن الشرعية لم تعد تُمنح عبر الشعارات، بل تُبنى عبر الممارسة اليومية، والصدق، والقدرة على الاعتراف بالخطأ.

    ما بعد الحرب، لن تكون المعركة الأساسية على من يحكم، بل على كيف نعيش معًا دون خوف، وكيف نعيد تعريف الأمان، والانتماء، والمواطنة.
    وفي هذا المعنى، تصبح السياسة امتدادًا للأخلاق العامة، ويصبح المجتمع المدني ليس هامشًا للسياسة، بل ضميرها الحي.
    فمن عاش طويلًا على حافة النار، لا يريد سلطة جديدة فقط بل دولة تفهم ألمه، وسياسة تحترم هشاشته، ومخيالًا جماعيًا يعيد له حق الحلم بوطن طال ما تغنى له.

    م. جمال

    27 ديسمبر 2025






                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de