كل اشعار السودان العامية وجدناها خمسة انواع من حيث البناء التقني!
هل تصدق يا هذا أن كل اشعار السودان العامية/الشعبية بداية بحسان الحرك/شغبة المراغمابية حوالي 1650م وحتى تاريخ اليوم من الحلنقي الى اصغر شاعر مغمور كلها لا تخرج عن الخمسة انواع دي: 1. موالية = دوبيت في الاصطلاح الشعبي 2. قوما = ايضا شكل من اشكال الدوبيت في الاصطلاح الشعبي 3. كانكان = مسدار في التسمية الشعبية 4. زجل = اشعار الحقيبة في المسمى الشعبي 5. مختلط = قسط من الانواع الاربعة الرئيسية (الواردة اعلاه) في القصيدة الواحدة (لا هوية نظمية خاصة بها وذلك ربما سر حيويتها وحلاوتها وانتصارها) ونجد ذلك في جل الاشعار الحديثة على شاكلة القصيدة العامية/الشعبية المدينية العاطفية او الثورية او الوطنية او الانسانية بالذات القصيدة الغنائية مثل اشعار اسماعيل حسن وبازرعة وابو قطاطي وابو امنة حامد والحلنقي ومحجوب شريف وود بادي والقدال. كما اشعار برنامج ريحة البن.. كل شي.. لا شي يخرج من التصنيفات الخمسة ديل.. وذلك من فوائد بحث الحقيبة .. هل تصدق!🤔 عارف الكلام دا غريب!.
دعنا في هذا السياق نتامل هذه الرؤية بروية:
بحث الحقيبة لم يعتمد على القواميس او المتشابهات ليخرج بالنتيجة بل بطريقة النظم الشعري/النوع👇
طريقة النظم وحدها هي المحدد للانواع الشعرية:
1- البشرية كلها عندها كلام "نثر" وكلام منظوم "شعر" وبكل لغات الأرض المعلومة.. طبعاً.. في العادة كدا.
2- كذلك في حالة اللغة العربية نثر وشعر
3- الشعر العربي ينقسم إلى نوعين رئيسين: فصيح ودارجي أي عامي صاح.. طبعاً.
هنا يأتي السؤال عن موضوعنا = شعر الحقيبة = عامي "طبعاً" = لا يلتزم الإعراب. إذاً= شعر عامي
بكدا يكون مشينا خلينا الشعر الفصيح من حيث أنه معرب.
4- الشعر المكتوب بالعاميات العربية كما السودانية ينقسم إلى عدة أنماط عندها مسميات مختلفة بناءاً على بناء القصيدة وقوافيها هذه المرة .. وهذه الأنماط معروفة منذ قديم الزمان.
مثلاً انظر كيف يصنف إمام الزجالين الأديب صفي الدين الحلي (1278-1351م) من كتابه العاطل الحالي الفنون الشعرية العامية ومنها فن الزجل:
. اسم الكتاب كاملاً العاطل الحالي والمُرخَص الغالي ولكنه اشتهر بالعاطل الحالي.يعالج هذا المؤلَّف الفنون الأربعة التي كتبت في اللغة العامية وهي الزجل والمواليا والقواما والكان كان. وقد نص الحلي في مقدمة الكتاب على هذه الفنون فقال: "فهي الفنون التي إعرابها لحن، وفصاحتها لَكْنٌ، وقوة لفظها وهن. حلال الإعراب بها حرام، وصحة اللفظ بها سقام. يتجدد حسنها إذا زادت خلاعة، وتضعف صنعتها إذا أودعت من النحو صناعة، فهي السهل الممتنع والأدنى المرتفع، لا سيما في الزجل الذي تختلف أوزانه ويضطرب ميزانه، ويتغاير لزومه ويشتبه منظومه. وهذه الفنون تختلف بحسب اختلاف بلاد مخترعيها وتفاوت اصطلاح مبتدعيها ؛ فمنها ما يكون له وزن واحد وقافية واحدة وهو الكان كان ومنها ما يكون له وزن واحد وأربع قواف وهو المواليا، ومنها ما يكون له وزنان وثلاث قواف وهي القواما ومنها ما يكون له عدة قواف وعدة أوزان وهو الزجل". ذلك مقطع مهم من كتاب العاطل الحالي والمرخص الغالي..
ملخص كلام الحلي الآتي للأهمية:
1- قافية واحدة ووزن واحد = الكانكان = المسدار بالسوداني
2- أربع قوافي ووزن واحد = المواليا = دوبيت بالسوداني
3- ثلاث قوافي ووزنان = القوما = نمط من الدوبيت بالسوداني
4- عدة أوزان وعدة قوافي = الزجل = الحقيبة بالسوداني
ملاحظة ونمضي إلى الأمام: الحلي يتحدث عن بناء القصيدة هذه المرة لا قاموسها أو أغراضها ومن خلال بناء القصيدة تتحدد الأنواع الشعرية من حيث المبدأ.
وعندما عاينَّا نمط الحقيبة أيام البحث مع أشعار السودان الأخرى وجدناها تختلف في البناء التقني (الزجلي) وضمنه خاصية تعدد القوافي في القصيدة.. تعدد القوافي إلى درجة أنك تستطيع أن تجد ست قوافي في البيت الواحد.. مثال:
أنت حكمة ولا آية للأمي
العلامة "/" أمام القافية: انـت نـادي/ انـت هـادي/ انت ميسان/ -- انـت ظـافـر/ انت ضـافر/ اسـود وفـرسان/
انـت حـالي/ انـت عـالي/ انـت سلطان/ -- انـت سـاطـع/ و انـا ساجع/ بي غناك طان/
القصيدة كلها كدا.
تلك واحدة من اشكال النظم الحقيبية المفارقة لاشكال الدوبيت والمسدار (المواليا والقوما والكانكان). أي أشعار السودان التاريخية.
وتتعدد القوافي والأوزان عند نظم الحقيبة بغير حساب (راجع كلام الصفي أعلاه).. ناخد مثال بناء قصيدة العبادي برضي ليك المولى الموالي: برضي ليك المولى الموالي زجلية تامة أي معيارية (مطلع وأدوار وخرجة) والمطلع والأقفال والخرجة تتكون من أربع أغصان والأدوار من أربعة أسماط (وفق طريقة الموشح النظمية في أتم كمالها ولكنها زجل كونها عامية وفق تصنيف الزجل التام وقواعده).
برضي ليك المولى الموالي لإبراهيم العبادي (مثال) إذ تحتوي على مطلع وأدوار لكن الخرجات متوحدة مع الدور وتأخذ نصف قافيته في كل المرات (قالي هاك أقوالاً مصيبا/ كل نفس توجد نصيبا/ والمصيبة المولى اليصيبا/ بالقدر كم عز الذليل/ كم ربوعاً أجدب خصيبا/ ومافي فجراً ماعقبو ليل/) مثال. ثم تتعدد القوافي في عدة مرات وهي طريقة باهرة من الزجل السوداني وفق هذا التصور (أنت قاسي هاتك/ فاتك/ ويالك/ من مرائى وصدقك قليل/ أنت عاشق بالجد خيالك/ ومنه ساكن ظلاً ظليل/) مثال).
وهذه هي القصيدة البديعة (معقدة النظم باهرة) كاملة مع ملاحظة وجود العلامة "/” أمام القوافي:
مطلع:
برضي ليك المولى الموالي/ وفيك لازم الصبر الجميل/
دور اول:
لو تحول دون قصدي العوالي/ برضي أغوص في بحوري/ وأوالي/ ليك أخرج درري/ الغوالي/
قفلة: وأنشي شعري/ وزجلي/ وموالي/ في سناك قليل/ ياجميل/
دور ثاني (نلاحظ أن القفلات كما الخرجة ملتحمة مع الدور وصدرها ياخذ قافية الدور ودوما لامية العجز على طول جسد القصيدة)
ياملاكي ظروفي العصيبا/ حايلة دونك مالي صيبا/ قالي هاك أقوالاً مصيبا/ كل نفس توجد نصيبا/
قفلة:
والمصيبة المولى اليصيبا/ بالقدر كم عز الذليل/ كم ربوعاً أجدب خصيبا/ ومافي فجراً ماعقبو ليل/
دور ثالث (ذات الملاحظة أعلاه تنطبق هنا في هذا الدور أيضاً بل وعلى كل جسد القصيدة):
المكارم خلقي الجبيلا/ والمحامد سالك سبيلا/ ديمة شارب سلسبيلا/ من أخاير أخر قبيلا/
قفلة: ومن أعالي العايلة النبيلا/ وكل صميم لصميم بديل/ الليالي الليلة وقبيلا/ للجلل معدود الجليل/
ياسما الغايات ياملاكا/ من تطاول لي نيل علاكا/ عشت دم يا حلية حلاكا/ ياحياة أرواحنا هلاكا/
خرجة في قافية ووزن المطلع والأقفال:
لو سليتو النار ماسلاكا/ قلبي راضي وهاك الدليل/ أنه صابر وحامل بلاكا/ مرة أرحم يكفي القليل/
تلك أيضاً واحدة من اشكال النظم الحقيبية المفارقة لاشكال الدوبيت والمسدار (المواليا والقوما والكانكان) وكل أشكال الشعر الأخرى.
5- اشعار السافل والبطانة لا تتبع طريقة النظم الزجلية بل هي مواليا وقوما وكانكان بالمعنى الإصطلاحي.. عملنا مئات المقارنات واتضح أن الزجل في السودان هو الحقيبة وحدها (الزجل منها) فهي ثلاثة أنواع.
6- المدائح السابقة للحقيبة مفارقة للحقيبة في عدة طرق نظم كما القاموس وخصائص أخرى. والاهم ان المديح ليس نوعيا شعريا ليولد نوعا من جنسه.. مستحيل.. لان المديح غرض شعري يستخدم كل الانواع ليحقق هدفه.
تلك المقارنات الأولية تمحورت حول بناء القصيدة لأجل تحديد الأنواع الشعرية ثم ذهبنا إلى الأمام في إستكشاف القواميس والأوزان الحصرية ومدارس الحقيبة وأقطابها وكيف تحولت من نظم إلى لحن وغناء والظروف الإجتماعية والسياسية التي نشأت بها.
تلك المقارنات (مئات) كثيرها نشر حتى قبل النتيجة النهائية للبحث.. ولتبيان الصورة ساسرد لكم في مقبل الايام المزيد من الامثلة المقارنة من حيث النظم.. طريقة النظم وحدها هي المحدد للنوع الشعري. مع ملاحظة ان البحث لم يقل ان الحقيبة جاءت من الزجل وكانها استلاف.. لا.. بل قال انها تنتمي إلى نمطية الزجل الاندلسي اي من جنس النوع.. نوعها الشعري زجل من حيث النظم.. فهي زجل سوداني.. لا يجب الخلط!.
نظرة تقنية في اشعار السودان العامية/الشعبية/الغنائية .. حلقة "2"
الفرحة الكبيرة باكتشاف مرجعية الحقيبة النَظمية لاول مرة وبعد جهد كبير لم تدم طويلًا، حتى اصطدمت بعدد لا حصر له من الأسئلة الغامضة، التي بدونها يصير الاكتشاف بلا طعم ولا رائحة.. من قبيل: طرق نظْمها، وماهية الأبحر التي جرى عليها نظم الحقيبة، ثم كيف تعلّمها أصحاب الصنعة وأجادوها كل تلك الإجادة، مع أنه تبيّن لنا أن الزجل – خلافًا للموال والقوما والكانكان (الدوبيت والمسدار) – حديثٌ في السودان، ولا عهد للناس به.
والسؤال الأصعب مطلقًا: إن كنا، من خلال المقارنة البحثية بين أشعار السودان السابقة والموازية واللاحقة للحقيبة، قد تبين لنا جليًا أن النمط الشعري (الأكثر شعبية وتجذّرًا وانتشارًا في السودان) المسمّى "دوبيت"، ما هو بدوبيت، لأن الدوبيت فن فصيح بالضرورة، وله وزن واحد محدد فقط، تتعدّد جوازاته؛ فما الاسم الحقيقي "العلمي" لهذا الشيء الذي نسمّيه دوبيت مجازًا؟ وبعد، عرفنا عبر البحث أنه موال وقوما وكانكان.
إذ ما فتئت الأسئلة تتولّد من جديد، حتى بعد أن حصلنا على جميع تلك الإجابات على تلك الأسئلة الأولية الشاقة آنذاك.. مرةً ثانية، وُوجهنا بغموض الأبحر الشعرية التي جرت عليها تلك الفنون السودانية التاريخية، التي يُجمِلها الناس عادةً في "دوبيت ومسدار".
وبالرجوع إلى عنوان هذه السلسلة: نظرة تقنية في الأنواع الشعرية في السودان، قلنا إننا وجدناها خمسة أنواع: الموال، القوما، الكاكان، الزجل، والنوع الخامس والأخير، متولّدٌ عن اثنين أو أكثر من الأنواع الأربعة الرئيسية، أي: ألوان طيف الشعر السوداني طُرا.
ووجدنا:
الموال + القوما = "دوبيت" في المخيال الشعبي،
الكاكان = "مسدار"،
الزجل = "حقيبة".
وتولّد عن الموال سبعة أشكال نظمية من "الدوبيت"، تميّزها القوافي وعدد الأبيات، وتولّدت عن القوما، ومن دمجها مع الموال، أكثر من تسعة أشكال أخرى، وتولّد عن الكاكان (المسدار) ستة أشكال نظمية.
كل ذلك سنأتي عليه تفصيلًا في مقبل السرد.
الآن، دعونا للأهمية والمتعة نتأمّل "الزجل" في السودان، وطرق نظمه وأبحره الشعرية الخمسة، وفقا لما توصل إليه البحث.
إنها، في نظري، ممتعةٌ جدًا، ولم يكن اكتشافها في المرة الأولى بالأمر السهل، بل كان ثمرةَ سنوات من البحث، والتأمل، والسهر. والآن، نبدأ بسرد كل طريقة نظمية في حلقةٍ منفردة، بلا كثير مقدمات. وربما وجدتم أكثرها غرابة وروعة: الطريقة الزجلية السودانية الرابعة، ذات الصدر الطويل والعجز القصير.. والى ذلك الحين.
تلك كانت الحقلة الثانية.. و تتواصل النظرة التقنية في الأنواع الشعرية التاريخية في السودان وفق الوعد
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة