في جوف الليل طرق عم كمال على باب بيتنا في اللاماب ..كانت تلك الليلة ممطرة بشكل يثير الخوف.. فتحت الباب ووجدت النصراني يحمل على كتفه كورية وبيده (كوريق)..بنبرة تحمل ملمح لهجة الشوايقة يرفع صوته منادياً جدتي" حاجة حسونة إن شاء الله المطرة ماخربت عليك".. قبل أن ترد جدتي كان عم كمال يخوض في الماء ليصنع مصرفاً يخلص البيت من حصار الماء..لم يكن كمال منغاريوس يتحرج حينما يذهب معزياً بلا تردد يرفع الفاتحة..كان المرحوم كمال نموذجاً للمواطن الصالح والمجتهد..في الصباح يعمل موظفاً بولاية الخرطوم ..بعد الدوام يعمل سائق عربة أجرة، وفي الأماسي ترزياً ماهراً. أمس الأول عقدت ندوة بالبرلمان عن التسامح الديني..احتج القسيس أنجلو الملكي على حرمانهم من تلاوة آيات من الإنجيل ..واصل رجل الدين المسيحي مصوباً انتقادات على حرمان المسيحيين من بناء الكنائس حتى أن بعضهم اضطر لبناء كنائس داخل المنازل.. حتى هذه الكنائس العشوائية تعتبر مصدراً للإزعاج يعاقب عليه القانون. الأخطر من ذلك إشارة أنجلو إلى ظاهرة الملصقات التي تدعو للكراهية..قبل أسابيع امتلأت بعض الشوارع المهمة بملصقات تطلب من السودانيين عدم تهنئة إخوتهم المسيحيين بأعياد الميلاد..حاول القسيس أنجلو أن يكون دبلوماسياً حينما ألمح إلى احتمال تواطؤ مراكز في الدولة مع أصحاب تلك الملصقات..الإشارة تحتاج من الدولة أن تبريء ساحتها وتلاحق من يحاول أن يزرع الفتنة بين أهل السودان الذين عرفوا بالمودة والتراحم. لم يعجبنِ إشارة رجل الدين المسيحي للأحكام التي صدرت مؤخراً وقضت بسجن عدد من المسيحيين ..في البداية أن القضية ما زالت في طور التقاضي ولم يصدر فيها الحكم النهائي..كما أن الإيحاء بأن في الأمر استهداف للمسيحيين كان لا يجب أن يخرج من رجل في ذاك المقام..مثل هذا الاتهام فيه قدح للعدالة وتمييز على أساس ديني..هل يطلب أنجلو بمعاملة المسيحيين بشكل استثنائي أم أن يكون جميع المواطنين سواسية أمام القانون. في تقديري أن على السودانيين أن يتعلموا من الدرس الأمريكي..حينما حاول رأس الدولة الخروج على القيم الأمريكية التي لا تميز بين الناس على أساس ديني خرجت المظاهرات منددة بذاك الاعتداء الدستوري..لأول مرة ينقسم الكونغرس على سياسة رئيس جديد في شهر عسله السياسي..بعض الكنائس رفعت الآذان احتجاجاً على سياسات الرئيس الجديد التي تنطوي على استهداف بعض مواطني أمريكا..على من يطلب المساواة فيما وراء المحيط أن يكون أكثر حرصاً على ذات القيمة في أرض النيلين. بصراحة بإمكان أهل السودان أن يقدموا نموذجاً في التعايش والتسامح ..هذه القيمة موجودة في المجتمع وتحتاج أن تتنزل من الدولة في شكل قوانين تتسق مع الدستور الذي يكفل حرية الاعتقاد والعبادة . assayha
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة