أخذ محمود محمد طه بأسوأ المعاني التي وردت في شرح دلالة مصطلح الفناء والوصول. ومن قبله جرى استخدام هذا المصطلح بمعان لا بأس بها من قبل بعض أقطاب التصوف السني من أمثال الجنيد والغزالي والهروي وابن تيمية وابن القيم. ولكن تنكب محمود درب عن هذه المعاني الشريفة واتخذ معاني الملحدين له دليلا. وقد كان ذو البصيرة الصافية والذوق الراقي أبو حامد الغزالي قد اتخذ إلى مصطلح الأصالة منظورا تأويليا يفيد بأن ارتفاع التكليف عن الولي يكون بأن يصبح التكليف حبيبا إلى نفسه ولا تغدو فيه مشقة ولا عسر. وقد شرح ذلك فقال إن:" معنى ارتفاع التكليف عن الولي أن العبادة تصير قرَّة عينه، وغذاء روحه، بحيث لا يصبر عنه، فلا يكون كلفة فيه". وقال إن:" التكليف مرتفع عن الولي بهذا المعنى، لا بمعنى أنه لا يصوم ولا يصلي". وقد تشدد سيدنا الغزالي في مواجهة الغواة العصاة من دعاة الأصالة إلى حد إباحة دمائهم، فقال:" من نطق شيئا منه (أي من هذه الدعوى) فقتله أفضل في دين الله من إحياء عشرة". وبرر ذلك بأن:" ضرره في الدين أعظم وينفتح به باب من الإباحة لا ينسد". فهذا المذهب حسب رأي الإمام المتبصر عبارة عن مشروع مريب يستهدف هدم الدين ونقضه. وهذا النوع من الانحراف هو ما لاحظه في وقت لاحق سيدنا الدكتور إقبال، وذلك في سياق أطروحته للدكتوراه عن (تطور الميتافيزيقيا في فارس) فقال إن:" في شعراء العجم جماعة في طبعهم ميل إلى الإباحة، وهذا الميل في إيران قبل الإسلام، وقد صدَّ الإسلام هذا الميل الطبعي، ثم عاد فظهر حينما وجد فرصة فوضع للمسلمين أساسَ أدبٍ يقوم على وحدة الوجود، وقد افتتن هؤلاء الشعراء في إبطال شعائر الإسلام بأساليب خداعة، وأبانوا عن وجه مذموم في كل أمر ممدوح في الإسلام". وضرب إقبال لذلك مثلا من صنيع شعراء الفرس الذين رموا إلى إلغاء فريضة الجهاد قائلا:" التمس شعراء العجم معنى آخر في هذه الشعيرة التي يراها الإسلام من ضرورات الحياة كهذه الرباعية:
يسلكُ الغازي كلَّ سبيل من أجلِ الشَّهادة ولا يدري أن شهيدَ العشقِ أفضلَ منه كيف يستوي هذا وذاك يوم القيامة ؟! هذا قتيلُ العدو وذاك قتيلُ الحبيب!
وقال إقبال معقبا على هذا الضرب الإباحي من القول إن:" هذا جميل في الشعر، ولكنه خُدعة لإبطال الجهاد". وقد لخص شمس الدين ابن القيم المعاني التي تراد من مصطلح الفناء وشدد النكير على أشهرها، وهو معنى الفناء عن وجود السِّوى. وهو:" فناء الملاحدة القائلين بوحدة الوجود، وأنه ما ثم غيرٌ، وأن غاية العارفين والسالكين الفناء في الوحدة المطلقة، ونفيُ التكثُّر والتعدد عن الوجود بكل اعتبار؛ فلا يشهد غيراً أصلاً، بل يشهد وجود العبد عين وجود الربِّ، بل ليس عندهم في الحقيقة ربٌّ وعبدٌ"! وهو المعنى الذي استهوى محمود محمد طه، فبشر به، واحتكره لنفسه! وما زال أتباعه يعتقدون به، ويمنحونه الصفات الإلهية، ومنها صفة الحياة. رغم أنه قد مات!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة