أفق بعيد منذ سنوات ظل الكُتّاب والخبراء في الشؤون الأمريكية والدولية، يُحذِّرون من خُطورة وسذاجة التنميط والتعامل مع الغرب، أو حتى المجتمع الأمريكي، ككتلة واحدة. صحيح أن لدى هذه الشعوب حساً تاريخياً بالتضامن والتكتل عندما يحسون بالخطر يُهدِّد بلادهم، لكنهم يختلفون في طرق التعبير عن ذلك، كما يَختلفون في توصيف الأخطار وكيفية التعامل معها. قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخير بمنع القادمين من سبع دول إسلامية من الدخول للولايات المتحدة، قدّم صورة واضحة لمن يريد أن يرى ويتعرّف على هذا التنوُّع في المجتمع الأمريكي. دعنا نقول إن هناك مُؤيِّدين بالضرورة للرئيس ترامب، ومنهم صديقتي على "فيسبوك" الصحفية الأمريكية السوداء، هكذا تحب تعريف نفسها، كاترين ويلز. لكن الثابت أنّ ترامب يعبر بشكل أكثر عن المجموعة المسيحية البيضاء، وعن تيار أكثر يمينية وفاشية في هذه المجموعة. لكن بالمُقابل، فإن حملات التضامن مع مُواطني هذه الدول ومع الأقليات المُهاجرة في أمريكا لن تتوقّف على كل المُستويات، سواء من الطبقة السياسية أو منظمات المجتمع المدني أو المُواطنين العاديين. فلنبدأ بالكونغرس بمجلسيه، مُؤكّد أنّ مُعظم الديمقراطيين مُعارضون لسياسات ترامب الذي يملك أغلبية في المجلسين، لكن بدأت تظهر مُعارضة من مجموعة مُقدّرة من الجمهوريين أنفسهم. في مجلس الشيوخ (100 عضو) الذي يملك فيه الجمهوريون أغلبية بسيطة (51 نائباً)، أعلن تسعة نواب جمهوريين مُعارضتهم الواضحة لقرار ترامب، وعبّر 18 عن تحفظاتهم على بعض بنود القرار وطريقة تنفيذه، وخرج تسعة أعضاء فقط يُعلنون تأييدهم له، بينما سكت البقية. في مجلس النواب (435 نائباً)، أعلن تسعة نواب جمهوريين معارضتهم، وتحفظ 15، بينما أيّده 44 نائباً، ولم يفصح البقية عن رأيهم. هذا في صفوف الجمهوريين، بينما يقف الديمقراطيون ضد القرار. وقد قرأنا قبل يومين خبر إقالة النائب العام المكلف سالي ياتس بعد أن أمرت المحامين العاملين بالمكتب بعدم الظُهُور أمام المحاكم للدفاع عن قرار الرئيس، كما شنّت أجهزة الإعلام الأمريكية، عدا فوكس نيوز، حملة ضَخمة ضد القرار بالتركيز على سلبياته الكثيرة على المُجتمع الأمريكي ومخالفته للتعديل الأول للدستور الذي يمنع التمييز على أساس الدين. وتفسح "سي إن إن" وكبريات الصحف الأمريكية مساحات كبيرة لتروي صور مُعاناة العالقين بالمطارات أو بالخارج. المُنظّمات الحقوقية لم تكتف بالرفض، بل سيّرت المواكب والتظاهرات أمام المطارات، ونظّمت حملات التضامن، ووفّرت المحامين المتطوعين مَجّاناً لتبني قضايا الممنوعين من الدخول أو المُحتجزين بالمطارات. وقد شاهدنا صوراً رائعة للتضامن الإنساني من مختلف فئات المجتمع الأمريكي، وكيف يقف الآلاف أمام صالات الوصول يستقبلون الذي سَمح لهم بالدخول بالزهور والحلوى والأحضان. رغم قسوة القرار، فإنّ يقيني أنه سيُساعد على إعادة روح التضامن بين شعوب العالم ويظهر أرقى ما فيهم من مشاعر إنسانية، وليتنا نتعلّم من ذلك الدرس ونُطبِّقه على أنفسنا كشعوبٍ ودولٍ تستقبل لاجئين ومُهاجرين تقطّعت بهم السبل وأبعدتهم الظروف عن أوطانهم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة