نناقش في هذه الورقة قضية انتخاب “دونالد ترامب” وتأثيراته على المنطقة بشكل عام، ليس ترامب كشخص وإنما كايدولوجيا وتوجه يميني شعبوي سيعيد رسم المشهد السياسي في المنطقة والعالم أجمع. استخدم ترامب مع انطلاق حملته الانتخابية خطاباً فظاً وعنصرياً يضاهي في مستواه خطاب البارات والحانات، وقد أكسبه هذا النوع من الخطاب تصويت "الرجال البيض الحانقين الغاضبين من تحولات العالم من حولهم" الذين يتملكهم شعور " بأن بلادهم تُصادر منهم حتى لم يعودوا يعرفونها". وقد استفاد من استهدافه للمهاجرين في تعزيز هذا الشعور، فمع أن الولايات المتحدة دولة بناها المهاجرون، فإن المهاجرين الذين توطنوا جيلاً بعد جيل ينمّون شعوراً بأنهم سكان أصليون وأن فقراء العالم يتدفقون إليهم ليشاركوهم ثروات توافرت بجهدهم وعرق آبائهم وأجدادهم . إن هذا المركب الثقافي السياسي الخطابي الذي صعد بترامب إلى الرئاسة، ليس مقتصراً على الولايات المتحدة الأمريكية، بل ينتشر لدى فئات واسعة في بلدان أوروبا المتطورة. حيث يجري حالياً الإعداد لجبهة موحدة من أحزاب اليمين لخوض الانتخابات في ثلاث دول أوروبية ( ألمانيا، فرنسا وهولندا).ووفق مارين لوبان المرشحة للرئاسة الفرنسية والتي تمثل رأس الحربة في قائمة الشعبويين اليمينين في أوروبا، فإنه بعد قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وانتخاب ترامب رئيساً لأميركا فإن عام 2017 سيشهد "صحوة شعوب وسط أوروبا " . وهذا الخطاب لا يعني الأوروبيون وحدهم بل هو رسائل تحذيرية للعالم أجمع، فأوروبا بثقل دولها السياسي والاقتصادي وتاريخها الاستعماري وامتداداتها الثقافية هي أهم مراكز صنع القرار الدولي، بغض النظر عن أمريكا وروسيا اللتان لا يمكنهما الانفراد بالمشهد السياسي دون دعم أوروبي يراعي خلق التوازنات ويشكل أرضية تستوعب ردود الأفعال. زعم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس يوم الأحد الموافق 29/1/2017 انه واضح كوضوح الشمس بان "الهيكل المقدس في القدس الذي قام الرومان بهدمه كان هيكلاً يهودياً ". ولا يمكن ترجمة هذا التصريح إلا أنه يأتي في السياق التماهي مع المركب الثقافي السياسي الأوروبي المتشدد. وبدون أدنى شك فإن "إسرائيل" تبتهج لهذا الخطاب الجديد، وستعيد التركيز في خطابها اليوم أكثر من أي وقت مضى على يهودية الدولة، مستغلة الظروف المساندة لتنفيذ مشاريعها الاستعمارية الإحلالية.
إن هذه الظاهرة "الترامبية" إن صح التعبير تلتقي مع نزعة أخرى قائمة في بلدان كثيرة في العالم، يعبّر عنها ما يسمى عادةً باليمين القومي الذي يتمحور خطابه حول فكرة السيادة والمجال الحيوي للدولة كأيديولوجية نظام سلطوي. وتتجلى هذه النزعة بأوضح صورة في نموذج بوتين وتحولات النظام في روسيا إلى جمهورية قيصرية. من هنا ومن قناعتي بأن "المتطرفون" من أي معسكرين متضادين دائماً ما يتفقون، فإن العالم سيتفق أن يكون "ترامبياً"، ولكن كما أشرت مسبقاً بالمعنى الأيديولوجي والتوجه اليميني والشعبوي، و بما يحفظ مصالح كل دولة وثقافة شعبها ودينها. وعليه سيكون مصير العرب والقضية الفلسطينية رهيناً بشكل هذه الاتفاقات بين القوة الأمريكية والروسية وكُبرى الدول الأوروبية من جانب آخر.
فادي قدري أبو بكر كاتب وباحث فلسطيني [email protected] المراجع: • ندوة أكاديمية نظمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بتاريخ 10/12/2016 تحت عنوان " تداعيات فوز رجل الأعمال الأميركي دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية" ( المتحدث: عزمي بشارة ). • حميدان، عادل. "أوروبا الجديدة." صحيفة الرياض، كانون الثاني.25،2017. • مقابلة أنطونيو غوتيريس الأمين العام للأمم المتحدة مع إذاعة "صوت إسرائيل " بتاريخ 29/1/2017.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة