فوجيء المصريون بالرئيس حسني مبارك يلقي خطاباً رئاسياً من داخل أروقة المحكمة التي كانت تحاكمه بتهمة إراقة دماء المصريين ..لم ينسَ مبارك في خطابه المبثوث على الهواء أن يحي قضاة مصر ثم يعرج ليسدي الشكر والتقدير لأبنائه في القوات المسلحة ..ثم ينتهز السانحة ليوجه سهام النقد لتجار الدين الذين قوضوا حكمه..كل ذلك والقاضي يوافق الرئيس بإماءة رأس لا تخفي انبهاراً إن لم يكن إعجاباً..في محكمة أخرى كان الرئيس المنتخب محمد مرسي يحشر في صندوق زجاجي حتى لا يخرج صوته للشعب.. من حين لآخر كان قاضي محكمة الجنايات ينتهر أول رئيس مدني منتخب طالباً منه إحسان الأدب في مخاطبة المحكمة. أمس نقلت صحيفتكم آخرلحظة خبراً يفيد بأن الأستاذ محمد حاتم سليمان نائب رئيس المؤتمر الوطني بالخرطوم قد قبض عليه وأودع في حراسة القسم الشمالي في قضية نزاع مالي عام يعود إلى أيام ولايته على التلفزيون الوطني.. وبما أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته فالخبر إلى هنا عادي.. ربما يكمن الاهتمام به لنجومية حاتم سليمان في ميادين العمل العام.. لكن ما بعد الخبر يبدو صادماً..في مخفر الشرطة استقبل الحبيس مدير عام الشرطة ووالي الخرطوم ثم وزير العدل شخصياً..امتنع حاتم سليمان عن الخروج بالضمان الشخصي إلا أنه خرج من محبسه في وقت متأخر من مساء الأحد الماضي، لن تتضح الرؤية إلا إذا استخدمنا منطق التجريد.. إذا كنت عزيزي القاريء في مقام خصم مدير التلفزيون السابق..جئت إلى قسم الشرطة تبحث عن العدالة ووجدت خصمك محاطاً بكل هذا السلطان.. حتما ستهتز ثقتك في تساوي المعادلة العدلية.. ماذا عن وكيل النيابة الذي يتحرى في الواقعة..إذا ظن هذا الوكيل أن كل كلمة يكتبها سيراجعها شخصياً وزير العدل رئيسه الأعلى ..دون تردد سيهتز القلم أثناء كتابة الوقائع..ماذا عن الحارس الشرطي الذي يرتفع صوته حاثاً (المساجين) على الانضباط..هل سيتعامل بذات المعيار مع نزيل زاره قبل قليل مدير عام الشرطة.. حينما يتذكر رئيس قسم الشرطة مصير مدير الجمارك حتما ستختلف المعاملة.. بالطبع من حق الأستاذ محمد حاتم سليمان أن يستمتع بالتفاف أصدقائه وإخوته في يوم المِحنة.. من حق كل هؤلاء أن يزوره ولكن في بيته أو بعد إصدار حكم نهائي في النزاع.. في بلادنا الخط الفاصل بين العام والخاص ليس بذلك الوضوح.. العلاقات الاجتماعية تلعب دوراً كبيراً في تفسير كثير من الأحداث.. هنالك سوابق تستوجب الانتباه.. في قضية فندق ضد رئيس نادي المريخ السابق تدخل وزير العدل وقّاد فريقاً من الوسطاء لحل الأزمة.. ذات مساء حزين زارت وزيرة الدولة بالعدل أحد أقسام الشرطة حيث كان ابنها محتجزاً..انتهت الوقائع بالإفراج المؤقت عن الابن المدلل فيما واصل رفيقه في القضية ليلته في الحبس.. في تقديري أن حركة كبار المسؤولين في ساحات العدالة تحتاج إلى ضبط..التأثير على العدالة لا يحتاج إلى خطاب مروس او توجيه مباشر..الاهتمام الزائد من أصحاب السلطان بقضية أمام المحاكم يخل بميزان العدالة في أغلب الأحيان.. صحيح أن هنالك حالات يتيح القانون تدخل كبار المسؤولين..بل إن القانون يمنح وزير العدل حق سحب أي قضية قبل صدور حكم قضائي..وذات القانون يمنح رئيس الجمهورية سلطة العفو في أغلب القضايا ..لكن كل ذلك وفق ترتيبات تحد من ممارسة المحاباة. بصراحة.. من لوازم اكتمال العدالة أن يراها الناس تتحقق بعيونهم المجردة ..هل ترون ما أرى يا سادة؟! akhirlahza
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة