هَبْ أنَّ جميع المتشاكسين، التأموا ووقعوا على جند السلام.. هَبْ أننا تقاسمنا الثروة والسلطة والسلاح، وكافة الهموم الوطنية.. هَبْ أنَّ أمريكا رضيت عنا، واعترفت عياناً، بعشقها لثورة الإنقاذ الوطني، ورفعت الحصار وألغت الحظر، وجرى مجرى علاقاتنا مع مصر وأخواتها، مجرى الدم في العروق الحية.. هَبْ أنَّ جامعاتنا أصبحت حرة، وأن النشاط السياسي فيها، لم يعد يتهدده فرسان الكمين.. هَبْ أنَّ الرغيفة عادت إلى وضعها الطبيعي، فما هو وضعها الطبيعي؟ هَبْ أنَّ الدولار هبط قسراً وأصبح طوع إرادة وزراء القطاع الاقتصادي.. هَبْ أنَّ التسوية السياسية التي يريدها النظام، أو تلك التي يتمناها تحالف المعارضة، أوحملة السلاح.. هَبْ أنَّ هذه التسوية أصبحت واقعاً، تحققت بموجبه محاصصة الوظائف، وما يتبعها من مصفوفات وخرائط طريق.. هَبْ أننا استعدنا سكك حديد السودان عامِلةً وفاعِلة، مِن بابنوسة إلى حلفا، من بوتسودان الى سنار التقاطع وكوستي إلى المُجلد.. هًبْ أننا استعدنا النقل النهري، والخطوط الجوية السودانية والخطوط البحرية، وبرنامج ربوع السودان ونشرة أنباء الثامنة، التي تختتم بأخبار وفياتٍ لا تخلو بالكاد، من ذِكر الجزيرة مُقرات، ويا حِليل الجّزيرة مُقراتْ؟ هَبْ أننا نفذنا مشروع العدالة الانتقالية على نحوٍ أفضل ممّا حدث في جنوب أفريقيا، وفي المملكة المغربية، وضربنا بذلك مثلاً في مداراة ومداواة الجروح العميقة التي خلفها تطبيق ديننا الحنيف.. هَبْ أنَّ كل هذا وغيره حدث الآن، إن كانت مفاوضات الايقاد لا تحقق شيئاً ، واليوناميد لا داعي لتواجدها في دارفور.. من ذا الذي سيعيد أرواح الملايين التي رحلت وتركت الدنيا دون ذنب سوى أنهم عاشوا تحت شمس السودان؟ من ذا الذي يزيل عن ذاكرة الأجيال، أهوال الحرب والمجاعات والبشاعات، من يعيد للأجسام أطرافها المبتورة وأملاكها المسلوبة، وتلك الطمأنينة وذاك الحنين، الذي انتزع من القلوب؟ من ذا الذي يعيد الأجيال لسنوات العمر التي انصرمت دون تعليم، دون أن تتفجر براكين المواهب؟ من ذا الذي يعيد المشاعر الموؤدة في الهجرة وضباب الغربة ولواعج الرحيل، من يعيد أولئك الشباب، الذين كانوا يحلمون بالأسرة والابنة والحفيد، من يعيد هذه الملايين إلى التوازن النفسي، إلى الفرح والاستقرار الذي غالَ في اندثار القبيلة وبين حنايا المعسكرات؟ متى تُبنى القرى التي أُفقِرت وأقفرت، والمدن التي تريَّفت، والوطن الذي تتطاول فيه رؤوس الأموال ورؤوس الحيّات، والاستثمار متعدد الجنسيات؟ من يحيي حواشات النخيل التي تحترق بفعل فاعل لا تفضحه للسلطة أبداً، متى تنعكس خلافات الساسة والأحزاب السياسية خيراً وبركة على قوت الشعب ومائه، وتعليمه وصحته، ومتى يقنع السياسي بوضعه الطبيعي خادماً للشعب، متى نحظى بدولة القانون والنظام، دولة المؤسسات والمواطنة؟ متى نستفيد من امكاناتنا المادية وتنوعنا الثقافي والإثني والديني، مناخاتنا المتعددة، تضاريس بلادنا الواسعة، متى نعرف أنفسنا ونعرِّف هويتنا، ونتعاهد على عقد اجتماعي، يجعل الناس أمة واحدة متساوية في الحقوق والواجبات..؟ هَبْ أن عِصام صديق، «اقتنع» وأعادَ الساعة القديمة، فهل تعيد الانقاذ عمرنا الذي ضاع..؟ akhirlahza
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة