|
Re: تخيلوا كيف يكون إحساس إنسان ارتبط ببلدٍ أ� (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
عاصرنا معه كل لحظات فرحه بزواج ابنه و بزيادة الراتب و بلحظات السفر للإجازة السنوية ...و فرحنا معه عاصرنا معه و شاهدنا و تعاطفنا مع لحظات انكساراته :لحظات طلاق ابنه من زوجته لحظات عنت الرؤساء و قسوتهم الزائدة احيانا ...و حزنّا معه و واسيناه. نمت بيننا و بينه محبة و تفاهم كامل صامت احيانا و احيانا صريح. برغم اختلاف اللغة و الثقافة و الجنسية و المجتمع استطاعت المشاعر الإنسانية أن تعبر كل هذه الحواجز و أن تجد لها في القلوب المغتربة مواقع عزيزة و أثيرة و حب و احترام. مكث اربعين عاما و ليس له (شبه) راتب و ليس راتب بالمعنى المتعارف عليه فهو ربع أو حتى عُشر بعض رواتب من يعملون معه.. لا تقولوا لي فرق العملة له اعتبار ززبل المسااواة و المشاعر الإنسانية يجب أن يكون لها اعتبار فوق كل اعتبار...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تخيلوا كيف يكون إحساس إنسان ارتبط ببلدٍ أ� (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
هل كانت عودته إجبارية؟ نعم و لا لا ليست إجبارية لأنه لم يطلب منه أحد المغادرة و نعم إجبارية لإحساس داخلي بضرورة العودة و للعودة عش الزوجية الذي فارقه منذ ثلاثين عاما و لا يأوي إليه إلا أيام في إجازته السنوية لا يكاد يروي فيها ظمأه ثم يعود للغربة مسرعا ليجني المال الذي لم يستطيع جمعه و تراكمه إلا بعد أن تراكمت في القلب أوجاع و في النفس انكسارات و في المآقي دموع. و كيف يحلو الاستمتاع بالمال بعد أن تعشو العيون و تموت الأشواق للأحباب داخل الحنايا و تتكلّس و تتحجّر؟ كيف يحلو الاستمتاع بالمال و قدمات في الوطن الحبيب و الصديق و الجار و القريب و الوالد و الولد؟ و هل للمال طعم و قد غزا الشيب الفودين و السكر الدم و الضغط الشرايين. ما ثمن الغربة إن جئنا نحسبها بالمال؟ كم نفقد و كم نكسب؟ قل لي هل يمكن موازنة معادلة المكسب و لخسارة؟ أي ميزان يستطيع قياسهما؟
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تخيلوا كيف يكون إحساس إنسان ارتبط ببلدٍ أ� (Re: الطيب بشير)
|
تسابقنا أول أمس راضين بقراره المفاجيء شفقة و رأفة به و خوفا من جور الزمان و موجاته العاتية من أن تجرفه بعيدا عن وطنه أو أن يغادر الدنيا و هو بعيد عن أحضان الزوجة التي انتظرته خمسة و ثلاثين عاما و ابنائه الذين انتظروا الأب خمسة و عشرين عاما أو تزيد. و هل يحس الإنسان بدنو أجله؟ هل يحس بعدم الرغبة في الاستمرار في مكان ما؟ هل هناك حاسة سادسة لا تخطيء؟ ام أنه أوهام و مخاوف و فوبيةا من بين الفوبيات العديدة التي تترصد بالإنسان و تعكنن عليه مزاجه و استمتاعه بالحياة؟ تسابقنا لنلتقط صور السيلفي معهز نود أن نسجل في الخالدين لحظات لنوقف فيها جريان الزمن.و هل يتوقف الزمن العجول؟ عاندنا الزمن لحظات و استوقفناه ليسجل لحظات من الحب و العطف و التعاطف و المشارع الدفاقة. و لكنها كانت في الحقيقة لحظات خادعة كان الزمن يضحك فيها علينا و على ضآلة فكرنا و سقم راينا. و لكنه الإنسان يحاول أن يبحث عن الخلود في كل لحظات حياته يحاول أن يقاوم فكرة الموت و هو يحاول ان يبعهها من تفكيره المحدود و هو يدري أن ذلك محال و أنه مثل سيزيف. تسابقنا و التقطنا السيلفي و حضناه و مسحنا دمعات صادقة ظهرت في المآقي و مشاعر أخرى دفينة لم تجد الفرصة للظهور.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تخيلوا كيف يكون إحساس إنسان ارتبط ببلدٍ أ� (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
هل كان وداعا واقعيا أم رومانسيا أم خياليا أم فلسفيا؟ كان الوداع يشمل كل ذلك خاصة جانبه الفلسفي و الشاعري ليس لتأثير الفراق الذي قد يكون أبديا و لكن للجانب الفلسفي الذي يجعل الزمن هو سيد الموقف هو الذي يجبر على المغادرة . المغادرة بكل أنواعها المغادرة النهائية ام المغادرة المرحلية. جاء زميلنا الأردني عبدالباسط يركض و هو غير مصدق أن رؤوف مسافر غدا! - مسافر؟ - و أين هو الآن - إنه في غرفته في المجمع السكني غاب عبدالبالسط ساعة و عاد و هو يحمل في حزن و تنهيدة حزينة صورة سيلفي مع عبدالرؤوف ساحاول تنزيلها) صورة سيلفي هي كل ما بقي من علاقة بلغت العقدين سقانا فيها آلاف أكواب الكابتشينو و الشاي الأخضر و الشاي بالجننزبيل و الشاي بالزعفران. هذا خلاف الاف البسمات التي وزعها علينا مع الطلبات.. عشنا سنوات تزاملنا فيها زمالة و إخاء صادق تغلبنا فيها على ايام الغربة الكالحة و ساعتها الجافة من الاحاسييس و العواطف و الوقحة احيانا حينما يجعلك شخص تحس بأنك غريب و ساعاتها البذيئة في لحظات قليلة تكون فيها المواجهة بالأيدي هي الملجأ الأخير لترفع هويتك الوطنية عاليا لتلطم بها من يود أن يطيح بها في الأرض.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تخيلوا كيف يكون إحساس إنسان ارتبط ببلدٍ أ� (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
أرجو المعذرة لعدم ترتيب الأأفكار و لبعض الأخطاء خاصة و أنا أكتب عفو الخاطر و دون ترتيب و مباشرة من صدر ممتلء بذكريات عزيزة تراكمت لعقد و نصف من الزمان. أقول له مداعباً: إذا جئت لزيارتكم ماذا لديكم غير الأرز . فينفعل في عفوية شبه معاتِبة: - يا محمد نحن الامطار ثلاثة أو أربعة أشهر. - نحن نزرع كل الحضروات و نصدر .. هل سمعت بمجاعة في بلدي؟ فأضحك في خبث بريء و أنا اتابع فاصل من دفاعه عن وطنه مقابل محاولة مفتعلة مني لمداعبته. - خلاص سأزوركم ... - ....و لكن أنا بحب اللحوم و أنتم نباتيون لا تأكلون اللحم . فترتفع وتيرة انفعاله مرة أخرى: - أنا مسلم و غالبية سكان مدينتنا مسلمون - نحن نأكل اللحم و لكننا نحن الدجاج أكثر. - سنذبح لك تور حين تأتي ألن يكفيك؟ و هكذا يستمر فاصل المداعبة دقائق طويلة. قال لي في اليوم الأخير - محمد عندي طلب منك! - قلت له: انت تأمر أريد أن أودّع. تودع من؟ -بس بتقدر؟ -أوكي المساء سأمر عليك بالسيارة. ذهبت إليه مساء بالسيارة. ركب و جلس بجانبي صامتا. ثم انطلقنا في شوارع المدينة و لا أدري إلى أين وجهته. عندما وصلنا إلى وسط المدينة قال لي : إذهب بي إلى فندق... ذهبت إلى الفندق و أوقفت السيارة لذ اعتنقدت أنه سينزللكنه ظل هامدا في مقعده و كانه يردد أورادا في سره. - لربما غيّر رأيعه ..قلت في سري - طيب...خلاص... سنذهب إلى مقهى (الشاطيء) دقائق وصلنا المقهى. و نزلنا . تركني في المقعد ز دخل إلى المقهى حيث تقدم الخدمات بعد دقائق وضع النادل أمامي صينية بها كوب كبير من العصير و بجانبه أبريق شاي و طبق من الحلويات و آخر من الكيك.
و جاءني رؤوف متهللا : - هؤلاء أصدقائي أصرّوا أن يكرموك بعد أن حدثتهم عنك - هنا أول مكان عملت فيه. هؤلاء أنا دربتهم و هم صبيان في العمل. - ما شاء الله وقف أمامي ثلاثة من العاملين في المقهى و هم يغالبون حزنهم و يمسحون دموعهم و هم يودعونه في حرارة.... موقف حزين تمنيت أن لا أكون حاضرا فيه
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تخيلوا كيف يكون إحساس إنسان ارتبط ببلدٍ أ� (Re: أحمد الشايقي)
|
الأخ أحمد الشايقي شكرا على المتابعة و الاهتمام و على تذوقك للنص و ما وراء النص. لك مودتي اواصل ذكريات الليلة الأخيرة : بعد نصف ساعة من تداول الاحاديث التي لم افهم منها إلا بضع كلمات بالكادو لكن يبدو أن بعضها وصايا و بعضها شكوى و بعض تضجّر. ركبنا السيارة و في الحقيقة كنت متأهبا و مهيئا نفسي لأن أهبه كل وقتي في تلك الليلة. ركب بجانبي و الصمت يلفنا الاثنين .احترمت صمته لأنه يبدو أنه كان انعكاسا لمقابلة الدقائق الفائتة. بعد أن سرت لمسافة نصف كيلو طلب مني أن أسير بشارع الاستقلال. عملت بتوجيهاته و انحرفت يمينا ثم يسار ثم مباشرة في الطريق المؤدي لشارع الاستقلال. سرنا في الشارع الاستقلال مسافة خمسة دقائق.ثم طلب مني فجأة أن أدلف بشارع جانبي و أتوقف عند البيت الخامس. بيت أرضي متواضع وقفنا أمام بابه. اتصل بالهاتف و هو داخل السيارة. ثم بعد دقائق انفتح الباب المتواضع و خرج منه رجل كهل يتبعه طفل صغير شبه عاري و هو يتمسك بملابس الكهل. اشار لي رؤوف مستأذنا بالدخول .غاب حوالي عشرة دقائق ثم خرج تتبعه ثلة من بينها امراتان و صبيان و بنت صغيرة. وقفوا برهة أمام الباب صامتين و بعدها بدأت مراسم وداع قصيرة يتخللها صوت نحيب خافت و كفكفة للدموع. ثم سرعان ما ركب بجانبي صامتا و صوت نهنهاته اسمعه رغم صوت المحرك. تلاها لحظات صمت تغلب بعدها على دموعه و حزنه الصامت. هذا خالي في هذا البيت سكنت السنوات الثلاثة الأولى عندما حضرت لأول مرة إلى هنا. بعد دقائق من الصمت بادرني: - الآن أسمح لك بالذهاب فقد يكون لديك برنامج - ليس لدي أي برنامج إلا أنت. - بصراحة أريد أن أودع المدينة. - تودع المدينة؟ - قصدي أهم معالمها و المناطق التي سكنت فيها و عشت فيها عندما كانت المدينة أشبه بقرية كبيرة. - سبحان الله. عندما كانت قرية ؟ - لا يغرنّك مظهر العمران الباذخ الآن . كانت هذه المدينة هادئة تنام عقب صلاة العشاء. تنام و الأبواب مشرعة. كنا نشعر بأنها مدينتها. لا فرق بين أهليها و نحن المهاجرون. شهدت نشأتها بناية بناية و شارع شارع و هي تتدرج في العمران. إنها كانت مدينتي.. - و الآن أليست مدينتك؟ صمت لدقائق و هو يتابع إحدى البنايات و مرآها يتراجع بفعل حركة السيارة... - كانت مدينتي زمااان .في باديء الأمر كنت أحس بأنها بيتي و وطني و سكانها أهلي..كانت العلاقات قوية و النفوس طيبة . - متى؟ - متى؟ قبل أن تتدفق الأموال على سكانها و قبل أن تصبح للأموال قيمة و للناس قيمة. لمدة ساعتين كنا نتجول في المدينة .ذهبنا للسوق القديم و مسجدها العتيق المشيّد بالأخشاب و جريد النخل ثم ساحة مصلّى العيد. بعد أن تجولنا لحوالي الساعة أو يزيد فكرت أن أدعوه لنتناول طعام العشاء في أحد المطاعم العادية لنختم جولتنا و لنختم لقاء قد يكون الأخير أو قد نلتقي أ في مكان ما. - لنذهب لنتعشى أيه رايك؟ نتابع
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تخيلوا كيف يكون إحساس إنسان ارتبط ببلدٍ أ� (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
نسيت أن أقول الصور التي اراني إياها رؤوف أمس كانت تُظهره شابا أنيقا رومانسي السمات و سيم القسمات. و هي صورة تخالف صورة رؤوف التي اعرفها فقد ظهرت منذ أن عرفته اللحية البيضاء و النظرات الكابية هي ايرز ملامحه. و لكني الآن أنظر إليه و كأن الصورة الشابة التي رأيتها في صوره القديمة الشابة تطل من ملامحه الاآن و هو يبتسم للنُدُل في سرور و كأنه يعرفهم. نظر في المنيو مليا ثم دفع إلي بها لاختار. توقفت لحظات و أنا محتار و لا أعرف معنى كل ذلك. نظر إلي نظرة ذات معنى و قال لي اختار أطباقك. اخترت طبقين و طبق حلوى . نظر إلي نظرة طويلة ذات معنى و هو يبتسم. ثم قال لي لي و هو يضغط على الحروف: تعرف لماذا نحن هنا؟ هززت كتفي .و قلت له :كيف لي أن اعرف. ابتسم مرة أخرى ثم دنا مني و قال: نتابع
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تخيلوا كيف يكون إحساس إنسان ارتبط ببلدٍ أ� (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
احاول الآن أن أتذكر تفاصيل تلك الليلة..الليلة الأخيرة مع(رؤوف) في وداعه للمدينة التي عاصر نموها و عاصر طفولتها إلى أن كبُرت. عاش كل تفاصيل إنشاءها و تفاصيل اندثار ملامحها القديمة شارعا شارع و بيتا بيت في هوجة العصرنة و العمارة الحديثة التي اطاحت بكثير من ملامح المدينة التي احتضنته و احتضنها و عشق حواريها و أزقتها و ملامح الطيبة في أجيال مواطنيها قبل أن تداهم (لعنة المال) و هجمة الرأسمالية. كانت ليلة بحق كانت وداع ليس لمدينة أو بلد بل وداع لعمر مضى و لحياة كانت و لمشاعر إنسانية و طيبة ذهبت مع ملامح المدينة القديمة. ليلة اُختتِمت بزيارة الفندق الفخم . و الجلسة المتوجسة من جانبي في مطعم الفندق بكل أبهته و ملامحه الراسمالية الباذخة. استيقظت اليوم صباحا و جلست في منتصف السرير و أنا احاول أن ابدد بقايا من كسل و نعاس و فجأة طلت عليّ ذكريات ليلة الأمس. فضحكت ضحكة عالية و أنا استرجع تفاصيل ما جرى...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تخيلوا كيف يكون إحساس إنسان ارتبط ببلدٍ أ� (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
جاء نادل وراء نادل بطلبات الطعام و وضعت أطباق الطعام أمامنا .أما أنا فكلما جاء النادل بطبق أضع يدي على قلبي. - من سيدفع؟ رؤوف؟ من أين له بهذا المال و هو كان يشتكي قبل أيام بأن ما كان يتوقعه من فوائد الخدمة جاء أقل مما متوقع و أنه ندم لأنه قدم استقالته ...و ...و.؟ في الحقيقة كان منظر الأطباق مغري و توزيعها في المائدة يدعونني للإلتهام خاصة و أن الساعة قاربت الحادية عشر مساء و أن الجولة كانت طويلة. و لكن؟ كنت أنظر للأطباق أمامي و للنُدًل الذين ينظرون إلينا من بعيد في انتظار الاوامر و في انتظار المزيد من الطلبات( هو نحن القدامنا اكلناه؟). بدأ رؤوف يأكل و بشهية واضحة و أنا شبه متوقف. وضع الملعقة بجانبه و هو يسألني مستغرباً: - لماذا لا تأكل؟ ثم واصل: - هذه أول مرة أدعوك فيها. ثم ابتسم ابتسامة واسعة و مشجعة.
- كلْ و لا تخف ..رؤوف سيدفع هذه المرة .. كانت كلماته الأخيرة مشجعة و بدّدت إلى حد كبير ترددي و الغموض المحيط بالدعوة. مرت نصف ساعة و انتهينا من تناول الطعام. و أنا كلي ترقب لمعرفة الجزء الأخير من هذه المسرحية. و جاءت لحظة دفع الحساب. 832 ريال كانت تكلفة ذلك العشاء. أخرج رؤوف لدهشتي حافظته بكل اريحية و دفع الحساب. ارتحت أنا قليلا ... و لكن سارتاح أكثر إذا عرفت سبب هذه الدعوة المفاجئة و المكلفة. و هي دعوة كان يمكن لا تتعدى 50 ريالا إذا تناولنا أرز برياني في أي مطعم هندي أو فول و فلافل في مطعم سوداني او غيره.. نزلنا من الفندق و كلي شوق لمعرفة السبب لهذه الدعوة التاريخية..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تخيلوا كيف يكون إحساس إنسان ارتبط ببلدٍ أ� (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
ركب في السيارة واغلق الباب و رجع للخلف قليلا ثم أطلق زفرة ارتياح. - اليوم حققت حلماً قدييم. حلم له اكثر من عشرين عاما -؟؟ - منذ أكثر من عشرين عاما و انا امنّي النفس بان اتناول وجبة في مطعم راقي مثل هذا. - إن المبلغ الي دفعته قد ادخرته لهذه المناسبة منذ ثلاثة شهور. - أعرف أن مثل هذه الاماكن الفخمة ليست لي و لا لمثلي. - كنت امر عليها من الخارج و كثير ما أسائل نفسي كيف تكون من الداخل. - كان حلمي فقط أن أدخل مثل هذه الاماكن الراقية فقط لأحس بأني إنسان مثل من تعوّدوا للدخول لهذه الاماكن. - كنت أود أن أشبع و لو لساعة حرمان ثلاثين عاما .ثلاثين عاما و أنا محصور بين غرفتي و بوفيه المعسكر. حتى ايام العطلات أقضيها داخل غرفتي.
في تلك اللحظات كنت أنا اسرح بعيد مستعيداً أحداث فيلم يحكي قصة لشابة فليبينية تركت ابناءها الصغار الذين لا يتعدى عمر أكبرهم الأربعة أعوام و سافرت. كان منظرهم و هم يبكون و يتصايحون خلف الأم و هي تتملص منهم مرغمة و دموعها تغطي وجهها و تسيل على ملابسها. كنت أقارن بحسرة ما يحكيه من كان يجلس بجانبي و هو يحكي:
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تخيلوا كيف يكون إحساس إنسان ارتبط ببلدٍ أ� (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
ربط بما سبق و مواصلة: في تلك اللحظات كنت أنا اسرح بعيد مستعيداً أحداث فيلم يحكي قصة لشابة فليبينية تركت ابناءها الصغار الذين لا يتعدى عمر أكبرهم الأربعة أعوام و سافرت. كان منظرهم و هم يبكون و يتصايحون خلف الأم و هي تتملص منهم مرغمة و دموعها تغطي وجهها و تسيل على ملابسها. كنت أقارن بحسرة ما يحكيه من كان يجلس بجانبي و هو يحكي: - نعم لقد انقضى شبابي و ثلاث ارباع عمري بعيدا عن وطني و عن اسرتي و عن اولادي. حتى اولادي لم أشهد مراحل نموهم و هم يكبرون و يتغيّرون و هم يبنون أحلامهم و انا بعيد عنهم. و حتى عندما ارجع في الإجازة كل عامين أجد ما يجعلني غريبا عنهم.و ما أن اعتاد عليهم خلال أيام الإجازة حتى أعود لسجني الإنفرادي من جديد. نعم هو سجن اخترته لنفسي و لكن المفارقة أنني كنت مجبرا عليه على نحوٍٍ ما. يتوقف متنهداً ثم يواصل: - اليوم حققت حلمي القديم و ارتحت قليلا و اشبعت توقا كان يرقد كامناً طيلة تلك السنون. - نعم ساعود غدا إلى وطني و أسرتي و عشيرتي.و لكن بعد أن انقضى من العمر أغلبه. سأعود إليهم بقلب قد شاخ و احلام قد صارت أوهي من خيوط العنكبوت. سأعود إلى أسرتي و قد بنى كل واحد من أفرادها مستقبله و أحلامه و دارى انكساراته الخاصة به بعيدا عني..سأعود و سأجد كل واحدٍ منهم قد صار ناضجا و مستقلاً بذاته و لا حاجة لهم بي. بل أنا من ساحتاج إليهم .فقد عدت لهم ببعضٍ امراض الشيخوخة . و لكن الحمد لله لا زلت قادراً على أن امشي على قدميّ و لا زالت يداي قادرتان على أن تصافحهم و لا زال في صدري و في قلبي متسع لهم جميعا. - تأخرت في العودة نعم.و لكن ان تعود متاخراً خير من أن لا تعود. كان تداعي حر دون مقاطعة او تدخل مني.... و قبل ان يصل فاصل التراجيديا و الغربة و البعاد و اللوعة إلى نهايته كنا قد وصلنا إلى منزل قريبه الذي سيسافر منه. الآن تعدت الساعة الثانية عشر ليلاً و الحركة كادت أن تهمد في ذلك الشارع الأسفلتي اللامع...نزل هو متثاقلاً و تبعته أنا.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تخيلوا كيف يكون إحساس إنسان ارتبط ببلدٍ أ� (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
ربط بما سبق و مواصلة:
و قبل ان يصل فاصل التراجيديا و الغربة و البعاد و اللوعة إلى نهايته كنا قد وصلنا إلى منزل قريبه الذي سيسافر منه. الآن تعدت الساعة الثانية عشر ليلاً و الحركة كادت أن تهمد في ذلك الشارع الأسفلتي اللامع...نزل هو متثاقلاً و تبعته أنا. وقفنا كل منا تجاه الآخر و نحن نواجه ألم اللحظات الأخيرة ...التي لا بد منها و تهيأنا للوداع. كانت لحظات الوداع قصيرة و لكنها مؤلمة. جاهدت ان لا ازيد من وجعه. توادعنا بالأحضان مرددين ما اسعفتنا به تلك اللحظات و الذاكرة من ادعية و امنيات صادقة و دعوات بالصحة و السلامة و بان نلتقي في هذه الدنيا....دعوات قد تكون مبتورة و قد تكون مرتبكة البدايات و النهايات و لكنها صادقة دعوات خارجة من نفوس جمعتها الغربة و فرقتها الغربة دعوات مرتجفة و مبللة بوجع تلك الحظات و ألم الفراق و لوعته . تذكر شيئا ..استل هاتفه و فتحه ليعطيني رقم هاتفه في بلدهو هو يكرر عليّ في إلحاح ضرورة ان أزورهم في قريتهم في العطلة الصيفية. نزل و هو يُبعد وجها مغطى بالدموع مجاهدا أن يخفيها و بصوت مبحوح كانت كلماته الأخيرة: - في الإجازة الصيفية أوكي؟ أوكي؟ - لابد أن تأتي... -... اتفقنا؟ - ..ضروري... ضروري.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تخيلوا كيف يكون إحساس إنسان ارتبط ببلدٍ أ� (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
الأستاذ محمد عبدالله الحسن وضيوفك الكرام تحية طيبة سرد رائع وممتع وحزين :
(((( هل كانت عودته إجبارية؟ نعم و لا لا ليست إجبارية لأنه لم يطلب منه أحد المغادرة و نعم إجبارية لإحساس داخلي بضرورة العودة و للعودة عش الزوجية الذي فارقه منذ ثلاثين عاما و لا يأوي إليه إلا أيام في إجازته السنوية لا يكاد يروي فيها ظمأه ثم يعود للغربة مسرعا ليجني المال الذي لم يستطيع جمعه و تراكمه إلا بعد أن تراكمت في القلب أوجاع و في النفس انكسارات و في المآقي دموع. و كيف يحلو الاستمتاع بالمال بعد أن تعشو العيون و تموت الأشواق للأحباب داخل الحنايا و تتكلّس و تتحجّر؟ كيف يحلو الاستمتاع بالمال و قدمات في الوطن الحبيب و الصديق و الجار و القريب و الوالد و الولد؟ و هل للمال طعم و قد غزا الشيب الفودين و السكر الدم و الضغط الشرايين. ما ثمن الغربة إن جئنا نحسبها بالمال؟ كم نفقد و كم نكسب؟ قل لي هل يمكن موازنة معادلة المكسب و لخسارة؟ أي ميزان يستطيع قياسهما؟ ))))
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تخيلوا كيف يكون إحساس إنسان ارتبط ببلدٍ أ� (Re: صلاح حمد)
|
الأخ صلاح حمد شكرا على المتابعة: (الأستاذ محمد عبدالله الحسن وضيوفك الكرام تحية طيبة سرد رائع وممتع وحزين) أخي: الحزن و المأساة كامنة فعلا في كل تفاصيل هذا الرجل و ما كان يخفيه و لا يزال أكبر مما تم الكشف عنه. و هو حقيقة ما دعاني لكتابة قصته لأني عايشت نصف معاناته(الظاهرة فقط). لأن ما يخفيه يبدو أنه أكبر. ما كتبت عنه هو رغبتي في الكشف عن المعاناة الصامتة التي قد يواجهها البشر هنا و هناك. لك مودتي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تخيلوا كيف يكون إحساس إنسان ارتبط ببلدٍ أ� (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
انقضت أربعة أيام منذ وداع(رؤوف) ايقونة الغربة في في أعيننا. و الذي كان يستحق أن يتم تكريمه لبذله و عطاءه و أمانته و أن يلقّب ب ( عميد(المغتربين) لو كان في الدنيا إنصاف لدى البشر. نسيت أن أقول احتل محل رؤوف (شاب) من نفس موطنه. و يبدو أنه يحاول جاهدا إثبات وجوده في عمله الجديد. لكننا لا زلنا متعلقين ب(رؤوف) . بل في ذروة تأثرنا لفقده لم نخجل و نستحي و نحن نذكر للعامل الجديد (أنه لن يكون مثل رؤوف). رغم التأثير السيء لهذه العبارة لكن أظنه سيتفهم موقفنا و مشاعرنا و أنه سيعذرنا في ردة فعلنا لفقدنا خير سلفٍ له.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تخيلوا كيف يكون إحساس إنسان ارتبط ببلدٍ أ� (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
فوجئت صباح اليوم بصوت رنة معلنة وصول رسالة . و لكني لم اسارع لتبيّن صاحب الرسالة. و بعد أن تهيأت للذهاب للعمل فتحت الرسائل في جوالي..يا للبهاء يا لجمال ما أحلى العودة للوطن و لدفء الأهل...ستة من الأشخاص يتزاحمون بالكاد في إطار الصورة يتوسطهم رؤوف و زوجته التي يبدو الفرح بعودته على محياه. ثم رسالة أخرى تتضمن صورة لأكثر من عشرة رجال و صبية يلتفون مستبشرين حول رؤوف. ذكرتني هذه الصورة بالصورة التي فازت بإحدى الجوائز منذ سنوات و التي كان قد ألتقطها مصور بريطاني كان في ضيافة أسرة بسيطة في الهند. و فازت الصورة بالجائزة الأولى لبساطة الصورة التي تضم عدة أجيال من العائلة المستضيفة و هم يقفون أمام الكاميرا في بساطة و عفوية و نظرات عيونهم تحكي عن بساطة و تلقائية طبيعية و عن فرحة غامرة بالوقوف أمام الكاميرا لإلتقاط الصورة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تخيلوا كيف يكون إحساس إنسان ارتبط ببلدٍ أ� (Re: tasneem)
|
مساء الخير شباب
سلامات
شكرا لطرقكم هذا الظرف من الغربه الذى مرعلينا وانا بالذات وربما يكون مصيرنا كحال صديقنا
فقط يستمر حزننا على الذين فقدناهم الى الرفيق الاعلى ونشكر الكريم على اننا على ظهر البسيطه
وربنا يطول اعمار من هم مثلنا متمنين ان يعود لبلاد الاجداد معافين .
تحياتى
سيد سيدنا
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تخيلوا كيف يكون إحساس إنسان ارتبط ببلدٍ أ� (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
الأخ سيد محمد ( شكرا لطرقكم هذا الظرف من الغربه الذى مر علينا وانا بالذات وربما يكون مصيرنا كحال صديقنا فقط يستمر حزننا على الذين فقدناهم الى الرفيق الاعلى ونشكر الكريم على اننا على ظهر البسيطه وربنا يطول اعمار من هم مثلنا متمنين ان يعود لبلاد الاجداد معافين .) الله يجعل العواقب سليمة الغربة معانة لمعظم المهاجرين إلا من اراد الهجرة النهائية و الاستقرار و هم أقلية على ما أعتقد. أما الذين يودون العودة فندعو لهم كما دعوت و نقول آمينز أما من يتوفون فلهم الرحمة و المغفرة. الله يقي الجميع عذابات الغربة و سوء المآل. و لك الشكر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تخيلوا كيف يكون إحساس إنسان ارتبط ببلدٍ أ� (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
تختلف و تتنوع المعاناة التي يواجهها المهاجرون في كافة أصقاع الدنيا. كتبت فتاة مصرية قبل عدة شهور مدونة في شكل مذكرات و هي تندب ذكرياتها التي شيدتها منذ طفولتها . و تندب المدينة التي اعتادت على مرآها (الدوحة، قطر) حيث ولدت. حيث الأسرة تفاجأت بإنهاء خدمات مفاجئة عائلها (الوالد).و كان على الأسرة مغادرة قطر خلال شهر. كان الأمر مفاجئاً للأسرة و للفتاة التي كونت صداقات عديدة و ربطت بينها و بين زميلات لها من أهل البلد و من المهاجرين االآخرين علاقات صداقة و إخاء. و فرضت عليها عليها و على الأسرة ظروف إنهاء عمل والدها أن ينقطع كل ذلك فجأة. وأن تفقد في يوم واحد بل في ساعة واحدة كل ما ربطها بصديقاتها و بعلاقات الإلفة التي قامت بينها و بين المدينة التي نشأت فيها و هي طفلة و الآن قد تعدى عمرها العشرين. نعم ستعود لوطنها,كما قالت... و لكنه وطن بلا ذكريات طفولة و لا صديقات دراسة . وطن لم تتعود عليه و لم تنشأ فيه و ستعود إلى مدينتها و لكنها مدينة ليس لديها فيها أي ذكريات أو صداقات. فهي إذن معاناة من نوع خاص.معاناة شخصية...ذات أبعاد متعددة. لا يعرف المها إلا من جربها و مرّ بها.
| |
|
|
|
|
|
|
|