كان بشار بن بُرد دميماً خليعاً، بذيء اللسان، كأن لسانه أفعى.. كان حاد الطبع، متقلب المزاج، يثور لأتفه الأسباب، متبرماً بالحياة والناس، كان متهتكاً، ضخماً جريئاً، ومع ذلك كان مُسالماً.. عاش ببساطة، لكنه لم يمت ببساطة. يروى عنه، من آثار الزّندقة، أنّه كان يُفضّل طبيعة النّار على طبيعة الطّين، ويصوّب رأي إبليس في عدم السّجود لآدم. ويُنسَب إليه قوله: “الأرض مظلمةٌ والنّار مشرِقَةٌ والنار معبودةٌ مذ كانت النار”. اهتبل سبعون عاماً فى تجريدة الشعر، قبل أن يقتله الخليفة العباسي المهدي بتهمة الزندقة. في المفاضلة بين إبليس وآدم يقول: “إبليس أفضل من أبيكم آدم ــ فتبصّروا يا معشر الأشرارِ/ النارُ عنصُرُه وآدم طينة ــ والطينُ لا يسمو سـموَّ النار”.. كان جريئاً في الغزل، فاحشاً فى الهجاء.. سخر من عصره الأموي، انتقاما لاحتقار الأعراب لبني جنسه من الفوارس، وعندما تبدل الزمان و جاءت دولة العباسيين، تم تقريب الفوارس اعترافاً بدورهم في الإجهاز على دولة الأمويين، هناك انطلق بشار بن “يرجوخ” ــ وهكذا اسمه الفارسي ــ فى فضاءات الحرية.. ربما كان قُبحه وراء تلك الجرأة في التهام الحياة والتمادي فى القسوة على الرزايا.. رجل دميم لكنه كان محبوباً، ومسالماً. قال في حب عبدة: “فقلت دعوا قلبي وما اختار وارتضى.. فبالقلب لا بالعين يُبصر ذو الحبِ / فما تبصر العينان في موضع الهوى.. ولا تسمع الأذنان إلا من القلبِ”.. أنشد بشار أكثر من اثني عشر ألف قصيدة، لكن ما وصل إلينا من شعره قليل، لأن الرقابة الدينية والسياسية والاجتماعية في عصره حذفت الكثير بعد وفاته، لكونه متهم بالزندقة.. ولد أعمى، ورضي بتلك العاهة بعد أن خبر الدنيا.. قال إنه يحب عاهته تلك لأنها تحجب عنه رؤية من يكره. كان ذا نهم على الملذات، تهتّك في المتعة من أكل وشرب وخمر ونساء وغناء.. كان يُعبِّرعن خبرة انغماس حسي فى المفاتِن..قال الشعر من عمق تجربته في عوالم النساء. ذلك الأعمى المسالم كان يشتهي الأجساد، كان يجد لذته فى نشيد الصَبابة: “يا قوم أُذني لبعض الحي عاشقةٌ ــ والأذن تعشق قبل العين أحيانا / فحركت عودها ثم انثنت طربا ــ تشدو به ثم لا تخفيه كتمانا / لا يقتلُ الله من دامت مودته ــ واللهُ يقتلُ أهلَ الغدرِ أحيانا”. روى ابن المعتز في كتابه طبقات الشعراء، عن سبب مقتل ابن برد، حيث إنه هجا الخليفة المهدي ووزيره يعقوب بن داوود، بعد أن امتنعا عن إعطائه الهدايا، فوصل الخبر إلى الخليفة فأمر بالقبض عليه وأمر بضربه بالسوط حتى الموت..طُرح جسد بشار على لوح خشبي فحمله الماء إلى أهله في البصرة فدفنوه هناك.. قيل إنه، وبعد وفاته تم تفتيش منزله وعثروا على ورقة مكتوب عليها كلمة لم يفهمها أحد.. إحدى عِبر الزمان، أن الأيام خلّدت ذكرى هذا القتيل، وطُمِرت ذكر قاتله، رغم أن الأخير كان أمير زمانه..! akhirlahza
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة