أكثرُ ما يُعجبني ويُدهشني في إخواننا الإنقاذيين أومنسوبي المؤتمر الوطني (موهبتهم) أوفلنقل إستراتيجيتهم الجماعية المتعلقة بفن (تبديل الخطاب السياسي) ، وكما نعلم فإن الخطاب السياسي غالباً ما يُستهدف به المواطنون من العامة والذين تعتقد الأنظمة الشمولية أنهم على أهبة الإستعداد دوماً وتحت أي ظرفٍ كان لأن تكون (ماعوناً فارغاً) لإحتواء تلك الشعارات الفضفاضة والزائفة والتي هي مُجمل ما يحتويه أيي خطاب سياسي لا يُطرح كبرنامج إنتخابي عبر شروطٍ ديموقراطية معلومة ومُتعارف عليها ، وبالطبع فإن القياس الأساسي الذي تعتمد عليه دولة الحزب الواحد في (تقصيها) عن حالة تجاوب الناس مع خطابها السياسي ، هو في الواقع مُجرَّد الإعتقاد الشخصي الذي ينتاب من يجلسون أعلى صولجان السلطة ، والذي إن لم يكن على المُطلق ففي أغلب الأحيان يكون واهماً ومُخطئاً في تقديراته ومعلوماته عن ما يجيش في صدر الأمة ، طبعاً نقصد بالأمة الأغلبية المتبقية منها بعد حذف الأقلية التي إستعصمت بالسلطة الفردية وتشبثت بالإستكبار وتحقير الآخر والإستماتة من أجل المواصلة في درب الثراء الحرام والحصول على ما لا يخصهم من حقوق الأغلبية والمستحقين ، ثم من رافق هؤلاء من أهل المنفعة والمصلحة والتطبيل بلا إنتماء ولا إلتزام تجاه الدولة والتنظيم ، حينما يحدث هذا الإيهام تبدأ إرهاصات إنقلاب الواقع الشعبي إلى معاداة تلك الشعارات وإستهجانها ، بل وأحياناً إعتبارها أدوات يجب أن تُحارب وتُعادى لأنها تبدو للبسطاء من الناس تعبيراً مباشراً عن ما يعانونه من ويلات لا تكاد تخطئها عين حصيف ، موهبة الإنقاذيون في مجال تبديل الشعارات وتغيير مسارات الخطاب السياسي تبدو واضحة للمتابع ، فكم من قادتها ألهبوا آذان هذه الأمة بالحديث عن الإسلام وفضيلة الجهاد من أجله إبان حرب الجنوب التي بدَّلوا هويتها من سياسية إلى دينية ، ثم صمتوا ونفضوا أيديهم عن شعاراتها حين قارب الجنوب على الأنفصال ، ثم أيضاً في زمان سبق سادت شعاراتهم وهتافاتهم المتعلقة بإعلاء شأن الدين والدولة بتطبيق الشريعة والحدود ، ثم أيضاً نفضوا أيديهم عن ذلك و صمتوا حين تشابكت المصالح الإستراتيجية الأقليمية والدولية وتناطحت مع ما يقولون في حلبة مساجلات الإرهاب والتطرف الديني ، وكانوا يوماً يهتفون ضد الأميركان ويتوعدونهم بالبأس والحديد والمقاومة والهزائم المنكرة ، ثم تبدّل خطابهم ذاك عبر مراحل من (التملًص المُخطط) بدءاً بالصمت الحكيم وإنتهاءاً برفع شعارات جديدة جميعها عبَّرت عن إنجراف وتزلف وتمنيات تهدف إلى إرضاء الولايات المتحدة وموافقتها على التطبيع ، وآخر إبداعات هذه الموهبة الجماعية لأهل السلطة في بلادنا ما يجري قولة ورفعه من شعارات يرددها كل من سنحت له فرصة منهم عن الآمال والتطلعات التي سيجنيها الوطن والمواطن عبر إنزال مخرجات الحوار الوطني إلى أرض الواقع ، في الوقت الذي يعلمون ويعلم الجميع معهم أن أكبر الأحزاب والحركات والتنظيمات المعارضة وأكثرها ديناميكية و تأثيراً على واقع الحدث السياسي هي في حقيقة الأمر خارج الإطار الشكلي والضمني لآلية الحوار ، التي بهذا الوصف والعيب الإستراتيجي أصبحت لا تُعبِّر عن فكرة الإجماع الوطني الذي لن تُحل مشاكل البلاد وأزماتها دون إرسائه .. يا هؤلاء عليكم أن تصدقوا أن هذا الشعب أصبح (أذكى) مما تتوقعون ، فقط هو في حاجة إلى (دليل) يقوده حيث تقبع المصلحة الوطنية والخطاب السياسي الذي يتوافق مع آماله وتطلعاته .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة