افق بعيد حَمَلَت الصحف في الأسبوع الماضي خبراً عن وصول حصيلة موارد السياحة السودانية لأكثر من تسعمائة مليون دولار، وقلت في تعليقي على الخبر في برنامج تلفزيوني إنّ ذكر كلمة موارد بهذا الشكل قد تبدو خادعة، ببساطة لأنّنا لم نعرف طبيعة هذه الموارد وكيفية حسابها. ولكن لو تَعاملنا بمفهوم أنّ هناك سياحاً قد قدموا من الخارج بغرض السياحة بأنواعها المُختلفة فمن الصعب تصديق أنّنا حقّقنا دخلاً بهذا المبلغ، رغم ضَآلته في سُوق السياحة العالمية وبالمُقارنة بدخل دول مجاورة لنا. لدينا مواردٌ سياحيةٌ ضَخمةٌ، لا شك ذلك، سواء في سياحة الآثار والمَواقع التاريخية أو السياحة النيلية والبحرية أو حتى سياحة المناطق البرية والغَابية، لكننا نهدر هذه الموارد ولا نقدِّمها بالشكل المطلوب. كل من زَارَ مَواقع الآثار التاريخية السودانية، خَاصّةً بقايا الممالك النوبية العظيمة، في البركل، الكرو، المصورات، النقعة والبجراوية، وأخوتها، سيحس بالحسرة الشديدة على هذا الإهمال الشنيع لجزءٍ مُهمٍ من تاريخنا وتاريخ الحضارة العالمية. ومن المُؤكّد أنّ كل زائر أجنبي سيخرج بانطباع أنّنا شعب لا يعرف تاريخه وقيمته، ومن المُؤكّد والمفهوم أنه لا يعرف حاضره ولن يعرف مُستقبله. وسيأتيك نفس الشعور لو زُرت مُتحف السُّودان القومي وأحسست بنفس الشعور القاسي بالإهمال والتجاهل، ولم تجد وفود المدارس والجامعات تملأ المكان. وقَد غَمَرَ الكثيرون شُعورٌ بالسعادة عندما قرأ قبل أعوام وسمع عن المنحة القطرية بقيمة 135 مليون دولار لتطوير قطاعات السياحة والمَناطق الأثرية بالسودان وفي مقدمتها إهرامات البجراوية وتأهيل 27 منطقة بالولاية الشمالية ونهر النيل ودعم البعثات الأجنبية التي تَعمل في مَجَال التنقيب والترميم، ولا أعرف أين وصل العمل في هذا المجال. كذلك لدينا مواقعٌ سياحيةٌ غنيةٌ وجاذبةٌ على طول ساحل البحر الأحمر ما زالت لم تُستغل بالشكل الكافي، وهناك حَديقة الدندر التي تتدهور الأوضاع فيها يوماً بعد يوم، ومناطق أخرى قيد النظر، بجانب السياحة الداخلية التي يُمكن أن تُحيي هذا القطاع وتُزوِّده بموارد غير مَحدودة. غير ذلك فهُناك ارتباطٌ وثيقٌ بين الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية في أيِّ بلد وقدرته على جذب السياحة. ما لم يكن هناك استقرارٌ سياسيٌّ وأمنيٌّ فمن الصعب إقناع سيّاح من دول العالم المُختلفة بزيارة السودان، إلاّ قلة من المُغامرين منهم، وهؤلاء قد لا يكونون من أصحاب الدخول الكبيرة. كذلك نحتاج لنشر ثقافة السياحة داخل أروقة الأجهزة الحكومية والمُؤسّسات ذات الصلة، وفي المجتمع، بجانب مشاريع البنيات الأساسية من مَرافق فندقية واستراحات وطُرق مُمَهّدَة، وهذا عملٌ كبيرٌ يحتاج لتخطيط ومُوازنة خَاصّة. تَخَيّل الحرج الذي يمكن أن تشعر به حين يسألك ضيفٌ أجنبيٌّ عن استراحة بها حمامات نظيفة وأنت تسافر على أيٍّ من الطرق القومية التي تربط البلاد شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً. يبدو أنّنا نريد سياحة ترقى فوق نداء الطبيعة وتتجاوزه، وهذا من سابع المُستحيلات. -
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة