شَغلتني شواغل الدنيا عن التعليق على قرار لجنة الشكاوى بمجلس الصحافة بإيقاف صحيفة "الجريدة" لمدة ثلاثة أيام، وقد تم تنفيذ القرار وعادت الصحيفة للصدور. وها أنا أعود للتعليق لأهمية الموضوع. أول المُلاحظات أنه مضى وقتٌ طويلٌ لم يوقف مجلس الصحافة صحيفة سياسية، لأنّ المجلس اعتاد على مُراجعة الحيثيات القانونية بدقة تجعله مُتأكِّداً من صحة وقانونية قراره قبل صدوره، حتى لا يتعرّض لقرارات من المحكمة بوقف قرار الإيقاف كما حدث في سنوات سابقة. كما أنّ الطريقة التي كان يتّبعها المجلس في إدراج الشكاوى والتحري ومُساءلة مسؤولي الصحيفة لم تكن ترضي بعض الجهات، فقرّرت أخذ القانون بيدها واتخاذ القرارات بطريقة تُهمِّش المجلس تماماً. ويبدو أننا نشهد تحولاً جديداً. النقطة الثانية أنّ بيان المجلس يقول إنّ تحركه جاء بناءً على تقارير لجنة الرصد التابعة له، وليس بناءً على شكوى من أيّة جهة. كان من المفهوم والمقبول أن يقول المجلس إنّه تَلقى شَكوى من أيّة جهة أو مؤسسة وقام بالتحقيق فيها، ولكن إسناد كل المُلاحظات والحَيثيات للجنة الرصد يُحوِّلها إلى جهاز تفتيش وليس جسماً مهنياً، كما يفترض أن تكون. ومنذ متى كانت لجنة الرصد تَتَولّى التحليل السياسي والأمني بهذا الشكل لتقرِّر إحالة مثل هذه المادة للجنة الشكاوى، وأمامها بلاوي مُتلتلة كل يوم في الصحف ولا تتّخذ فيها إجراءً؟. نأتي لموضوع الإيقاف وحيثياته، نشرت الصحيفة بياناً لمجموعة من التنظيمات منها مؤتمر خريجي جامعة الخرطوم ولجان أخرى تُحذِّر من بيع الجامعة أو أيٍّ من مبانيها. قالت حيثيات الإيقاف إنّ الجهات التي أعلنت ليست لديها شخصية اعتبارية "تقرأ التسجيل القانوني والرسمي"، وإنّ الإعلان "يُهدِّد بالإضرار بمصلحة المجتمع وزراعة الكراهية بين الكيانات، وعدم التبيُّن في النقل وتداول المعلومات بين الناس بكل صدق واتزان وشفافية، وعدم اتباع التقاليد الصحَفية الراسخة والأمنية في التعامل مع المواد الإعلامية والإعلانات التحريرية، والتحريض باستعداء السلطة الرسمية والتحذير للمُستثمرين العرب والأجانب". لا حولا....لو صحت هذه الاتهامات فمن الممكن أن تحكم المحاكم بإعدام صديقنا أشرف عبد العزيز رئيس تحرير صحيفة "الجريدة". هذه ليست حيثيات مجلس مهني، ولا العبارات التي صيغ بيها القرار يُمكن أن تنبع من قوانين وتقاليد المهنة، وكل المواد التي أوردتها ذات صبغة إنشائية عامّة لا يُمكن ضبطها قانونياً. ولو أتعبت لجنة الرصد نفسها لوجدت تصريحاً لوزير مسؤول وعضو في الحكومة هو من أعلن عن هذا الخبر، وبالتالي تسقط كل الإشارات عن تحري الدقة والصحة والأخبار الكاذبة. كما أنّ التعامل الحكومي المُتناقض والبطئ مع الخبر ساعة نشره كان سبباً رئيسياً في الأحداث التي جرت. يكاد بيان المجلس يقول إنّه كان على هذه الجهات الانتظار حتى صدور قرار رسمي ببيع الجامعة قبل نشر مثل هذا الكلام. وهذا تقديرٌ شخصيٌّ لا قانونيٌّ، فأنا ومن يشاطرني الرأي قد نرى أنّه إذا كانت هناك إرهاصات بمثل هذا البيع، جاءت على لسان وزير مسؤول، فلا ينبغي الانتظار حتى صُدور قرار البيع. فما الذي يجعل لوجهة نظر المجلس سنداً قانونياً ويجرِّدنا من هذا السند؟ وحتى بالقانون فإنّ الشك المشروع يُبرِّر رَدّ الفعل، وهو على كل حال رد فعل معنوي وليس مادياً.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة