بجرأة مدهشة وقوة عين لا تجارى يزور تعبان دينق الخرطوم بصفته النائب الأول لرئيس حكومة دولة جنوب السودان ، رغم أنف اتفاق منظمة الإيقاد الذي نصب رياك مشار في ذلك المنصب وذلك لبحث بعض الملفات العالقة بين الدولتين. صحيح أن هناك ملفات ومشكلات كثيرة ومصالح مشتركة يحتاج البلدان إلى معالجتها أو الاتفاق حولها أو إنفاذ ما تم الاتفاق حوله بشأنها مثل مشكلات الحدود وأبيي والدعم الذي يتهم السودان جارته الجنوبية بتقديمه إلى تابعيها في قطاع الشمال وكذلك مشكلة رسوم عبور النفط وغير ذلك من القضايا التي عجزت الدولتان عن تجاوزها فهل تنجحان الآن فيما فشلتا فيه في ظروف أفضل وفي ظل حكومة تحظى بشرعية أكبر في دولة جنوب السودان بل في مناخ موات كانت تلك الدولة فيه أكثر تماسكا قبل أن تندلع فيها الحرب الأهلية التي قضت على أخضرها ويابسها ودمرتها تدميراً ومزقتها شر ممزق؟ كذلك فإن الزيارة تأتي في أعقاب فشل مفاوضات المنطقتين بين الحكومة السودانية وقطاع الشمال التابع لحكومة دولة الجنوب والذي يتلقى تعليماته من تلك الدولة المساندة له عسكرياً ولوجستياً في حربه على الدولة السودانية مما يمكن أن يمثل ورقة في يد تعبان دينق يضغط بها في سبيل الحصول على مبتغاه في مقابل إرغام تابعهم عرمان وقطاع الشمال على تخفيف مواقفه والجنوح للسلم في جولة التفاوض القادمة. في المقابل تستطيع حكومة السودان أن تعطي دولة الجنوب الفاشلة الكثير سيما وأنها تئن من وطأة الجوع والفقر والمرض وانعدام الخدمات والحرب التي تفتك باستقرارها وتقتل وتشرد مواطنيها الهائمين على وجوههم في الأحراش أو في البلاد الأخرى المجاورة خاصة السودان. نعم ، فإن السودان رغم مشكلاته وأزماته المتفاقمة لديه الكثير مما تطلب دولة جنوب السودان فهل يمد لها شريان الحياة أم يكف يديه إلى أن تطمئن نفسه إلى ثبات واستقرار تلك الدولة المضطربة والمتقلبة بأكثر من تقلب الليل والنهار؟. يحق لكل سوداني أن يتساءل : ما الذي يجعل الحكومة السودانية تطمئن إلى مواقف تعبان دينق أو إلى ما يمكن أن يحدث في تلك الدولة بعد أسبوع واحد أو حتى بعد يوم واحد في ظل الفوضى الضاربة الأطناب وعدم الاستقرار الذي يمسك بخناقها؟. مسيرة تعبان السياسية العاصفة القائمة على شخصية متقلبة ومتوترة لا تنبئ باستقرار في مواقفه ناهيك عن الدولة التي ولي على منصب الرجل الثاني فيها رغم عدم تمتعه بأي مؤهلات لشغل ذلك الموقع الخطير . دعونا نستعرض بعض محطات حياة الرجل الملآ بالمفاجآت حتى نقيم ما إذا كان جديراً بأن يصدق أو أن تبرم معه مواثيق واتفاقيات أو قل مجرد مذكرات تفاهم. انضم إلى قرنق في 1984 بعد حوالي عام من بدء التمرد ..في عام 1991 خرج على قرنق في معية رياك مشار ولام أكول اللذين كونا ما عُرف بفصيل الناصر والذي دشن لخروج النوير(مشار) والشلك(لام أكول) على حركة قرنق التي تسيطر عليها قبيلة الدينكا .. في عام 1997 وقع مشار اتفاقية الخرطوم للسلام ورافق تعبان مشار وحصد منصباً وزارياً لكنه سرعان ما رجع إلى قرنق خارجا على الخرطوم في بدايات الألفية الجديدة .. بعد توقيع اتفاقية نيفاشا عام 2005 عين والياً على ولاية الوحدة الغنية بالنفط، ثم خاض معركة بالسلاح مع أنجلينا زوجة مشار التي نافسته على منصب الوالي في انتخابات 2010 .. عندما احتدمت المعركة واشتعلت الحرب الأهلية ببن الدينكا والنوير أو قل بين سلفاكير ومشار في أواخر 2013 والتي فقد فيها مشار منصب النائب الأول لرئيس دولة الجنوب انضم إلى مشار غضباً من إعفائه في وقت سابق من منصب والي ولاية الوحدة وبعد أن أعادت منظمة الإيقاد الأفريقية مشار نائباً لسلفاكير عُين تعبان وزيراً للمعادن مما أغضبه إذ كان راغباً في وزارة النفط ..بعد عودة المعارك بين سلفا ومشار في يوليو الماضي عُين تعبان من قبل سلفاكير مكان مشار الذي أعفي من منصبه. حياة حافلة بالتقلبات المدهشة ظل خلالها في حالة انحياز لنفسه التي بين جنبيه يغضب بل يقاتل لاتفه الأسباب التي تتعلق جميعها بشخصه فهو لا يبالي أو يكترث كثيراً إزاء تغيير مواقفه من الضد إلى الضد ، متمترساً بصفات مركوزة في شخصيته المتوترة على الدوام والتي لا تعرف أنصاف الحلول أو المواقف الوسطية فهو يوم معك ويوماً ضدك بدون المرور على محطة للانتقال بين الموقفين. ذلك ما يدعوني إلى القول إن زيارته لن تكون أفضل من زيارات سابقيه سيما وأن السودان ينتظر ما تسفر عنه قرارات الإيقاد حول قيام سلفاكير بالانقلاب على قراراتها باعتبار أنه صرح من خلال وزير الدولة بالخارجية التزامه بتلك القرارات. مارشح عن زيارة تعبان دينق لكينيا أنها كانت فاترة وفيما عدا يوغندا الحليفة لسلفاكير والمتورطة حتى أذنيها في دعمه عسكرياً فإن سلفاكير لن يجد حليفاً لا في أفريقيا ولا في بقية دول العالم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة