دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
Re: خواء المُنشاق (Re: Dahab Telbo)
|
ا في الشق الأخر من ظلام تلك الليلة كانت القافلة الصغيرة تتحرك بحذر تحت نجيمات ناتئة في جلد السماء الداكن مثل سخام قِدْر ، تتخالج بين النجيمات شُهب متعجلة كأنها مناوشات لفلول قائد مهزوم هو النهار الذي قوض الليل السائر -بتمهل غافلة بدوية- سلطتة عند معركة الشفق الفاصلة ، يتحرك الهودج المتوجة جنباته بقطع مرايا ميتة ، ما بث فيها ضوء الشهب المتعجل روح انعكاس ولا تبسمت للنجيمات التعِبة من جراء حصار الغيوم ، رغي مبحوح لجِمال الحمل التي تنوء بأثقالها الحطبية التي تعيقها أمهاتها - الأشجار - أبداً ، يتنحنح " الصليل" مختبرا صوته الغارق في صرير الجنادب الخريفية ذات الأصوات الحادة المباركة بسلطان الجن الغابي الغامض، غثاء الحملان التي تحتضنها الجيوب الجلدية الكبيرة على ظهور الجِمال ، ثم الرغي المهلك لفحل القطيع وهو يتوسط أهله أمام الهودج المتهادي على ظلامه العتيق ، كان " حمّاد" سيعير نحنحة والده كثير قلق وتأهب لو حدث ذلك في ليلة ظلماء تكسر شوكتها نار الهشيم وصوت مبحوح هو للهداي "ودالفكي"وسط خيام بادية " حسن الصليل "، لأن ذلك نذير صريح لقول له ما يتبعه من تكاليف تتوسطها لعنات مجانية من الوالد الضجِر حال كل البدو الابّالة، لحسن حظ حمّاد لم تكن تلك النحنحة المباغتة ماضية مثل عواء بنات أوى الذي ما قطع حبل نظم شعر السنجك* الذي يحاول الفتى إعداده لاحتفالات رقص المُنشاق*.
تلبو
___________________________________________ المُنشاق : النشوق عند البدو الرحل في دارفور وشرق تشاد هو المسير بإتجاه الجنوب وعكسه "المُوطاة -من واطي" وبالتالي المُنشاق رحلة قوافل الماشية السنوية من الشمال الى الجنوب هربا من جدب الصيف العطِش ثم العودة عند بواكير الخريف تفادياً لوخم الجنوب وعادة ما تنتهي تلك الرحلة بمهرجان رقص عند وصول الديار وملاقاة الاحبة. السنجك : رقصة شعبية عند الرحل تعتمد على التصفيق الجماعي ومقاطع شعر غزلي ذات ترنيم مموسق.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خواء المُنشاق (Re: Dahab Telbo)
|
تنزل القافلة السلحفاة الى ارض بأدغال أكثف من عانات المجانين ، لتكتشف الاحورة لأول مرة اصرار الغيم ذي الاثلام الفضية مندهشة من تتلذذ أمهاتها بطعم الشجر الطري طراوة أرضه الطينية اللزجة التي اثقلت كاهل " فاطني" وهي تحاول قتل المسير في غافلتها بالبناء ، منكبة بهمة حقيقة لتشييد خيمتها السوداء التي خبرت أصابعها ضفائر كل شملة فيها، " المطر لعنة" تمتمت وهي تنظر الى السماء الدانية التي بدأت إرسال وفد مقدمتها المائي بتمهل. وخزة ما ، بجراءة المُنِذر شعرت بها "فاطني" قرب الضلع الخامس من الجانب الأيسر لصدرها ذي القلب المتحرّق كلما مر يوم دون يأتي به ، "الأيام الماجنة تضن بالأحباب دوما بل هي تشرب حتى نسائم طيفهم العليلة مع جريها المائي البليد" زفرت العجوز المنكوبة ، فثلاث سنوات ليست بالوقت القصير ليصمد أمامها صبر الأمهات ، ثلاث سنون كالحات خطفن ابنها البكر تاركات لها وجد ابتسامه وسوء الظنون فمنذ تلك المكالمة الهاتفية المقتضبة التي بشرت بوصول تأخر لثلاث سنوات لم يظهر شيء يدل على وجوده غير عذابات الفراق " لعن الله المدارس " لعنت العجوز وهي تمسك بوتد الخيمة وتشده ، ليأتيها صوت زوجها نشاز كعادته " النصارى شياطين يا فاطني، إنهم شياطين ومن يجاري الشيطان يُمسخ". الشك المطمئن الى الشك يملأ الارض بالتهيؤ،تعبر قوافل الضجر سريعاً الى حيث يطيب لها المقام ،صمود الأرق ، سهاد الظن الذي اصبح اشد فتك بالقلب ، يفكر بنملة مرت متعجلة فيجد حقيقتها التي هدته بدورها الى التفكر بالإبل ليجد لوعة ليالي السمر وجن الغابات الذي ما هدته عِتاق الكتب الى حقيقته فيهرب الى الغول الذي عرف حقيقته في حضن أمه "فاطني بت مسار" ،يسكن هناك طويلاً قبل أن يفكر في البشر ثم لا يجد شيء، سوى قذارة الزنازين، فيصدح " كنت هناك ... أنا كنت هناك امممم لابد من أن الأمر هناك مختلف. "قلبي يأكلني عليه يا أبا الذكور " ردت العجوز بعد قفزة وجله هي ما يتركه الصوت النشاز دائماً في النفوس القلقة ثم استطردت " هلا ذهبت الى المدينة وسألت عنه؟" "اسأل عنه! الى أين سأذهب يا أم الذكور، أين! فالمدينة جحر نمل الله الضال وسكانها كلابه الجائعة ، لن يسلم احد من تناوشهم اتركيه سيأتي لحاله عندما يطرده الجوع" تمر لحظات ثقيلة على حلق " فاطني" قبل أن يصدق المطر وعده المنجز على الدوام لتسكن الخيمة القعيدة وأصحابها تحت مشمع كبير.
تلبو
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خواء المُنشاق (Re: Dahab Telbo)
|
احد ما لم يجبره على ادعاء سعادته البائسة تلك عندما جهر متفكراً حال كل مسجون توحد مع الوحشة الرطبة لسنوات رتيبة "أنا سعيد ألان ! نعم سعيد وما يجعلني كذلك هو موت الدهشة داخلي ، رغم أن هذه العاهة مصطلح عليها في علم الفلسفة " بموت الفيلسوف " وهي بلا شك عاهة مانعة للتنظير العميق ولكني سعيد بها على كل حال ، فمنذ أن عرفت الانكسارات الألفية لجميع الذين أطلقوا على أنفسهم ألقابا رنانة في دنيا الأحياء هذه قررت قتل الدهشة بسُم اللامبالاة ، ولكني فشلت ، ثم بسيف الهروب للأمام ،هباءً، لألجأ للخنق بالأمل ، لا فوز، ثم بارود الألم ، بلا جدوى !. كل تلك المحاولات الحثيثة باءت بالفشل اللزج مثل اللون الأصفر، ذلك اللون البائس على حلاوته، لا يشير اللون الأصفر الى شيء محدد قط دون الاستعانة بلون أخر، وقد صدق أبي عندما اخبرني ذات لحظة زلقة من خريف قرية كسارة الطري " اللون الأصفر خدعة! " ومن حينها وأنا اكره الأصفر بيد أنهم يعزون ذلك العداء لزرقة قديمة تعود لهلاليتي المقتولة بسبب " كابوندا ودالحلة" حتى أن الضابط النشوان بإذلال ضحاياه دوّن ذلك صراحة في محضر التحقيق عند أول زيارات الرطوبة فقط لأَنِّي رفضت ارتداء البزة الصفراء المهترئة بعد أن تهرى قميصي ،فغباء العسكر لا يكبحه ذلك الإجماع الوطني على لزوجة اللون الأصفر بعد جائحة الفقر الأخيرة وتوشح وجوه الجناة ابتسامتهم التي لا يختلف منكوبان على صُفرتها ، كل ذلك والدهشة تخرج لي لسان الانكسار الى أن أخذها الله الان بتدبيره الخاص ، ولأن موت الغرماء عيد سيظل وجهي هكذا متهلل باحتشاد الحٓلك التائه في ليالي السجناء، فهي سعادة السواد المقدس الغارقة في رطوبة الزنازين إذاً ، حال كل الذين لم تخدمهم الصدف ، لكنها باقية، أخاديد السعادة العادية باقية أبدا في الروح يا نهر الزنازين -ميتة الشاطئ- وكرجل سعيد بموت الدهشة -لن تستطيع الزنازين اليائسة تكدير صفو وحدته- لا اشعر الآن بأي شيء إزاء ذلك الكم الخرافي من القلق الذي يتبارى في إثارته جموع الساسة والمنظومات التي تدّعي النشاط دائماً دون الحاجة الى إثبات ذلك ،فما عاد السجان يملك أمره ولا حتى السجن ! نعم و لا السجن يا نهر ، فسر عكرا او صفوا، كله تدبير العُلا حيث كنت قبلاً.
تلبو
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خواء المُنشاق (Re: Dahab Telbo)
|
صراخ ضائع بين حشائش النهر العكر ينتهي الى أنين دامي داخل الغرفة الرطبة ، يمر صف الجميلات ، قطيع الإبل، حشود الطلاب ،ثم فاطني في ومضة سريعة تلهمه نجواه الأخيرة بعد أن وسع مجرى شريانه ليسقي الأرض الرطبة " لقد كنت هناك حقا ، لذلك سيلتقي الذي بين الضلوع والذي خارجها لا محال" تتقلص جميع الدنيا أمام عينيه الذابلتين لتكون شيئين متماثلين تماما كما فلقتي حبة بُن ،متساويين في تناقض وجودي،آمر ومأمور بلا تكليف ، سيد وتابع دون عبء ،ثم تتوحد الظروف وتُطوى الأمكنة ليلتقي المحبوب حبيبه ، ينكمش الزمن انكماش جناحي نسر مات لتتحلل أجنحته ويذهب الريش هباء ،" هباء هذا الوجود وذلك الكم الرهيب من التنوير المدلوق تحت أمهات اللبخ" يقول مجاهدا وقد جحظت عيناه " للون الأحمر سطوته وللبنفسج نكهة الحبيبات، كما للرمادي السكون ، سكون مطمئن الى سكون العُلا وخٓرس الجمادات ، الروح جماد متحلل ، فهي بنت الهواء المطمئن الى دواخل الأشياء وقدرة الشيئين المنفصلين المندمجين المتلاعبين بالقٓدٓر والقدرة". ثم تنطبق شفتاه ليلتئم جُرح حبة البُن.
تلبو 16 اغسطس 2016
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خواء المُنشاق (Re: Dahab Telbo)
|
تحياتي ومعزتي صاحب الحرف الأنيق والمفردة الأنيقة ، مفردة مابين الحاضر والماضي والقادم، نشقت وأنا صغيرا بعُرفي محمولا علي الهودج، وكلما طال وقت المُرحال، أمد يدي، إلي مابداخل الشليل من قديد الصيد، وإلي مابداخل البطة من سمن......الخ ثم نشقت وأنا صبي في السادسة او السابعة "مردوفا" وراء والدي علي بعيره ثم نشق/غ ت وأنا شابا أمتطي بعيري أو حصاني أو حماري، اسير خلف نعمي........ ثم تجولت في تلال كردفان الغرة وسهول دارفور الحبيبة أتدري ياصديقي تلبو، وجدت أكثرها حُزنا نشوق/غ مابعد الحروب ونشوق/غ الروح وأنت يعيد عن هذه الحياة في بلاد أخري
لك معزتي وسعيد بكتابتك العميقة ياربيع النشوغ والموطي /اة والدمر والشوقارة دمت شامخا تعيد للمنبر توازنه وألقه *ربيع بالراء المرققة من "رباعة" وتعني الذي جاورك بنعمه وبهائمة وهو لا ينتمي لقبيلتك وهي من مصطلحات البادية العميقة وذات المدلول الإنساني والإجتماعي العميق لأن "الربيع" عندهم يصير كأبن العم وتتطور الرباعة إلي صداقة عميقة وواسعة تشمل كل الأهل القبيلة حتي نجدهم يعزفونها علي "النَّاي" الزُمبارة" يا البلول حليل البلّة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خواء المُنشاق (Re: عبيد الطيب)
|
تلبو مدعوما بود الطيب
الأثنان لكما صفة المحراث الذي يقلب واقعنا الصلد لتشم دواخلنا النسيم
سر يا ابننا تلبو
فأنت أقحوانة نبتت في وسط قحطنا المزمن تبشر بمستقبل زاهر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خواء المُنشاق (Re: درديري كباشي)
|
Quote: فأنت أقحوانة نبتت في وسط قحطنا المزمن تبشر بمستقبل زاهر |
بل تائه على الدوام يجد من يمسك بيده دالا الى الطريق
شكرا استاذي درديري "ان كانت تكفي لمعادلة جميل كلماتك المؤازرة على الدوام لحرفنا المايل!"
بالحب يا مروض الحروف
تلبو
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خواء المُنشاق (Re: عبيد الطيب)
|
استاذي عبيد الطيب شكرا للمشاركة الثرة التي تأتي بمثابة لحظة رواح في هذا المُنشاق الحزين ثم ممتن لأطراءك الجميل واتمنى ان اكون استحق كل ذلك
شكرا
مودتي تلبو
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خواء المُنشاق (Re: Dahab Telbo)
|
الاستاذ دهب تلبو .. استمتعت جدا بهذه الكتابة الواعية الأنيقة وصمت لحظة أتأمل حين كتبت Quote: نعم السجن حيلة والسجان مسجون بلا زنزانة ولكن ، هل حقاً كنت هناك!" |
فعلا السجن الحيلة والسجان مسجون بلا زنزانة كلمات عميقة ، ربما ذهب مانديلا لمعنى قريب بأن السجن هو داخلنا إن لم نتحرر منه فسوف نظل سجناء إلى الأبد .. أعحبت أيضا بإختيارك للعنوان والآن فهمت ما قاله حميد " جينا ليك والشوق دفرنا يا نشوق روحنا ودمرنا يا المحطات الحنينه القصرت مشوار سفرنا ياما شايلك فيني حايم لا الليالي المخمليه لا العمارات السوامق لا الاسامي الاجنبيه" ... شكرا لك وواصل ، بحاجة إلى أن أقرأ ما كتبت بشيء من التمعن خارج لحظات الدوام الرسمي ... لك شكري
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خواء المُنشاق (Re: انور الطيب)
|
الاستاذ انور الطيب شكرا للمرور ونثر كل هذا الرحيق ذي الورود النضرة ولأبوينا حميد ومانديلا السلام والرحمة العلية
ثم مشكور للفتة البارعة لمفردتي " نشوق ودمرنا" في قصيدة " نورا والحلم المدردح" لأبونا حميد حيث ان المفردتين تحملان معنى متناسق جدا مع المعنى اذا فُسرتا بحسب قاموس المُنشاق الذي نحن فيه فبالاضافة الى مفردة "نشوق" المعرفة اعلاه نجد ان مفردة " دمر" هي جمع مفرده "دامرة" وتعني البادية الام او الديار الثابتة للبدو التي منها ينطلقون واليها الاوبة بعد رحلة المنشاق الطويلة . وبين منشاق البدو وقول حميد "يا نشوق روحنا ودمرنا " رحلة طويلة أختصرها اعجاز النظم مع الاحتفاظ بكامل بهجتها وامتنانها الصادق للحبيبة ، مع التعبير الكامل عن معنى التيم . شكرا لحميد ولك ايضا استاذي أنور
مودتي تلبو
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خواء المُنشاق (Re: Dahab Telbo)
|
دهب النضير
ازيك يا زول يا سمح
وان شاء الله دائما طيب و شديد و سعيد
قول آمين
وداير اسالك
انت نضير عشان انت دهب ؟
ولا دهب عشان انت نضير ؟
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خواء المُنشاق (Re: أبوذر بابكر)
|
استاذي الجميل أبوذر بابكر مرحب بيك وسعيد بمرورك الزهر والله وإنشالله دايما انت كمان طيب بخصوص سؤالك انا نضير بنضارة روحك وجميل كلماتك
مغبوط بإطراءك ياحبيب
تلبو
______________________________________________ اسف استاذي على اللخبتة الظهرت في المداخلة الاولى لأني كتبتها بموبايل وما انتبهت ليها الا اليوم . صادق اسفي استاذي
| |
|
|
|
|
|
|
|