اقشعرَّ بدني عندما قرأتُ خبر مصرع طفلين صغيرين (بنت وولد) على يد زوج أمهما لأنهما يزعجانه! نعم، قتلهما واحداً بعد الآخر إذ أزهق روح الطفل ذي السنتين لأنه يزعجه بالبكاء أحياناً مما دفعه إلى أن يفتك به ويستحل دمه بدون أن يطرف له جفن بل، ويا للحسرة ويا للعجب، يقتل شقيقته ذات الخمس سنوات قبل ذلك بفترة قصيرة لذات السبب . المدهش والذي يدمي القلب أن جثة الطفل وُجدت داخل منزل مهجور وبعد التحقيق إثر تلقي بلاغ بالواقعة كشف عن أن زوج الأم الذي أقر بقتل الطفل الذي مات جراء إصابة في الرأس اعترف كذلك أنه قضى كذلك على حياة شقيقة الطفل التي قتلت قبل ذلك ودُوّن البلاغ وقتها ضد مجهول. فماذا دهانا بربكم أيها الناس وأي توحش ذلك الذي أصاب مجتمعنا حتى تطبّع مع مثل هذه الجرائم المروعة التي كانت في الأيام الخالية تقض مضجعه وتهز أركانه وتؤزه أزاً؟. على يمين خبر مقتل الطفلين مباشرة في ذات الصحيفة (المجهر) هناك خبر آخر بعنوان: (مصرع طفلة شنقاً داخل منزل أسرتها بالثورة) قبض فيه على ابن عمها المتهم بالجريمة. قبل أيام كتبت عن أن حالات التحرش بالأطفال بل والاغتصاب بلغت (5000) حالة خلال الشهر الماضي في محلية واحدة من محليات ولاية الخرطوم.. تخيلوا.. في محلية واحدة من محليات الخرطوم السبع.. وقد أخذت تلك المعلومات المروّعة من تحقيق مقتبس من أضابير محكمة الطفل بالحاج يوسف والتي كشفت أن معدل بلاغات الاغتصاب بلغت (13) بلاغاً في اليوم الواحد بما يعني أن عدد حالات الاغتصاب في ولاية الخرطوم، إذا حسبت بذلك المعدل، قد تبلغ أو تتجاوز (32760) وأستطيع أن أزعم بكل جرأة أن العدد الحقيقي لحالات الاغتصاب قد يبلغ أكثر من عشرة أضعاف هذا الرقم المخيف بالنظر إلى أن الحرج الذي يزلزل أركان الأسر المصدومة والرغبة الجامحة في الستر يصدها عن الإبلاغ عن تلك الوقائع المؤلمة. هذا بالنسبة لولاية الخرطوم، أما السودان بولاياته ومحلياته التي تبلغ المئات فحدث ولا حرج فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. أيها الناس . والله العظيم أن مجتمعنا لم يعد ذلك المجتمع المعافى النظيف الذي كنا نتباهى به شعراً ونثراً ونحكي عن قيمه التي لا تجارى وخلقه الذي يفاخر به بين الأمم. لقد دققنا ناقوس الخطر مراراً وتكراراً في مرات سابقات، وللأسف فإن الدولة مشغولة بمشكلات المعاش وإطفاء الحرائق والبحث عن معالجات للمشكلات والأزمات السياسية والاقتصادية بأسلوب رزق اليوم باليوم، أما الجانب الاجتماعي الذي يفترض أنه الأهم في دولة تزعم أنها تتبنّى مشروعا حضارياً ودعوياً فإنه منسي تماماً بالرغم من أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما بُعِث إلا ليتمم مكارم الأخلاق، وبالرغم من أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعتبر من أهم وظائف ولاة الأمر خاصة ممن ينتسبون إلى مشروع الإسلام الأخلاقي. للأسف فإن مراكز الدراسات والبحوث لا تعنى بالتحولات الاجتماعية بما فيها التغيير في أخلاقيات وسلوك الأفراد كما أنه لا توجد جهة مركزية تعنى بمعالجة الانحرافات السلوكية والأخلاقية التي تطرأ على المجتمع سواء على مستوى المركز أو الولايات. صحيح أن هناك وزارة للإرشاد ولكن الحزب الحاكم ما عاد معنياً بأمر الدعوة بعد أن سقط المشروع الحضاري في مستنقع العدم وباتت الوزارة المعنية بالدعوة شيئاً هامشياً يُمنح للأحزاب المستصحبة ابتغاء كسب سياسي يستقوي به الحزب الحاكم وآلت لحزب الميرغني بعد أن كانت في أيام الإنقاذ الأولى وزارة سيادية رئيسية ذات اختصاصات ضخمة تعنى بالتغيير الاجتماعي الذي كان هدفاً للإنقاذ وسُميت وقتها وزارة التخطيط الاجتماعي ومُنحت للأستاذ علي عثمان محمد طه نائب الأمين العام للحركة الإسلامية بكل ثقله ورمزيته، أما الآن فشتان شتان. لو درس الناس الأمر بكل أبعاده لأدركوا أن الحرب وما تفرزه من توحّش وهجرات لعبت ولا تزال دوراً خطيراً في نشر ثقافة العنف التي تدفع الكثيرين للاستهانة بقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق فقد رأينا كيف تتقاتل القبائل وبطونها لذات الأسباب التي أشعلت حرب داحس والغبراء وحرب البسوس بسبب ناقة أو نحو ذلك قبل الإسلام. أما حروب التمرد فقد كانت وبالاً على البلاد كلها فما أتعس البلاد التي تشتعل فيها الحروب وما أتعس وأشقى الناس الذين يتورطون في قتل نفس إنسانية واحدة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة