يبدو أنه لم يكتب لبعض المتريثين أن ينتظروا كثيرا قبل أن تنقشع ظلال سحابات الفشـل عن مفاوضات خارطة طريق أديس ابابا بين حكومة المؤتمر الوطني من جهة وما يمكن تسميته بالمعارضة الفاعلة من جهة أخرى ؛ التي جاء الصادق المهدي هذه المرة على رأس رموزها في تغير وتعديل نوعي عن تلك الصورة الجهوية العنصرية التصادمية النمطية التي كانت تطل بها على المواطن مباشرة من لسان ياسر عرمان.
الذي لا يستوعبه البعض في الداخل ؛ بمن فيهم السلطة الحاكمة ومعارضة قاعة الصداقة المستأنسة .... الذي لا يبستوعبه هؤلاء أن المعارضة المستأسدة في الخارج قد أصبحت بعد توقيع ساداتها على خارطة طريق أديس أبابا .. أصبحت تمسك في يدها اليمنى ورقة ضغط وخيارات وأطروحات سياسية مشروعة ، تمنحها الحق في المنافحة والمجادلة بأنها وإن كانت تحمل السلاح في يدها اليمنى ؛ فإنها تحمل أيضا غصن الزيتون في يدها اليسرى.
مزاعم (أذكياء) المؤتمر الوطني أن خارطة طريق أديس ابابا لاتعنيهم ولا تلزمهم في شيء هو محض أحلام وردية ... والذي يحيل هذه الأحلام الوردية إلى كوابيس أن توقيع خارطة أديس أبابا قد شهد حضوراً أمريكيا رفيع المستوى .. وبما يعني بكل الوضوح أن شرطي العالم يرعى هذه الخارطة وعلى قناعة ووعي بها ... وأن على الحاضر من كافة أنحاء العالم أن يبلغ الغائب .... ولمن يهمه الأمر سلام.
والذي يشير إلى ضعف موقف حكومة المؤتمر الوطني التفاوضي على المستوى الدولي ؛ أنها هرعت إلى مفاوضات أديس ابابا مباشرة عقب الإعلان عن توقيع المعارضة على خارطة طريق أديس أبابا .. وهو ما أعطى الإنطباع أنها مزنوقة وتعيش ورطة .. وتعترف ضمناً بأن خارطة طريق أديس قد أصبحت ورقة قابلة للنقاش والتفاوض.
وربما لو كانت الحكومة على حصافة وذكاء . لكانت قد إكتفت في هذه المرحلة بالمطالبة (من الخرطوم) بإجراء تعديلات على بنود هذه الخارطة قبل الطيران إلى أديس .. والدخول في مفاوضات وحوار طرشان مع المعارضة الفاعلة بشأنها.
على أية حال ؛ فإنه لا مناص من القول أنه يمكن التوصل للقناعات والنتائج التالية: 1) أن المعارضة قد إستفادت كثيراً من قدرات ومواهب وخبرات الصادق المهدي السياسية الماكرة . وهو ما أتاح لها الخروج بوجه سياسي جديد مقبول على كافة الأصعدة لدى الرأي العام لجهة تقبلها من حيث المبدأ أساساً للتفاوض.
2) خسرت حكومة المؤتمر الوطني جميع أوراقها (الجهادية) التي كانت ترفعها ؛ وتهدد خلالها الشعب بإحتمال نشوب حرب أهلية على الطريقة السورية ؛ في حالة إنفجار ثورة شعبية تستغلها مليشيات الجبهة الثورية في التقدم نحو الشمال.
3) هرولة حكومة المؤتمر الوطني إلى أديس ابابا .. وفي كافة الأحوال لم يكن موفقاً . وعزز االشك والخوف لدى معارضة قاعة الصداقة المستأنسة بأنها إنما تظل مجرد معارضة (بـدل فاقــد) يجمّل بها النظام الحاكم وجهه مؤقتاً أمام الراي العام الدولي .. ويكسب لنفسه الزمن.
4) طيران حكومة المؤتمر الوطني إلى الصادق المهدي في أديس أبابا ومحاولات إسترضائه ؛ أكدت للرأي العام السوداني أن الحكومة لا تعطي إهتماماً للرأي الآخر والمعارضة المستأنسة .. وبمعنى آخر أنها لا تفهم سوى لغة القوة ولا تحترم إلا من يحمل في يده البندقية.
5) التوسلات والرجاءات ، وذرف الدموع والعبرات ؛ وإطلاق التنهدات التي تبرع بها المتحدثون في الجمعية العامة للحوار الوطني (6 أوغست 2016م) أمام الرئيس عمر البشير في قاعة الصداقة مؤخراً ... وعلى رأسهم مبارك الفاضل المهدي و ســارة أبـّو . اللذان توسلا بوجه ورأس مكشوف أمام عمر البشير . وترجياه التدخل (شخصياً) لإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين السياسيين في سجون النظام ..... هذه التوسلات كشفت عن واقع مدى ضعف مكونات هذا الحوار .... وأن هناك بالفعل مشكلة .... وحقيقة أن المحاورين فيه محض أرانــب.
6) لجوء حكومة المؤتمر الوطني إلى تكتيك إعلان فشل المفاوضات ؛ بمزاعم تعنت الجبهة الثورية وعدم إمتلاكها ورقة سياسية لم يعد يجدي فتيلا اليوم.
7) وعوضاً عن تفنيد حكومة المؤتمر الوطني الموضوعي لبنود خارطة الطريق . نراها تلجأ إلى (إغراق) الحوار والمفاوضات بتفاصيل وسيول وفيضانات من الأوراق ولجان رئيسية وفرعية . وتارة بمسميات شتى بعضها زائد سبعة ... وأخرى ناقص خمسة ، وحاصل ضرب واحد ...... وإهتمام بالمتشابه وترك المحكم أراه قد إستنفذ أغراضه .... وينبغي الدخول بسرعة إلى لب الموضوع الذي طرحته خارطة طريق أديس ابابا بكل شفافية.
وفي هذا السياق المتعلق بالرقم (7) أعلاه . فإنه من المستبعد التصور بأن الحكومة لديها الرغبة في التفاوض الجاد حول بنود خارطة أديس أبابا .. وذلك للأسباب التالية: أن المفارقة تظل فلكية ما بين بنود ومطالب خارطة طريق أديس من جهة . وبين ما يمكن أن تثمر به حوارات قاعة الصداقة من جهة ..... ثم وما (ترغب) الحكومة التنازل عنه إلى المعارضة كلها إنسها وجنها غضها وغضيضها.
تصور مثلاً أن تقبل الحكومة الحالية بتقديم إستقالتها وتشكيل حكومة إنتقالية.
تصور مثلاً أن يتنازل رئيس الجمهورية طواعية عن كرسيه ويرضى بإجراء إنتخابات رئاسية حرة نزيهة غير مضمونة النتائج.
تصور مثلاً أن يرضى رئيس الجمهورية الحالي (في حالة عدم إنتخابه) بمناقشة أمر تسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية ، وبرفقته آخرون مطلوبون لهذه المحكمة ؛ كشرط من شروط إستكمال أجراءات رفع الحصار عن البلاد.
تصور مثلاً أن يرضى البرلمان الحالي بحل نفسه . وفقدان أعضائه طواعية جميع مصالحهم وهم يدركون أنهم لن يتم إعادة إنتخابهم.
تصور مثلاً أن ترضى جميع القوى الفاعلة من سياسية ونظامية بوضع دستور دائم للبلاد؛ يكرس الإستقرار السياسي ... وبما يحول دون مغامرات إنقلابية ونشوء أنظمة شمولية تمتع في ظلها فئة محدودة بسلطات إستثنائية مطلقة ؛ وتستأثر بثروات البلاد دونا عن غيرها.
تصور مثلاً أن ترضى الطبقة الطفيلية التي أثرت تحت جنح الظلام .. أن تحرم هذه الطبقة نفسها من المتاجرة في الفاسد والمحرمات وسرقة المال العام وأكل الرشى والعمولات .. إلخ من أبواب حصد المال الحرام والتكسب من المنصب العام .... ناهيك أن ترضى هذه الطبقة بالمحاسبة.
تصور مثلاً أن ترضى الطبقة المنتفعة التي تراكمت مثل جير الأسنان طوال 27 عام (وأصبحت عميقة عريضة) من المتسلقين والجهلة وعديمي الموهبة والجوقات نافخي البوق وحاملي المباخر .. إلخ من الأفندية بإخضاعهم إلى قانون تفتيش وظيفي مهني ؛ يحرص على تطبيق مبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب ويرمي بهم وبشهاداتهم الأكاديمية المزورة في قارعة الطريق.
تصور مثلاً أن ترضى الحكومة بإخلاء السجون من المعتقلين السياسيين ، ومعتقلي الرأي وتسمح بالتظاهر والتعبير السلمي المعارض ... أو أن تفتح الفضائيات والصحف الورقية داخل السودان ..... أن تفتح هذه شاشاتها ، وصدر صفحاتها للأقلام الحرة الوطنية النزيهة الهادفة الغير مأجورة ؛ فيتحدثون ويحررون فيها بمثل ما يقولون في راديو دبنقا ، ويكتبون في سودانيز أون لاين ، والحوش ...... والراكوبة.
ثم وبعد كل هذا ؛ هل سترضى "الأصولية العالمية" في أنقرة والإستانة ؛ بأن تضيع جميع ودائعها وإستثماراتها السياسية والمالية في السودان وتذهب هباء ؛ بعد أن راهنت على جعله (بدل تالف) ؛ ومتكئاً لتجربة دولتها الإسلامية ؛ الى حين الفراغ عما قريب من إعـادة بنـاء مركـز الخـلافــة في تركيا ؟
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة