رحم الله من قال: (من قال لا أعلم فقد أفتى)، فقد كان الأئمة الأعلام يتحرّجون من الفتوى ويترددون كثيراً قبل أن يصدعوا بها، ولكننا للأسف الشديد نعيش في زمان غير زمانهم! أقول هذا بين يدي الفتوى التي أطلقها أستاذ في إحدى جامعاتنا قال فيها إن (المدين المعسر لا يُصلَّى عليه ولا يُدفَن في مقابر المسلمين)! بالله عليكم كيف فاتت على هذا الرجل الآية القرآنية التالية التي ترفق بالمعسر وتتعاطف معه بينما تسكت عن الدائن صاحب المال: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ)، بل كيف فات عليه أن الرسول صلّى الله عليه وسلم، بالرغم من أنه امتنع عن الصلاة على مدين غارم، وجَّه الصحابةَ رضوان الله عليهم بقوله (صلُّوا على صاحبكم)، وكيف تجاهَل أن أنصبة الزكاة تتضمن الإنفاق على الغارمين بما يؤكد على أن الإسلام يحرص على التخفيف على المعسرين لا التضييق عليهم وعلى إزالة الفقر من المجتمع المسلم؟! أعجب أن تُطلَق مثل هذه الفتاوى المعيبة ويهرف بها قائلوها بدون أن يطرف لهم جفن بالرغم من أنهم ليسوا في مقام الفتيا حتى إن حازوا على بعض العلم، فشتّان بين العالم والفقيه الذي يجيد تقليب الأمور والغوص في تلافيفها دراسة وتفحُّصاً ثم يستنبط ويوازن قبل أن يُصدر فتواه، أما صاحبُنا فقد ألقى بكلمته، ولم يلقَ لها بالاً غير مدركٍ لما يمكن أن تحدثه من هرج ومرج وأذى بمن قيلت في حقهم من المعسرين الذين يقبع كثيرون منهم في السجون جرّاء مظالم كثيرة تُحيط بهم وعوائق جمّة تسبَّبت في الأزمة التي يرزحون في غيهَبِها الكئيب، ولا يجدون سبيلاً لشرحها أو إيصالها إلى من يهمهم الأمر . ليت صاحبنا قيّد فتواه بأنه يعني المماطِلين من أصحاب المال الذين يتعمّدون عدم سداد الدين، لكن أن يهرف بعبارته أمام الملأ غير عابئ بتقلّبات السوق والخسائر التي تلحق بكثير من المتعامِلين في التجارة والأعمال والظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد، والابتلاءات التي تُصيب الناس من حرائق وجوائح أو حتى سرقات يُمكن أن تُحيل الثريَّ المتخَم بالمال والجاه بين عشية وضحاها إلى فقيرٍ معدم ومدين ملاحق، فهو مما لا يليق ولا يجوز ولا يصح ديناً ولا خلقاً. ليت وزارة الرعاية الاجتماعية تكوِّن لجنة دائمة - أُكرِّر دائمة - يمكن أن تتبع لديوان الزكاة مثلاً لتصنيف المعسرين والنظر في أحوالهم، أما أصحاب شيكات يبقى إلى حين السداد أو الممات، أيهما يأتي أولاً، فهذه سبة في جبين مجتمع متكافل متراحم فيه ديوان للزكاة يقف عاجزًا عن سد حاجة معسرين لا تتجاوز مديونية بعضهم بضعة آلاف من الجنيهات. مرتزقة جبريل في ليبيا! هل تصدقون أيها الإخوة أن (7000) مرتزق من حركة العدل والمساواة يقاتلون في صفوف اللواء المشؤوم حفتر في ليبيا؟! هذا ما كشف عنه اللواء سليمان العبيدي مستشار وزارة الدفاع في الحكومة الليبية والذي قال إن أهالي منطقة الهلال النفطي في ليبيا (ضاقوا ذرعاً بمرتزقة حركة العدل والمساواة)، فماذا يقول قائدهم جبريل إبراهيم الذي لم يكتفِ بشن الحرب على وطنه وترويع مواطنيه وتشريدهم وتقتيلهم وتشويه سمعة بلاده في المحافل الدولية وتدمير البنيات التحتية في دارفور التي يزعم أنه ما ثار إلا من أجل (مهمَّشيها) إنما واصل تمرّده في بلاد أخرى مثل ليبيا ودولة جنوب السودان وغيرهما حيث يقاتل مرتزقته ويقتلون ويخربون نظير حفنة دولارات، فما أرخص حياة الإنسان المكرَّم عند الله في نظر هؤلاء المتوحِّشين؟! أريد أن أسأل جبريل الذي كان إنساناً وديعاً (صلَّاياً) قوّاماً قبل أن تدفعه حمية الدم لأخيه خليل للانخراط في التمرد اللعين بدلاً من أن تصده حمية الدين عن ارتكاب هذه الموبقات.. هل تقر ما فعل ويفعل هؤلاء المرتزقة التابعون لحركتك والذين تدربوا في تنظيماتها المسلحة أم إنهم خرجوا على سلطانك وحتى إن صدقنا أنهم تمردوا على حركتك ما هي بالله عليك مسؤوليتك أمام الله وأمام التاريخ عن تصرفات هؤلاء الذين خرجوا عن طوعك لأنك لم تُحسِن قيادهم وتربيتهم؟ ما يُحيّرني أن جبريل يعلم عقابيل ما أحدثه في السودان وفي الجوار الأفريقي من خراب، كما يعلم أن الله سائله عن كل قطرة دم أريقت في حروبه المجنونة وأن العمر مهما طال قصير ولو كانت الدنيا ستدوم لَدامت لرسول الله صلَّى الله عليه وسلم، فهلا تاب قبل فوات الأوان؟
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة