أول أمس الإثنين أسعفني الحظ أن أكون حضوراً في واحدة من فعاليات معرض الزهور السنوي بالحديقة النباتية أمَّها ونفَّذها نفرٌ مبدع من الموسيقيين في أوركرسترا التبر بقيادة المؤلف الموسيقي والموسيقار القدير الدكتور كمال يوسف ، وفي الحقيقة فإن الدكتور كمال يوسف رجل ٌغنيٌ عن التعريف ومساهماته الأكاديمية والإبداعية متواترة في كثير من المنابر والفعاليات والمنتديات الثقافية التي تنتظم ساحات العاصمة ، وكنتُ قبل مشاهدتي للعرض الموسيقي السابق ذكره أعتقد أن كمال يوسف أكاديمي وباحث موسيقي من الطراز الرفيع ، لكن ما أدهشني أنني تعرفت على الجانب الفعلي والمحسوس من وجهه الساطع كموسيقي ، قدّم الدكتور كمال يوسف مجموعة من الأعمال والمؤلفات الموسيقية المبهرة والجادة ، إزدهت بحضور طاغي وسلس للقواعد الأكاديمية في التأليف الموسيقي ، دونما مساس بروح الذائقة المتوارثة للمستمع السوداني ، فيها من الترتيب والتنظيم والتوزيع ما يجعلك تتذكر فطاحلة الموسيقيين العالميين من أمثال (جيمس لاست) ، من المقطوعات التي ألفها الدكتور كمال يوسف وأدتها فرقة التبر الإحترافية الماسية ، عمل بعنوان (في المركب) وهي جزء من فيلم وثائقي تم بثه ، صدقوني تملَّكني إحساس حين إستمعت إليها أنني أتماوج في مركب حقيقية ، وتساءلت إلى متى نظل نحن السودانيين مقصِّرين في حق أنفسنا وفي حق العمالقة من مُبدعينا ، في المركب مقطوعة موسيقية أقل ما يمكن أن يُطلق عليها أنها أصيلة البنية وعالمية الوهج ، إذا ما أُتيح لها عبر إخراج يتناسب وحجم الزخم الموسيقي فيها أن تُطرح عالمياً ، وزارة الثقافة بل القيادة العليا للدولة مسئولة أمام الله والتاريخ ، إذا ظلت أمثال هذه الأعمال المُشرِّفة حبيسة الأدراج والمصدات البيروقراطية ، لأني أعلم أن الفنون الجادة في عصرنا هذا تواجهها (المشكلات) أمام الظهور في مؤسسات البث المحلي ، فما بالك ونحن نطمح أن توفِّر لها الدولة سُبل الإنتشار العالمي ، لأنها تستحق ذلك ولأنها قادرة شكلاً ومضموناً على التعبير (المُشرِّف) عن ما وصل إليه حال الإبداع الموسيقي المعاصر لبلادنا وأمتنا التي لا ينقصها شيء سوى قليلٌ من إهتمام أصحاب القرار وكثيرٌ من الجرأة في طرح الرؤى والأفكار ، ما يقوم به الدكتور كمال يوسف من مجهودات و( جتهادات) مهمة ، هو أقصر السبل للسماح لمسيرة الموسيقى والأغنية السودانية بالتطور والإزدهار والإتيان بجديد ، فقد عانت مسيرتها في السنوات الأخيرة كثيراً من التعثر بسبب (المبالغة والغُلو والتطرُف) في الإعتداد بالتراث والفلكلور المحلي والذي لا يُجادل إثنان في أهميته غير أنه في رأيي الشخصي أخذ حقه من البحث والتطوير بالقدر الذي يدفعنا لـ (دعم) كل ما هو جديد وإستثنائي إستشرافاً لمستقبلٍ قادم وتماشياً مع نواميس الكون وقوانين الطبيعة التي إنبنت على التجريب والتجديد والتطوير ، وُلد الدكتور كمال يوسف بمدينة أمدرمان في العام 1963 وبدأ العزف على آلة الفلوت في العام 1982 ثم تخرج من المعهد العالي للموسيقى والمسرح في العام 1990 ، و كذلك عمل بتدريس الموسيقى في المدارس الإبتدائية والثانوية بدايةً من عام 1993 وإلى العام 2011 ، له الكثير من البحوث والدراسات الموسيقية المتخصصة وهو أيضاً مُعد ومُقدم لكثير من البرامج التلفزيونية و الإذاعية المتخصصة في الموسيقى .. ختاماً أقول ترِبت يداك يا دكتور .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة