تشير الأرقام الأولية إلى أن عام 2015 كان عاما قياسيا آخر للتهجير القسري، حيث أجبرت أعداد غير مسبوقة حول العالم، منذ الحرب العالمية الثانية، على الفرار من الحرب والاضطهاد من بينهم أكثر من مليون لاجئ ومهاجر عبروا البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا عام 2015. وفي هذا الوقت الذي يتواصل فيه ارتفاع عدد اللاجئين في العالم، تواجه المفوضية تراجعا خطيرا في تمويل العمليات الإنسانية وتغطية التكلفة المتنامية، والتي تعتمد بالكامل تقريبا على التبرعات المقدمة من الحكومات والمانحين من القطاع الخاص. وقد ازدادت ميزانية المفوضية لأكثر من الضعف على مدار السنوات الخمس الماضية، غير أن مساهمات الجهات المانحة لم تواكب تلك الزيادة في الميزانية.
اللجوء سمة بشرية، وعادة قديمة قدم التاريخ، حيث كلما ضاقت ارض باهلها، حق لهؤلاء أن ينتشروا في انحاء الارض التي تتميز بالسعة والتباين يطلبون الحماية ويبتغون الامن والرزق والعيش الكريم. وهكذا ارتبط اللجوء بفكرة البحث عن الحماية بخاصة عقب ظهور فكرة الدولة القطرية إبان الحقبة التي أعقبت مؤتمر ويستفيليا، حيث شهدت البشرية موجات من الهجرات المتتالية لأسباب متعددة، اهمها تُعرض عددًا مقدراً من الناس للاضطهاد في أنحاء العالم، الا ان فكرة الحماية وقتئذن لم تكن بصورتها الحالية، حيث كان ينظر للهجرات وفق سياقٍ تاريخيٍ مُختلف دون تُطوّير مفاهيم أساسية كالحماية التي تمنحها دولة ما للفرد الذي يواجه خطر الاضطهاد، والذي يطلب الحماية عند توافر شروط معينة مع تباين في بعض أسبابها وشروطها وآثارها. ولم يصور التاريخ في اي لحظة من حقبه مأساة تبدو امام الملأ تدعمها صورة وصوت الحدث، مثلما حدث لطالبي اللجوء جراء الحروب والكوارث التي حلت ببعض البلدان الاسيوية والأفريقية الذين غزوا أوربا سيراً على الاقدام، دون أن تحول بينهم وبين هدفهم المنشود وعورة الطرق أو قسوة الطقس ورداءة الأحوال، وقد اصطفوا صفوفاً تخترق المزارع، وطوابير تسير على خطوط السكك الحديدية. في حين أن هذه الهجرة المحفوفة بالمخاطر مستمرة وماضية في التصاعد دون أي بصيص أمل بتوقفها. لقد توحدت مشاعر البشرية جمعاء في أركان المعمورة الاربعة، بغض النظر عن انتماؤهم، إزاء الشعور بالصدمة لمنظر الطفل السوري ايلان كردي وعمره لا يتجاوز الثلاث سنوات وهو جثة هامدة على شاطئ بودروم في المنطقة الجنوبية الغربية من تركيا بعد ان قذفته الامواج على الرمال وهو مرميّ، وبراءته المهدرة تحت قميصه الاحمر وبنطاله الأزرق، ووجهُه الغض البريء تلاطمه قسوة الامواج، وقد فارق الحياة تاركاً للإنسانية رسالة لا تنسى، بعد أن غرق القارب الذي ادى الى مقتل تسعة مهاجرين سوريين، وعندها احس العديد من المراقبين الهلعين على ان الانسانية تنتحر او تكاد تغتال، و لكن لا شيء يُمكن أن يوصف الأحاسيس والعواطف والمشاعر الجريحة لتلك الصورة، التي فجعت العالم وصدمت الانسانية وهزت ضميرها بقوة وجعلت قانون اللجوء محل تساؤل عميق!!
كما شاهد العالم احداث عديدة اخرى تتكرر بصورة تراجيدية لغرق سفن تحمل بين طياتها العشرات بل والمئات من اللاجئين قبالة السواحل الافريقية والاوربية، ومن ثم تتحول التراجيديا إلى مأساة ويكتفي العالم بعبارات ترثي الغارقين. ويلحظ المرء أن حتى أولئك الذين أسعفهم الحظ وعبروا الى بر الامان في الشواطئ الاوربية، بعد ان فروا من فظائع الحروب والنزعات في افريقيا وبعض البلدان العربية، يعيش عدداً مقدراً منهم اليوم في ظروف لا تلبث أن تتدهور ويواجهون مستقبلاً يزداد غموضاً، بسبب عجزهم عن إثبات متطلبات اللجوء في الدول التي دخلوها.
قتامة الصورة وخطورة الماَلات ليس في ضعف الحماية القانونية المقررة انما في التطبيق العملي وهو يصوره لنا السيد/ أنطونيو غوتيريس، المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، حينها والأمين العام للأمم المتحدة اليوم، حيث قال "ليس أمامنا سوى فرصة ضئيلة للتدخل، إذ إن هذا الجيل الذي هو في خطر أن يصبح جيلاً ضائعاً أصبح على المحك. ولن يؤدي ترك اللاجئين يستسلمون لليأس سوى لتعريضهم للمزيد من المعاناة، والاستغلال والاعتداء الخطير". لقد تعددت قصص الموت على الشواطئ الاوربية والافريقية، وتنوعت مراكب الموت، حتى صارت قصص تروى على راس كل ساعة اخبارية، وأضحت أرواح المهاجرين من طالبي اللجوء بلا قيمة ولا قدسية، وكل ما تفعله الاجهزة الرسمية في الدول الشاطئية هو ذكر رقم الضحايا بالتقريب، وفي أحسن الاحوال تتكرم تلك الجهات بإعطاء تخمينات حول جنسيات الضحايا، ثم تستعد لصياغة الخبر الذي يليه، ومع عدم وجود حل في الأفق للصراعات التي هي مصدر كل تلك المعاناة.
الحماية القانونية التي ننشدها اليوم، هي تلك الحماية النابعة عن اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين لسنة 1951، والتي تطورت بصدور بروتوكول 1967م الذي الغي القيود الجغرافية، بحيث اصبحت الاتفاقية تركز على الجانب الانساني لمشكلة اللاجئين. الا أن الوثيقة الاكثر أهمية في الوقت الحاضر هي اتفاقية دبلن، لكون أوربا هي الاكثر استقبالاً للاجئين، لكن اتفاقية دبلن أصبحت غير فاعلة، وغير مطبقة، حيث نجد بعض الدول الأعضاء قد توقفت عن تسجيل اللاجئين لأن الوسائل الممكنة تعوزهم للقيام بذلك. كما ان بعض الدول الاوربية بدأت تضيق ذرعاً بالتدفق الهائل والمستمر للاجئين، وهذا ما جعل الجميع في حالة استياء ما عدا المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التي ظلت تعمل بلا هوادة في هذا المجال. وفي فترة لاحقة تم اعتماد اتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية التي تحكم الجوانب المختلفة لمشاكل اللاجئين في إفريقيا لسنة 1969، ثم توصيات المجلس الأوروبي المعنية بالحالة الواقعية للاجئين لسنة 1976، ثم لاحقا إعلان قرطاجنة بشأن اللاجئين لدول أمريكا اللاتينية لسنة 1984 ، ثم مبادئ بانكوك حول وضع ومعاملة اللاجئين لعام 1966. وبذلك أصبح لدينا قواعد قانونية لا بأس بها، فيما بقي التحدي في الهوة الشاسعة التي تفصل بين مثالية التشريع والتطبيق الواقعي، التي نطلق عليها التحديات الماثلة.
ويأتي على رأس هذه التحديات، التدفق المستمر للاجئين من بؤر النزاع الساخنة وضعف التشريعات وغياب الاَليات الفاعلة، خاصة على المستوى الاوربي مع ضعف التنسيق الدولي وغياب الارادة السياسية بشأن التعامل مع مشكلة اللجوء على اعتبارها مسألة انسانية فرضتها ظروف استثنائية، فالموقف الاوربي في قمة تناقضاته مما حدا بوزير الخارجية الايطالي باولو جينتيلوني يصف الحالة السائدة بالاتحاد الأوروبي بأنه “كمبنى سكني يتشاجر فيه الجيران فيما بينهم"، في إشارة إلى مسألة الهجرة. وفي الجانب الاَخر نجد المفوضية السامية لشؤون اللاجئين تلك المنظمة الاممية الإنسانية الحائزة على جائزة نوبل للسلام في عامي 1954 و 1981 والني ربما تستحق الجائزة ايضاً في مقبل الايام لما بذلته من جهد أمين وصادق لإيجاد مأوى للأعداد البشرية الهائلة المتدفقة نحو أوربا طالبة اللجوء وباحثة عن الحماية وحياة أفضل، ولازلت تبذل الجهد لمواجهة ازمة التدفق غير المسبوق للاجئين، وفي تقديري أن المفوضية مؤهلة بما يكفي عبر موظفوها الذين يفوق عددهم الـ7,700 في 126 بلداً، والبنية التحية فضلاً عن الامكانات المقدرة التي تمتلكها عبر شبكة مكاتبها المنتشرة في شتى بقاع الارض يقدمون المساعدة والحماية المادية والقانونية والنفسية لملايين اللاجئين والنازحين داخلياً و في بعض الحالات للأشخاص عديمي الجنسية. وهنا تجدر الاشارة على أن المفوضية استطاعت منذ تأسيسها في 14 ديسمبر من عام 1950 من قبل الجمعية العامة للأمم، أن تنتهج سياسة تتصف بالدبلوماسية والكياسة في التعامل مع الدول مصدرة اللاجئين والمستقبلة لهم. وعلى مدى أكثر من خمسة عقود، وفرت المفوضية العون اللازم للملايين من اللاجئين، وكذا الحال للنازحين داخلياً على الرغم من غياب التفويض الواضح لعملها لصالح النازحين حيث توجد المبادئ الاسترشاديَّة للنَّازحين داخليًّا كوثيقة قانونية لا تفي بالغرض.
ومهما ازدادت التحديات ففي تقديري ان المفوضية الجسم الدولي الأساسي والوحيد المفوّض وفق نصوص القانون الدولي بتوفير الحماية للاجئين في كافة أرجاء العالم. حيث تهدف المنظمة إلى توفير الحماية الدولية للاجئين وإيجاد الحلول الدائمة لقضاياهم. بحسب الفقرة السابعة من ميثاق المفوضية. وهنا يأتي دور المفوضية في حماية حقوق اللاجئين ورفاههم، ومساعدتهم على إيجاد حلول دائمة من شأنها السماح للاجئين بإعادة بناء حياتهم بكرامة وسلام.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة