من تأثيرات الوضع الإقتصادي فيمعظم الأسر السودانية (التي هي خارج نطاق تغطية آلة السلطة والنفوذ) ، ما حل بالكثير من العادات والتقاليد والموروثات التي ألفها المجتمع السوداني مثل (عادية) وجود الضيوف في بيوتنا وطبيعية ذلك ، بل في الماضي القريب كان من (غير الطبيعي) أن يخلو بيتاً سودانياً خصوصاً في العاصمة من طالب علم من الأقارب جاء من (البلد) أوغيره من الضيوف الذين يجيئون عادة للإستشفاء أومتابعة معاملاتهم وأوراقهم الثبوتية وغيرها من المواضيع ، أقول هذا على خلفية ما أسرني به صديق مُقرَّب عن إصابته في أزمان متفاوتة بحالة من الإضطراب والتوتر والشعور بأن أمراً جلل قد حل ، حينما تتصل زوجته لإفادته بأن ضيوفاً ينتظرونه في البيت ، وبالفعل فإن مجرد ضيافتك لأقارب أوأصدقاء ليوم أو يومين أوبعض يوم أصبح اليوم يحتاج إلى الكثير من التفكير والتدبير ، أما مقولة (الجود بالموجود) فهي لا تتسق مع موروثاتنا الجديدة المكتسبة من تأثير الحياة المادية بكثرة تفاصيلها وإشاراتها الإيجابية والسالبة ، فضلاً عن ما نستقية (جبراً) من ثقافات وعادات وأعراف أجنبية اصبحت (مفروضة) علينا فرضاً عبر وسائط التواصل الإلكتروني ومئات بل آلاف من القنوات الفضائية التي أصبحت (المتحدث الرسمي) بإسم الثقافة والصواب والخطأ في بيوتنا ، من هذا المنطلق صرنا لا يمكن أن نستقبل ضيوفنا إلا عبر إكرام وفادتهم بمعكوس مبدأ (الجود بالموجود) وذلك عبر المبالغة والإفراط في واجبات و(محتويات) الضيافة بالقدر الذي يُخرج الموضوع من فضيلة الكرم والسخاء إلى مذمة المبالغة والإفتخار والتبذير أو ما يُطلق عليه بالعامية (البوبار) ، ثم ما يلبث الأمر أن ينقلب إلى همٍ وغمٍ بسبب مغبة الإستدانة والإطلاع بإلتزامات هي في أغلبها أعلى من إمكانياتنا الحقيقية ، ووفقاً لما نعلم و ما تم تأكيدة عبر الواقع المعاش في تاريخٍ سابق في بلادنا هذي فإن إكرام الضيف وإحسان وفادته ليس حكراً على الأثرياء والقادرين ، بل إن صفة الكرم والسخاء عند الفقير ومحدود الدخل حسب وجهة نظري هي الأسمى والأعلى مقاماً عند الله وعند المُستضاف لأنها تحتوي على قدر أكبر من التضحية والوفاء ، لذا وجب أن ننتزع من قلوبنا الخوف والهلع دعماً لخلود عاداتنا وموروثاتنا السمحة وذلك عبر إعتماد مبدأ (الجود بالموجود) لأن ذلك أفضل من الإنغلاق والهروب من واجبات حميمية العلائق الإجتماعية السودانية وهو أيضاً أفضل وسيلة للقضاء على حالة التوتر القلق والهم إذا ما قصدك من ظن فيك الخير والوفاء والمودة ، أما وقد أصبحت الأغلبية العظمى من أهل هذه البلاد من رقيقي الحال ومحدودي الدخل بفضل ما تبتلعة آلة الفساد (الفولاذية) من مواردهم وحقوقهم وخيراتهم عبر سنوات من الصلف السياسي والجشع التجاري والتمكين الإستعلائي ، فلابد من التوافق على حماية موروثاتنا وفضائلنا الإجتماعية من آلات الهدم المادي والمعنوي التي يقودها العوز والإفقار ، و ذلك تحسباً لغدٍ ينبلجُ فيه فجرٌ جديد و يعودُ فيه ما فقدناه من خزائن الجمال والمضامين الساطعة .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة