قبل أيام انتقلت الزميلة شمائل النور من الصفحة الأخيرة للزميلة التيار إلى الصفحة الأولى بصحيفة كينية.. ذاك لم يكن يعني الانتقال المصحوب بعوائد مادية.. الصحيفة الكينية اهتمت بالقضية التي أثيرت إعلامياً وكانت بطلتها الأستاذة شمائل.. ركزت الصحيفة الكينية على ما أسمته بالمضايقات التي تعرضت لها صحافية طالبت بتوزيع الواقي الذكري.. صحيح أن في الأمر تبسيط صحافي أخل بالمساجلة الصحافية وأبعدها من أبعادها الحقيقية.. لكن اللافت أن شمائل كادت أن تلحق برفيقتها لبنى حسين التي نالت لقب "فتاة السروال" عقب مضايقتها بسبب ارتدائها زيّاً لا يتفق مع المواصفة الحكومية. يبدو أن الحكومة السودانية موعودة هذا العام بصيف إعلامي ساخن جداً.. من لندن أعلن انطلاق قناتين فضائيتين أولاهما تحمل اسم "المدارية" والأخرى عنوانها "المقرن".. المقرن والمدارية لم تحددا بعد سياستيهما التحريرية.. لكن لا أحد يتوقع أن تقف قناة في المغارب في صف الحكومة السودانية.. وذلك ببساطة إن كانت القنوات المهاجرة تثق في سلامة الأجواء السياسية السودانية لحدث الانطلاق من داخل البلاد.. صناعة الإعلام باتت مكلِّفة خاصة حينما يكون المقرّ بمواصفات مدينة لندن.. ولنا في "الشروق" التي عادت لتشرق من الخرطوم عبرة. في الماضي خاضت الحكومة السودانية حروباً خاسرة تجاه الإعلام المرئي.. حينما غضبت الحكومة من تغطية قناة العربية للاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في سبتمبر ٢٠١٣ سارعت الحكومة بإغلاق القناة بالضبة والمفتاح.. لكن بعد سنوات عادت ذات الحكومة وسمحت للعربية بمزاولة العمل من أبراج النيلين بوسط الخرطوم.. ذات السيناريو تكرر مع قناة الجزيرة حتى اضطر إسلام صالح، مدير مكتبها وقت ذاك، إلى الهجرة لبلاد بعيدة.. حينما ارتفع صوت راديو دبنقا من هولندا وشرع في البث الفضائي، كسرت الحكومة عنق الفكرة عبر الاحتجاج للقمر الصناعي عربسات.. حتى قناة أم درمان نالها من الأذى نصيب. في كل مرة كانت الحكومة تعبِّر عن ضيقها من الصحافة الصادرة من المهاجر.. ذات يوم أعلن الأستاذ إبراهيم محمود، نائب رئيس الحزب الحاكم، منع هذه الوسائط من دخول السودان.. لكن مع تطور سبل التقنية تصبح رغبة الرجل الثاني في الحزب الوطني مجرد أمنيات.. الآن بإمكان أي مجموعة أن تنشئ قناة فضائية صغيرة عبر اليوتيوب.. وسائل التواصل الاجتماعي مسحت الحدود الفاصلة بين المتلقي وصانع الخبر.. ما عاد بوسع أي حكومة السيطرة على تدفق المعلومات.. هذا الواقع يتطلب استراتيجية جديدة للتعاطي مع الإعلام الجديد. في تقديري مطلوب من الحكومة الجديدة إفساح المجال أمام الحريات.. في الأصل الحرية حق وليست منحة.. ولكن حتى بحساب واقعي ستخسر الحكومة كثيراً لو زعمت أن كفها قادرة على حجب أشعة الشمس.. كلما كانت المواعين الداخلية قادرة على استيعاب وجهات نظر مختلفة وآراء شرسة زاد ذلك من قدرة أرض السودان على جذب وسائل إعلام متباينة الأطروحات.. ظرف المكان يجعل هذه الوسائل موضوعية إن لم تكن متفهمة لوجهات نظر الحكومة. بصراحة.. على الحكومة أن تدرك أن أيّ مواجهة خشنة مع الإعلام ستكون خسائرها فادحة، وتخصم مباشرة من رصيد الحكومة.. لهذا من الأفضل تصميم سياسات واستراتيجيات تستوعب هذا الواقع.. الآن مدافعة الإعلام لن تكون مجدية إلا بوسائل إعلامية. assayha
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة