أمس الأول، وفي احتفال بافتتاح مستشفى الدكتور محمد بن صالح عبد العزيز الراجحي الخيري بضاحية أم بده.. قال الرئيس البشير (نحن عاوزين الألمان يجوا يتعالجوا في أم بدة). وهي عبارة يقصد منها رفع سقف طموح العناية الصحية والطبية في السودان لمستوى يبز ألمانيا، بكل صيتها في هذا المجال. وهو طموح مشروع وحلم رشيد مطلوب.. وقد كتبت أمس هنا في "حديث المدينة" أنعى تدني الطموح عند البعض لمستوى (قفة الملاح).. وطالبت بالنظر فوق.. إلى أعلى.. وعلى رأي الشاعر الشابي: مَنْ يتهيب صُعُودَ الجِبَـالِ.. يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفَـر ولكن! لفت نظري في نفس خطاب السيد الرئيس توجيه إلى والي الخرطوم قائلاً (ما عاوز زول عطشان وما داير مواطن يشتري موية بالبرميل.. عاوز ماسورة وحنفية). الرئيس البشير رسم صورة الحلم الذي يرفع مستوى الطب في السودان لما يبز ألمانيا.. وفي نفس الوقت رسم صورة الواقع الذي يشتري فيه المواطن– في قلب العاصمة- ماء الشرب من برميل يجره الحمار.. فيكون السؤال المنطقي.. ما هو المطلوب لتحريك السودان من واقع شرب ماء البراميل إلى حلم استقبال الألمان في مشافي الخرطوم؟. هنا العقدة.. العاصمة لا تشرب ماء البراميل من ضعف بالطاقة الإنتاجية للمياه، بالعكس كلما زادت الدولة في إنتاج الماء زاد الشح فيها.. فزيادة الخدمات في العاصمة على حساب الولايات يولد هجرة ضخمة.. فتفشل ولاية الخرطوم في استيعاب المهاجرين إليها، والذين يتوقع أن يصل عددهم قريباً إلى ما يعادل ثلث سكان السودان. ويصبح منطقياً الطريق إلى حل مشكلة الخدمات بالعاصمة يبدأ من الولايات.. أو ما يسمى بالتنمية المتوازنة.. إعادة تأهيل المدن المنتجة مثلما كانت في الماضي، مثلاً.. عطبرة كانت عاصمة الهندسة في السودان، بها أكبر تجمع لورش صيانة السكك الحديدية.. كوستي عاصمة النقل النهري، كسلا السياحة والخضر والفاكهة.. القضارف عاصمة الزراعة المطرية والحبوب، الأبيض عروس الرمال وعاصمة التجارة خاصة المحاصيل.. لكل مدينة تخصصها، وسبل كسب عيشها.. وفيها نفس الخدمات التي يجدها سكان العاصمة.. بل أحياناً أفضل.. التعليم، الصحة حتى الترفيه (السينما والمسارح).. بدليل الرحلات الفنية للفنانين والمسرحيين التي لا تتوقف إلى كل أنحاء السودان. ستظل العاصمة تشرب ماء البراميل مهما زادت من محطات إنتاج الماء، ومهما مددت من أنابيب النقل والتوزيع.. إلا إذا تبنت الدولة خطة هيكلية قومية.. لكن- للأسف- ليس للدولة عقل إستراتيجي.. فالمجلس القومي للتخطيط الإستراتيجي مجرد لافتة على قارعة الطريق.. انتحال صفة تخطيط إستراتيجي ولا تخطيط. من الممكن أن يأتي يوم تصبح فيه الخرطوم عاصمة الطب التي يقصدها المرضى من كل العالم، لكن بشرط أن تؤمن بحكمة أبي الطيب المتنبي: من قصد البحر.. استقل السواقيا.. لا بد من مؤسسات قادرة على التفكير الحر لصناعة إستراتيجية وخطة قومية.. وإلا سنظل دولة تعتمد على (محاسن)!.. أقصد (محاسن الصدف)!. altayar
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة