برغم الإحباط من اداء حكومة حمدوك، تبقى حقيقة واحدة، ان الرجل يعمل في ظروف بالغة التعقيد، إبتداءً من بقايا دولة الكيزان، مروراً باحزاب المحاصصة، من سواقط الإشراكيين، و عواطلية القوميين العروبيين، والكل يغني لليلاه..
عقبة اخرى في طريق ما تبقى من الدولة السودانية هي عملية السلام المتعثرة في جوبا، واصبحت بشكل واضح لا يقبل التأويل انها اصبحت طق حنك، و الكل يبحث عن مصالحه الذاتية، وحصته من الجيفة التي تركها كهنة نظام الإنقاذ البائد..
لا احد يمتلك مشروع قومي حقيقي لبناء السودان، والحقيقة الكل يخاف من السلام، والتحول الديمقراطي، الحقيقي، لأن في ذلك عودة للوضع الطبيعي، والكل يأتي حسب حجمه، لا بصوت البنادق والمدافع، وجعجعة الحناجر، الصورة التي حكمت الدولة السودانية في الثلاث عقود من حكم الإسلامويين..
اصبح منبر جوبا عبارة عن مقهى للعواطلية، وفيه برزت عورات الجبهة الثورية التي تتدارى خلف الواجهات، والمصالح، التي لا تمت إلي القضية بصلة ،إنما هي إدارة منافع، ومجاملات، في احسن حالاتها سمسرة بقضايا اصبح اصحابها يتململون من فرط الإنتهازية، والنفاق..
عندما عجزت الجبهة الثورية في ان تطرح موقف جاد للسلام في السودان، إعتمدت ملاهاة المسارات التي قسمت بموجبها السودان الي "كيمان مرارة" ورهنت كل عملية السلام لإرادة الحرامية، والعواطلية المتسكعين امثال التوم هجو..
المؤكد ان حكومة الثورة التي انتجتها قحت عاجزة عن اداء ايّ عمل يمكنه ان يخدم المصلحة الوطنية، لعدم إرتباطها بقيّم الثورة، وعدم كفاءتها التي تمثلت في وزراء لا يصلح احسنهم لإدارة لجنة شعبية في قرية نائية..
طالعنا حديث لأحد قادة الحركات المسلحة عند بداية منبر جوبا، بان جوبا غير مؤهلة لذلك ، وطالب بلا حياء لنقل المنبر الي إحدي دول "الرز" لانها القادرة علي الدفع تحت الطاولة، ونثريات العطالة، والمتسكعين..
كان يجب من وقت مبكر وضع عملية السلام برمتها تحت تصرف الامم المتحدة، بدل ان نتركها لدويلات تريد من السودان ان يصبح حديقة خلفية لجهلها وسلوكها المنحرف..
وضع عملية السلام بهذه الطريقة تضع الجميع امام مسؤلياته..
لا نمتلك رفاهية في الوقت، او السلام، او التنمية، لننتظر بيانات، ومماحكات انتجت كيانات، وشخصيات هي في حد ذاتها تمثل ازمة..
للذين يتباكون من هذه الخطوة عليهم ان يعلموا ان عملية السلام منذ ان بدأت قبل إنفصال الجنوب، كانت خارج أيّ إرادة وطنية، كانت للأسف عبارة عن عمليات تجارة، ومصالح، وسمسرة، انتجت الواقع السيئ الذي نعيشه الآن..
علينا ان نواجه الحقائق، وبشكل جرئ ..عملية السلام تحتاج إلي قوة حقيقية تدفعها، وتلتزم بتكاليف إستحقاقاتها، لا اظن هناك جهة يمكنها ان تقوم بهذا الدور غير الامم المتحدة، وذلك لأن جميع دول الإقليم اصبح جلياً ان مطامعها، وتقاطعات مصالحها لا تؤهلها لهذا الإستحقاق الذي ينتظره كل الشعب السوداني المغلوب علي امره..
في عدم جدية ايّ طرف من الحكومة إلي كل الحركات المسلحة، واطراف العملية، سيترتب عليه عمل بشكل مباشر من المجتمع الدولي، واعتقد هذا الإتجاه جدير بوضع الاشياء نصابها الصحيح..
تجربة هذه العملية نجحت في العديد من دول العالم كانت تمر بحالة احسن مما نحن فيه..
السودان علي مفترق طرق بين جحيم التقسيم، و لظى الإنهيار التام للدولة السودانية..
اعتقد خطوة حمدوك جاءت لقراءة صحيحة للواقع، حيث الوقت، والزمن ليس كما سبق، في حال فشلت المفاوضات، في السابق يتفرق المتفاوضون حيث اتوا بما كسبوا..
فشل عملية السلام الجارية الآن ستعني الإنهيار وسيذهب الجميع إلي مربع اللا دولة، و التشظي بلا ضابط، او رابط..
اعتقد قراءة المشهد بعيداً عن الاغراض، والهوى مطلوبة لنقف امام حجم الكارثة التي تنتظر الجميع..
اعتقد يمتلك حمدوك الكثير من المعلومات، والحقائق التي جعلته يخطو هذه الخطوة المهمة في إدارة هذه المرحلة..
اعتقد المسألة ليست لها علاقة بموضوع السيادة لا من قريب، او بعيد، سبق وأُتخذت ذات الخطوة في العديد من دول العالم، وكللت بالنجاح..
لو كنا نتحدث عن إرادة حقيقية للسلام، ونخشى علي سيادتنا الوطنية، علينا جميعاً التوافق، والسير في عملية السلام، وإستحقاقاته بشكل جاد، وعملي لننهي هذا العبث، والرهق الذي اصاب الشعب السوداني في امنه، ومعاشه، وصحته، وتعليم ابناءه..
ألم تقرأ رسالة حمدوك للأمين العام للأمم المتحدة برمتها؟ هو لم يطالب فقط الأمم بالإشراف على عملية السلام, بل طالبها بالإشراف على تنفيذ الوثيقة الدستورية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة