:: ومن حكايات الصبا، كان زميلنا سالم مغرماً بهواية كمال الأجسام..وكان مُزعجاً.. يرفع الأزيار المدرسة بمياها، ثم يلاكم السبورة و النوافذ والأبواب ويركل المقاعد..وكنا نصبر على ( هوايته)، لأنه كان محبوباً..وجاءنا ذات يوم - منتشياً - بكتاب (كيف تتعلم الكاراتيه في سبعة أيام بدون معلم؟)، فإبتسمنا.. فالفصل علي موعد مع (الإثارة) ..ثم غاب يوماً وآخر عن المدرسة.. وتفقدناه، ووجدناه مستلقياً على ظهره ورافعاً قدمه اليمنى محشوة في (جبيرة)..(كسرتها يا سالم؟، ياخ ما قلنا ليك بدون معلم ما بينفع)، أوهكذا كانت مواساتنا و.. سخريتنا..!! :: وما كان يفعله سالم في صباه، يفعله البعض الناضج اليوم وهم في مواقع المسؤولية.. ولكنهم يختلفون عن سالم بحيث أن تهورهم وتجاهلهم للعلم والمعلم والقانون لا يؤذيهم فقط ، بل يؤذي الوطن والمواطن أيضاً.. وما أكثرهم .. ولكن على سبيل المثال، نقرأ معاً هذا الإعلان : ( مركز ... للتدريب، دبلوم الصيدلة الوظيفي، دراسة نظرية وعلمية، الكورس الأول دراسة حول الأدوية البشرية والبيطرية، الكورس الثاني دراسة حول تركيب الأدوية، الكورس الثالث تدريب تطبيقي بالصيدلية لمدة 24 ساعة )..!! :: فالإعلان أعلاه لا يستهدف الصيادلة الذين تخرجوا في الجامعات بعد سنوات من التعب و السهر، أو كما يظن البعض.. للأسف لا يستهدف الصيادلة، إذ يخاطب الاعلان بالنص : ( الفرص لكل الخريجين، وحملة الشهادة السودانية، بمساقييها العلمي والأدبي).. ولأن خريج كلية الصيدلة ليس بحاجة إلى كورسات مراكز، تمتلئ فصول المراكز بحملة الشهادة السودانية أو بمن أكملوها بغير نجاح..وبعد ثلاثة أشهر فقط لا غير - وهي فترة تلك الكورسات - يتم تخريجهم، ليتسربوا إلى الصيدليات والمشافي ك ( صيادلة) ..!! :: وربما لتأكيد أن أرخص ما في بلادنا هو الإنسان وحياته وصحته، فان فترة ما يسمى بدبلوم هؤلاء الصيادلة (ثلاثة أشهر)، بيد أن فترة دراسة وتعليم أعمال اللحام والكهرباء والحدادة والتكييف والتبريد في مراكز التدريب المهني والتقني تتراوح ما بين (السنة والسنتين)..وتزعم اعلانات المراكز أن شهادتها كورساتها - أم تلاتة شهور - معترف بها (دولياً).. و يصدقها الدارس ويلتحق بها بمظان أن كل دول العالم كما دولتنا بلا رقابة.. قانون الصيدلة، منذ العام 1939، يمنع أي شخص - غير الصيدلي المسجل قانونياً - عن مزاولة مهنة الصيدلة، بيعاً وتركيباً.. ولكن هذا القانون أمام هؤلاء الدارسين وأصحاب المراكز و المسؤولين مجرد ( ورق ساكت)..!! :: ومن محن الزمن، قبل استقلال بلادنا، وعندما كان عدد الصيادلة لا يتجاوز المائة، كان هذا القانون لا يسمح لأية صيدلية بمزاولة العمل - ولو نصف يوم - بدون الصيدلي المسجل في مجلس الصحة العام آنذاك، وليس مجرد دارس في مركز تدريب..وكانت حكومة الاستعمار تلزم أصحاب الصيدليات بالتعاقد مع صيادلة من بلاد الشام للعمل في صيدليات جوبا وملكال ونمولي وحلفا والجنينة وغيرها، احتراما للقانون ..أما اليوم، بعد نصف قرن من الاستقلال، وتحت ظلال حكومة وطنية، وقد تجاوز عدد الصيادلة في المجلس الطبي (15.000)، نقرأ مثل هذه الإعلانات.. ثم نمر بالصيدليات والمشافي التي بلا صيادلة غير هؤلاء الدارسين في الكورسات ( أُم تلاتة شهور).. !!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة