= داعش والخرطوم… . سيناريوهات الصدام واحتمالات المواجهة !! = الخرطوم / تقرير : الهادي محمد الأمين * شهد منتصف شهر يناير الجاري حدثا كبيرا وتحولا مفاجئا وبشكل غير متوقع في مسار العلاقات السودانية - الأمريكية حيث اعلنت الإدارة الامريكية عن إلغاء العقوبات الامريكية علي السودان وفك الحظر المفروض علي البلاد لعقدين من الزمان واصدر الرئيس الامريكي باراك اوباما قبل نهاية ولايته بأيام قليلة قرارين تنفيذين تم بموجبهما إلغاء العقوبات بشكل جزئي إيذانا بعودة صفاء العلاقات بين الخرطوم وواشنطن في وقت اعتبر فيه كثير من المراقبين لقضية التطبيع بين البلدين ان الخطوة الامريكية تعد بادرة دبلوماسية وسياسية مهمة لها ما بعدها علي كثير من الأصعدة والمستويات غير ان الامر اللافت للانتباه هو التركيز علي ملف التعاون المشترك بين الخرطوم وواشنطن في مجال الامني مكافحة الارهاب وهو امر تمت الاشارة اليه من قبل في اكثر من مناسبة برضاء امريكا عن الدور الحيوي الذي يقوم به السودان في مجال مكافحة الارهاب - رغم ان البلاد لا زالت - ضمن القائمة السوداء وهو محور يتوقع بعض المتابعين إنهاء الجدل حوله بعد فترة ال6 اشهر التي رسمتها واشنطن كمهلة لاختبار مدي جدية الخرطوم في التعاطي مع القضايا العالقة بين البلدين *مهابط أمنية* * فمنذ قيام التغيير العسكري الذي قادته الجبهة الاسلامية القومية وانقلابها علي حكومة الصادق المهدي في 1989و انكشاف هوية الانقلابيين لم تكن واشنطن راضية عن مسلك حكومة الخرطوم نظرا لاستضافتها للمتطرفين والراديكاليين الاسلاميين في اعقاب نهاية مرحلة الجهاد الافغاني وحرب الخليج الثانية وتدفق مجموعات المجاهدين العرب وعلي راسهم زعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن واتباعه المحاربين من جنسيات متعددة حيث وفرت الخرطوم المأوي للقادمين الجدد تحت ما كان يعرف وقتها ب(سياسة الباب المفتوح) التي سمحت لكافة مطاريد الاخوان المسلمين والمطلوبين بالاستقرار في (الخرطوم) ورفع النظام الحاكم شعار (نصرة المستضعفين) وتحدِي المجتمع الدولي ووضعت(الإنقاذ) نفسها في حالة عداء مع عدد من دول الجوار التي اعتبرت ان عملية إيواء المعارضين لها يعد تدخلاً في شئونها الداخلية وتهديداً ًلامنها واخلالاً بمبدأ حسن الجوار خاصة في أعقاب تشكيل كيان اصولي عالمي تحت مظلة ما اطلق عليه وقتها (بالمؤتمر الشعبي العربي والاسلامي ) بقيادة زعيم الاسلاميين الدكتور حسن الترابي وضم هذا الكيان عددا من المنظمات الثورية والجهادية كحركة حماس/ حزب الله اللبناني/ بعض متشددي شيعة طهران وقم وجماعات الجهاد المصرية واخوان تونس وحركات التحرر الفلسطينية مما جعل الخرطوم تواجه واقعا جديدا انتهي بتصنيفها كبلاد داعمة للارهاب (دولة مقر) حيث أعلنت الخارجية الامريكية في عهد الرئيس الاسبق بيل كلينتون في العام 1997 وضع السودان علي لائحة الدول الراعية للارهاب وفرضت الدول الغربية (امريكا والبلدان الاوربية) حصارا اقتصاديا بهدف خنق النظام الحاكم وتوالت العقوبات علي نظام الخرطوم الذي جرّمته الاسرة الدولية ممثلة في (مجلس الامن) عبر إدانات عديدة بجانب شكاوي واردة من بلدان مختلفة مفادها ان النظام بالخرطوم تحول لارض منخفضة وجاذبة للارهابيين وعاش السودان عزلة دولية لم تنته بشكل نهائي إلّا بعد إعلان واشنطن قبل عدة ايام اسقاط الحظر المفروض علي الخرطوم وفق اشتراطات محددة المعالم يأتي في مقدمتها حث الخرطوم علي المضي في طريق مكافحة الارهاب وفرملة ظاهرة التطرف الديني في وقت تكاثرت فيه الأنباء خلال الثلاثة أعوام الماضية عن بروز ظاهرة وجود اعداد كبيرة من الشباب السودانيين يقدروا بالمئات هاجروا من الخرطوم بغرض الانضمام لكتائب داعش في كل من العراق - سوريا وليبيا .. *تحولات في المشهد* * والشاهد ان الخرطوم التي عانت من ويلات الضغوط الدولية الكثيفة حاولت تخفيف وطأة العقوبات المفروضة عليها بانتهاج سياسات خارجية مغايرة لسلوكها المرتبط بمساندة الجماعات الراديكالية بعد وقوع عدد من الاعمال الارهابية مثل مذبحة مسجد انصار السنة المحمدية بضاحية الثورة بأم درمان واسفرت المجزرة عن وقوع قرابة الثلاثين مصليا وجرح ما لا يقل عن العشرين شخصا نفذها محمد عبد الرحمن الخليفي - ليبي الجنسية - ومعاونوه من جماعة التكفير والهجرة السودانية في العام 1994 ثم وقوع حادثة مسجد الجرافة شمالي أم درمان في العام 2000 وراح ضحيتها قرابة ال30 مصليا حصدهم سلاح عباس الباقر عباس - فعدلت الخرطوم من سياساتها بالقيام بخطوات عملية جديدة من بينها طرد اسامة بن لادن واغلاق مكتب حركة (حماس) وتجريد المجاهدين الارتريين من السلاح وحظر نشاطهم العسكري المعارض في عدد من مدن السودان الشرقية بالاضافة للوجود السياسي بالخرطوم وترحيل جهاديين من جنسيات اخري إلي بلدانهم ثم قامت عبر صفقة مشهورة بينها وباريس بتسليم الارهابي كارلوس للمخابرات الفرنسية ثم تجفيف النشاط المصري المعارض خاصة بعد فشل محاولة إغتيال الرئيس المصري الاسبق محمد حسني مبارك في العام 1995 بالعاصمة الاثيوبية اديس ابابا وتوجيه القاهرة أصابع الاتهام للخرطوم بانها كانت تقف خلف حادثة الاغتيال الفاشلة فهذا التحول في سياسة الانقاذ الخارجية نقل نظام الخرطوم من دولة إيواء (مقر للارهاب) الي دولة (ممر) في التصنيف الدولي للبلدان الراعية للارهاب والتطرف الديني - رغم احتفاظها بعلاقات جيدة مع طهران *رسائل تطمينية ولكن* * ورغم هذه التحولات والاختراقات التي احدثتها حكومة الخرطوم نهاية عقد التسعينات إلا ان هذه الخطوات لم تكن محلا للاطمئنان رضاء الدول التي ظلت تكثر من احتجاجها علي الخرطوم في تلاعبها بملف الارهابيين كورقة تستخدم للمناورة لتخويف دول الغرب مما القي بظلال من الشكوك حول صدقية نظام الانقاذ حيال التعامل الجاد في القضاء علي ظاهرة الارهاب الذي تزايدت وتيرته بعد حادثة إغتيال الدبلوماسي الامريكي جون مايكل غرانفيل مطلع العام 2008 في ضاحية الرياض شرقي الخرطوم بسلاح خلية ارهابية تتبع لتنظيم القاعدة فرع مما جعل الخارجية الامريكية وفي كل عام تعمل علي تجديد اسم السودان في اللائحة السوداء وتصنيف قتلة جون غرانفيل الفارين من العدالة كارهابيين دوليين (عالِيِيْ الخُطورة) فيما اتضح لاحقا وصولهم للجنوب الصومالي للانضمام تحت لواء حركة شباب المجاهدين بعد عملية هروبهم الشهيرة من سجن كوبر العتيق بالخرطوم بحري في العام 2011 هذا بجانب انكشاف تشكيلات عسكرية تابعة للسلفية الجهاية كانت تعد العدة لتنفيذ سلسلة اعمال ارهابية تستهدف مقار دبلوماسية ومواقع تتبع للقوات الاجنبية وعرفت هذه التشكيلة بخلية (تفجيرات السلمة) 2007 التي ضبطت بحوذتها في المخبأ كميات من الاسلحة الثقيلة والعثور علي متفجرات وعبوات ناسفة واحزمة ملغومة حيث وضعت السلطات السودانية يدها بالكامل علي (مخطط التفخيخ) ثم القبض علي شبكة اخري اطلق عليها (خلية الدندر) التي كان منسوبوها يتلقون جرعات من التدريب العسكري بحظيرة الدندر بالنيل الازرق تمهيدا لتفويج انفسهم للقتال في الصومال ومالي والعراق قبل ان يتم تكفيك الخلية وتوقيف عناصرها المتطرفة في العام 2012 لتجد الخرطوم نفسها في مواجهة ضغوط اقليمية ودولية للقتال في جبهتين لكي يتم بموجبهما مسح اسمها من اللائحة السوداء بنفض يدها من (طهران) وحسم (ملف الارهاب).. *إيران علي الخط* * ومنذ ما يقرب من عامين عمدت حكومة الخرطوم لمعالجة علاقتها مع ايران التي جاءت خصما علي علاقتها مع منظومة دول الخليج العربي فبدأت بخطوات متدرجة بفك ارتباطها وإنهاء الدور الايراني - الذي وصفته بعض الدول المجاورة - بالمزعج وابدت قلقا متزايدا حول شكل العلاقة بين الخرطوم وطهران : - حظر ومنع جناح معرض الكتاب الايراني الذي كان يقام سنويا ضمن معرض كبير للكتاب بمعرض الخرطوم الدولي للكتاب - اغلاق المركز الثقافي الايراني وطرد الطاقم الذي كان يعمل فيه .. - إنهاء العلاقات الدبلوماسية بين طهران والخرطوم وسحب السودان لسفيره من طهران وطرد السفير الايراني بالخرطوم وبالتالي طي ملف ايران بشكل نهائي وجذري الامر الذي أوجد صديً وارتياحا لدي دول الخليج العربي التي رحبت باجراءات الخرطوم في التعاطي مع الملف الايراني بشكله الإيجابي ثم تطور الامر بشكل مواكب مع التطورات السياسية في شبه الجزيرة العربية واعلان السودان مشاركته بقوات من الجيش السوداني في (رعد الشمال) والعمليات العسكرية التي تقودها السعودية في التحالف العسكري ضد الحوثيبن باليمن فيما لا زالت قضية الارهاب معلقة… *أدوار وأطوار* * وإذا كان احتضان الخرطوم للارهابيين خلال السنوات الماضية جعلها في مواجهة الدول الاوربية وامريكا - علي وجه الخصوص - بجانب بلدان الاقليم ودول الجوار الافريقي فان التصالح الامريكي - السوداني وبداية فتح صفحة جديدة بين الخرطوم وواشنطن وفق مطلوبات جديدة تفرض علي النظام الحاكم التحرك في مسارات جديدة تتعلق بمكافحة الارهاب - طبقا للوصفة الامريكية - فان هذا الواقع الجديد يضع (حصون) الخرطوم في مواجهة مباشرة مع (حصين) داعش خاصة بعد محاولة الخرطوم توضيب علاقاتها من مصر بتشبيك اياديها مع نظام حكم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والاعتراف به في مقابل تبرأة ساحتها من وجود اي ارتباط لها مع حركة الاخوان المسلمين المصرية او إبداء اي تعاطف مع الوضع السابق الذي كان يقف عليه الرئيس السابق محمد مرسي والتخلي عن اخوان مصر وأبدت الخرطوم مرونة كبيرة في التعاون مع دول عديدة لمكافحة الارهاب بتسليم عدد من المطلوبين والمتورطين كما في حالة امينو اقوشي القيادي في بوكو حرام والقي عليه القبض في الخرطوم اغسطس 2015 بعد اصدار الشارة الحمراء واخطار الخرطوم بانه مطلوب ويشتبه بضلوعه في اعمال ارهابية بالعاصمة النيجيرية (ابوجا) وغير التوقيف عبر (الشارة الدولية) تم القبض علي عدد من المشتبهين الدوليين عن طريق مراقبة وتتبع خطوط ومسارات الارهابيين الذين يلجأوون للخرطوم كما لاحقت المخابرات الهندية مشتبها من دولتها كان مقيما بالامارات ومنها انتقل للسودان ويدعي محمد ناصر باكر الذي تم توقيفه بمطار الخرطوم في ديسمبر 2015 بعد تلقي المخابرات السودانية إشارة من الهند تفيد بوصول باكر للخرطوم ومنها كان متوجها الي ليبيا للالتحاق بقوات داعش بسرت معقل التنظيم بليبيا او الارهابي التونسي (معز عبد القادر الفزاني) المشهور ب(ابو نسيم التونسي) الذي تسلمته المخابرات الايطالية من الخرطوم نهاية شهر نوفمبر من العام الماضي نظرا لتورطه في عمليات إرهابية بإيطاليا .. *سيناريوهات واحتمالات* * فهذه النماذج تكشف بجلاء التحول الكبير الذي طرأ علي سياسة نظام الحكم بالخرطوم بغية خطب ود امريكا وارضاء الدول الاوربية بغية تحقيق منجزات ومكاسب جديدة في المستقبل القريب الغرض منها في نهاية المطاف إطالة عمر النظام عبر توليفة تحالف جديد اهم قضية في جدول اعماله السير في طريق مكافحة الارهاب حتي نهاياته (كعربون صداقة) مع الدول الغربية وبطاقة دخول للنادي الامريكي لكنه في المقابل سيواجه العديد من المطبات التي ستأتيه هذه المرّة من جبهة المتطرفين فمن المعروف ان حضور الفصائل الجهادية كالقاعدة وداعش في اي بلاد ملازم ومرتبط بشكل مقابل للحضور الغربي في مستوياته المدنية او شقِّه المسلح علاوة علي ما تردده مجالس الخرطوم ان الدبلوماسية السودانية بصدد إعادة النظر في علاقتها مع تل ابيب وان عملية التطبيع مع إسرائيل كما ان ظهور داعش وصويحباتها من الحركات الجهادية المسلحة في الساحة السودانية - وفقا لهذه المتغيرات - ربما يكون لها رد فعل انتقامي ضد (الحليف الجديد لواشنطن) في حالة اتخاذ استراتيجية عدائية معلنة ضد الارهابيين مثلما يجري في مصر - السعودية - الاردن علي سبيل المثال باعتبار ان التطرف الديني في تلكم الدول يعد مهددا امنيا من الدرجة الاولي وهو امر خلاف الواقع السوداني حيث نجد ان ترتيب الاولويات بالنسبة للحكومة السودانية تتمثل في تحدي المعارضة السياسية والمسلحة ثم تحدي الحركة الشعبية قطاع الشمال وتحالف الجبهة الثورية وقوي نداء السودان فالحرب في مناطق دارفور والنيل الازرق وجنوب كردفان ويتذيل ملف التطرف الديني والارهاب سلم اولويات الحكومة السودانية كآخر بند في جدول أعمالها بيد ان الواقع الجديد يفرض علي الخرطوم جعل مكافحة الارهاب المهمة الاولي والقفز بها نحو قائمة المطلوبات فهذه الظروف وبالكيفية الحالية ربما تفتح العديد من الاحتمالات والسيناريوهات لانتاج ازمات جديدة يكون طرفها هذه المرة داعش التي ربما تجعل الخرطوم (هدفا) لها لو اتجهت الحكومية السودانية بتكوينها الجديد ممثلا في جناحيْ الحركة الإسلامية (المؤتمر الوطني مع المؤتمر الشعبي) لخوض معركة الارهاب (إنابة) او (وكالة) عن امريكا فان الرد - وهو خيار غير مستبعد - سياتي هذه المرة من جهة الجماعات الارهابية والمتطرفة أمّا شكل وطبيعة هذا الرد فمن الصعب التكهن به أو معرفة كيفية توقعه وتحديد طبيعته وابعاده ذلك لانه سيظل سرا مدفونا في بطن داعش… ------- * صحفي سوداني متخصص في شئون الجماعات السلفية والجهادية [email protected]ّ
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة