:: عصياناً كان أو إعتصاماً، فان هذا ليس مهماً..فالمهم أن الحدث كان تمريناً ناجحاً لمباراة قادمة في المستقبل القريب ( جدا)، وأي تحليل للحدث غير هذا يُعد جهلاً بالوقائع أو دفناً للحقائق في رمال الزيف أو المُكابرة.. يوم الأحد كان كما الجمعة والسبت في كل شوارع الخرطوم وأسواقها، وهذا ما لم يحدث إلا في أيام الأعياد ثم المناسبات التي يُعلن عنها مجلس الوزراء فقط .. وأن تخلو شوارع الخرطوم و أسواقها من زحام المارة و السيارة في بداية أسبوع العمل، وبعد عطلتي الجمعة والسبت، وبغير بيان مجلس الوزراء، فان هذا يعنى النجاح بدرجة الإمتياز ..!! :: ومن النجاح أيضاً، مساء السبت، كنا ثلاثة أصدقاء بأحد شوارع بحري عندما قصدنا بعض الشباب ثم مد أحدهم بحزمة أوراق ..فذهب بنا الظن بأنهم شباب إحدى المنظمات أو الجمعيات الخيرية، ولكن تفجأنا بان الأوراق دعوة للعصيان المدني.. ومازحناهم : ( عديل كده يا شباب ؟، يمكن نحن ناس أمن)، فقال أحدهم بثقة : ( ما فارقة معانا، اعتصموا وكلموا ناسكم برضو).. بعد أن غادروا إتفقنا بأن مثل هذه الأحداث تكسر (حاجز الخوف).. وصدقاً، فان جيلاً عارفاً بالحقوق قد بداً يفرض ذاته على الجميع بشجاعة، وهم بأعمار الذين وزعوا تلك الدعوة، وأهم ما يميز هذا الجيل ( ما فارقة معاهم)..!! :: ثم إعلامياً، نجح الحدث في السيطرة على أقوى وسائل الإعلام ..وهي ليست وكالات الأنباء و الفضائيات والإذاعات والصحف والمواقع الإلكترونية وغيرها، بل هي وسيلة (الإعلام الشعبي)، بحيث لم - ولن - تكون لهذه الوسيلة حدثاً غير هذا الحدث .. إذ كان في مجتمع الخرطوم من لم يستجب لدعوة الإعتصام، ولكن تأثر بصدى الدعوة ثم إستجاب مكرهاً بمنع الأبناء عن الذهاب إلى المدرسة خوفاً عليهم.. وهناك من لم يقتنع بالدعوة، ولكن تأثر بصدى الدعوة و آثر البقاء في داره خوفاً على سيارته ..وهكذا.. بالإستجابة والمخاوف نجح الحدث في السيطرة على عقل الشعب لحد الرسوخ ..!! :: ثم تفاجأت الحكومة بحجم (حزبها)، وكذلك بكذب تقارير الإحصائيات والإستفتاءات التي ظلت تُجمل كل باطل وتضخم الأقزام وتحجب الحقائق .. فالشوارع والأسواق التي بدت كالمهجورة في بداية أيام العمل كشفت بأن شعبية الحكومة ليست هي الشعبية المرفوعة (إعلاماً)، ولا عضوية حزبها الحاكم هي العضوية المضخمة (شعاراً)، وكذلك أكد تأثير الحدث بأن الشوارع لا تهلل وتكبر وتصفق كما البرلمان، أو كما كان يزعم الإعلام الرسمي .. وبالمناسبة، طوال أيام الفائتة، لم تخرج تلك الوجوه المألوفة والألسنة الشهيرة إلى وسائل الإعلام لنفي الحدث وتأثيره على الشارع العام .. لقد سكتوا، ولم يسكتهم غير التأثير غير القابل للنفي ..!! :: والدرس الأكبر هو أن الجيل الصانع لهذا الحدث لم يعد ينتظر حزباً أو حركة أو صحافة ليكون (تابعاً وإمعة)، كما الأجيال السابقة، بل هو متمرد على طريقته الخاصة والفريدة .. وهذا التمرد المتفرد هو ما يطمئن مستقبل البلاد بان التغيير - بالحرب أو بالسلم - ليس محض تغيير شخوص بشخوص ولا تغيير أحزاب بأحزاب، بل هو تغيير مفاهيم بالية ومعان كاذبة بأخرى حديثة وصادقة، ومنها تغيير معنى (القيادة الجماعية)، بحيث لم يعد شعاراً يستخدمه حكم الفرد و سلطة حزب.. وكثيرة هي رسائل التمرين.. ليبقى السؤال المهم، هل وصلت لمن يهمهم الأمر بحيث يكون الرد إيجابياً وعاجلاً لما فيهما خير الناس والبلد، أم لن تصل إلأ ( ضحى المبارة)..؟؟
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة