قبل نحو عامين وصل الوفد المصري إلى حافة جبل البركل.. الوفد يتكوَّن من نحو أربعين نجماً جاءوا للمشاركة في مهرجان البركل السياحي.. بعد السلام والتحية والكلام الجميل انتبه القائمون على البرنامج أن كل الفنادق، أو النزل السياحية بالأحرى، قد امتلأت بالضيوف.. إيجاد مقر إقامة مناسب كان أمراً في غاية الصعوبة.. دعك من ضيفونا الأجانب.. أهل البلد الذين تكبَّدوا مشاق السفر لزيارة أجدادهم لم يجدوا مكاناً لقضاء الحاجة إلا فوق رؤوس أولئك الأموات. أمس الأول دعا المهندس عبد الله مسار رئيس اللجنة الزراعية لاغتنام فرصة غياب مصر من سوق الفواكه والخضروات لإغراق السوق العالمي بالمنتجات السودانية.. في البداية الحديث يفيض بعدم اللباقة السياسية ويحتشد بروح الشماتة على شقيق أصيب بابتلاء نسأل الله أن يرفعه في أجل قريب.. لكن هل كان السودان في حاجة لانسحاب مصر حتى تصل منتجاته لأطراف الدنيا.. الحقيقة المرة أن بلدنا بالكاد حقق الاكتفاء الذاتي من الموز بعد أن لامس سعر الكيلو عشرة جنيهات.. ما نزرعه من قمح تكلفة إنتاجه أعلى من الذي يستورد من سهول سيبيريا أو براري كندا.. معظم المنتجات التي تخصّصت في تصديرها مصر مناخنا لا يساعد في إنتاجها بشكل يستجيب لقواعد المنافسة العالمية.. أسواق العالم بإمكانها أن تستوعب كل إنتاج مصر والسودان وإفريقيا جنوب الصحراء. هنالك ملف مهم يمكن لمصر والسودان أن يعملا فيه ويحقق المنفعة للبلدين.. السياحة إن تم النظر إليها بأفق استراتيجي يمكن أن تكون أضخم مشروع مشترك في البلدين.. هنا تتكامل مقومات البلدين.. في مصر مناخ بارد جداً في الشتاء فيما هو معتدل في السودان.. في مصر البنية التحتية السياحية فيما السودان ذاخر بالتنوع الطبيعي الذي يجذب قطاعاً واسعاً من عشاق الطبيعة. المطلوب الاستفادة من التكامل في الخارطة السياحية بين البلدين.. من السهل الترويج لفكرة زيارة بلدين بتذكرة سفر واحدة.. الآن السياح الأجانب يقفون عند بوابات السودان الجنوبية دون أن تتاح لهم حرية العبور.. ليس من باب "الحسادة المصرية" ولكن لأننا لم نعمل من أجل تسهيل انسياب السياحة.. مازالت هنالك إجراءات بيروقراطية في الحصول على تأشيرة الدخول لبلدنا رغم جهود الشيخ أبوزيد في وزارة السياحة.. كل سائح هو مشروع جاسوس حتى تثبت براءته.. لا توجد فنادق أو استراحات على الطريق البري الجديد بين البلدين.. التعريف بإمكانيات السودان السياحية يحتاج لمزيد من الجهد.. لو لا زيارة الشيخة موزا لظلت هذه الموارد السياحية غارقة في رمال الصحراء. في تقديري كما في مصر متشددون قصيرو النظر في رؤيتهم للسودان لدينا ذات الصنف البشري.. بإمكان اقتصاد مصر أن يتعامل مع السودان في عدد من المجالات.. يمكن الاتكاء على ملف السياحة.. البداية تكون بإطلاق شراكات على مستوى القطاع الخاص بين شركات مصرية وأخرى سودانية.. للمصريين خبرة طويلة في استقطاب السياحة.. السوق السوداني واعد في هذا المجال.. بل يمكن للسياحة أن تكون رافداً مهماً لتغذية الاقتصاد السوداني المتعطش للنقد الأجنبي دون أن ينقص ذلك من حصة مصر.. الترويج السليم للفكرة بعيداً عن الحماس الطفولي حول أهراماتنا وأهراماتكم يعبد له الطريق من يفكرون بعمق ويتمتعون بالرؤية العابرة للظروف المحلية. بصراحة.. مطلوب من وزارتي السياحة في السودان ومصر طرح هذه الفكرة للدراسة بعيداً عن العواطف.. المسار الصحيح في علاقات صحية ومستقرة تقوم على تعظيم المصالح المشتركة بين بلاد الدنيا.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة