تعجبني جداً حالة الصمت واللا مبالاة التي خيَّمت على الوسط الصحفي والإعلامي على العموم عقب إعلان جوائز مجلس الصحافة للتفوُّق الصحفي (برعاية جهاز الأمن ) ، فقد صمت البعض ولم يُعلِّق سلباً أو إيجاباً حتى لا يُحسب عند بعض المتسرعين (حاقداً) أو حاسداً على من حُظي بالفوز أو التكريم وذلك في حد ذاته نوع من الأدب ويدخل في زمرة الأخلاق الحميدة ، والبعض الآخر آثر الصمت من باب (عدم الرجاء) والأمل من حيث المبدأ في إستتباب روح العدالة والموضوعية والحياد في كل أو معظم المسابقات والتقييمات التي تقف من ورائها دولة (التمكين) عبر مؤسساتها الرسمية وشبه الرسمية ، وللحقيقة فإن ما يتم سرده في هذا المقال من أفكار لا ينفي حق الكثيرين وإستحقاقهم لما نالوا من جوائز وتكريمات خاصة بالفعالية المذكورة ، لكن في المقام نفسه لا أُنكر ولا أُخفي ولا أجزع من الإقرار بأن بعضهم لا يستحق وإن كان ذو عطاء ، لأن في الساحة من هم أكثر عطاءاً وإبداعاً وإستحقاقاً ، وعلى جميع (المستغربين) و(المشدوهين) من نتيجة ذلك التقييم أن يعلموا أن المعايير التي تُمثِّل مبدءاً للحكم والعدالة إستهدافاً لتصنيف الناس أو الثروات أو الأشياء على عمومها ، تحتاج بدايةً للحِياد (العام) للدولة كراعية إستراتيجية للأعمال التي تستوجب إجراءاتها النزاهة والحِيادية ، ودولة الإنقاذ منذ أمدٍ ليس بالقريب قد جعلت من (التمكين) السياسي (مؤشراً) إستراتيجياً وجوهرياً في تصنيف (مقامات) و(عطاءات) و(أرزاق) الناس ، فوُئدت الحِيادية منذ عشرات السنين في مهد الخدمة المدنية بقانون الصالح العام الذي شرَّد الآلاف ودفعهم لمواجهة ظلامات الحياة بلا دليلٍ ولا وجيع ، وطُعنت العدالة والمساواة في مقتل عبر خطيئة (الكيل بمكيالين) وطلب الخضوع الفكري والسياسي من (الناشذين) كشرط أساسي للوفاء بحقهم في أن يُعاملوا برفقٍ في ما يُنتجون من فكرٍ وإبداع ولا يُحاربوا في ذلك بوضح النهار أو خلف سِتار ، وساد هذا المبدأ حتى أصبح (معياراً) مُعتمداً في حركة توزيع العمل والحصول على الوظائف في دواوين الدولة وكذلك في القطاع الخاص (الذي أصبح جبراً الجناح غير الرسمي للدولة ) وذلك أيضاً عبر (التمكين) الإقتصادي الذي لا يخفى على عين مراقب في دولة الإنقاذ الآحادية الرؤية والمصلحة ، ولما أصبحت ثمرة سياسة التمكين السياسي في الخدمة المدنية هي مجرد دمار وخراب لمستويات الأداء الإداري والفني للمشاريع والمؤسسات الحكومية مما أدى إلى إنهيارها وفنائها بسبب سوء التخطيط الناتج عن عدم الخبرة أو بسبب الفساد الذي أصبح معظمه مفضوحاً وموثَّقاً في دفاتر ديوان المراجع العام وأدراج المحاكم العدلية ، فإن ما يمكن أن يحدث من كوارث على مستوى الإنتاج الفكري والإبداعي والثقافي سيكون كذلك على نفس النسق والسيناريو الذي وقعت بين براثنه الخدمة المدنية ومؤسسات الدولة ، بالله ماذا عليكم إن نأيتم بالإنتاج الفكري والثقافي والإبداعي عن مستنقع الولاءات السياسية ومهازل المطبلين للسلطة من أدعياء الفكر والثقافة ، دعوا هذا العصر وجيله على الأقل يُعبِّر تعبيراً حقيقياً وغير موَّجه ولا (مقهور) عن مدلولاته المعاصرة والحيَّة والحقيقية من خلال التقييم الحقيقي والصحيح لمفكريه ومُثقفيه ومُبدعيه ، إطلقوا يا هؤلاء سراح الفكر والأدب والصحافة والفنون لأن معظم مُنتجيها (الحقيقيين) ببساطة هم أكثر الزاهدين في أمر السلطة والجاه والثراء المادي .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة