تنفست الخرطوم الصعداء، باختيار الرئيس البشير نائبه بكري حسن صالح، لمنصب رئيس الوزراء. الاختيار يخص النظام، لكنه أثار كوامن الطرب عند كثيرين، لان البدائل المتلاوِحة، كانت تتوعد الناس، أن يأتيهم طائف من الشعبي أو من القُبة أو من الضريح، أو من متاريس التنظيم الدولي. ولما كان البديل من صف العسكر، فإن الضبط و الربط، هو أرقى الفنون في زمان المنعطفات التاريخية للشعوب. الآن انفض سامر المتطلعين نحو المنصب، وبقى السؤال المِفصلي: هل يستطيع الفريق بكري إصلاح دولة تعمّدت جماعته هدمها؟ فالإنقاذ بعنوان برنامجه، تعترف بالخراب الذي أحدثته العصبة. ولكن السودان دولة قوية العظم، بدليل أن تنظيمهم استباح البلد، وبقي البلد صامداً، حتى الآن بينما سقطت دول. بينما وقع الجنيه المصري على أنفه، بعد سنة واحدة من حكم الأخوان، في حين أن عملتنا تدحرجت في تدهورها هذا، على مدى ثلاثة عقود. سنة اخوانية واحدة جابت خبر المصريين، وثلاثين سنة في سودان الشقا، والسمندل ما زال يغني..! هل يشفع هذا للفريق بكري ليصلح الخراب بمفرده؟ لم ينته زمان المعجزات، لكن مسار الإصلاح يعتوره الآتي: إن حزب سعادة الفريق يُضمر فقه السترة، الذي يعني في منتهاه: (لا تنبش الماضي، فالحصل حصل، وعليك أن تنساه..أنسى الحصل، و شوف الجديد)! ولما كان الحزب خائضاً في ما جرى، فإنه كأداة سلطة ميكانيكية، فإن اغلبيته البرلمانية (تلك)، ستهزم فكرة الإصلاح، لتدفع سعادة الفريق إلى تجريب أساليب التنظيم في استعادة المال العام، حتى يضطلع بفقه (التحلل)، أو كما هو طبع السودانيون، فـ (المال تلتو ولا كتلتو )! فضلا عن أن المتحلل بسخاء، أو بشُح الجبهجية، فهو في النهاية يعترف ويستعيد، بأبيض ضميرك، بعضاً مما أخذ. هذا هو المناخ الصعب، الذي يعمل فيه حارسنا وفارسنا..هذا المناخ يتطلب المُباصرة، حتى لا يجد سعادة الفريق نفسه، في مواجهة مع تمكينٍ تمكّنَ بشكل يفوق الوصف.! إننا نربأ بحارسنا وفارسنا، أن يدخل في ملاواة واضحة معهم، إن لم تتوفر لديه امكانيات مُقدَّرة، لأن مطمع هؤلاء، أن يتورط في معركة يختارون هم توقيتها! لو أنه دلف إلى هدفه - إصلاح الدولة - دون إعلان لذلك، لكان أصوب.. فالغموض كانَ يمكن أن جزاءاً وِفاقا، خاصة إذا كانت طائفة المخلوعين، تترصّد فرص العودة إلى مكامنها. لن يستطيع الفريق إصلاح الانقاذ كلها،إن كان هو جزء ولا يتجزأ منها، فضلاً عن أنه أحد آباءها المؤسسين.. من الناحية الفكرية، فهو يحتاج إلى رؤية من خارج الصندوق، من خارج إطار النظام، الذي هو عجين مفاهيم للإسلام السياسي، مخلوطاً بميكانيزم العسكر، في إدارة الدولة. الظروف المحيطة برئيس وزراءنا، اقليميا ودولياً، لا تساعد في تقديم عون فعال على المستوى الإقتصادي..جُل ما يمكن أن تذهب إليه المساعدات يمضي لحلحلة مصاعب آنية.. إن روتين الدولة - قوانينها وتشريعاتها - تشكل هواجس طاردة للمستثمرين، بما في ذلك رأس المال السوداني نفسه.. لن يتمكن سعادة الفريق من اقتلاع منظومة الفساد إلا بحرب علنية، حاسمة ومباشرة، يشهد عليها القاصي والداني، فإنه فسادٌ لن يرتدع بقرار فوقي.. إنّه فساد قادر على أن يُفسد عناصر المقاومة ضده..إذا ذهبنا مذهب المتشائمين، فان فساد الأخوان غير قابل للإصلاح، لأنه استوطن مفاصل الدولة.. مفاصلاً كانت تقوم على الزراعة، فهل يستطيع سعادة الفريق إصلاح مشروع الجزيرة؟ مفاصلاً كانت تربطها خطوط السكة حديد، فهل يتجرأ الفريق على استعادة ألق ورش العمال في عطبرة؟ مفاصلاً كانت ترتكز على خدمة مدنية فاعِلة، لكنّها تسيّست، ورجالها المصلحون، أما فَاتوا وأما مَاتوا. لو توفرت الإرادة، هل يأمن سعادة الفريق شرورهم؟ هل يسعفه الوقت؟ تأسيساً على ما سبق، فأن سعادته، سيحُكم.. لا أقول فقط، لكنه، سيحكُم..! akhirlahza
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة