ثلاث كلمات سترد تباعاً في التعليق على واقعة رفع الدعم في سبتمبر 2013 بمثابة خلفية تستحق الاعتبار في مناقشة رفع الدعم . . . تاني. أخشى أن تنتهي سياسة رفع الدعم عن المحروقات الوشيكة إلى معركة لاستخراج الهواء الساخن بين طرف الحكومة وطرف المعارضة. ثم تخمد كما خمدت سابقاتها وأطرافها أشد نكالاً واحدهما بالآخر عن ذي قبل. أنا محصن (أو معصوم) من الظن الحسن بالإنقاذ وسبق لي القول بأنني تعاملت معها منذ مطلعها كحقيقة من حقائق القوة والسياسة لا مهرب من التعاطي معها لمعارضة راشدة متفائلة. ولذا نظرت إلى مسعى وزير المالية ومدير البنك المركزي إلى زعامات الأحزاب كتنزل كبير من الحكومة من سابق عادتها في تصعير الخد. وليس من علائم الذكاء والطهر السياسي وصفها بأنها "غش" ومحاولة لإرباك المعارضة وتوريطها في خطوة ضرائبية آثمة. وهي كذلك بالفعل كما كل تكتيك بين خصوم في العمل السياسي. ولكني فوجئت باستجابة المعارضة لها. فهناك من عدها رجساً من عمل الإنقاذ ورفض لقاء الوزير وصاحبه إذا هما في محنة الدعم. كما رأيت من قابلاهما خلواً من الحيلة. فحذرهما السيد الصادق من مغبة الخطوة وأعاد عليهما البدائل المطروقة (إنفاق حكومي، وسلام مع حاملي السلاح والجنوب) وقال إنه سينقل رأيهما لحزبه. أما السيد الختم فقد وجه بعد اللقاء بهما لتكوين لجنة حزبية لدراسة البدائل. وهو جس بعد ذبح. كنت أعتقد أن تكون مناسبة الزيارة التي بادرت بها الحكومة باباً لفتح مناقشة وطنية عامة حول سبل الخروج من نفق الأزمة الاقتصادية. وانتظرت أن توسع الأحزاب من دائرة التداول في هذه الأزمة في أوساط عضويتها وعامة الناس ليتخلق وعي بها يتجاوز مجرد تذنيب الإنقاذ إلى قناعة حقة بأن بوسعنا تخطي المصيبة الملمة بالإنقاذ حاكمة إذا تواثقت معنا أو بدونها. وبدا لي أن سقف المعارضة خلال المحنة لم يتجاوز التنديد بالإنقاذ. فبيان الحزب الشيوعي واضح في أن حل الأزمة الاقتصادية قرين بإزالة الإنقاذ. وهذا تضييق للواسع من حزب ربما كان أفضل الأحزاب تعاطياً مع حقائق الاقتصاد. وبدا لي أن المعارضة لم تتوافر بعد على بدائل للأزمة إلا في العموميات المعروفة. فالإمام دعا إلى مؤتمر اقتصادي لتشخيص الأزمة ووضع البدائل. وهذا المؤتمر أيضاً ما تبشر قوى الاجماع الوطني بانعقاده متى سقط النظام وكأن سقوطه مما يقع "غُمتي" لا تزين النضال من أجله همة فكرية للبدائل على كل الجبهات. قرأت رأياً عارضاً لأحدهم أن الحكومة أسفرت عن ذكاء سياسي في الترويج لرفع الدعم أفضل مما فعلت المعارضة في شجبه. وتوقفت عند مؤتمر وزير المالية الصحفي الأخير كمفردة في هذا الذكاء أو التضليل. فقد توزع الأدوار مع وكيل وزارة المالية ووزير الزراعة ومدير البنك المركزي لا للضرب على وتر أن رفع الدعم عن المحروقات هو الحل فحسب بل ليبشر بأيام السعد القادمات من بعده. فكان هو ضارب الدلوكة والآخرون من "يخلفون الشتم". ولم أرد بوصف المؤتمر بالذكاء من حيث مادته بل من حيث إجراءاته. فليس من الذكاء بالطبع قول الوزير إن أعضاء من المجلس الوطني عادوا مقتنعين برفع الدعم بعد زيارة للبنان وجدوا فيها سعر جالون البنزين 50 جنيهاً سودانياً. فهذه مقارنة متعسفة عرجاء. ولكنها نهج سائد في المحاججة الصفوية كثيراً ما اضطرت له حتى المعارضة لتسجيل نقاط على الحكومة. كما لم أرد للمتعافي أن يرسم بريشته صورة وردية للزراعة في عامنا القادم بمثابة "افيون للشعب" لينسي قبح رفع الدعم حتى أثنى عليه مدير المركزي بقوله إنه سيصنع ثورة في القطاع المطري. كما لم أفهم بيع مدير المركزي لنا "سلة الغذاء العربي" مرة ثانية أو ثالثة. كما أزعجني تهديده لنا إما سددنا الفجوة بين إيرادات الدولة ومصروفاتها أو صباحنا أصبح بينما يؤكد وكيل الوزارة بأن الصرف على السلع والخدمات وتسيير الوزارات (المتهم بالتفاقم والمساهمة في هذه الفجوة) يتم بالحد الأدنى. ولماذا يرهبنا المدير بالفجوة التي هي حصاد يده ويد غيره المر في إدارة الاقتصاد الوطني. المصيبة التي نحن فيها سياسية قبل أن تكون اقتصادية. وتعترف الحكومة بذلك بشق الأنفس في حين ينتهز بعض المعارضين هذا التشخيص للسير بخطهم في إزالة الإنقاذ حتى النهاية. ولكن علينا ألا نستبعد اختراقاً للمصيبة متى انتزعنا أنفسنا من الثوابت إلى أرض وسطى فيها رأفة بغمار الناس. ولن نصطنع هذه المنطقة ب"الكمال عمرية" المعارضة. هذه مهمة لمهنيين وحركات اجتماعية على درجة قصوى من الحس بالخدمة لشعبهم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة