لوكان مساعد الرئيس المهندس إبراهيم محمود قد قال لنا ما كشف عنه أمس الأول خلال اجتماعه التنويري لقيادات الأحزاب السياسية حول القرارات الاقتصادية الأخيرة قبل أن نكتب معلقين على تلك القرارات أو لو كان قد قال ما قال خلال جلسات المؤتمر العام للحوار الوطني لربما كان شكل مقالنا الذي كتبناه أول الأمر مختلفا بعض الشيء. أقول هذا معاتباً بل مغاضباً إن الحوار الوطني تضمن معالجات للأزمة الاقتصادية صدرت في شكل مخرجات تداول حولها المؤتمرون فبأي حق أيها المؤتمر الوطني يتم تجاوز من اصطحبتهم معك في ذلك الحوار المتطاول وسعدت بهم واحتفيت بانخراطهم ثم ما أن منحوك مشاركتهم الإيجابية ووقعوا معك الوثيقة الوطنية وصاغوا معك المخرجات الاقتصادية حتى أدرت لهم ظهرك ومضيت إلى إعمال مشرطك في (جراحة بدون بنج) في جسد المواطنين أصدرت من خلالها قرارات اقتصادية مؤلمة وضعت البلاد كلها في كف عفريت أو كادت؟. لن نتردد لحظة في الصدع برأينا حتى لو كان فيه تراجع عن موقف اتخذناه في وقت سابق تبيّن لنا لاحقاً عواره وخطأه وبالرغم من أننا لسنا من الطبقة المسحوقة من الفقراء والمساكين فإننا نتفهم تماماً المنطق الذي ينحاز إلى تلك الفئة دون غيرها من الفئات المترفة ولا يستطيع كائن من كان أن يجادل من يسأله عن السبب الذي يجعل الدولة تنفق المليارات في دعم الأثرياء الذين بمقدورهم صرف الملايين شهرياً على مكيفات الهواء التي تمتلئ بها فللهم وبناياتهم الفخمة بينما لا يجد المعدمون في كثير من القرى في شتى أرجاء السودان "المراوح" بسبب عدم تمتعهم بخدمات الكهرباء ؟! أي الفئتين بربكم أولى بدعم الدولة الفقراء والمساكين أم الأثرياء المترفين؟ عندما قالت وزارة الكهرباء إن أحياء الخرطوم شرق (المنشية والرياض) تصرف من الكهرباء أكثر مما تصرف كل ولايات شرق السودان أسقط في يدي وشعرت بضعف حجتي حين احتججت على زيادة سعر الكهرباء لمن يتجاوز صرفهم (600) كيلو واط ساعة. ذلك فقه الفاروق عمر بن الخطاب وهو يزأر (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لأخذت فضول أموال أغنيائهم ورددتها على فقرائهم) وهو ذات المنطق الذي قام عليه فقه الزكاة. ذات المنطق كان من الممكن أن يسري على زيادة أسعار الوقود لولا أنه لا مقارنة بين الوقود وبين الكهرباء ، ذلك أن ارتفاع سعر الوقود يؤثر على حياة كل الناس أغنيائهم وفقرائهم فما من سلعة تنتقل من مكان إلى آخر ، قرب أو بعد ، تستغني عن الوقود الذي بات إكسيراً للحياة . على أن أسوأ ما في حزمة القرارات الاقتصادية أنها جاءت دفعة واحدة وإذا كان قرار رفع الدعم عن الوقود في سبتمبر 2013 قد أحدث كل ذلك الاضطراب والاحتقان السياسي الذي راح ضحيته عشرات الناس فكيف بقرار طال كل شيء تقريباً بما في ذلك الدواء والجمارك والضرائب ولم يراع مناخ الحوار الذي منح الناس شيئاً من التفاؤل كما لم يراع التدرج المطلوب في بلاد تعاني أصلاً من الحرب في بعض أطرافها ومن الفقر وتدني مستوى معيشة قطاعات كبيرة من الناس ومن الاحتقان السياسي والأمني؟. عجبت للعجلة التي صدرت بها القرارات ولذلك أشعر بشيء من التشاؤم أن الأمر لم ينضج بالصورة المطلوبة فها هو الدولار يتجاوز السعر المحرر من اول لحظة مما يهدد بفشل الترتيبات المتخذة ما لم تشكل غرفة عمليات من الخبراء تتخذ قرارات تصحيحية فورية أولاً بأول. القطاع الخاص الذي يعتبر الرافعة الأولى للاقتصاد والذي يقود النهضة في كل العالم هو الذي سيكون الأكثر تأثراً وتضرراً فإذا كانت الحكومة قد أفرحت عمال وموظفي القطاع العام فإن هؤلاء لا يشكلون أكثر من سبعة في المائة من السكان فكيف ببقية الشعب الذي سيعاني من ارتفاع الأسعار التي ألهبتها القرارات الأخيرة وكيف برجال الأعمال الذين سيعانون من ارتفاع الكهرباء والوقود والجمارك والضرائب وما هو أثر ذلك على الإنتاج الصناعي والزراعي وعلى مناخ الاستثمار ؟. لن أفهم أن تتحدث الحكومة عن خفض استهلاكها بنسبة (10) % بينما ترفع رسوم الجمارك وتحرر أسعار الوقود والكهرباء وتلقي العبء على المواطنين بنسبة تتجاوز أحياناً المائة في المائة، فليقنعني أحد مثلاً بأن زيادة عدد الولايات قد نتج عنه خير للبلاد في شكل زيادة في الإنتاج جراء ذلك القرار .. ليس هذا وقت الحديث عن الحكم الفيدرالي الذي ظللت أقول إنه أحد أكبر أخطاء الإنقاذ فقد أرهق الخزانة العامة وفتّت الوحدة الوطنية وزاد من تعميق الولاءات الصغيرة على حساب الولاء الوطني العام ولكن أليس من الممكن أن نقلص مثلاً عدد المحليات في كل ولاية إذا لم يكن من الممكن إلغاء الحكم الفيدرالي والرجوع إلى الأقاليم الستة القديمة؟ هناك معالجات كثيرة يمكن أن تقلص الصرف الحكومي لو توافرت الإرادة السياسية. assayha
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة