ستة أيام قضيتها بالعاصمة الألمانية برلين، ضمن رفقة طيبة، في رحلة هَدَفت للتعرف على التجربة الألمانية في الشفافية ومُكافحة الفساد: المُؤسّسات والقوانين والمُمارسة العملية. نظّمت الرحلة وتكفلت بتكاليفها منظمة فريدريش آيبيرت الألمانية التي تعمل بالسودان منذ أربعين عاماً، وسنعود للحديث عنها لاحقاً. ضمّت الرفقة مُمثلين لكل الجهات ذات الصلة بعملية الشفافية ومُكافحة الفساد من كل القطاعات الحكومية والعدليّة والمجتمع المدني والإعلام، الدكتور مُحمّد الحافظ نصر نائب المراجع العام، السيدة إحسان حسين بابكر من ديوان المظالم، المستشار هشام عطا الله من نيابة الأموال العامة، ومولانا مُحمّد الحاج فضل قاضي محكمة الاستئناف، والواثق البرير مدير المركز القومي للسلام والتنمية، وشخصي من الإعلام. كل هذه الجهات ليست فقط ذات صلة بموضوع الشفافية ومُكافحة الفساد بالسودان، بل أكثرها له صلة ببرامج طَويلة المَدى تُنفِّذها فريدريش آيبيرت مع شراكات وطنية في هذا المجال. ومن بين الجهات التي تَعمل مع فريدريش أيضاً كلية القانون بجامعة الخرطوم التي غابت مُمثلتها لظرف طارئ عن الرحلة. كما سبقنا إلى برلين مدير مكتب المؤسسة بالسودان آكسيل بلاشكة، ورافقنا خلال كل تلك الجولات. أقمنا بفندق هوتيل برلين القريب من رئاسة منظمة فريدريش آيبيرت، وكنّا نَسير إليها مشياً على الأقدام، وتوزّعت البرامج الضاغطة بين مقر المنظمة، وبين وزارات ومُؤسّسات متفرقة، ساعدتنا على التجوال بالمدينة والتعرُّف على معالمها، ولولا ذلك كنا عُدنا من برلين دون التعرُّف عليها. تسرّعت قبل السفر بالقول إني زرت برلين من قبل ثلاث مرات، بالإصافة إلى زيارة لبون، العاصمة القديمة، فتعامل معي زملاء الرحلة كخبير، ثم اكتشفوا بعد ذلك أنّ خبرتي لا تتعدى الفندق وقاعات المُحاضرات وورش العمل، فكل الزيارات السابقة كانت شبيهة بهذه الرحلة، أيام عمل ضاغطة لا تسمح بالتجوال، ثم السفر عقب انتهاء العمل مُباشرةً. كانت بداية العمل التعرف بمؤسسة فريدريش آيبيرت، قدمته اليزابيث براونة من قسم أفريقيا بالمؤسسة، وَهو مَا سَنعود له في ختام عرض الرحلة، ثُمّ مدخل للنظام الفيدرالي الألماني قدمه ينس هيزبيغ الباحث بجامعة برلين الحرة. لم تكن هذه مجرد عملية تعريفية لسواح قادمين من الخارج، لكنها تمهيدٌ لا بد منه للتعرف على المؤسسات العاملة في مجال مكافحة الفساد على المُستويين الاتحادي وعلى مُستوى الولايات. النظام الفيدرالي الألماني يبدو مُعقّداً جداً للناظر إليه من الخارج، لكنه وليد تجربة تاريخية تراكمية طويلة، ولم يتخلَ عنه الألمان، إلاّ فترة قصيرة قبل الحرب العالمية الثانية، ثم عادوا إليه بعد ذلك. وتنقسم البلاد لـ 16 ولاية، خمس منها ضمّت بعد توحيد ألمانيا، ولكل ولاية حكومة وبرلمان، بجانب البرلمان الاتحادي "بوندستاغ" ومجلس الولايات. وينظم الدستور التعاون بين النظاميْن الاتحادي وحكومات الولايات، ويُحدِّد الفصل بين السلطات بشكل عمودي - أفقي، ويعطي للولايات اختصاصات حصرية لا تتدخّل فيها الحكومة المَركزية، مثل التعليم بكل مُستوياته، والثقافة والإعلام، الأمن والشرطة، وتتبنى ألمانيا نظاماً لا شبيه له في التكافل المالي بين الولايات، حيث تدفع الولايات الغنية نسبة من دخلها للولايات الفقيرة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة