أثار لي مقال الدكتور محمد عبد الله الريح عن كدايس بورتسودان ما اختزلته الذاكرة والوجدان عن هذه المخلوقات الجميلة، فأنا أحب هذه الحيوانات اللطيفة وأنا مدين لكديس أنقذني في طفولتي من عقرب غدارة فتاكة قبل أن تنال مني في ظلام التكل ( المطبخ ) قبل أن أشعل الفانوس في ذلك الزمن الذي لم تكن فيه الكهربآء قد أدخلت الي البيوت ، وانقض عليها الكديس وقتلها ، والكديس حيوان نظيف يمكن أن نقول عنه أنه عنوان للنظافة ، ألست تراه أكثر الوقت ينظف فرآءه بلسانه ؟ كما أنه ينظف المنزل من الفئران وهوام حشرات الليل ، وحتي الصحابي الجليل أبو هريرة غلب علي أسمه كنيته بأبي هريرة وأحسب أنه كان له هر ملازم له ، ولنعد لحديث الكدابس وبالذات كدايس بورسودان والتي يقال عنها أنها تتكلم ، فأن لي تجارب شخصية عن الكدايس ، ففي خمسينات القرن الماضي كانت جامعة الخرطوم تعد في كل صيف معسكرا" ثقافيا" لغير طلابها في منتجع أركويت بفندقه المتميز والذي كان مقصدا" للحاكم العام الأنجليزي قبل الأستقلال وذلك لارتفاع أركويت وطيب هوائها ، وكانت الجامعة تطرح في كل عام موضوعا" ذا أهمية عالمية وتزود المشتركين بالكتب والمراجع ، وكان الأشتراك متاحا" لجميع الفئات ورسم الأشتراك للفرد ثلاثين جنيها"شاملة للأقامة والوجبات والترحيل ويستغرق المعسكر أو المؤتمر أسبوعين ، واشتركت في المعسكر الثقافي الذي أنعقد في الخمسينات من القرن العشرين برئاسة الكتور حسن ابراهيم الأستاذ بالجامعة وكان عدد المشتركين نحو العشرين ومن اساتذة الجامعة الدكتور حسن اسحاق ودكتور الكيميآء المصري وزوجته واستاذة انجليزية بالجامعة ومن المشتركين الأستاذ فخر الدين محمد السفير المتميز وكان وقتها رئيس مكتب النشر بوزارة التربية والتعليم قبل أن يلتحق بالسلك الدبلوماسي ، والأستاذ ابراهيم علي من كبار مسئولي وزارة التربية والتعليم والأستاذ ابراهيم المغربي صاحب ورئيس صحيفة وادي النيل الفصلية والأستاذ عبد العزيز شدو ناظر مدرسة مدني المتوسطة الحكومية وشرف الدين الموظف بوزارة المالية وكنت يومها ضابط ونائب ناظر مدرسة ود نوباوي المتوسطةالحكومية بامدرمان ، ومشاركين آخرين سقطوا من ذاكرتي بطول المدة ، وكان موضوع المعسكر أو الندوة هو ـ أفريقيا والمستقبل ـ وكان العمل منظما"ودقيقا" وتوزعنا الي أربع مجموعات وتبحث كل مجموعة في جانب من الموضوع ، وتقدم كل مجموعة ورقتها وتناقش في اجتماع عام لكل المجموعات ، وكانت فترة العصريات مخصصة للالعاب الرياضية فهناك ملعب للتنس وللكرة الطائرة ،وفترة المسآء مخصصة للترفيه فكان هناك هواة يقدمون أغنيات ونكات ، وكنت من المغنين لأغاني مطربي المفضل حسن عطية وتنتهى الفترة في العاشرة مسآء وبعدها لمن يرغبون في السهر يكون في أماكن السكن في الفندق ، كما كانت تنظم مسابقات في لعبة الورق الكنكان وتقدم جوائز رمزية للفائزين مثل ألبوم للصور ونظمت لنا رحلة الي مدينة سواكن وقضينا فيها يوما" وليلة في الأستراحة المشرفة علي البحر وأكلنا السلات ، وهنا ما يرجعني لسيرة الكدايس فقد شاهدت كدايس ضخمة ترابط علي الساحل حيث المياه الضحلة في الجزر وتنقض علي الأسماك بينما تنقض الطيور المائية الكبيرة عليها من الجو لتأخذ نصيبها من الوليمة السمكية ، فالمعايش جبارة ، فكدايس بورسودان تتكلم وكدايس سواكن تصطاد السمك ! وتكرر هذا المشهد بصورة أخري عندما كنت في عطبرة في اوائل الستينات ناظرا" للمدرسة الوسطي الحكومية ويقع منزلي الحكومى قريبا" من النهر فشاهدت الكدايس تعيش بجانبه وتصطاد الأسماك الصغيرة التي تكثر في الميآه الضحلة قرب الشاطئ وتعتمد في غذائهاعلي السمك ، ونأتي مرة أخري الي كدايس بورسودان ، ففي بداية عملي ببورسودان في مدرستها الحكومية المتوسطة وكنت لم أعرف فيها أحدا" بعد كنت اتناول طعامي في أحد المطاعم الأنيقة في شارع الشاطئ والذي تمتد فيه البارات من بدايته الي نهايته وفي مقدمة كل بار مساطب مرتفعة عليها طاولات للشراب وفي داخلها طاولات للأكل تمتد الي آخر المحل ، ودلفت الي احداها وطلبت من الجرسون سمكا" وطلبات أخري ، وما أن شرعت في الأكل خرج من تحت الطاولة كديس ضخم وقفز فوقها وخطف قطعة من السمك ونزل بسرعة فائقة ، وفعلا" انزعجت وشغل بالي ما يقال عن كدايس بورسودان فأمسكت بشوكة وسكين الأكل تحسبا" للدفاع ضد هذا الكديس الوحش وواصلت الأكل وفجأة باغتني نفس الكديس الوحش وخطف قطعة وقفز جاريا" ، ثم فعلها مرة ثالثة ، وتعوذت من الشيطان الرجيم وصفقت بشدة للجرسون وجاء مهرولا" وقلت له أن يخلصني من كديسهم المفترس ، وضحك الرجل وقال لي : يا أستاذ ده كديس المحل ومسكين ساكت وما منه عوجة ، ورديت عليه : ده مسكين ساكت والعوجة كيف يعني بعد ده ياكلني ذاتي ؟ وأظن أن الكدايس تتمتع بشيئ من الذكآء ، فعندي كديس احتفظ به داخل الشقة خوفا" عليه من اخطار الطريق ، ولكن اتركه بالخارج لفترة ثم أدخله ، واعتاد علي ذلك فأنه عندما يريد الخروج يقف أمامي ويحدث صوتا" كالتوسل وينظر الي باب الشقة المغلق ،فافتح له الباب ويخرج وعندما يود العودة يرجع من تلقآء نفسه ويدخل لأني أترك الباب مواربا" ... هلال زاهر الساداتي 21\نوفمبر \2016
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة