كان الميدان الفسيح أمام دار الناظر يشهد تجمعاً لرموز القبيلة استعدادًا لإكرام وفد الوالي الزائر..يهبط الحاج عطا المنان من جوف المروحية ومن ورائه جنرالات الحرب والسلام..تلك المنطقة شهدت قبل يوم حادث اعتداء أدى لمقتل عدد من شباب قبيلة أخرى..الحاج يمنع رجاله من تناول طعام الإفطار الشهي ..عند مدخل المروحية يهمس الوالي بصوت مسموع في إذن الناظر أن أمامه يومين لا ثالث لهما.. إما أن يسلمه من ارتكب الجرم الفادح أو استقالته من النظارة..بعد يوم واحد كان الناظر يحشر المجرمين مقيدين في الأصفاد ويرحلهم مسافة أربعة عشر ساعة إلى حاضرة الولاية بنيالا. في تلك الأيام كانت هيبة الدولة حاضرة في دارفور قبل أن تنسفها رياح الحرب الأهلية التي جعلت الناس (كويمات)..ربما هذه اللغة القوية لن تكون مناسبة في دارفور هذه الأيام..صحيفة الانتباهة نشرت البارحة عن حشود أمام مقر الشيخ موسى هلال زعيم قبيلة المحاميد..أنباء أخرى تحدثت عن اعتقال مناصرين لذات الشيخ الذي يصعب التنبؤ بتصرفاته في الحدود مع ليبيبا. كل التطورات الجديدة تزامنت بأسوأ دعاية حكومية تعلن عن وجود ستين ألف سيارة مهربة من دول الجوار..مع التلويح باستخدام العنف مع كل من يكتنز سلاحاً بصورة غير قانونية..كل ذلك يعني أن دارفور لم تغادر محطة العنف والفوضى رغم الهدوء الحذر في كل جبهات القتال..لكن ذات الحكومة كانت قبل أشهر تقنن شرعية السيارات المهربة ووقتها كنا قد حذرنا من عدم أخلاقية هذه العملية والتي ستجعل بلدنا محطة جاذبة لنشاط تهريب السيارات أو بلغة واضحة السرقة العابرة للحدود. أمس الأول هددت حكومة النيل الأبيض بإعادة ستة وأربعين ألف لاجيء جنوبي إلى معسكرات اللجوء بعد أن تسربوا للمدن الكبيرة..قبلها بأشهر كان الرئيس البشير يعلن معاملة الجنوبيين أسوة بالمواطنين السودانيين ..ذاك الامتياز الرئاسي يعني تمتعهم بحرية التنقل والعمل والإقامة ..بالطبع من حق الدولة أن تغير رأيها في أي وقت..لكن دائماً علينا تدبر آليات أي قرار جديد..ثم بعد ذلك النظر إلى الساعة الدولية لنرى إن كان الوقت مناسباً لمثل هذه المعارك. في تقديري أن الحكومة تحاول تحقيق أهداف جيدة في الوقت غير المناسب..على كل الحكومة أن تكون على قلب رجل واحد في معركة رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية من على كاهل السودانيين..لاحت في الأفق كثير من بشائر الأمل ..لكن كل تلك البشائر قد تتحول إلى مجرد سراب تحسبه الحكومة ماءً إن لم تحسن ضبط النفس في هذه اللحظات العصيبة. بصراحة..هيبة الدولة مطلوبة ولكن يجب مراعاة التوقيت..من الممكن أن نجمع السلاح عبر آليات بسط العدل الذي يجعل للسلاح قيمة صفرية..ومن الممكن رفع التوعية بمخاطر انتشار السلاح..بل بالإمكان استخدام أسلحة ناعمة لجمع الأسلحة الثقيلة مثل شراء السلاح من الأفراد بأسعار مجزية..لكن البلد لا تحتمل أي فرقعة تجعل العالم يصرخ انظروا إلى السودان.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة