الخرطوم تعاني فعلا مما يجري في الحياة اليومية او في موسم الخريف وما يحدث ، وكل محافظ او والي يقسم انه العام القادم سيقوم بحل مشكلة تصريف مياه الامطار ، لكن ما أن يكون منشغلا بموضوع آخر او يكون قد غادر المنصب غير مؤسف عليه.
الجميع يعانون من مشكلة السكن في السودان ، الموظف يقضي عمره كاملا حتى تتوفاه المنية وهو يخطط لبناء منزل ، عصري صحي متكامل يسعه هو اسرته ، ولايريد عمارة حتى يتكسب منها ، أو فيلا فاخرة يعيش فيها حياة الملوك و الوجهاء. لأنه يصطدم بمليون مشكلة من أمامه ومن خلفه ، اولها قطعة الارض التي يضطر للتقدم لها منذ نعومة اظافره حتى يستحق بعد مرور وقت طويل ، وبعد أن ينال هذا الشرف ، بلاشك يكون عنده مجموعة كبيرة من الابناء في المدارس ،وهؤلاء يمثلون جزء كبير من الصرف على الميزانية ، مما يجعله عاجزا على تشييد المنزل، وغير ذلك هناك المعضلات من اسمنت غير متوفر ، وحديد ما ادرى ماذا حدث له وحتى الطوب يصبح مشكلة .
واذا تمكن من بناء منزل احلامه في اطراف المدن والقرى ، بلاشك سيتواجه بمشكلة المياه والكهرباء والطرق والمدارس، ويدخل في مسلسل أن اقرب مدرسة تبعد من المنزل عشرين كيلو ، والمياه يضطر للبحث على صاحب برميل حتى يقوم بتزويده بالمياه. بالإضافة إلى أن موضوع المجاري سيكلفه تقريبا نصف تكلفة المنزل وأكثر .
بالإضافة إلى ذلك اتذكر في مطلع التسعينات تم تعيين شرف الدين بانقا وزيرا للاسكان في ولاية الخرطوم .إن لم تخني الذاكرة ، وقد قام بأعمال غريبة تقشعر لها الابدان ، حيث اعتدي على الميادين والساحات وسط الاحياء، وقام بتمليك هذه الاراضي للجماعة دون وجه حق ، وكيف يقوم شخص يقول انه متخصص في الاسكان بمثل هذا العمل الذي لاوصف له غير الغباء ، مهما كان الداعي ومهما كانت الاسباب. واكثر شيء استغرب له إن هذا الشخص اصبح خبيرا في الامم المتحدة ، كيف يكون خبيرا في الامم المتحدة ويتصرف هكذا.
وهناك سؤال آخر يؤرقني منذ أن وصلنا الخرطوم للدراسة بجامعة ام درمان الاسلامية منذ منتصف السبعينات ، والسؤال هو لماذا العاصمة وكافة المدن السودانية لا يوجد بها ترقيم للمنازل والطرق والاحياء ، لأن كافة مدن العالم وحتى القرى بوجد بها ترقيم وتخطيط ، والبلدية تعرف كم عدد المنازل الموجودة في الطريق أو الحي ، وكم عدد السكان ، وماهي احتياجاتهم للسنوات القادم من طاقة كهربائية أو مياه أو مدارس أو مستشفيات أو اطباء أو ممرضات. نحن في هذا الصدد والله قمة التخلف ، لأن الاحصاءات هي اساس التخطيط السليم ، لآنه بدون معرفة الناس واماكن تواجدهم كيف نوفر لهم خدمات مناسبة . حتى صاحب سيارة الأجرة يستطيع توصيل أي راكب إلى المكان الذي يقصده دون معاناة وسؤال صاحب الدكان والمكوجي والمارة عن المكان المقصود.
فيما يختص بالعمران الدولة السودانية متخلفة وتستحق صفر على عشرة لأنها لم تستطع مواكبة العصر، ولم تقم بواجبها كما ينبغي فيما يختص بحل مشاكل الاسكان ولم تقدم حلول عصرية في تخطيط المدن والقرى ، في افقر دول العالم المساكن افضل منا .
شركة نوكيا للهواتف النقالة قبل فترة قامت بفصل 11 الف موظف من قسم الابحاث والتطوير بحجة أنهم لم يتمكنوا من التنبؤ بالمستقبل بالصورة المطلوبة ، وعندما حكيت ذلك لأحد الاصدقاء ، قال لي لو حدث هذا في السودان لوصفوهم بالجنون . بالمناسبة لم نسمع في يوم من الايام في السودان أنه قد تمت اقالة مسؤول في الدولة بحجة أنه لم يتنبأ بالمستقبل ، وهو نفسه يقول لك انه ليس ساحرا ، ونحن نريد سحرة حتى ننقذ بلدنها من هذه الكبوة. بدلا من وجود وزراء محنطين في وزارات لسنوات عدة بدون فائدة ، ويتحججون بالميزانية وعدم وجود تمويل ، لأن كل الاشياء لاتحتاج إلى أموال بل تحتاج إلى امانة واخلاص وحسن تصرف.
الاخوة الاعزاء هذا الموضوع طويل ومتشعب ويحتاج إلى حلقات طويلة حتى (لايشيلنا التمساح مثل صاحبنا شليل ، الذي نسمع به منذ نعومة اظافرنا ولم نعرف هل فعلا شاله التمساح ولا اكلو الدودو) ، نتمنى أن نواصل المزيد من المناقشة في هذا الموضوع الحيوي الهام .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة